تبيان الصلاة، المچلد 3

اشارة

نام كتاب: تبيان الصلاة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: بروجردى، آقا حسين طباطبايى

تاريخ وفات مؤلف: 1380 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 8

ناشر: گنج عرفان للطباعة و النشر

تاريخ نشر: 1426 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك:- 51- 93362- 964

مقرر: گلپايگانى، على صافى

تاريخ وفات مقرر: 1430 ه ق

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 4

اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه السّاعة و في كلّ ساعة وليّا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتّى تسكنه ارضك طوعا و تمتّعه فيها طويلا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 5

كتاب الصّلاة و فيه مقاصد

المقصد الاوّل: في المقدمات

اشارة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 7

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و الصّلاة و السلام على محمّد و آله أجمعين و لا سيما على بقية اللّه فى الارضين و اللعنة الدائمة على اعدائهم من الآن الى قيام يوم الدين

كتاب الصّلاة و فيه مقاصد المقصد الاول: في المقدمات و هي ست:

المقدمة الاولى: فى اعداد الفرائض و النوافل

[الكلام في عدد الفرائض]

يظهر للمراجع في كتب الفقهيّة اختلاف في عدد الفرائض و نوافلها حيث عدّ بعضهم عدد الفرائض ستة و بعضهم سبعة و بعضهم تسعة لكن ما أطبق عليه النص و الفتوى بل لا خلاف فيه بين العامة و الخاصة كون عدد فرائض اليوميّة سبع عشرة ركعة.

للظهر أربع ركعات و للعصر أربع ركعات و للمغرب ثلاث ركعات و للعشاء أربع ركعات و للصبح ركعتان.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 8

[الكلام في النوافل]
اشارة

و كذا لا خلاف في كون نافلة الصبح ركعتين قبل اداء فريضة الصبح و لا خلاف أيضا في كون نافلة الليل احدى عشر ركعة و ان وقع الخلاف في الوصل بين ركعتى الشفع و ركعة الوتر حيث ذهب العامة الى الوصل حتّى قال ابو حنيفة بوجوب الوصل و الامامية بعدم الوصل.

و امّا سائر النوافل فقد وقع الخلاف فيه بين المسلمين و المشهور بين الشيعة أنّ عددها أربع و ثلاثون ركعة ثمان ركعات قبل الظهر و ثمان ركعات قبل العصر و أربع ركعات بعد المغرب و ركعتان عن جلوس بعد العشاء و ركعتان للفجر و يصير مجموع عدد فرائض اليوميّة و نوافل الليليّة و النّهاريّة احدى و خمسون ركعة.

و دليلهم في ذلك الروايات:

[في ذكر الطائفتين من الاخبار]

منها ما رواه فضل بن يسار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال الفريضة و النافلة احدى و خمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة تعدّان بركعة و هو قائم الفريضة سبع عشرة و النافلة أربع و ثلاثون ركعة). «1»

و منها ما رواه أحمد بن ابي نصر عن الرّضا عليه السّلام (قال قلت لابي الحسن أن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع بعضهم يصلّى أربعا و أربعين و بعضهم يصلّى خمسين فأخبرنى بالذي تعمل به أنت كيف هو حتّى أعمل بمثله فقال: أصلّي واحدة و خمسين ركعة ثمّ أمسك و عقد بيده الزوال ثمانية و أربعا بعد الظهر و أربعا قبل العصر و ركعتين بعد المغرب و ركعتين قبل العشاء الآخرة و ركعتين بعد العشاء عن قعود تعدّ ان بركعة من قيام و ثمان صلاة الليل و الوتر ثلاثا و ركعتى الفجر و الفرائض سبع

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 13 من ابواب اعداد الفرائض

و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 9

عشرة فذلك احدى و خمسون). «1»

و منها ما رواه اسماعيل بن سعد الأحوص (قال: قلت للرّضا عليه السّلام كم من ركعة قال أحدى و خمسون ركعة). «2»

و منها ما رواه فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون (قال:

و الصلاة الفريضة: الظهر أربع ركعات و العصر أربع ركعات و المغرب ثلاث ركعات و العشاء الآخرة أربع ركعات و الغداة ركعتان هذه سبع عشرة ركعة و السنة أربع و ثلاثون ركعة ثمان ركعات قبل فريضة الظهر و ثمان ركعات قبل فريضة العصر و أربع ركعات بعد المغرب و ركعتان من جلوس بعد العتمة تعدّ ان بركعة و ثمان ركعات في السّحر و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلم بعد الركعتين و ركعتا الفجر) «3».

و في قبال هذه الأخبار بعض الأخبار الاخر الدال على خلافها:

منها ما دلّ على كون النوافل أربعا و أربعين و هما روايتا زرارة عن ابي جعفر و عن ابي عبد اللّه عليهما السّلام (حيث قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام انّى رجل تاجر أختلف و أتّجر فكيف لى بالزوال و المحافظة على صلاة الزوال و كم نصلّى قال تصلّى ثمانى ركعات إذا زالت الشّمس و ركعتين بعد الظهر و ركعتين قبل العصر فهذه اثنا عشرة ركعة و تصلى بعد المغرب ركعتين و بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 13 من ابواب الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(2)- الرواية 11 من الباب 13 من ابواب الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 13 من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص:

10

و منها ركعتا الفجر و ذلك سبع و عشرون ركعة سوى الفريضة). «1»

(حيث قال قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام ما جرت به السنه في الصّلاة فقال ثمان ركعات الزّوال و ركعتان بعد الظهر و ركعتان قبل العصر و ركعتان بعد المغرب و ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر و ركعتا الفجر). «2»

و ما دلّ على كون النوافل ستا و أربعين ركعة و هو رواية ابي بصير (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التطوع بالليل و النهار فقال الّذي يستحبّ ان لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشّمس و بعد الظّهر ركعتان و قبل العصر ركعتان و بعد المغرب ركعتان و قبل العتمة و من (في) السّحر ثمان ركعات و الوتر ثلاث ركعات مفصوله ركعتان قبل صلاة الفجر و أحبّ صلاة الليل آخر الليل). «3»

[في طريق الجمع بين الاخبار]

و يمكن الجمع بينها بحملها على مراتب الفضل بأنّ فعل أربع ركعات لنافلة العصر مجز و يثاب عليه و لكن فعل ثمان ركعات أفضل و لكن لا يمكن ذلك في نافلة العشاء لعدم ذكر نوع آخر لانّ الأخبار.

أو يقال بان بعد كون صدور رواية البزنطى في زمن الرضا عليه السّلام.

في جواب السائل عن كون الأصحاب يختلفون في صلاة التطوع و مقصوده السؤال عن فعل الإمام عليه السّلام لرفع الاختلاف و جوابه بانى أصلي واحدة و خمسين ركعة يرفع التعارض بينها بذكر فعله النافلة كذلك فلا مورد لروايات الّتي زمن صدورها قبل زمانه عليه السّلام.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 14

من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 11

ثمّ إنّه يقع التعارض بين الأخبار المتقدّمة و خبر رواه الحميري في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام (إنّه كان يقول إذا زالت الشّمس عن كبد السّماء فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الاوّابين و ذلك بعد نصف النّهار). «1»

فهذه الرواية مع كونها محمولة على التقية لموافقتها لمذهب أبى حنيفة كما أنّ فقه الزيديّة موافق لفقه الحنفية ضعيفة السند بحسين بن علوان لكونه من الزيديّة فلا يمكن الاعتماد عليها.

ثمّ إنّه كما عرفت ان المستفاد من الروايات كون نافلة العشاء ركعتان بعد العشاء عن جلوس تعدّ ان ركعة من قيام.

و هذه عند الامامية كذلك لهذه الروايات و ليس عند العامّة كذلك بل قال بعضهم بعدم تشريعها و قال بعضهم بانّها ركعتان عن قيام و قال أبو حنيفة بكونها ثمان ركعات أربع منها قبل فعل العشاء و أربع بعد فعلها.

يقع الكلام في أمور:
الأمر أوّل [نافلة كل فريضة عمل مستقل:]
اشارة

أن المستفاد من أخبار الباب كون نافلة كل فريضة عملا مستقلا و لا ربط لها بنافلة فريضة اخرى بمعنى إنّه يجوز فعل نافلة فريضة و ترك نافلة فريضة اخرى.

و كذا يستفاد منها ان النافلة إذا كانت أزيد من صلاة واحدة مثل نافلة الظهر

______________________________

(1)- الرواية 4 الباب 28 من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 12

و المغرب و العشاء كلّها عمل واحد و معنون بعنوان نافلة الظهر أو العصر أو المغرب و ان كان بعد كل ركعتين تسليم لكن الأمر المستحبى متعلق بكلّها و لا يترتب الاثر المطلوب ألّا بفعل ثمان ركعات كما في نافلة

الظهر و العصر أو أربع ركعات كما في نافلة المغرب

[في ذكر كلام صاحب الجواهر]

خلافا لصاحب الجواهر حيث قال بجواز اتيان بعضها في كل النوافل و أقام عليه أربعة وجوه:

الوجه الأوّل: الاصل

الوجه الثاني: تحقق الفصل المقتضى للتعدد

الوجه الثالث: عدم وجوب إكمال النافلة بالشروع فيها

الوجه الرابع: ان النوافل شرّعت لتكميل الفرائض فيكون لكل بعض قسط منه فيصح الإتيان به وحده.

و كل الوجوه قابلة للاشكال أمّا الاصل فلا اصل يتصوّر في المسألة الا استصحاب عدم الاشتراط الموجود قبل التشريع و الاستصحاب و ان كان عرش الاصول لكنّه فرش الأدلّة و مع وجود الأخبار في المسألة الدالة بظاهرها على كون نافلة كل صلاة مركبّة مأمور بها فلا مجال لجريان الأصل مع انّه ليس للمستصحب حالة سابقة معلومه و استصحاب العدم الازلى بناء على جريانه لا يحرز بها كون الموضوع المتعلّق به الطلب هو لا بشرط بقية النوافل.

مضافا الى ان المستفاد من الأدلّة هو الارتباط بين اجزاء نوافل كل فريضة و الارتباط مغاير مع الاشتراط لانّ مع الارتباط كون متعلق الأمر الاستحبابي تمام الأجزاء لكن مع كون الأمر واحدا له أبعاض متعددة حسب تعدد أبعاض متعلقه و هذا ليس معنى اشتراط الأجزاء بعضها ببعض.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 13

و امّا تحقق الفصل فلا يوجب التعدد بما هو نافلة و بما هو معنون بعنوان النافلة و إن كان كل صلاة بالتسليم غير صلاة اخرى و لكن الآمر متعلق بعنوان النافلة لا بعنوان الصّلاة.

و امّا عدم وجوب الاكمال بالشروع و جواز فعل بعضها لا يدلّ على صدق عنوان المأمور به على ذلك البعض و هو عنوان النافلة و كون الناقص مصداقا لعنوان المأمور به.

و امّا كون تشريع النوافل لتكميل الفرائض لا

يوجب كون كل جزء له قسط من الدخالة في التكميل مستقلا بل عنوان النافلة شرّعت لتكميل الفرائض و صدق العنوان متوقف على فعل تمام اجزائها.

[في ذكر كلام المحقّق الهمداني رحمه اللّه]

قال المحقق الهمدانى قدّس سرّه في مصباح الفقيه «1» إنّه لا ينبغى الاستشكال في جواز الاقتصار فى نافلة المغرب على ركعتين و في نافلة العصر على أربع ركعات لدلالة بعض الأخبار المتقدمة عليه «2» بل الظاهر جواز الاتيان بركعتين من نافلة العصر فى غير واحد من الأخبار الآمرة بأربع ركعات بين الظهرين من التفصيل بالأمر بركعتين بعد الظهر و ركعتين قبل العصر فان ظاهرها بشهادة السياق ان كل واحد من العناوين المذكورة في تلك الروايات نافلة مستقلّة و للمكلف الإتيان بكل منها بقصد امتثال الأمر المتعلّق بذلك العنوان من غير التفات الى ما عداها من التكاليف.

و بهذا ظهر انّه يجوز الإتيان بست ركعات أيضا من نافلة العصر لقوله عليه السّلام في

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 34، ج 9.

(2)- الرواية 1 و 2 و 3 من الباب 14 من ابواب أعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 14

موثقة سليمان بن خالد صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشّمس (قبل الظهر) و ستّ ركعات بعد الظهر و ركعتان قبل العصر. «1»

فان ظاهرها كون ست ركعات في حدّ ذاتها نافلة مستقلة و في خبر عيسى بن عبد اللّه القمى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام إذا كانت من هاهنا من العصر فصلّ ستّ ركعات. «2»

و يظهر من بعض الأخبار جواز الاقتصار في نافلة الزوال أيضا على أربع ركعات كخبر الحسين بن علوان المروى عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام (أنّه كان يقول إذا زالت الشّمس عن كبد

السماء فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوّابين و ذلك بعد نصف النهار). «3»

ثمّ قال و هل يجوز التخطّى عمّا يستفاد من النصوص بالإتيان بركعتين من نافلة الزوال أو ست ركعات أو ركعتين من نافلة الليل أو أربعا أو ستا عازما من أول الأمر وجهان، ثمّ نقل كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه و ردّه (ثمّ قال فالأظهر عدم الفرق بين النوافل و جواز الاقتصار على البعض في الجميع و ان كان الأحوط في غير الموارد الّتي استفدنا جوازها بالخصوص من النصوص المعتبرة عدم قصد الخصوصيّة الموظّفة ألا على سبيل الاحتياط الى آخر كلامه). «4»

و يردّ عليه بأنّا قلنا بأنّ هذه الروايات الدالّة على كون نافلة المغرب ركعتين

______________________________

(1)- الرواية 16 من الباب 13 من ابواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من باب 14 من ابواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من باب 28 من ابواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(4)- مصباح الفقيه، ج 9، ص 40.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 15

أو كون نافلة العصر أربعا أو ركعتين، أو نافلة الزوال أربعا، تكون مورد الأعراض عند العلماء بعد كلام الرّضا عليه السّلام في رواية محمد بن ابي نصر السائل عن اختلاف الأصحاب في عدد التطوّع، و استخباره عن عمل الّذي يعمله المعصوم عليه السّلام و قوله عليه السّلام أنا أصلّي واحدة و خمسين، و كيفية فعل النوافل و ذكر عدد كل نوافل النّهاريّة و الليلية.

و لو فرض العمل بهذه الأخبار لا بدّ من العمل بها في مواردها و لا يجوز التعدّى الى غيرها، لأنّا قلنا بضعف سند رواية حسين بن علوان المروى في قرب الاسناد الدالّة على كون نافلة الظهر أربع ركعات،

لأنّه من الزيدية، مع أنّها محمولة على التقيّة لموافقتها لمذهب أبى حنيفة، و مع ذلك لا يمكن استفادة ذلك الحكم من أخبار نافلة العصر، لانّ التفريق بين النوافل في مقام العمل لا ينافى كون المطلوب و المأمور به تمام ثمان ركعات، لأنّه كان من سيرتهم التفريق بين فريضة الظهر و العصر و الاتيان بفعل صلاة الظهر في وقت فضيلتها، و كذا صلاة العصر في وقت فضيلتها، و لذا قد يأتون بنافلة العصر بعضها بعد صلاة الظّهر، و بعضها قبل صلاة العصر، فلا منافاة بين جواز التفريق و فعل النافلة في وقتين، و كون مجموعها مطلوبا واحدا من حيث المجموع و لها أمر واحد استحبابى، فعلى هذا لا منافاة بين الأخبار المعمول بها و الأخبار الّتي دلت على التفريق في الفعل الدالّة على كون نافلة العصر ثمان ركعات مثل رواية سليمان بن خالد «1» المتقدّمة الدالّة على فعل ست ركعات بعد الظهر و ركعتين قبل فريضة العصر، و رواية رجاء بن أبي الضحّاك الدالة على ان الرّضا عليه السّلام

______________________________

(1)- الرواية 16 من الباب 13 من ابواب أعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 16

صلّى ستا من نافلة الظهر ثمّ أذّن ثمّ صلّى ركعتين و كذا نافلة الظهر. «1»

الأمر الثاني: في صلاة الغفيلة
اشارة

و تنقيح المقال فيها يتوقف على ذكر الأخبار الواردة فيها و تحقيق ما تقضيه قواعد الجمع بينها فلهذا نذكر الاخبار أوّلا:

منها ما روى الشّيخ عن هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ( «من صلّى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الاولى الحمد و ذا النون إذ ذهب مغاضبا- إلى قوله:- و كذلك ننجى المؤمنين» و في الثانية الحمد و قوله «و عنده مفاتح

الغيب» الآية فإذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال اللّهم أنّي أسألك بمفاتح الغيب الّتي لا يعلمها ألّا أنت أن تصلّى على محمد و آل محمّد و أن تفعل بى كذا و كذا و يقول اللّهم أنت ولىّ نعمتي و القادر على طلبتى و تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد و آله لما قضيتها لي و سأل اللّه حاجته أعطاه اللّه ما سأل). «2»

و منها ما رواه السيّد الزاهد رضى الدّين ابن طاوس رضى اللّه عنه في كتاب فلاح السائل باسناده عن هشام بن سالم نحوه و زاد، (فان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لا تتركوا ركعتى الغفيلة و هما ما بين العشاءين). «3»

و منها ما رواه الصّدوق مرسلا قال (قال رسول اللّه و في كتاب العلل مسندا في الموثق عن سماعة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تنفّلوا

______________________________

(1)- الرواية 24 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 20 من ابواب بقية الصّلاة المندوبة.

(3)- فلاح السائل ص 248 مستدرك الوسائل ج 6 ص 303 ابواب بقية الصلات المندوبة الباب 15، حديث 3.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 17

في ساعة الغافلة و لو بركعتين خفيفتين فانّهما تورثان دار الكرامة «1» قال و في خبر آخر دار السّلام و هى الجنّة و ساعة الغافلة ما بين المغرب و العشاء). «2»

منها ما رواه الشّيخ في المصباح عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (انّه قال أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الاولى الحمد و إذا زلزلت الأرض ثلاث عشرة مرّة و في

الثانية الحمد مرّة و قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرّة فان فعل ذلك في كلّ شهر كان من المؤمنين فان فعل ذلك في كل سنة كان من المحسنين فان فعل ذلك في كلّ جمعة مرّة كان من المخلصين فان فعل ذلك كل ليلة زاحمنى في الجنّة و لم يحص ثوابه الا اللّه تعالى). «3»

و منها ما رواه الصّدوق في الفقيه عن الباقر عليه السّلام (أنّ إبليس يبثّ جنوده جنود جنود الليل من حين تغيب الشّمس الى مغيب الشفق و يبثّ جنود النّهار من حين يطلع الفجر الى طلوع الشّمس و ذكر ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول أكثروا ذكر اللّه عزّ و جلّ في هاتين الساعتين و تعوّذوا باللّه عزّ و جلّ من شرّ ابليس و جنوده و عوّذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنّهما ساعتا غفلة). «4»

و بعد ذكر الأخبار لا بدّ من البحث في جهتين:

الجهة الأولى [هل التنفل متحد مع صلاة الغفيلة]

: هل التنفّل المأمور به في ساعة الغافلة المستفاد من رواية الّتي رواها الصّدوق مرسلا و مسندا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله متحد مع صلاة الغفيلة الّتي يستفاد

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 20 من ابواب بقية الصلوات المندوبة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 20 من ابواب بقية الصلوات المندوبة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 17 من ابواب بقية الصلوات المندوبة من الوسائل.

(4) مصباح الفقيه، ج 1، ص 318.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 18

استحباها من رواية هشام بن سالم و كذا مع صلاة الوصية الّتي يستفاد استحباها من رواية الّتي رواها الشّيخ في المصباح عن الصّادق عليه السّلام أو لا.

الجهة الثانية:
اشارة

هل تكون صلاة الغفيلة و الوصية متّحدتين مع نافلة المغرب بحيث لو صلهما المصلّى يكون فعلهما بمنزلة نافلة المغرب و يكون مسقطا عنها أو لا.

أما الكلام في الجهة الاولى فلا ريب في كون الإتيان بصلاة الغفيلة و الوصيّة امتثالا أمره صلّى اللّه عليه و آله بقوله (تنفّلوا في ساعة الغافلة) لانّه لا يستفاد من هذا الأمر ألّا مطلوبيّة ايجاد طبيعة التنفّل في ساعة الغافلة و هي ما بين المغرب و العشاء فالأمر فيها أمر بطبيعة التنفل و هى تحصل في ضمن أىّ فرد فما يصدق عليه النافلة يكون محصّلا للغرض و مسقطا للأمر و ان كان بحسب المفهوم يغاير عنوان المأخوذ في هذه الروايات مع العنوان المأخوذ في تلك الروايات لكن في مقام الامتثال يتداخل كلا العنوانين فباعتبار مقام الأمر و الطلب متغايران لكن بحسب مقام الامتثال يتداخلان و يتصادقان على أمر واحد لانّ المقصود اشتغال هذا الزمان بذكر اللّه تعالى و ترك الكلام بما لا يعينه و عدم اجتماع الناس

على ذكر الغيبة و الكذب و الأمور الباطلة و لذا أمرهم بالتنفل و الذكر و هو كما يحصل بأربع ركعات يقرأ فيها الحمد و سوره قصيرة كذلك يحصل بصلاة الغفيلة و الوصية لكن لا بدّ من قصدهما فلو قصد الغفيلة و الوصية حصل كلا العنوانين و التنفّل لأنّهما من الأمور القصدية و لو لم يقصدهما يتحقّق الامتثال بالنسبة الى الأمر المتعلّق بالتنفّل فقط.

[في ذكر الوجوه الثلاثة للاحتمالات الثلاثة]
اشارة

أما الكلام في الجهة الثانية فالمحتمل فيه على سبيل منع الخلو ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: كون المراد من نافلة المغرب هو صلاة الغفيلة و صلاة الوصية و كونهما متّحدين مع نافلة المغرب ذاتا و عنوانا فهما مصداقان لها قهرا و ذكرهما في

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 19

روايتى المصباح من باب كونهما بيانا لكيفية فعل نافلة المغرب.

الوجه الثاني: كونهما متغايرين مع نافلة المغرب عنوانا و ذاتا فلا يصدق عنوان نافلة المغرب عليهما عكس الوجه الأول.

الوجه الثالث: امكان تصادقهما مع النافلة بحسب الخارج في مقام الامتثال و ان كان بينهما و بين النافلة تغايرا بحسب المفهوم و الذات.

فما يمكن ان يقال في بيان وجه الأوّل هو أنّه حيث كان المسلمون بنائهم على أداء نافلة المغرب بين صلاة المغرب و العشاء فقول الصادق عليه في روايتى المصباح يكون بيانا لكيفية أداء النافلة و كون الأثر المطلوب يترب على النافلة إذا فعلها المصلّى بهذه الكيفية المعهودة بحيث لو صلّى بأربع ركعات بغير هذه الكيفية لا يشرع له فعل صلاة الغفيلة و الوصية لعدم تعلق أمر بهما مستقلا بعنوان خصوص الغفيلة و الوصية بل الأمر بهما بعنوان نافلة المغرب.

و ما يمكن ان يكون وجها لاحتمال الثاني هو انّه بعد استقرار سيرة المسلمين على فعل نافلة المغرب بين

الصلاتين بأربع ركعات فقول الصادق عليه السّلام في رواية المصباح باستحباب أربع ركعات بين العشاءين لا يفهم العرف بكون ذلك بيانا لنافلة المغرب.

بل يفهمون باستحباب أربع ركعات اخر بعنوان الغفيلة و الوصيّة بحيث لو صلّهما المصلّى لا يأت بنافلة المغرب و لو صلّهما منضمتين الى نافلة المغرب فقد أنى بنافلة المغرب و الغفيلة و الوصيّة.

و ما يمكن ذكره وجها لاحتمال الثالث هو ان نافلة المغرب بعنوانها تعلّق بها أمر استحبابى مستقل غير مشروطة بكيفية مخصوصة و لا بشرط بها و صلاة الغفيلة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 20

و الوصيّة أيضا تعلّق بكلّ واحد منهما أمر مستحب مستقل بكيفية مستقلة غير مشروطتين بكونهما قبل نافلة المغرب أو بعدها فلا اشكال حينئذ بإتيان صلاة الغفيلة و الوصية بعنوان نافلة المغرب أيضا و يتحقّق الامتثال بالنسبة الى أمر النافلة و الغفيلة و الوصية لكن بالنسبة إلى أمر صلاة الغفيلة و الوصيّة يكون أمرهما استقلاليا و بالنسبة الى أمر النافلة حيث تكون مركبّة مأمور بها يكون أمر كلّ منهما ضمنيّا حيث تعلّق أمر واحد بنافلة المغرب المركّبة من صلاتين مرتبطتين و كل صلاة متعلق بالأمر الضمنى.

فعلى هذا بناء على الوجه الأوّل ليس في البين ألّا أمر واحد مستحب و على الوجه الثاني يكون أمر ان مستحبين متباينين لا يمكن تداخلهما و على الوجه الثالث كذلك أمران مستحبان يمكن تداخلهما.

[الكلام في صلاة الغفيلة و الوصية]

نعم في مثل صلاة الغفيلة و الوصية اشكال من حيث كونهما من العناوين القصديّة الّتي لا يكفى الإتيان بهما من دون قصدهما أو لا تكون كذلك مثلا لو صلّى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 22

أربع ركعات بكيفية صلاة الغفيلة و صلاة الوصيّة و قصد بها نافلة المغرب هل تداخل العناوين

و تقع مصداقا لتمامها أو لا تقع مصداقا الّا لما قصد فيه وجهان و احتمالان.

الأمر الثالث: في وجوب الجلوس في صلاة الوتيرة و عدمه.
اشارة

وجه وجوب الجلوس فيها هو إجماع الفقهاء على ثبوت الجلوس في هذه الصلاة المسماة بالوتيرة إلى زمان الشهيد الأوّل (قدّس) بل المذكور في كتبهم ان نافلة العشاء ركعتان من جلوس تعدّ ان بركعة من قيام مع كون بنائهم ذكر الفتوى بعين الفاظ أخبار الصادرة من المعصومين عليهم السّلام كما ترى هذا التعبير في رواية ابي نصر البزنطي «1» (و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام) و في رواية فضيل ابن يسار (الفريضة و النافلة احدى و خمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّ بركعة مكان الوتر). «2»

و كذا في رواية اعمش عن جعفر بن محمد عليهما السّلام (و ركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدّان بركعة). «3»

و رواية ابي عبد اللّه القزوينى (قال قلت لابي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام لأىّ علّة تصلّى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود فقال لأنّ اللّه فرض سبع عشرة ركعة فاضاف إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مثليها فصارت أحدى و خمسين ركعة فتعدّ

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(3)- الرواية 25 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 23

انّ هاتان الركعتان من جلوس بركعة) «1» و غير ذلك من الروايات واردة.

[في ذكر الروايتان الدالتان على جواز القيام]

و في قبال هذه الروايات الدالة على لزوم الجلوس و الاجماع و التسالم الى زمان الشهيد قدّس سرّه روايتان ظاهرتان في جواز القيام بل في كونه افضل من القعود.

الأولى: رواية الحارث بن المغيرة النصرى عن الصّادق عليه السّلام (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول

صلاة النهار ستّ عشرة ركعة ثمان إذا زالت الشّمس و ثمان بعد الظهر و أربع ركعات بعد المغرب يا حارث لا تدعهنّ في سفر و لا حضر و ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصلّيها و هو قاعد و أنا أصلّيهما و أنا قائم و كان رسول اللّه يقول ثلاث عشرة ركعة من الليل). «2»

الثانية: رواية سليمان بن خالد عد ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشّمس قبل الظهر و ستّ ركعات بعد الظهر و ركعتان قبل العصر و أربع ركعات بعد المغرب و ركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيها مائة آية قائما أو قاعدا و القيام أفضل و لا تعدّهما من الخمسين). «3»

لكن بعد ورود الأخبار الكثيرة الدالة على الجلوس و كون ركعتين من هذه الصلاة تعدّ ان بركعة من قيام و قد ذكرها القدماء في كتبهم و أفتوا بمضمونها بل لفظ فتاواهم عين الفاظ الأخبار الصادرة من المعصومين عليهم السّلام و كان بنائهم على الافتاء في هذه الكتب بعين الفاظ الأخبار مثل النهاية و المقنعة و عدم العمل بهذين الروايتين مع أنهما بمرأى منهم يكشف ذلك عن إعراضهم عنهما و عدم العمل بهما من الأصحاب

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 29 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(3)- الرواية 16 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 24

قبل الشهيد الأوّل و لا يمكن الجمع بين الأخبار المتقدمة و هذين الخبرين بالتخير بعد عدم عمل القدماء و المشايخ العظام الذين اطّلعوا على أقوال المعصومين و وصلت الأحكام إليهم يدا بيد.

فلا بدّ من

حملهما على التقية لإن القول بأنّ نافلة العشاء الآخر، يأتي بها جالسا لم يفت به أحد من العامة.

مع ان القول باتيان الركعتين عن قيام ينافي مع الأخبار الكثيرة الدالة على ان مجموع الفرائض و النوافل أحدى و خمسون ركعة و قد ذكرنا تسالم الأصحاب على ذلك أيضا بعد كلام الرضا عليه السّلام في رواية البزنطى (فقال اصلى واحدة و خمسين ركعة). «1»

الأمر الرابع: في سقوط الوتيرة في السفر و عدمه.
اشارة

لا يخفى عليك ان سقوط نافلة الظهرين في السفر و عدم سقوط نافلة المغرب و الصبح من المسلّمات و لا خلاف و لا اشكال فيه.

انما الخلاف في نافلة العشاء اعنى الوتيرة بانّه هل تسقط في السفر كما هو المشهور عندنا أو لا تسقط كما قال بذلك الشّيخ منشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في هذا المقام

[في ذكر الروايات الواردة في الباب]

أمّا ما دلّ على السقوط روايات كثيره:

منها رواية حذيفة بن منصور عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام (أنّهما قالا الصّلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعد هما شي ء). «2»

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 16 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 25

و منها رواية ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال الصّلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعد هما شي ء الا المغرب فأنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر و لا حضر و ليس عليك قضاء صلاة النهار و صلّ صلاة الليل و اقضه). «1»

و منها رواية عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال الصّلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعد هما شي ء ألّا المغرب ثلاث). «2»

و منها رواية ابي يحيى الحنّاط (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال يا نبيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة) «3» و عموم التعليل في الجواب يدلّ على سقوط نافلة العشاء.

أمّا ما دلّ على عدم سقوط الوتيرة فروايتان الاولى ما رواها فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام (في حديث) قال و أنّ ما

صارت العتمة مقصورة و ليس تترك ركعتاها (ركعتيها) لانّ الركعتين ليستا من الخمسين و أنّ ما هي زيادة في الخمسين تطوّعا ليتمّ بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع «4».

فهذه الرواية أخص من الروايات المتقدمة فالقاعدة تخصيصها بها و لكن حيث كان في طريق رواية فضل بن شاذان عبد الواحد بن محمد عبدوس النيسابورى و علي بن محمّد بن قتيبة و لم يثبت توثيقهما لا يمكن التخصيص مع أن في المسألة الاجماع على السقوط.

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 13 من أبواب اعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 16 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 21 من أبواب اعداد الفرائض من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 29 من أبواب اعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 26

الأمر الخامس: الأخبار الواردة في سقوط النوافل في السفر

تشمل لأربع ركعات المزيدة في يوم الجمعة على نافلتها لأنها من النوافل و ان كان محلّها في خصوص يوم الجمعة فما دلّ على سقوط التطوّع في السفر يشملها فلا وجه للترديد في سقوطها بعد اطلاق أخبار السقوط و حملها على خصوص الرواتب لأنّها من الرواتب في يوم الجمعة.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 27

المقدّمة الثانية: فى المواقيت

[في ذكر بعض الآيات الدالّة على الوقت]
اشارة

أعلم إنّه لا ريب في أن الفرائض اليوميّة واجبات موقتة لا يجوز تقديمها على أوقاتها و لا تأخيرها عنها بلا خلاف بل عليه اجماع علماء الإسلام و من ضروريات الدين و الفقه كون الوقت شرطا لها و يدلّ على ذلك الآيات الشريفة:

منها قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً. «1»

و منها قوله تعالى وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً «2».

و المراد من الدلوك هو الزوال و هو ميل الشّمس عن وسط السماء و انتقالها عن دائرة نصف النهار و المراد من الغسق انتصاف الليل و قد بيّن في هذه الآية أوقات الصلوات الخمس الواجبة أربع منها يستفاد من صدرها و واحدة منها من

______________________________

(1)- سورة الاسراء، الآية 78.

(2)- سورة الاسراء، الآية 79.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 28

ذيلها و هي صلاة الصبح لانّ المراد من قوله تعالى و قرآن الفجر هو صلاة الصبح كما دلّ على ذلك خبر زرارة الآتى.

و منها قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ «1».

و المراد من طرفى النّهار أمّا صلاة الصبح و العصر و أمّا صلاة الصبح و المغرب فعلى الأوّل يكون المراد من قوله زلفا المغرب و العشاء و على الثاني يكون المراد

منه خصوص العشاء و لا يكون المراد من قوله زلفا من الليل صلاة الليل المعهودة لانّ الخطاب و ان كان الى النّبي صلّى اللّه عليه و آله لكنّ المراد بعث كلّ النّاس على إتيان الفرائض و الواجبات و صلاة الليل لا تكون واجبة حتى لزم على النّاس أقامتها فلا يشملها الآية الشريفة كما توهّمه بعض.

و منها قوله تعالى فَإِذٰا قَضَيْتُمُ الصَّلٰاةَ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلٰاةَ إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً «2».

بناء على المعروف بين المفسّرين من أنّ الموقوت هو ما جعل اللّه له الوقت لا المفروض و المأمور به الى غير ذلك من الآيات و لا يخفى أنّ أوقات الفرائض موسّعة بمعنى ان متعلق الأمر في الفرائض الأمر الكلى المقيّد وقوعها في وقت وسيع مثلا في الظهرين وجب على المكلف اتيان ثمان ركعات من الزوال الى الغروب أو المغرب و هو مخيّر في إيجاد الكلّى في ضمن أىّ فرد منها شاء لانّ كلّ فرد من أفراد الكلى

______________________________

(1)- سورة الهود، الآية 114.

(2)- سورة النساء، الآية 103.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 29

مصداقه و محصّله و التخير عقلىّ لا شرعىّ فلا اشكال في جواز كون الواجب موسّعا.

فإذا عرفت اعتبار الوقت في الفرائض لا بدّ من ذكر وقت كل فريضة مبدئه و منتهاه فنذكر تمام احكامها في ضمن مطالب:

المطلب الاوّل: في ابتداء وقت الظهرين
اشارة

يستفاد من قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «1».

كما قلنا أوقات الصلوات الأربع الظّهرين و العشاءين كما بين ذلك في الأخبار:

[في ذكر الروايات الواردة في ذكر اوّل وقت الظهرين]

منها ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عمّا فرض اللّه عزّ و جلّ من الصّلاة فقال خمس صلوات في الليل و النهار فقلت هل سماّهنّ اللّه و بيّنهنّ في كتابه قال نعم قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ و دلوكها زوالها و فيما ما بين دلوك الشّمس إلى غسق الليل و أربع صلوات سماّهنّ اللّه و بيّنهنّ و وقّتهنّ و غسق الليل هو انتصافه). «2»

و منها صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال إذا زالت الشّمس دخل الوقتان الظهر و العصر فإذا غابت الشّمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة). «3»

______________________________

(1) سورة الاسراء، الآية 78.

(2)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب المواقيت و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 30

و منها رواية عبيد ابن زرارة (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت الظهر و العصر فقال إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعا إلّا أنّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس). «1»

و منها صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالنّاس الظهر و العصر حين زالت الشّمس في جماعة من غير علّة). «2»

و منها رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

(قال إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضى مقدار ما يصلّى المصلّى أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشّمس مقدار ما يصلى المصلّى أربع ركعات فإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقى وقت العصر حتى تغيب الشّمس). «3»

و منها ما رواه منصور بن يونس عن العبد الصالح عليه السّلام (قال سمعته يقول إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الصلاتين). «4»

إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في هذا الباب يعنى الباب الرابع من ابواب المواقيت من الوسائل بلغت حدّ التواتر و استقرت سيرة المسلمين من زمن النبي و الائمة عليهم السّلام على ذلك إلى يومنا.

[في ذكر الاخبار المعارضة مع الاخبار المتقدمة]

و في قبال الآيات و الأخبار المذكورة بعض الأخبار دلّ على أنّ وقت صلاة

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 4 من ابواب المواقيت و نوافلها من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 4 من ابواب المواقيت و نوافلها من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 10 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 31

الظهر لا يدخل الّا بعد صيرورة الفي ء قدما و وقت صلاة العصر لا يدخل الّا بعد صيرورة الفي ء قدمين أو وقت الظهر صيرورة الفي ء قدمين أو ذراعا و وقت العصر صيرورة الفي ء أربعة أقدام أو ذراعين.

منها ما رواه زرارة بن أعين و بكير بن أعين و محمد بن مسلم و بريد بن معاوية العجليّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام (أنّهما قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان و وقت العصر بعد ذلك قدمان). «1»

و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه

السّلام (قال سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشّمس و وقت العصر ذراعان عليه السّلام من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشّمس). «2»

و منها ما رواه المحاربى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال سأل أبا عبد اللّه اناس و أنا حاضر (إلى أن قال) فقال بعض القوم أنّا نصلى الأولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام فقال أبو عبد اللّه النصف من ذلك أحبّ إلى). «3»

و لا يخفى عليك ان هذه الأخبار لا تنافي مع ما تقدم من الأخبار من كون أوّل الزوال أوّل وقت الظهر و العصر لأنها لا تدلّ على أن وقت الظهر لا يدخل الّا بعد تحقق القدم و القدمين أو الذراع و أوّل وقت العصر بعد قدمين أو ذراع أو أربعة أقدام أو ذراعين فيحمل هذه الأخبار على أنّ التأخير لأجل اتيان النافلة و اختلافها في المقدار من جهة اختلاف المصلّين في إتيانها من حيث الخفة و البطء

______________________________

(1)- الرواية 1- 2 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 22 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 32

و الشاهد على ذلك الحمل روايات:

منها صحيحة الحارث بن المغيرة و عمر بن حنظلة و منصور حازم جميعا (قالوا كنّا نقيس الشّمس بالمدينة بالذراع فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام ألا أنبّئكم بأبين من هذا إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر ألّا أنّ بين يديها سبحة و ذلك إليك أن شئت طوّلت و أن شئت قصّرت). «1»

و منها صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال أ تدري

لم جعل جعل الذّراع و الذّراعان قلت لم جعل ذلك قال لمكان النافلة لك ان تتنفّل من زوال الشّمس إلى أن تبلغ ذراعا فإذا بلغت ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة). «2»

و أوضح منها ما رواه أحمد بن يحيى (قال كتب بعض أصحابنا إلى ابى الحسن عليه السّلام روى عن آبائك القدم و القدمين و الأربع و القامة و القامتين و ظلّ مثلك و الذراع و الذراعين فكتب عليه السّلام لا القدم و لا القدمين إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الصلاتين و بين يديها سبحة و هي ثمان ركعات فان شئت طوّلت و ان شئت قصّرت ثمّ صلّ الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة و هى ثمان ركعات ان شئت طوّلت و ان شئت قصّرت ثمّ صلّ العصر). «3»

[في ان لا حاجة لحمل الاخبار على التقية]

و لا حاجة لحمل هذه الأخبار على التقية بعد كون زوال الشّمس أوّل وقت الظهر مجمعا عليه عند المسلمين و لم يكن فتوى العامّة غير ذلك.

[في ذكر بعض الاخبار الدالة على كون اوّل الوقت افضل]

ثمّ إنّه وردت روايات دالة على استحباب الصّلاة في أوّل وقتها مثل (أفضل

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 20 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 5 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 33

الوقت أوّله) «1» أو (أوّله رضوان اللّه و آخره عفو اللّه) «2» أو (و الصلاة في أوّل الوقت أفضل) «3» (و غير ذلك المذكور في الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل).

أنّ ما الكلام وقع في أنّه هل ينافي اطلاق هذه الأخبار الأخبار الدالّة على أنّ وقت الظهر هو بعد صيرورة الفي ء قدما أو قدمين أو ذرعا أو ذراعين أو لا.

الظاهر عدم التنافى و بقاء هذه الأخبار على إطلاقها لأنّ المراد من ذلك الأخبار ليس بيان استحباب تأخير صلاة الظهر من أوّل وقتها بل المراد بيان وقت يشترك فيه الفريضة و النافلة و جواز مزاحمة النافلة للفريضة و لم يكن في مقام بيان استحباب تأخير الظهر مطلقا سواء كان قاصدا للنافلة أو لم يكن قاصدا لها أو لم يشرّع في حقّه النافلة من جهة كون المصلّى مسافرا بل المقصود بيان امكان النافلة و مزاحمتها للفريضية و ليس في مقام بيان استحباب تأخير الظهر حتّى يقيّد بها إطلاق هذه الأخبار.

ثمّ انّه حكى عن بعض القول بكون التأخير إلى أن يصير الفي ء ذراعا أفضل سواء أراد اتيان النافلة أو لا و الظاهر أنّ نظرهم إلى أنّ الجمع بين الأخبار الدالّة على دخول وقت

الظهر بالزوال و الأخبار الدالّة على دخوله بعد ذراع أو قدم يقتضي حمل الطائفة الثانية على كون التأخير أفضل و يمكن تأيد هذا الجمع بأخبار.

منها الأخبار الدالّة على أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّى الظهر بعد زراع و العصر

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 16 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 18 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 34

بعد ذراعين. «1»

و منها ما رواها عبيد بن زرارة (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أفضل وقت الظّهر قال ذراع بعد الزوال قال قلت في الشتاء و الصيف سواء قال نعم). «2»

و منها ما رواها محمّد بن فرج (قال كتبت أسأله عن أوقات الصّلاة فأجاب إذا زالت الشّمس فصلّ سبحتك و أحبّ ان يكون فراغك من الفريضة و الشمس على قدمين). «3»

[في الروايات الدالّة على استحباب التعجيل]

لكن في قبال هذه الأخبار الأخبار الدالّة على استحباب التعجيل و كون أوّل الوقت و هو زوال الشّمس أفضل تقدم بعضها و نذكر بعضها أيضا.

منها ما رواها زرارة (قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام أصلحك اللّه وقت كلّ صلاة أوّل الوقت أفضل أو وسطه أو آخره قال أوّله ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ان اللّه عزّ و جلّ يحبّ من الخير ما يعجّل). «4»

و منها ما رواها ابي بصير (قال ذكر أبو عبد اللّه عليه السّلام أوّل الوقت و فضله فقلت كيف أصنع بالثمانى ركعات قال خفّف ما استطعت). «5»

و لا يمكن حملها على كون المراد من أوّل الوقت أوّل الذراع أو أوّل الذراعين لاباء أكثر الأخبار عن هذا الحمل

مع أن المشهور عند الشيعة استحباب التعجيل

______________________________

(1)- الروايات 10- 24- 28 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 25 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 31 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 12 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 9 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 35

و عدم استحباب التأخير.

المطلب الثاني: في آخر وقت الظهر
اشارة

قد عرفت اتفاق المسلمين على أن وقت الظهر يدخل بمجرد الزوال و أنّ أوّل وقت الظهر هو بعد الزوال عند الامامية و جمهور العامة لكن آخر وقت الظهر صار مورد الخلاف بين العامّة و الخاصّة، فعند العامّة أربعة أقوال على ما ذكره صاحب تذكرة الفقهاء رحمة اللّه في مجلد 2 ص 302 في مسئلة 26 و عند الخاصّة تبلغ إلى عشرة اقوال عن ما قاله صاحب مفتاح الكرامة في مجلد 2 ص 18 و المشهور بينهم امتداد وقت الظهر إلى ان يبقى إلى الغروب اختيارا من الوقت مقدار أربع ركعات كما قال العلّامة الهمداني رحمه اللّه في مصباح الفقيه مجلد 9 ص 100 و نسبه العلّامة رحمه اللّه في تذكرة الفقهاء في مسئلة 28 ص 306 من المجلد 2 إلى أكثر علمائنا و هو الظاهر من الأخبار و الأخبار الظاهرة في غيره تحمل على بيان مراتب الفضل فكل صلاة يأتي بها قريبا من الزوال فهي أفضل من غيرها (قال العلّامة رحمه اللّه في التذكرة لكل وقتان أوّل و آخر). «1»

هذا الكلام قد اشتهر في كلماتهم كما ورد في الأخبار «2» لكن اختلفوا في المراد منها قال المرتضى و ابن جنيد فالأوّل وقت الفضيلة و الآخر وقت الأجزاء

لقول الباقر عليه السّلام أحبّ الوقت إلى اللّه عزّ و جلّ أوّله حين يدخل وقت الصّلاة فصلّ

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 300، مسئلة 23.

(2)- الرواية 4 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 36

الفريضة فإن لم تفعل فإنّك في وقت منها حتّى تغيب الشمس «1» و غيره من الأخبار،

[في ذكر قول الشيخان: الاول وقت من لا عذر له و الثاني لمن له العذر]

و قال الشيخان الأوّل وقت من لا عذر له و الثاني لمن له العذر لقول الصّادق عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن سنان (قال لكلّ صلاة وقتان و أوّل الوقت أفضله و ليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا ألّا في عذر من غير علّة). «2»

و هذا الخبر محمول على الفضيلة لدلالة قوله عليه السّلام (أول الوقت أفضله) و أفعل التفضيل يقتضي التشريك في الجواز فلا يستفاد من الخبر ألا كراهة التأخير بمعنى الجواز و أقلّ ثوابا و استحباب التقديم مؤكدا بحيث لا ينبغى تركه من غير عذر و يستفاد هذا المضمون من بعض الأخبار مثل قول الصادق عليه السّلام أن فضل الوقت الأوّل على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا. «3»

و مثل قول الرضا عليه السّلام و الصلاة في أوّل الوقت أفضل. «4»

و مثل قول الصادق عليه السّلام أوّله رضوان اللّه و آخره عفو اللّه و العفو لا يكون ألّا عن ذنب «5» ثمّ إنّه لا يمكن ان يكون مراد من قال بعدم جواز التأخير إلى آخر الوقت الحرمة الوضعية بمعنى خروج وقت صلاة الظهر و صيرورته قضاء لبعد هذا الاحتمال و لا يمكن استفادة ذلك من الأخبار فلا بدّ أن يكون المراد الحرمة التكليفية و ترتب العصيان على التأخير من دون عقاب فيرجع هذا القول إلى ابن

جنيد

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 13 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 15 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 18 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 16 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 37

و المرتضى و هو الأقوى.

المطلب الثالث: في أوّل وقت صلاة العصر
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه في التذكرة أوّل وقت العصر عند الفراغ من فريضة الظهر و التحقيق انّه إذا زالت الشّمس اختص الوقت بالظهر إلى ان يمضى مقدار أربع ركعات في الحضر و ركعتين في السفر و هو قدر أدائها ثمّ يشترك الوقتان إلى ان يبقى للغروب مقدار العصر أمّا أربع ركعات أو ركعتان فيختص بها ذهب إليه أكثر علمائنا (إلى ان قال) و قال بعض علمائنا إذا زالت الشّمس دخل وقت الصلاتين ألا أن الظهر قبل العصر و به قال ربيعة لقول العبد الصالح عليه السّلام إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الصّلاتين. «1»

أعلم ان هذه المسألة المسألة المعروفة المبحوثة بين الأصحاب بالأوقات المشتركة و المختصة و تظهر الثمرة بين القولين في ما إذا صلّى العصر في وقت الظهر نسيانا فعلى القول المشهور بين الأصحاب يجب عليه اعادة الصّلاة لوقوعها في غير وقتها لاختصاص أوّل الوقت بالظهر و لكن بناء على مبنى الصّدوق و غيره القائلين بالاشتراك الصحة و عدم لزوم الاعادة لأنّها وقعت في وقتها و الترتيب بين الصلاتين شرط في حال الذكر و الأقوى قول المشهور و منشأ القولين اختلاف الأخبار الواردة في المواقيت فقسم منها دال على الاشتراك.

[في ذكر الاخبار المربوطة باوّل وقت العصر]

منها رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال إذا زالت الشّمس دخل الوقتان

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 306، مسئلة 28.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 38

الظهر و العصر فإذا غابت الشّمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة). «1»

منها ما رواها عبيد بن زرارة (قال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت الظهر و العصر فقال إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعا الّا أنّ هذه قبل هذه أنت في

وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشّمس). «2»

و منها ما رواه عبيد بن زرارة أيضا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (الى أن قال) منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشّمس الى غروب الشّمس ألّا أنّ هذه قبل هذه). «3»

و منها رواية ثالثة لعبيد بن زرارة رواها عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ألّا أنّ هذه قبل هذه). «4»

و منها ما رواها الصباح بن سبابة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الصّلاتين). «5»

و غير ذلك من الاخبار الكثير الواردة الدالة على الاشتراك، و قسم منها دال على الاختصاص:

أحدها: ما رواه داود بن ابى زياد و هو داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضى بمقدار

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 21 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 8 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 39

ما يصلّى المصلّى أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشّمس مقدار ما يصلّى المصلّى أربع ركعات فإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقى وقت العصر حتّى تعيب الشّمس). «1»

ثانيهما ما رواه الحلبى في حديث (قال سألته عن رجل نسى الأولى و العصر جميعا ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشّمس فقال أن كان في وقت لا

يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمّ يصلّ العصر و ان هو خاف ان تقوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا و لكن يصلّى العصر في ما قد بقى من وقتها ثمّ ليصلّى الأولى بعد ذلك على أثرها). «2»

[في ان لا يمكن طرح الطائفتين من الاخبار الدالّة على الاشتراك و الاختصاص]

ثمّ أعلم انّه لا يمكن طرح كلا الطائفتين من الأخبار الدالة على الاشتراك و الاختصاص امّا ما دلّت على الاشتراك لا مجال للإشكال فيها من حيث السند لكثرتها أولا، و مع هذه الكثرة لا يمكن الطعن في سندها و انكار صدورها مع ان المشهور القائلين بالاختصاص لم يطرحوا هذه الأخبار، بل حملوها على الاختصاص كما نرى من عبارة السيّد رحمه اللّه في الناصريات حيث قال (و الذي نذهب إليه انّه إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر بلا خلاف ثمّ يختص أصحابنا بأنّهم يقولون إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر و العصر الّا أنّ الظهر قبل العصر و تحقيق هذا الموضوع أنّه إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدى أربع ركعات فإذا خرج هذا المقدار من الوقت اشترك الوقتان) حيث علمت أوّل روايات الاشتراك بقرينة أخبار الاختصاص و التّأويل فرع القبول.

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 18 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 40

و لا يمكن أيضا طرح الخبرين الدالين على الاختصاص لانّ رواية فرقد و ان كانت مرسلة بابهام الواسطة ألا ان ذلك منجبر بعمل الأصحاب بها، و لا تضرّ ذلك بحجيتها مع عمل أكثر الأصحاب بها

[في الجمع بين الاخبار فى الباب]

فبعد كون كلا الطائفتين حجّتين لا بدّ من الجمع الدلالى بينهما و جعل إحداهما قرينة على الاخرى، و بعد كون رواية داود بن فرقد أظهر في الدلالة على الاختصاص من دلالة أخبار الاشتراك على الاشتراك، بل يمكن ان يقال ليس لها ظهور منعقد بل ظهورها بدوى يرتفع بسبب رواية فرقد لأنّ قوله عليه السّلام (إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت

الظهر و العصر ألّا أن هذه قبل هذه) دالّ على دخول وقت مجموع الصلاتين لا دخول وقت كل واحد منهما، و لو سلّم أنّ لها الظهور فرواية داود بن فرق بمنزلة الاستثناء.

فنتيجة الطائفتين أنّه إذا زالت الشّمس و مضى مقدار وقت أربع ركعات الّذي هو وقت يختص بالظهر يشترك الصلاتين في الوقت، و لا يمكن ان يجعل روايات الاشتراك قرينة على عدم الاختصاص ببيان أن التعبير بانّه (ألا أنّ هذه قبل هذه) لأجل اعتبار الترتيب فما يكون ظاهرا في رواية داود بن فرقد في كون أوّل الوقت، مختصا بالظّهر لأجل هذه العبارة يحمل على أنّ العصر مرتّب على الظهر، فاوّل الوقت بالظّهر لأجل كون العصر مرتبا عليه لا لاجل كون أوّل الوقت مختصا بالظهر، لأنّه لا يناسب مع ذيل الرواية، لأنّه لو كان لبيان الترتيب لكان اللازم في مورد لم يأت المكلف بالصلاتين و قد بقى مقدار أربع ركعات ان يأتي بالظهر لانّ الظهر مقدم و العصر مرتّب عليه، فلو صلّى العصر لم يكن مرتّبا على الظهر فدلالة الذيل على سقوط التكليف بالنسبة إلى الظهر دليل على كون الوقت مختصا بالعصر كما أنّ أوّل الوقت مختص بالظهر.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 41

[في القول بالاشتراك ممّا انفردت به الامامية]

ثمّ أعلم ان القول بالاشتراك من أوّل الوقت أو بعد مضى مقدار أربع ركعات مما انفردت به الامامية،

[في ان العامّة قالوا بتباين الوقتين]

و الّا عند العامة كان من المنكرات، و وقت كل صلاة عندهم مباين مع صلاة أخرى، مثلا وقت الظهر عند بعضهم يكون من أوّل الزوال إلى ان يصير الظل مثلا، ثمّ يخرج وقت الظهر و يصير قضاء و يدخل وقت العصر، و عند بعضهم من أوّل الزوال الى ان يصير مثلين ثمّ يدخل وقت العصر ألا إنّه حكى عن ربيعة «1» القول بدخول الوقتين بالزّوال، لكن هذا القول عندهم شاذ لا يعبأ به.

و بالجملة فالسيرة المستمرة بين العامة الى زماننا هذا هو التفريق بين الصلاتين بمعنى أنّهم يصلّون الظهر أوّل الزوال ثمّ يتفرقون إلى مشاغلهم و منازلهم إلى ان يصير ظلّ الشاخص مثله أو مثليه على اختلاف نظرهم، ثمّ يجمعون لاتيان صلاة العصر و لا يجمعون بينهما و كان الجمع عندهم منكرا مع ورود روايات من طرقهم دالة على أنّ رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بين الصلاتين مثل رواية انس بن مالك في جواب ابي أمامه قال صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثمّ دخلنا على أنس و هو يصلى العصر فقلنا يا أبا عمرة ما هذه الصّلاة قال العصر و هذه صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّتي كنّا نصلّى معه. «2»

و مثل رواية ابن عباس (قال ألا أخبركم بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في السفر كان إذا زالت الشّمس و هو في منزله جمع بين الظهر و العصر في الزوال و إذا سافر قبل

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 308.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2،

ص 307 نقلا من صحيح البخاري، ج 1، ص 144- 145.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 42

الزوال أخّر الظهر حتّى يجمع بينها و بين العصر في وقت العصر). «1»

و مثل ما روى أيضا من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين في الحضر و السفر من غير عذر. «2»

فعلى هذا يكون ورود أخبار الاشتراك لبيان الحكم الواقعي و انّ الحق في خلافهم و يجوز الاتيان بصلاة العصر بعد صلاة الظهر بلا فصل كما عليه الجمهور، و ليس المراد من الاشتراك الاشتراك في كل جزء من الوقت حتّى يلزم التنافي بينها و بين أخبار الاختصاص، مع أن الترتيب بين الصلاتين كان أمرا واضحا عند المسلمين، حتّى ان العامة الذين قالوا بتباين الوقتين ذهبوا في موارد الجمع إلى اعتبار الترتيب و وقوع العصر عقيب الظّهر، فلا يكون قول المعصوم في هذه الأخبار إذا زالت الشّمس دخل الوقتان دالا على عدم اعتبار الترتيب، بل يكون ردا على العامة القائلين بوجوب التأخير، و يكون معنى الروايات انّه لا يجب بعد اتيان صلاة الظهر انتظار مضىّ مدّة حتّى يصير الظلّ مثل الشاخص أو مثليه بل يجوز الجمع بين الصلاتين مطلقا لدخول وقت العصر بعد اتيان الظهر بلا فصل، لأنّ المتبادر من هذا الكلام ان كلا العملين عمل واحد يدخل أوّل وقته بالزوال كما لو قيل إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر يتبادر منه ان أوّل الشروع فيها هو الزوال و لا يتبادر منه أنّ بالزوال دخل وقت الركعة الآخرة و المراد من هذه العبارة أنّ وقت كلا الصلاتين يدخل بالزوال ردّا على قال بأنّ بالزوال يدخل وقت الظهر و بعد مضى مقدار معين يدخل وقت العصر.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء،

ج 2، ص 307 نقلا من سنن البيهقى، ج 3، ص 163.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 307 نقلا من صحيح مسلم و سنن الترمذي و سنن النسائى.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 43

لا يقال هذا التوجيه وجيه في مثل إذا زالت الشّمس دخل وقت الصلاتين و لا يتّجه في مثل إذا زالت الشّمس دخل الوقتان لانا نقول ليس المراد من دخول الوقتين دخول زمانين فإنّه محال بل المراد و المقصود تعدد العمل فعلى هذا لا فرق بين التعبيرين في أفهام جواز الشروع في الصلاتين متعاقبا ردّا على العامّة القائلين بوجوب تأخير العصر كما هو المتداول عندهم.

و ان قلت بأنّ ظاهر أخبار الاشتراك دخول وقت العصر بالزوال.

قلنا نرفع إليه عن هذا الظهور بملاحظة رواية داود بن فرقد الصريحة في الاختصاص لا سيما بملاحظة ذيلها.

فان قيل ان الاختصاص لا يلائم مع عدم كون الوقت المختص للظهر له حد معين بل يختلف بحسب حالات المكلفين من جهة السفر و الحضر و المرض و الصحّة.

قلنا لم يدلّ دليل على عدم قبول الوقت للنقصان و الزيادة و لو كان الحدّ شرطا فلا بدّ من تعين الحدّ في مقدار القدم و القدمين و المثل و المثلين مع اختلافها بحث الفصول و الأيّام من حيث الطول و القصر مع انّها جعلت حدّا بلا مشخص، و مع ما قلنا في توجيه الأخبار الدالة على الاشتراك مع رواية داود بن فرقد لا نحتاج إلى توجيه ذكره المحقق الهمداني رحمه اللّه في مصباح «1» الفقيه و حمل الوقت بالنسبة إلى العصر على الشأنى و بالنسبة الى صلاة الظهر على الفعلى و جعل قوله عليه السّلام (الّا أنّ هذه قبل هذه) قرينة عليه، لانّ ما ذكرنا

هو المتبادر من الكلام في مقابل العامة الملتزمون بتأخر صلاة العصر و عدم الجمع بين العصر و الظهر، و كون وقتهما متباينين و كيف كان فلا وجه لتوهّم عدم امكان رفع اليد عن الروايات الكثيرة الدالّة على الاشتراك

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 103.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 44

لأجل رواية مرسلة و هى رواية داود بن فرقد، لانّ الرواية الواحدة كافيه لتقييد الروايات الكثيرة مع كون ضعف سندها من جهة الإرسال منجرا بعمل الأصحاب بها مع أنّه يمكن ان تكون بأيديهم روايات لم تصل إلينا لأنّ الكتب الأربعة لم تكن جامعة لجميع الأخبار الموجودة في الجوامع الأوليّة الدائرة بين الأصحاب و لذا ترى روايات في بعضها و لم تكن في بعض آخر و بالجملة تبيّن اختصاص أوّل الوقت بالظهر.

[في ان آخر الوقت مختص بالعصر بمقدار اداء الوظيفة]

و أمّا اختصاص آخر الوقت بصلاة العصر فيدل عليه أيضا رواية داود بن فرقد و رواية الحلبى المتقدمتان و كذا صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر و العصر معا و ان طهرت في آخر الوقت العصر صلّت العصر «1» و يمكن استفادة اختصاص أوّل الوقت بالظهر من هذه الصحيحة بعدم القول بالفصل.

ثمّ إنّه بعد ما أثبتنا كون أوّل الوقت مختصا بالظهر و آخره بالعصر يقع الكلام في مقدار الاختصاص بأنّه اى مقدار من الوقت من أوّله مختصا بالظهر و أى مقدار منه مختصا بالعصر، فهل يكون مقدار أربع ركعات من أوّله مختصا بالظهر، سواء كان حاضرا أو مسافرا أو خائفا، فلو كان مسافرا و صلّ ركعتين يجب عليه الصبر يمضى مقدار ركعتين أخيرين، فيمضى مقدار أربع ركعات ثمّ يشرع في صلاة العصر، أو المراد منها

اتيان الظهر و ان الاعتبار بمقدار اتيان صلاة الظهر بحسب وظيفة الفعلية للمكلّف سواء كان أربع ركعات أو ركعتين أو ركعة واحدة كما إذا شرع في الظهر قبل الزوال و قد دخل الوقت في الركعة الثانية و كان مسافرا فانّه يجوز له الشروع في

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 49 من ابواب الحيض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 45

صلاة العصر بعد الركعة الواقعة في الوقت.

الظاهر هو الثاني، و لفظ أربع ركعات الواردة في رواية داود بن فرقد مورد الغالب، و المراد بها هو الإتيان بالظهر، و كان لفظ أربع ركعات كناية عن اتيان الظهر بأى نحو كان، مع انّه قد ورد في رواية زرارة عن ابى جعفر ما يدلّ على ذلك (قال قلت لابي جعفر عليه السّلام بين الظهر و العصر حدّ معروف فقال لا) «1» يعنى بعد الظهر وقت العصر سواء كان الظهر أربع ركعات أو اثنين أو ركعة واحدة كما ذكرنا.

[في ان ليس للاربع في اخبار الاشتراك موضوعية]

و بالجملة و لو كانت رواية داود بن فرقد أظهر من حيث الدلالة على الاختصاص و كون الأربع لها موضوعيه، لكن روايات الاشتراك و رواية زرارة من حيث الدلالة على جواز الاتيان بالعصر بعد اتيان صلاة الظهر أقوى ظهورا منها من كون الأربع لها موضوعية و ان كان المصلّى مسافرا، فمن حيث الدلالة على الاختصاص رواية فرقد أظهر و من حيث جواز الإتيان بصلاة العصر بعد صلاة الظهر و بعد الفراغ من الظهر و ان كان مسافرا روايات الاشتراك و رواية زرارة أظهر، من كون الأربع لها موضوعية فلا بدّ من حملها على الغالب من كون صلاة الظهر يأتى بها أربع ركعات.

فممّا ذكرنا يظهر صحة ما قاله المحقق رحمه اللّه من

صحة صلاة من شرع في الظهر قبل دخول وقتها بزعم دخول الوقت، ثمّ انكشف عدم الدخول الا لحظة من صلاة الظهر و وقت المختص بالظهر هذه اللحظة فيجوز له الشروع في صلاة العصر بعد صلاة الظهر فورا و بلا فاصلة لدخول وقتها بعد الفراغ من صلاة الظهر.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 46

أمّا الكلام في معنى الاختصاص

المراد من الاختصاص و كون الوقت مختصا بصلاة الظهر هو عدم دخول وقت الشريكة أي العصر ما لم يمض المقدار المعين و هو مقدار أربع ركعات للحاظر و ركعتين للمسافر و للخائف و المضطر بحسب حالهما و لا يصحّ اتيان العصر في ذلك الوقت، و نسبة صلاة العصر في ذلك الوقت كنسبة صلاة الظهر إلى ما قبل الزوال و لم يذكر لفظ الاختصاص في آية و لا رواية، و مدرك هذه المسألة رواية داود بن فرقد، و لا يستفاد منها الا ما قلنا من عدم صحة صلاة الثانية في وقت صلاة الاولى، لأنّها وقعت في غير وقتها، و امّا اتيان سائر الصلوات الواجبة و المستحبة غير صلاة المرتبة على تلك الصّلاة فلا مانع له، و لو كان الصّلاة صلاة العصر الفائتة من اليوم السابق لعدم ترتب ذلك الصّلاة على الصّلاة الظهر من هذه اليوم خلافا لصاحب الجواهر رحمه اللّه من القول بعدم صحة قضاء صلاة العصر من اليوم السابق في ذلك اليوم.

فرع بعد ما قلنا باختصاص العصر بمقدار إتيانها من آخر الوقت فلو ظنّ المصلّى ضيق الوقت فصلّى العصر ثمّ انكشف انّه باق بمقدار أربع ركعات ففيه أربعة وجوه:

أحدها وجوب اعادة العصر لانه وقع في غير وقته لانّ الوقت للظهر و كان مختصا

به فإتيان صلاة العصر في هذا الوقت اتيانها في غير وقتها لانّ للظهر وقتين أحدهما مقدار إتيانها من أوّل الزوال ثانيهما مقدار إتيانها قبل الوقت الّذي كان مختصا بالعصر و متصلا بالعصر فوقعت في هذا الفرض صلاة العصر في وقت المختص بصلاة الظهر فتكون باطلة.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 47

ثانيها وجوب اتيان صلاة الظهر أداء لانّ دليل الدال على ان آخر الوقت مختص بصلاة العصر منصرف إلى صورة عدم اتيان صلاة العصر و امّا بعد اتيانها فلا يشمل هذا المورد (فلا يستفاد منه الاختصاص و بعد عدم كون الوقت مختصا بالعصر و لم يأت بالظهر وجب عليه اتيان الظهر لعدم اتيانه و بقاء وقته.

ثالثها وجوب الاتيان بالظهر قضاء لانّ وقت الظهر خرج بدليل الدال على اختصاص آخر الوقت بالعصر و عدم قبول انصرافه الى صورة عدم الاتيان بالعصر بل مطلقا آخر الوقت مختصا بالعصر فيجوز الاتيان بالظهر قضاء بل يجب فورا ان قلنا بالمضايقة في قضاء الفوائت.

رابعها عدم وجوب اعادة العصر لإتيانها، و عدم جواز الإتيان بالظهر في ذلك الوقت لا اداء و لا قضاء، لانّ معنى الاختصاص عدم صحة الشريكة في هذا الوقت اداء و قضاء، و اختاره صاحب الجواهر رحمه اللّه (لانّ معنى الاختصاص عدم صحة الشريكة فيه قضاء اذ هى لا تكون فيه الا كذلك ضرورة خروج وقتها فمن ترك العصر في وقت اختصاصه و اراد صلاة الظهر فيه قضاء لم يصحّ له). «1»

[في ان لم يرد لفظ الاختصاص في آية و لا رواية]

و فيه انّه لم يرد لفظ الاختصاص في آية و لا رواية حتّى يفسر بما ذكره كما قلنا سابقا، بل مرادهم من هذا اللفظ ما يستفاد من رواية داود بن فرقد من عدم دخول وقت العصر ألا بعد

مضى مقدار اداء الظهر من أوّل الوقت و خروج وقت الظهر إذا بقى من الغروب مقدار أربع ركعات، و لازم ذلك انّه إذا وقعت صلاة الظهر قبل الغروب وقعت قضاء و ليس معنى الاختصاص بطلان صلاة القضاء من الظهر في

______________________________

(1)- الجواهر، ج 7، ص 93.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 48

ذلك الوقت المختص بالعصر، كما ذكره صاحب الجواهر، فمع بطلان الانصراف فالمختار وجه الثالث من جواز اتيان الظهر قضاء أو وجوبه و تعينه بناء على المضايقة، و ان كان الأحوط الاتيان بالظهر بقصد ما في الذمّة من غير نيّة الأداء و القضاء و لا يمكن المساعدة على الوجه الأوّل لعدم دليل على ان للظهر وقتين.

[في ان اذا بقي من الغرب مقدار خمس ركعات وجب اتيان الظهر ثمّ العصر]

فإذا بقى من الغروب مقدار خمس ركعات وجب الإتيان بالظهر ثمّ بالعصر فان وقت الظهر باق بمقدار ركعة فيشملها عموم (قوله عليه السّلام من أردك ركعة من فقد أدركها).

و من عبّر مثل صاحب الجواهر بلفظ الاختصاص و فسرّه بعد صحة الشريكة و قال بالصحة في هذه المورد التزم بان المراد بعدم صحة الشريكة في وقت الاخرى عدم صحتها إذا وقعت بتمامها في الوقت المختص بالاخرى و امّا إذا وقع بعضها فلا يكون منافيا للاختصاص و هذا الحكم جار في العشاءين فان من أدرك مقدار خمس ركعات من نصف الأوّل من الليل يجب عليه تقديم المغرب و ان كانت الركعتان منها وقعتا في خارج الوقت لانّ معنى الاختصاص خروج الوقت بالنسبة الى المغرب بتمامه لا عدم صحة المغرب اذا وقع بعضه فى الوقت المختص بالعشاء.

قاعده من ادرك
اشارة

و حيث أن مدرك الحكم في هذه المسألة قاعدة من ادرك، فالحريّ أن نذكر مدركها من الاخبار مع قطع النظر عن الشهرة المحقّقة عليها، حيث قال المحقق الهمداني رحمه اللّه فمتى أدرك من الوقت مقدار اداء ركعة جامعة لشرائط الصحة بحسب

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 49

ما هو مكلّف به في ذلك الوقت من الطهارة المائية او الترابية (لزمه ادائها) بلا خلاف فيه على الظاهر بل فى المدارك هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب و عن المنتهى قال لا خلاف فيه بين أهل العلم. «1»

فنقول وردت الروايات من العامة و الخاصّة على أن مدرك ركعة من في وقتها مدرك تمام الوقت و وقعت صلاته بعبارات مختلفه.

أما من طرق العامّة روى البخارى في صحيحه، ج 1، ص 151 و المسلم في صحيحه ج 1- 433/ 607 و السنائى فى سننه ج 1،

ص 274 و احمد فى مسنده ج 2، ص 271 عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال (من ادرك ركعة من الصّلاة فقد ادرك الصلاة).

و هذه الرواية عامة شاملة لجميع الصّلاة الخمس و لكن المحتمل ان تكون مرتبطة بصلوة الجماعة و ن من ادرك ركعة من الجماعة فقد أدرك الصّلاة و لا تكون مرتبطة بادراك الوقت.

و روى البخارى أيضا فى صحيحه ج 1، ص 151 عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشّمس فقد ادرك العصر).

و روى البخارى أيضا في صحيحه، ج 1، ص 163 و ابو داود فى سننه، ج 1 ص 112، و 412 و ابن ماجه فى سننه ج 1، ص 229 عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال (من أدرك من الصبح ركعة قبل ان تطلع الشّمس فقد أدرك الصبح و من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشّمس فقد أدرك العصر).

و هذه الروايات الاربع غير شاملة لتمام الصّلاة الخمس.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ج 9، ص 350- 351.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 50

[في الاخبار الواردة من طرق الاماميّة]

و أما الأخبار الواردة من طرق الإماميّة:

الاوّل: رواه عمار بن موسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى حديث) (قال فأن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشّمس فليتمّ و قد جازت صلاته). «1»

الثاني: ما رواه أصبغ بن نباتة قال (قال أمير المؤمنين عليه السّلام (من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشّمس فقد أدرك الغداة تامّة). «2»

الثالث: ما رواه عمار الساباطى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال ... (فان صلى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشّمس فيتمّ

الصّلاة و قد جازت صلاته و أن طلعت الشّمس قبل ان يصلى ركعة فليقطع الصّلاة و لا يصلّى حتّى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها). «3»

الرابع: مرسلة الشهيد في الذكرى (قال روى عن النبيّ عليه السّلام أنّه قال (من أدرك ركعة من الصّلاة فقد أدرك الصلاة). «4»

الخامس: مرسلة المحقق في المعتبر حيث روى مرسلا في المعتبر قوله عليه السّلام (من أدرك ركعة من الوقت كمن أدرك الوقت). «5»

و لا يخفى عليك أن مع اشتهار هذه الاخبار و العمل بها و الفتوى على طبقها لا يبقى مجال للاشكال في سندها بإرسال او ضعف السند.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 30 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 30 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 30 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 30 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(5)- المعتبر، ج 2، ص 47.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 51

فبعد كون المرسلتين العاميتين تشملان لجميع الصلوات الخمس يمكن التمسك بهما.

و امّا من حيث الدلالة فقد يقال بأنّها غير ناظرة الى حيثية الأدائيّة او القضائيّة بل غاية ما يستفاد منها كون الصّلاة صحيحة في هذه الصورة أى صورة درك ركعة منها في الوقت و عدم لزوم أعادتها.

فانّه يقال أن ظاهر الرواية ان من أدرك ركعة من الصّلاة فقد أدرك ما يتوقّع من الوقت و هو كون تمام صلاته في الوقت فتكون اداء كمن أدرك جميع الوقت فقوله في رواية عمّار جازت صلاته دالّ على هذا لأنّ جواز هذه الصّلاة الّتي وقعت ركعة منها في الوقت كجواز الصّلاة الّتي وقع تمامها في الوقت.

كما أنّه قد يقال لا تشمل الروايات العامد و من تساهل حتّى ضاق

الوقت بل تشمل الغافل، و من انكشف له بعد الصّلاة او في أثنائها انّه لم يبق من الوقت ألّا مقدار أداء ركعة، لكن المستفاد من الرواية بيان وظيفة من لم يصلّ حتّى ضاق الوقت و لم يبق ألا مقدار ركعة من الصّلاة، سواء كان عامدا او غافلا او ناسيا او معتقدا لدرك تمام الصّلاة في الوقت، و لا دلالة له على خصوص الغافل او المعتقد لادراك الوقت، فعلى هذا وقعت الصّلاة اداء بتمامها، و كون إدراك ركعة من الوقت مثل ادراك جميع الوقت في كون الصّلاة وقعت اداء لا قضاء بتمامها و لا ملفقة من الأداء و القضاء بمعنى كون الركعة الواقعة في الوقت اداء و غيرها وقعت قضاء.

[في ما حكي عن السيد ره كما نقله الجواهر في غير محلّه]

فما حكى عن السيّد رحمه اللّه من كون هذه الصّلاة وقعت قضاء بتمامها كما في الجواهر ج 7، ص 268 او من بعض آخر من كونها ملفقة من الادائيّة و القضائيّة كما أشار إليه في المبسوط، ج 1، ص 72 في غير محلّه.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 52

فقد ظهر لك أنّه يظهر من الأخبار شمول الحكم لجميع الصلوات و أن كان موردها صلاة العصر و الغداة، و يساعد على ذلك فهم العرف لالغاء الخصوصية من موردها، و عدم فرق بين الصلوات الخمس و عدم خصوصية لصلاة العصر و الغداة لهذا الحكم، و كذا فهم العلماء من العامة و الخاصة إطلاق الحكم لكلها و عدم الاختصاص بالعصر و الغداة، ثمّ بعد ما قلنا من صحة قاعدة من ادرك و شمولها لجميع الصلوات الخمس، فاذا بقى من الوقت الى الغروب مقدار خمس ركعات للحاظر، او ثلاث ركعات للمسافر- يجب على المكلف الإتيان بالصلاتين الظهر و العصر، و كذا

اذا بقي الى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاظر او أربع ركعات للمسافر- يجب عليه أيضا الجمع بين المغرب و العشاء، و هذا الحكم كما ادعاه في الخلاف ج 1، ص 272، مسئلة 14 ممّا لا خلاف فيه بين الاصحاب لكن يظهر من المحقق الحائرى رحمه اللّه في كتاب صلاته ص 16- 18 الاشكال في هذا الحكم بالنسبة الى الظهر و المغرب من جهة أنّ الاختصاص الّذي استفدناه من رواية داود بن فرقد معناه عدم صحة وقوع الشريكة في وقت المختص بصلوة اخرى لا اداء و لا قضاء و لا كلا و لا بعضا، فعلى هذا لا وجه لإتيان صلاة الظّهر الا في ما اذا بقى مقدار ثمان ركعات الى الغروب، و كذا لا وجه لاتيان صلاة المغرب ألا اذا بقى الى انتصاف الليل مقدار سبع ركعات لأن لا تقع صلاة الظهر و المغرب في وقت المختص بالعصر و العشاء، و امّا في صلاة الغداة او صلاة العصر و الغداة فحيث وردت الروايات بصحتهما نقول به.

[في كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه]
اشارة

و امّا مرسلة المحقق و ان كانت عامّة شاملة لجميع الصلوات، لكنّها لم تثبت و يحتمل ان تكون مأخوذة من الروايات بإلغاء الخصوصية عن موردين، لكن التعدّى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 53

عن مورد الروايات و الغاء الخصوصية يحتاج الى العلم بعدم مدخلية الخصوصية في الحكم في المورد كما في المفهوم الموافقة المبحوث عنها في الاصول، لانّ الخصوصيّات المأخوذة في الحكم قد يعلم عدم دخالتها في الحكم فيتعدّى عن مورده الى غير المورد بالمفهوم الموافقة و امّا مع عدم العلم بذلك لا يمكن تسرية الحكم عن خصوص مورده.

و في ما نحن فيه لا يمكن هذه الدعوى بالنسبة الى الظهر

و المغرب لانّ الصبح و العصر و العشاء لا تزاحم مع وقوع بعضها خارج الوقت أحدا من الواجبات لعدم وجود واجب بعدمها و أما الظهر و المغرب فمع مزاحمتهما للعصر و العشاء لا يمكن الغاء الخصوصية بالنسبة إليهما بعد عدم ذكرهما في الروايات.

مع أن أدلّة وجوب اتيان الصلاة في وقتها و وجوب تعجيل أدائها في وقتها و عدم جواز فوت وقتها يعارض مع قاعده من ادرك و لا مرجح لتقديمها عليها اداء الظهر تماما يوجب وقوع بعض العصر في خارج وقتها و مع عدم ذكر الظهر و المغرب في اخبار قاعدة من ادرك كيف يقدم دليلها على أدلّة وجوب اتيان العمل في وقته.

[في الجواب عن اشكال المحقّق الحائري رحمه اللّه]

و الجواب عن اشكاله رحمه اللّه كما قلنا سابقا في جواب صاحب الجواهر رحمه اللّه لم يردّ فى آية و لا رواية كلمة الاختصاص حتّى يفسّر بعدم صحة الشريكة في وقت المختص بالآخر و نتمسك بإطلاقه بل ما يدلّ عليه رواية داود بن فرقد بأنّ مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت مختص بالظهر و مقدار اربع ركعات من آخر الوقت مختص بالعصر و لا دلالة فيها على عدم صحة الشريكة في وقت المختص بالآخر و لو بعضا.

[في كون القاعدة حاكمة على الادلة الاولية]

و ما دلّت عليه الروايات و أدلّة الأوليّة وجوب الإتيان بالصّلاة في وقتها اداء بتمام أجزائها لكن بعد ورود قاعدة من ادرك و صيرورتها عند المشهور مورد القبول

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 54

و صار ضعفها و ارسالها منجرا بعملهم بها تكون هذه القاعدة حاكمة على الأدلّة الاوليّة و مفسرة لها بأنّ تحقق عنوان الأدائية لا يكون متقوّما بكون جميع أجزائها واقعة في الوقت بل يحصل العنوان و لو بدرك الوقت مقدار ركعة و مع هذه القاعدة بإتيان صلاة العصر و لو بركعة منها في وقتها المختص بها يحصل امتثال الامر بايجاد الصلاة أداء و ليس في البين ما دلّ على وجوب التعجيل و المبادرة حتّى نقول بتعارض قاعده من ادارك مع الدليل الدال على التعجيل بالنسبة الى صلاة العصر و لو كان في البين دليل لكان الكاشف عنه الاجماع و الإطلاق مع كون الاجماع دليلا لبيا يقتصر على المتيقّن مع أنّه منصرف عن هذه الصورة.

و لو سلّمنا وجوب التعجيل و عدم كون القاعدة حاكمة على الأدلة الاوليّة لكن مقتضى أدلّة شرطية الترتيب و كون اتيان الظهر أوّلا من شرائط الوجوديّة لصلاة العصر لا بدّ من تقديم الظهر

ليتحقق الشرط و مع امكان اداء الظهر كذلك لا بد من تقديمها لإيجاد شرط وجود صلاة العصر كما دلّت على ذلك رواية الحلبي المتقدمة الواردة فيمن نسى الظهر و العصر ثمّ تذكر عند غروب الشّمس حيث قال عليه السّلام لأنّ كان في وقت لا يخاف قوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمّ ليصلّ العصر و أن هو خاف ان تفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخّرها فتفوته فتكون قد فاتتاه جميعا» «1» فأنّ ببركة قاعدة من أدرك يصدق على الشخص الناسي لصلاة الظهر و العصر أنّه لا يخاف فوت أحدهما بل يدرك كلا الصّلاة من اداء فوجب عليه إتيانهما بتقديم الظهر على العصر و أن كان بعض الظهر وقع في وقت العصر و بعض العصر وقع في خارج وقته لانّ ذلك بمقتضى الجمع بين الادلّة كما عرفت.

______________________________

(1)- الرواية 18 من الباب 4 من أبواب المواقيت الصلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 55

الكلام في معرفة الزوال و علامته

قد عرفت انّ وقت الظّهر يدخل بزوال الشّمس انّما الكلام في علامته قال صاحب الجواهر «1» (و يعلم الزوال) الّذي قد أنبطت الصّلاة به المعبّر عنه في الكتاب العزيز بدلوك الشّمس بأمور أشهرها فتوى و رواية زيادة الظلّ الحاصل للشاخص بعد نقصانه او حدوثه بعد انعدامه كما في مكّة و صنعاء و المدينة في بعض الأزمنة و هذه العلّامة اى زيادة الظلّ بعد نقصانه قد وردت في النصوص كما في مرفوعة سماعه «2» و خبر على ابن حمزه «3» و مرسل الفقيه «4» و امّا حدوثه بعد انعدامه فهى في بعض أيّام السنه فيها.

قال صاحب الجواهر و هذه العلّامة (اى زيادة الظل بعد نقصانه) مع أنّها لا خلاف فيها بين الأصحاب و دلّت عليها النصوص

السابقة و يشهد بها الاعتبار تامة النفع يتساوى فيها العامى و العالم اذ ليس هى الا وضع مقياس في الأرض بأىّ طور. «5»

أمّا العلّامة الثانية و هي ميل الشّمس الى جانب الحاجب الأيمن لمن أستقبل القبلة قال صاحب الجواهر هي لمن كان من اهل العراق فقد ذكرها غيره من الاصحاب بل في جامع المقاصد نسبتها إليهم لكن مع التقيد بما سمعت بل في المدارك

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 7، ص 99.

(2)- الرواية 1 من الباب 11 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 11 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 11 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- جواهر الكلام، ج 7، ص 102.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 56

و غيرها تقيده أيضا بمن كان قبلته نقطة الجنوب منهم كاطرافه الغربيّة دون اوساطه و أطرافه الشرقيّة. «1»

و أمّا البلاد الّتي قبلتها منحرفة عن نقطة الجنوب الى طرف المغرب فتعرف القبلة بهذه العلّامة بعد مضىّ زمان كثير.

أعلم ان المعتبر هو العلم بالزوال بأىّ طريق حصل و العلامتان المذكورتان ليس لهما الموضوعية بل لو ثبت بعلامة اخرى غيرهما يكفى لإتيان الصّلاة و لو لم تصر زيادة الظل محسوسة كما قال بعض من وجوب التأخير حتّى تصير زياده الظلّ محسوسة.

المطلب الرابع: في أوّل وقت المغرب
اشارة

قال العلّامة في التذكرة «2» أوّل وقت المغرب غروب الشّمس بإجماع العلماء و اختلف علمائنا في علامته فالمشهور و عليه العمل اذا ذهب الشفق المشرقى و قال بعضهم سقوط القرص و عليه الجمهور كافة و منشأ اختلاف الأصحاب في الغروب من كونه استتار القرص عن النظر او ذهاب الحمرة المشرقيّة اختلاف الاخبار فطائفة منها دالّة على كون الغروب يتحقّق باستتار القرص.

[في الاخبار الواردة في اوّل وقت المغرب]

منها ما رواه زرارة قال (قال ابو جعفر عليه السّلام وقت المغرب اذا غاب القرص فان رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصّلاة). «3»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 7، ص 104.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 310.

(3)- الرواية 17 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 57

و منها ما رواه جابر عن ابي جعفر عليه السّلام قال (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا غاب القرص أفطر الصائم و دخل وقت الصّلاة). «1»

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال وقت المغرب من حين تغيب الشّمس الى ان تشتبك النّجوم). «2»

و منها ما رواه داود بن أبى يزد قال (قال الصّادق جعفر بن محمد عليه السّلام اذا غابت الشّمس فقد دخل وقت المغرب). «3»

و منها رواية اسماعيل بن الفضل الهاشميّ عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّى المغرب حين يغيب الشّمس حيث تغيب حاجبها). «4»

و منها حديث 30 و 19 و 22 و 23 و 16 من الباب المذكور.

و طائفة منها دالة على تحقق المغرب بذهاب الحمرة من المشرق:

منها ما رواه على بن احمد بن أشيم عن

بعض اصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سمعته يقول وقت المغرب اذا ذهبت الحمرة من المشرق و تدرى كيف ذلك قلت لا قال لانّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا- و رفع يمينه فوق يساره- فاذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا). «5»

و منها مرسلة ابن ابي عمير عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال وقت سقوط

______________________________

(1)- الرواية 20 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 26 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 21 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 37 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 3 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 58

القرص و وجوب الافطار من الصيام ان تقوم بحذاء القبلة و تتفقد الحمرة الّتي ترتفع من المشرق فاذا جازت قمة الرأس الى ناحية المغرب فقد وجب الافطار و سقط القرص). «1»

و منها ما رواه الصدوق رحمه اللّه باسناده عن بكر بن محمد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (سأله سائل عن وقت المغرب فقال ان اللّه يقول في كتابه لإبراهيم فَلَمّٰا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأىٰ كَوْكَباً قٰالَ هٰذٰا رَبِّي «2» فهذا أوّل الوقت و آخر ذلك غيبوبة الشفق و أوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة و آخر وقتها الى غسق الليل يعنى نصف الليل). «3»

و منها ما رواه شهاب عبد ربّه قال (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام يا شهاب اني أحبّ اذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكبا). «4»

و منها ما رواه شريح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن وقت المغرب فقال إذا تغيّرت الحمرة

في الافق و ذهبت الصفرة و قبل ان تشتبك النجوم). «5»

و منها ما رواه العمّار الساباطى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال أنّ ما أمرت أبا الخطاب ان يصلّى المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشّمس فجعل هو الحمرة

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- سورة الانعام، الآية 7.

(3)- الرواية 6 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 9 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 12 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 59

الّتي من قبل المغرب و كان يصلّى حين يغيب الشّفق). «1»

و منها ما رواه عبد اللّه بن وضّاح (قال كتبت الى العبد الصالح عليه السّلام يتوارى القرص و يقبل الليل ثمّ يزد الليل ارتفاعا و تستتر عنّا الشّمس و ترتفع فوق الجبل حمرة و يؤذّن عندنا المؤذّنون أ فأصلّي حينئذ و أفطر أن كنت صائما او أنتظر يذهب الحمرة الّتي فوق الجبل فكتب إليّ أرى لك ان تنتظر حتّى تذهب الحمرة و تأخذ بالحائطة لدينك). «2»

و منها رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال (قال لى مسّوا بالمغرب قليلا فان الشّمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا). «3»

[في ذكر الاخبار الدالّة على كون المغرب ذهاب الحمرة المشرقية]

ثمّ أعلم أنّه في رواية محمد بن شريح لم يقيّد الحمرة بالمشرقيّة او ما يدلّ على كون المراد منها الحمرة المشرقيّة من مطلع الشّمس و غيره فيمكن ان يكون المراد الحمرة المغربيّة و على ذلك يكون المراد بيان آخر فضيلة وقت المغرب، و أن قلنا بقرينة الأخبار كون المراد الحمرة المشرقية و الذيل دالّ على بيان آخر وقت فضيلة المغرب، فعلى هذا

الرواية متعرضة لبيان كلا الوقتين أول الفضيلة و آخرها و المراد من تغيّرها هو تغيّرها الى السواد كما قال و ذهبت الصفرة.

و منها ما رواه بريد بن معاوية عن أبي جعفر (قال اذا غاب الحمرة من هذا الجانب- يعنى من المشرق- فقد غابت الشّمس من شرق الأرض و غربها). «4»

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 14 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 60

و مثل هذه الرواية 7 و رواية 11 من هذا الباب و الظاهر كلها رواية واحدة قد نقلها صاحب الوسائل بعنوان رواية 1 و 7 و 11 و لم يذكر في الرواية المغرب و الصّلاة و الصوم لكن الظاهر منها أنه عليه السّلام بصدد بيان محقّق المغرب الّذي يترتّب عليه في الشرع احكام من دخول وقت الصّلاة و جواز إفطار الصوم عند الغروب و غيرهما من الاحكام كما ان الظاهر من الرواية كون المراد بمشرق الارض و مغربها تمام الأراضى المتساوية السطح لارض المصلّى بحيث لا يرى الشّمس احد من سكّان هذا الأراضى لا صرف غروبها عن نظر ذلك المصلّى فقط- و نقل صاحب الوسائل في كتاب الحج في باب الإفاضة من عرفات بعض الاخبار الّذي دلّ على مذهب الإماميّة من كون محقّق الغروب ذهاب الحمرة المشرقية.

[في ما تقع المعارضة بين الاخبار]

ثمّ انّه كما ترى أنّ هذه الاخبار تعارض مع الاخبار المذكورة الدالة على ان الغروب بتحقق باستتار القرص فأن أمكن الجمع بينهما فهو و الّا لا بدّ من أعمال قاعده التعارض من الترجيح او

التساقط.

و ليكن على ذكرك ان التعارض بينهما في صورة كون المراد من غروب الشمس و استتارها عن نظر المصلّى و لو لوقوع مانع و حاجب مثل الجبل او كون المراد منه استتارها عن افق مكان المصلّى بحيث لا يراها احد من سكان هذا المكان و لو لم يكن في البين مانع من الجبل و غيره.

كما أنّه لو كان المراد من الغروب استتار الشّمس عن افق جميع الاراضى المتساوية لارض المصلّى من حيث الافق.

او كون المراد استتارها عن افق الحقيقي المنصّف لكرة الارض لا يكون بين الطائفتين تعارض و تكون الطائفة الثانية حاكمه على الطائفة الاولى و شارحة لها

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 61

بأنّ المراد من غيبوبة الشّمس أحد هذه المعانى فلا يكون بينهما تعارض اصلا كما قلنا بان الظاهر من رواية بريد بن معاوية ذلك المعنى اعنى غيبوبة الشّمس من جميع الاراضى المتساوية السطح لمكان المصلّى.

[في ترجيح الاخبار في الباب]

فان لم تقبل ما قلنا قلت و لا طريق للجمع بينهما فلا بدّ من ترجيح الأخبار الدالّة على كون المراد الحمرة المشرقية لانّ من المرجحات مخالفة العامة و لا ريب في ان تمام فرق المسلمين مخالف مع الاماميّة في هذا فتوى و عملا كما تراهم الآن يصلّون بمجرد استتار القرص و يفطرون صومهم فمع فتوى المشهور من الامامية على طبق هذه الاخبار و ان المراد من الغروب و غيبوبة الشّمس هو ذهاب الحمرة في مقابلهم يكشف كون فتواهم و عملهم بهذه الاخبار لا جل كون فتوى ائمتهم عليهم السّلام على ذلك و نقل هذه الأخبار عنهم عليهم السّلام على كون المراد من غيبوبة الشّمس استتارها صدت تقيّة و من المعلوم أن بنائهم على مراعاة التقية في مثل هذا

التى كانت عند تمام فرق المسلمين من الضروريّات و كان اعتقادهم ان عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على هذا أيضا.

ثمّ أن الظاهر من مرسلة ابن ابى عمير حركة الحمرة من المشرق الى المغرب تدريجا بعد تجاوزه عن قمة الرأس لكن الحس و الوجدان بخلاف ذلك لانّ المحسوس بالعيان رفع الحمرة من المشرق تدريجا و أسواد الافق و اذا تمّ الرفع يصير لونها ضعيفا الى ان لا ترى العين من الحمرة أثرا فعند ذلك توجد حمرة ضعيفة في جانب المغرب فوق الافق تنخفض بالتدريج مع الاشتداد الى أن غابت عن النظر بتمامها.

فأن أمكن حملها على ما ذكرنا من حدوث الحمرة في جهة المغرب و زوال الحمرة الّتي في جهة المشرق بعد تجاوزها عن قمة الرأس فالمستفاد منها ما دلّت عليه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 62

ساير الروايات.

كما أنّ المراد من غيبوبة الشّمس زوالها من جهة المشرق بالكليّة بحيث نظر الشخص الى تلك الجهة و لم ير الحمرة الّتي كانت موجودة فيها.

ثمّ انّه قد يجمع بين الطائفتين من الاخبار المتقدمة بوجهين آخرين الأوّل ما قاله العلّامة الحائرى رحمه اللّه في كتاب صلاته ص 14 من حمل أخبار الدالّة على اعتبار ذهاب الحمرة على الفضيلة و الاستحباب و لكن لا يمكن قبوله لانه تصرف في ظاهر هذه الأخبار من غير ان يدلّ عليه دليل.

و الجمع الثاني هو ان المراد بذهاب الحمرة هو ذهابها من الأفق و أن لم يصل الى قمة الرأس فضلا عن التجاوز عنها و الذهاب بهذا الحد مقارن لاستتار القرص.

و الجواب عنه ان المراد بزوال الحمرة و ذهابها هو ذهابها و زوالها بالكليّة بحيث لا ير الشخص الحمرة اصلا في جهة

المشرق كما دلت عليه مرسلة ابن ابى عمير.

[لا يكون المراد من الحمرة استتار القرص]

مع انّه لو كان المراد من الحمرة استتار القرص كما قاله سائر الفرق من المسلمين لا وجه للتعبير بغير استتار القرص و إلقاء الشبهة بين المسلمين في التعبير عن استتار القرص بشي ء آخر غير ما نفهم من الأخبار الدالّة على كون علامة دخول وقت المغرب استتار القرص مع كون عملهم على عدم الاختلاف و ايجاد الاتحاد مهما أمكن.

ان قلت لو كان عمل النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أصحابه على طبق ما يقوله الشيعة من كون محقق المغرب ذهاب الحمرة المشرقيّة فكيف لا يفهم المسلمون ذلك الى زمان صدور الأخبار من المعصوم عليه السّلام.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 63

قلت لا منافاة بين كون عمل النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك كما يقوله الاماميّة و مع ذلك يخفى على المسلمين عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعدم توجّه المسلمين و عدم اهتمامهم بضبط نحوة افعاله و خصوصياتها و كانوا مثل السمك في الماء لا يعلم ان حياته بالماء و بعد وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علموا ما فات منهم من البركات و حدث الاختلاف في الاحكام بعد هذه المصيبة العظمى و توجّهوا بانهم لم يستفيدوا منه كما هو حقّه فعلى ما ذكرنا لا وجه للجمع بين الأخبار الّا بما قلنا و لو لم يقبل و تصل التوبة الى الترجيح فالترجيح مع الطائفة الثانية لمخالفتها مع العامّة و مع كون عمل المشهور على طبقها.

[في ان مال المحقّق البهبهاني رحمه اللّه الى القول باستتار القرص]
اشارة

قد مال المحقّق الوحيد البهبهانى رحمه اللّه الى القول باستتار القرص على ما نقله صاحب الجواهر رحمه اللّه عنه لبعض الاخبار المتقدمة مع وجه آخر و هو انّه لو اعتبرت الحمرة

المشرقيّة من حيث دلالتها على زوال القرص في الغروب لاعتبرت المغربيّة بالنسبة الى الطلوع المعلوم خلافه «1» و مراده رحمه اللّه أن ذهاب الحمرة لو كان دليلا على الغروب بالنسبة الى وقت المغرب لكان وجود الحمرة المغربيّة في الصبح دليلا على طلوع الشّمس لانّ بذهابها زالت الشّمس بقولكم فبوجدها طلعت الشّمس فعلى هذا لو أخّر صلاة الصبح الى وقت ظهور الحمرة المغربيّة صارت قضاء لكون ظهور الحمرة دالا على طلوع الشّمس مثل ذهابها الدال على زوال الشمس.

[ردّ صاحب الجواهر كلام المحقّق البهبهاني]

و قد ردّه صاحب الجواهر بأربعة وجوه فمن أراد فاليراجع.

و يمكن القول بالفرق بين المقامين بأن المناط في صلاة المغرب بدخول الليل و التعبير بالغروب من أجل ما عليه المسلمون و صلاة المغرب من الصّلاة الليليّة

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ص 118، ج 7.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 64

فلا بدّ من وقوعها في الليل و الليل لا يتحقّق الا بغيبوبة الشّمس مع زوال الحمرة المشرقيّة.

بخلاف صلاة الصبح فإنّها من الصلوات اليوميّة و الاعتبار فيها بطلوع الشّمس و لا يضرّ ظهور الحمرة المغربيّة في جهة المغرب كما يظهر ذلك من رواية بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال سأله سائل عن وقت المغرب فقال أن اللّه تعالى يقول في كتابه لابراهيم فَلَمّٰا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأىٰ كَوْكَباً قٰالَ هٰذٰا رَبِّي «1» فهذا اوّل الوقت و آخر ذلك غيبوبة الشفق). «2»

(و كذا يظهر من قوله تعالى أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «3») لانّ حكم صلاة المغرب و الافطار من حيث الوقت واحد و قد علقهما اللّه تعالى بدخول الليل و علامة دخوله ذهاب الحمرة المشرقيّة من قمة الرأس لا نفس الاستتار.

فعلى ما قلنا و قاله المشهور من ان وقت

صلاة المغرب زوال الحمرة المشرقيّة يمتدّ وقت صلاة العصر الى الزوال لعدم الفصل بين أخر وقت العصر و أوّل وقت المغرب لأنّ آخر صلاة العصر الغروب و أوّل وقت صلاة المغرب الغروب و بعد وضوح الغروب في كلام الشارع بذهاب الحمرة المشرقيّة فيكون المراد منه ذلك مطلقا و في كل مورد يكون الغروب مبدأ لشي ء او منتهاه.

كما ظهر بذلك وقت صلاة العشاء حيث يكون وقتها بعد مقدار ثلاث ركعات بعنوان صلاة المغرب لأنّ المستفاد من الاخبار كون دخول وقت كلا الصلاتين

______________________________

(1)- سورة الانعام، الآية 76.

(2)- الرواية 6 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- سورة البقرة، الآية 178.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 65

بغروب الشّمس ألّا أنّ هذه قبل هذه و من جملة هذه الاخبار رواية عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (اذا غربت الشّمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل ألّا أنّ هذه قبل هذه). «1»

المطلب الخامس: في آخر وقت المغرب
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه في تذكرة الفقهاء مسئلة 31 و آخره للفضيلة الى ذهاب الشفق و للاجزاء الى ان يبقى لانتصاف الليل قدر العشاء لانّ عبد اللّه بن عباس قال الحائض تطهر قبل طلوع الفجر فتصلّى المغرب و العشاء و لو لم يكن الوقت ممتدّا لما وجب لان عذرها قد عمّ الوقت.

و من طريق الخاصّة قول الصادق عليه السّلام ان اللّه أفترض اربع صلوات صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشّمس الى غروبها ألّا أنّ هذه قبل هذه و اثنان وقتهما من غروب الشّمس إلى انتصاف الليل ألّا أنّ هذه قبل هذه و لأنّ وقت العشاء يمتدّ الى الانتصاف فتكون المغرب مساوقة لها لأنّهما صلوتا جمع فيشترك وقتاهما كالظهر و العصر و قال

الشّيخ و المرتضى و ابن أبى عقيل آخره للمختار الى ذهاب الشفق و للمضطرّ الى الانتصاف بقدر العشاء و في قول آخر للشيخ آخره ثلث الليل و فى رواية الى ربع الليل و به قال ابن الجنيد و هو قول المرتضى و للمضطر الى ان يبقى لطلوع الفجر قدر العشاء.

و قال الثورى و ابو حنيفة و أحمد و اسحاق و داود و ابو ثور و ابن المنذر

______________________________

(1)- الرواية 24 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 66

و الزهرى آخره غيبوبة الشفق المغربى و حكاه ابو ثور عن الشافعى لأنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال (وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق و ثور الشفق هو انتشار الشفق و قال الشافعى فى الجديد و القديم أنّ لها وقتا واحدا و هو قول مالك و هو يدخل بسقوط جميع القرص و قال مالك يمتدّ وقتها الى طلوع الفجر و به قال عطاء و طاوس كما يقول فى الظهر و العصر). «1»

و امّا اختلاف علمائنا فى هذه المسألة لأجل اختلاف الروايات واردة فهى على طوائف:

الطائفة الاولى: ما دلّت على ضيق وقت المغرب:

فمنها رواية زيد الشحام (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت المغرب فقال ان جبرئيل أتى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكلّ صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فان وقتها واحدة و أنّ وقتها وجوبها). «2»

و منها رواية أديم بن الحرّ (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه يقول أنّ جبرئيل آمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالصلوات كلّها فجعل لكل صلاة وقتين ألا المغرب فانّه جعل لها وقتا واحدا. «3»

فهذان الخبرين يدلّان على الضيق اما

حيث لم يكن فى علمائنا القائل بالضيق فلا بد من حملهما على شدّة كراهة التأخير و مع دلالة الأخبار الآتية على التوسعة فلا يمكن الآخذ بهذين الخبرين.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ح 2، ص 311- 312.

(2)- الرواية 1 من الباب 18 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 11 من الباب 18 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 67

الطائفة الثانية: ما دلت على امتداد وقته الى زوال الشّفق:

منها ما رواه حريز عن زرارة و الفضيل قالا (قال ابو جعفر عليه السّلام ان لكلّ وقتين غير المغرب فان وقتها واحد و وقتها وجوبها و وقت فوتها سقوط الشّفق). «1»

و منها رواية اسماعيل بن مهران (قال كتبت الى الرضا عليه السّلام (الى ان قال) فكتب كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق و آخر وقتها ذهاب الحمرة و مصيرها الى البياض في افق المغرب). «2»

و منها ما رواه اسماعيل بن جابر عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشّمس الى سقوط الشّفق). «3»

و منها ما رواه عن بكر بن محمد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (الى أن قال) (و آخر ذلك غيبوبة الشّفق).

لكن لا بدّ من حمل هذه الاخبار على كونها بصدد بيان الوقت الأوّل للمغرب بقرينة الاخبار الآتية الدالة على امتداد وقت صلاة المغرب الى ربع الليل او نصفها او الى الفجر و حمل ذلك الأخبار على بيان وقت الثاني للمغرب.

و المراد من الوقت الأوّل وقت الفضيلة و من الوقت الثانى وقت الأجزاء.

الطائفة الثالثة: ما دلّت على امتداد وقت المغرب الى ربع الليل او ثلث الليل:

منها ما رواه عمر بن يزيد عمّن قال (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام وقت المغرب فى

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 18 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 18 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 14 من الباب 18 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 68

السفر الى ثلث الليل). «1»

و منها ما رواه عمر بن يزد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال وقت المغرب فى السفر الى ربع الليل). «2»

و منها ما رواه عمر بن يزيد (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام وقت

المغرب فى السفر الى ربع الليل). «3»

ذكره فى الوسائل مكررا و لا بدّ من حمل هذه الطائفة أيضا على بيان مراتب الفضيلة بقرينة الأخبار الآتية الدالّة على امتداد وقت صلاة المغرب الى الانتصاف او الى الفجر.

الطائفة الرابعة: ما دلّت على امتداد وقت صلاة المغرب الى ان يبقى من انتصاف الليل مقدار اربع ركعات.

منها رواية داود بن الفرقد عن بعض اصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (الى ان قال) (فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّى المصلّى اربع ركعات و اذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقى وقت العشاء الى انتصاف الليل). «4»

و منها ما رواه عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا غربت الشّمس

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 69

فقد دخل وقت الصّلاتين الى نصف الليل). «1»

و منها مرسلة الكلينى و روى أيضا الى نصف الليل. «2»

الطائفة الخامسة: ما دلّت على امتداد وقت المغرب الى ان يبقى من الفجر اربع ركعات.
اشارة

فبعضها دال على امتداد الوقت الى الفجر مطلقا.

مثل رواية عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال لا تقوت الصّلاة من أراد الصّلاة لا تقوت صلاة النّهار حتّى تغيب الشّمس و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس). «3»

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 3، ص: 69

و بعضها واردة فى خصوص الحائض

مثل رواية ابى الصباح الكنانى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء و ان طهرت قبل ان تغيب الشّمس صلّت الظهر و العصر). «4»

و رواية عمر بن حنظلة عن الشيخ عليه السّلام (قال اذا طهرت

المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء و ان طهرت قبل ان تغيب الشّمس صلّت الظهر و العصر). «5»

______________________________

(1)- الرواية 24 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 13 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 9 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 49 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 12 من الباب 49 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 70

و رواية داود الزّجاجىّ عن أبى جعفر عليه السّلام (قال اذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشّمس صلّت الظهر و العصر و أن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب و العشاء الآخرة). «1»

و رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا ظهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر و العصر و أن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب و العشاء). «2»

[في ذكر بعض الاخبار في خصوص النائم و الساهى]

و بعضها واردة فى خصوص النائم و السّاهي.

مثل رواية أبى بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال إن نام رجل و لم يصلّ صلاة المغرب و العشاء او نسى فأن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كليتهما فليصلّهما و أن خشى أن تقوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة و أن أستيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب العشاء الآخرة قبل طلوع الشّمس فأن خاف ان تطلع الشّمس فتفوته أحدى الصلاتين فليصلّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها ثمّ ليصلّها). «3»

و رواية ابن مسكان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال أن نام رجل او نسى ان يصلّى المغرب و العشاء الآخرة فأن أستيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما

كليتهما فليصلّهما و أن خاف ان توفته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة و أن أستيقظ بعد الفجر فليصلّ

______________________________

(1)- الرواية 11 من الباب 49 من أبواب الحيض من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 49 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 62 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 71

الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشّمس). «1»

و كذا روى عبد اللّه بن سنان مثله. «2»

و يستفاد من هذه الطائفة امتداد وقت المغرب الى طلوع الفجر و تخالف مع الطائفة الرابعة الدالّة على امتداد وقتها الى انتصاف الليل و لا يمكن رفع اليد عن الطائفة الخامسة من جهة السند لانّ فيها الرواية الصحيحة و لا يمكن حملها على التقيّة لأنّه كما عرفت من العامة لم يقل أحد بامتداد الوقت الى طلوع الفجر الّا مالك فلا وجه لحمل هذه الطائفة على صدورها تقية لانّ أكثرهم مخالف مع المالك فى هذا الحكم فلم يكن الحكم بينهم مشهورا يقال ان الرشد في خلافهم.

[كلام الشيخ صريح في عدم اعراض المشهور]

كما انّه لا يمكن دعوى الاعراض بأنّ المشهور أعرضوا عن هذه الاخبار الدالّة على الامتداد الى طلوع الفجر فيسقط عن الحجيّة لانّ الشّيخ نقل فى المبسوط و الخلاف من الاماميّة القول بامتداد وقت المغرب الى طلوع الفجر. «3»

و أختار هذا القول صاحب المدارك بالنسبة الى المضطرّ قال في المدارك و المعتمد امتداد وقت الفضيلة الى ذهاب الشفق و الاجزاء للمختار الى ان يبقى للانتصاف قدر العشاء للمضطر الى ان يبقى ذلك من الليل و هو اختيار المصنف رحمه اللّه فى المعتبر. «4»

و قال أيضا في المدارك و حكى فى المبسوط عن بعض علمائنا قولا بامتداد

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 62

من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 62 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- المبسوط، ج 1، ص 74- 75؛ الخلاف، ج 1، ص 261، مسئلة 6.

(4)- المدارك، ج 3، ص 54.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 72

وقت المغرب و العشاء الى طلوع الفجر. «1» و هذا المقدار كاف فى عدم ثبوت الأعراض مضافا الى ان الشّيخ قال فى موضع من الخلاف اذا ادرك بمقدار يصلّ فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف و أن أدرك أقلّ من ذلك لم يلزمه عندنا و كذلك القول في المغرب و العشاء الآخرة قبل طلوع الفجر «2» و هذا صريح فى عدم أعراض المشهور.

ثمّ أنّه قد يقال بتوهّم التعارض بين هذا الكلام الظاهر فى كون امتداد وقتهما الى الفجر اجماعيا عند الخاصّة و العامّة، مع الكلام السابق من كون امتداد وقتهما منسوب من بين العامّة الى المالك، و مقتضاه عدم كون الامتداد إجماعيّا، لكن يدفع هذا التوهّم بأنّ العامة مع قولهم بكون الوقتين متباينين فى الظهر و العصر و المغرب و العشاء لكن المسلم عندهم جواز الجمع بين الصلاتين في بعض الموارد مثل السفر و ضيق الوقت و المطر مثلا، كما قال الاماميّة مطلقا، لكن الوجه في جواز الجمع عندهم غير الوجه عند الاماميّة لانّ الوجه عند الاماميّة بقاء وقت صلاة الاولى مع دخول وقت الثانية، فاذا صلّى بعد الزوال صلاة الظهر ثمّ بلا فصل العصر فقد وقع كليهما فى الوقت، لانّ وقت العصر دخل بمجرد الفراغ من الظهر، و كذلك لو صلّى فى آخر الوقت كليهما لانّ الظهر وقع فى وقته لبقاء الوقت بمقدار اربع ركعات بالمغرب، فعلى هذا لا يختص جواز الجمع بين الصلاتين

بمورد خاص من العذر و المطر و العلّة و السفر، بل يجوز فى كل مورد كما عرفت الروايات الدالة على اشتراك الظهرين فى الوقت و كذا العشاءين، ألّا أنّ هذه قبل هذه.

______________________________

(1)- المدارك، ج 3، ص 54.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 272، مسئلة 14.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 73

و أمّا وجه الجمع عند العامّة ليس من جهة بقاء وقت الأوّل و دخول وقت الثّاني، بل من باب وقوع أحدى الصلاتين فى الوقت المختص بالاخرى، و كان إحداهما صارت ضيقا لوقوع الاخرى فى وقتها، و ذلك يحتاج الى دليل خاص كما ورد فى السفر و المطر و العلّة و الضيق، فعلى هذا ظهر كون مورد الّذي ادّعى الشيخ رحمه اللّه عدم الخلاف فيه هو مورد الاتفاق بين الخاصّة و العامّة و ان كان الوجه عند العامة، الضيق و عند الامامية بقاء وقت كليهما فظهر عدم أعراض المشهور عن أخبار بقاء وقت المغرب و العشاء الى الفجر و لو فى خصوص مواردها.

و بعد كون رواية عبيد بن زرارة لا يمكن الاعتماد عليها لضعف سندها.

فهل يؤخذ بأخبار الواردة فى خصوص النائم و الساهى و الحائض فيكون الوقت. فى حقهم أوسع و يمتدّ الى طلوع الفجر او يتعدّى الى كل ذى عذر بإلقاء خصوصية مواردها او يتعدى حتّى الى العامد و يقال باستفادة الاطلاق منها و أن كان بالنسبة العامد يقال بعصيانه بالتأخير عن نصف الليل و ان كانت صلاته مجز لكنة عاص بالتأخير لاجل الأخبار الدالة على حرمة التأخير عن انتصاف الليل وجوه.

و لا يخفى ان الظاهر من الأخبار الواردة فى خصوص الحائض هو وجوب إتيان الصلاة عليها لبقاء وقتها و امتدادها الى الفجر.

[الجمع بين الطائفتين الرابعة و الخامسة]
اشارة

فبعد عدم ثبوت الاعراض

و استفاده العموم من الطائفة الخامسة لا بد من الجمع بين الطائفة الرابعة و الخامسة بأحد وجوه الثلاثة:

الوجه الاول [حمل ما دل على امتداد الوقت الى الانتصاف على بيان آخر وقت المختار]

: ان يحمل أخبار الدالة على امتداد الوقت الى الانتصاف على بيان آخر وقت المختار و الأخبار الدالّة على امتداد الوقت الى الفجر على بيان آخر

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 74

وقت المضطر.

الوجه الثانى: ان يحمل أخبار الدالّة على الانتصاف على بيان آخر وقت الفضيلة

و أخبار الدالة على الفجر على بيان آخر وقت الاجزاء.

و الجمع بهذين الوجهين دالّ على شي ء واحد و هو بيان ذكر الوقتين لكلّ صلاة أمّا بالاختيار و الاضطرار كما قال به الشيخ رحمه اللّه و من تبعه و امّا بالفضيلة و الأجزاء كما قال غيرهم و هذا هو الاقوى.

الوجه الثالث [حمل الطائفة الخامسة على التقية]

: ان يحمل اخبار الدالّة على امتداد الوقت الى الفجر على التقية لموافقتها مع العامة، امّا مطلقا كما قال به المالك، و امّا فى موارد جواز الجمع كما قال به غيره، فلا بدّ من طرحها و الأخذ باخبار الانتصاف لانّ هذه الاخبار فى مقام بيان الحكم الواقعى، و هذا الوجه هو المستفاد من فتاوى الاصحاب قدس اللّه أسرارهم فى كتبهم المعدّة لذكر فتاواهم و ان كان الجمع بينهما باحد الوجهين المتقدمين مقدما لانّهما من الجمع الدلالى و هو مقدم على الجمع بهذا النحو فبناء على عدم ثبوت الاعراض كما قلنا فطرح الاخبار مشكل و الأحوط عدم قصد الأداء و القضاء بالنسبة الى الحائض و النائم و الساهى بعد انتصاف الليل و الإتيان بقصدها فى الذمّة.

المطلب السادس: فى بيان أوّل وقت العشاء
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه في تذكرة الفقهاء مسألة 32 أوّل وقت العشاء عند الفراغ من فريضة المغرب لكن الأفضل تأخيرها الى سقوط الشفق و هو اختيار المرتضى فى الجمل و ابن الجنيد لما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ان النبي عليه السّلام جمع بين المغرب و العشاء من غير خوف و لا سفر و فى رواية أخرى من غير خوف و لا مطر

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 75

و من طريق الخاصّة قول الصادق عليه السّلام اذا غربت الشّمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل ألا أن هذه قبل هذه.

و عن الصادق عليه السّلام صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المغرب و العشاء قبل الشفق من غير علة فى جماعه.

و للشيخ قول آخر أول وقتهما سقوط الشفق و هو قول آخر للمرتضى و قول الجمهور كافة لانّ جبرئيل أمر النبي صلّى اللّه عليه

و آله و سلّم أن يصلّى العشاء حين غاب الشفق و فى اليوم الثانى حين ذهب ثلث الليل و هو محمول على الاستحباب. «1»

مسألة 33 و اختلفوا فى الشفق فذهب أصحابنا الى انّه الحمرة لا البياض و به قال ابن عمرو ابن عباس و عطاء و مجاهد و سعيد بن جبير و الزهرى و مالك و الشافعى و الثورى و ابن أبى ليلى و أحمد و إسحاق و أبو ثور و داود و ابو يوسف و محمد لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الشفق الحمرة فاذا غاب الشفق و جيت الصّلاة و قال ابو حنيفة و زفر و الاوزاعى و المزنى انّه البياض لانّ أبا مسعود الانصارى قال رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلى هذه الصّلاة حين يسود الأفق و لا حجة فيه لانه اذا غابت الحمرة اسود الافق لانّ البياض ينزل و يخفى على انّه يجوز تأخيرها الى ذلك.

و حكي عن أحمد ان الشفق البياض فى الحضر لانّ فى الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران فاذا غاب البياض علم الدخول. «2»

اذا عرفت ما قلنا علمت أن أوّل وقت العشاء عند اصحابنا رضوان اللّه تعالى

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 312، مسألة 32.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 313- 314، مسئلة 33.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 76

عليهم مختلف فيه فبعضهم مثل الشّيخ فى قول و كذا المرتضى فى قول ان أوّل وقت العشاء غيبوبة الشفق.

و القول المشهور بينهم ان أوّل وقت العشاء غيبوبة الشّمس و مضى مقدار صلاة المغرب لانّ الصادق عليه السّلام قال اذا غربت الشّمس فقد دخل وقت الصلاتين الا ان هذه قبل هذه.

و امّا

عند العامة فهو سقوط الشفق و غيبوبتها بمعنى البياض و دليلهم استمرار عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و ليكن على ذكرك ان استمرار عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على تأخير اتيان العشاء لا يدلّ على عدم دخول وقتها قبل زوال الشفق بل كان عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمراعاة فضيلة وقت العشاء و درك فضيلة الجماعة كما دلّ على ذلك ما رواه ابن عباس من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بين الصلاتين من غير خوف و لا علّة و هذا الخبر عند العامّة مردود لانّه على خلاف مسلكهم.

[وجه اختلاف الاقوال عندنا اختلاف الاخبار]

و امّا وجه الاختلاف فى أوّل وقت العشاء عندنا هو اختلاف الاخبار الواردة فبعضها دل على جواز اتيان العشاء قبل سقوط الشفق و بزوال يدخل وقت المغرب و العشاء الا ان هذه قيل هذه.

[في ذكر الاخبار الواردة في بيان اوّل وقت العشاء]

الرواية الاوّلى: ما رواه زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال اذا زالت الشّمس دخل الوقتان الظهر و العصر و اذا غابت الشّمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة). «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 77

الرواية الثانية: مرسلة الصّدوق قال (قال الصادق عليه السّلام اذا غابت الشّمس فقد حل الافطار و وجبت الصّلاة و اذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة). «1»

الرواية الثالثة: مرسلة داود بن فرقد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا غابت الشّمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضى مقدارها يصلى المصلّى ثلاث ركعات فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلى المصلّى اربع ركعات و اذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقى وقت العشاء الى انتصاف الليل). «2»

الرواية الرابعة: ما رواه عبيد بن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا غربت دخل وقت الصلاتين ألّا ان هذه قبل هذه). «3»

الرواية الخامسة: ما رواه زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة فى جماعة و أنّ ما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته). «4»

الرواية السادسة: ما رواه اسماعيل بن مهران (قال كتبت الى الرضا عليه السّلام ذكر أصحابنا أنه اذا زالت الشّمس

فقد دخل وقت الظهر و العصر و اذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة ألا ان هذه قبل هذه فى السفر و الحضر و ان وقت المغرب الى

______________________________

(1)- الرواية 19 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 11 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 78

ربع الليل فكتب كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق). «1»

الرواية السابعة: ما رواه زرارة (قال سألت أبا جعفر و أبا عبد اللّه عليهما السّلام عن الرجل يصلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقالا لا بأس). «2»

الرواية الثامنة: ما رواه إسحاق بن عمّار (قال سألت أبا عبد اللّه يجمع بين المغرب و العشاء فى الحضر قبل أن يغيب الشّفق من غير علة قال لا بأس). «3»

الرواية التاسعة: ما رواه عبيد اللّه و عمران ابني على الحلبيين (قالا كنّا نختصم فى الطريق فى الصّلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق و كان منّا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على أبى عبد اللّه فسألناه عن الصّلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال لا بأس بذلك قلنا و أىّ شي ء الشفق فقال الحمرة). «4»

الرواية العاشرة: ما رواه إسحاق البطيخى (قال رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ثمّ ارتحل). «5»

الرواية الحادية عشرة: ما رواه الحلبى عن ابى عبد اللّه فى حديث (قال لا بأس بأن تعجّل العشاء الآخرة فى السفر قبل ان يغيب الشّفق). «6»

الرواية الثانية عشرة: ما رواه ابو عبيده (قال سمعت أبا جعفر يقول كان

______________________________

(1)- الرواية

14 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 7 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(6)- الرواية 4 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 79

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا كانت ليلة مظلمة و ريح و مطر صلّى المغرب ثمّ مكث قدر ما يتنفّل الناس ثمّ أقام مؤذنه ثمّ صلّى العشاء الآخرة ثمّ انصرفوا). «1»

الرواية الثالثة عشرة: ما رواه عبيد بن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (فى قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ قال ان اللّه أفترض أربع صلوات وقتها زوال الشّمس الى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشّمس الى غروب الشّمس ألّا أن هذه قبل هذه و منها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل ألّا ان هذه قبل هذه). «2»

الرواية الرابعة عشرة: ما رواه جميل بن درّاج (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام ما تقول فى الرجل يصلّى المغرب بعد ما يسقط الشفق فقال لعلّة لا بأس قلت فالرجل يصلّى العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق قال لعلّة لا بأس). «3»

فيستفاد من هذه الاخبار جواز اتيان صلاة العشاء قبل سقوط الشفق و بعد اداء صلاة المغرب اما مطلقا او فى السفر او لعلّة.

[في ذكر الاخبار الدالّة على دخول وقت العشاء بعد سقوط الشفق]

و في قبال هذه الاخبار أخبار أخر الدالة على عدم دخول وقت العشاء الآخرة قبل ذهاب الشفق و أول وقتها بعد سقوط الشفق أعنى الحمرة.

منها

ما رواه عمران بن على الحلبىّ (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام متى تجب العتمة قال اذا غاب الشفق و الشفق الحمرة فقال عبيد اللّه أصلحك اللّه أنّه يبقى بعد

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 19 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 80

ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان الشفق انّما هو الحمرة و ليس الضوء من الشّفق). «1»

و منها ما رواه بكر بن محمد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن وقت المغرب فقال اذا غاب القرص ثمّ سألته عن وقت العشاء الآخرة فقال اذا غاب الشفق قال و آية الشفق الحمرة ثمّ قال بيده هكذا). «2»

و منها ما ورد فى حديث بكر بن محمد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال و أوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة و آخر وقتها الى غسق الليل يعنى نصف الليل). «3»

[الجمع بين الاخبار بحمل الطائفة الثانية على التقية]

فلا بدّ فى مقام الجمع بين الطائفتين بحمل الطائفة الثانية على التقية لاتفاق العامة على عدم دخول وقت العشاء قبل ذهاب الشفق و عدم جواز إتيانها و كثرة روايات الطائفة الاولى مع كون الشهرة المحققة من زمان العلّامة رحمه اللّه على طبقها بل القائل بهذا القول قبل زمان العلامة كثير و بهذا يظهر الاشكال فى ما قاله الشيخ رحمه اللّه فى الخلاف «4» من أن بعد الشفق اتيان صلاة العشاء متيقّن جوازها و امّا قبل الشفق مشكوك وجه الاشكال ظهور أخبار الطائفة الاولى فى دخول وقت العشاء بمجرد إتيان المغرب و مع كونها مخالفة للعامة

لا يمكن رفع اليد عنها فلا بدّ من العمل على طبقها للشهرة و لكونها فى خلاف العامة و كلاهما من المرجحات.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 23 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 23 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الخلاف، ج 1، ص 262، مسئلة 7.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 81

المطلب السابع: فى بيان آخر وقت صلاة العشاء
[في ذكر الاقوال العامّة و الامامية]

قال العلّامة رحمه اللّه فى التذكرة الرابعة ان وقت العشاء يمتد الى نصف الليل و هو مذهب الاكثر و قال المفيد فى المقنعة و الشّيخ فى جملة من كتبه آخره ثلث الليل و قال فى المبسوط آخره ثلث الليل للمختار و نصف الليل للمضطر و حكي عن بعض علمائنا امتداد الوقت للمضطر الى طلوع الفجر و المعتمد امتداد وقت الاجزاء للمختار الى الانتصاف و للمضطر الى طلوع الفجر «1» نقل الشّيخ فى الخلاف «2» اقوال أربعة عن العامّة:

القول الاوّل: امتداد وقت العشاء الى ربع الليل.

القول الثانى: امتداد وقت العشاء للمختار الى نصف الليل و للمضطر الى طلوع الفجر.

القول الثالث: امتداد وقت العشاء الى طلوع الفجر مطلقا.

القول الرابع: امتداد وقت العشاء الى الثلث للمختار و الى الفجر للمضطر.

و امّا عند الامامية رضوان اللّه تعالى عليهم أيضا أربعة:

الاول: كون آخر وقت العشاء الفجر.

و الثانى: نصف الليل.

و الثالث: ربعها.

و الرابع: ثلثها.

و القول المعروف بينهم هو الثانى و القول الأوّل شاذ عندهم و الاخبار الدالة

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 59 و 60.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 265، مسألة 8.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 82

عليه يحمل على التقية لانّ القول بامتداد وقت العشاء الى الفجر كان معروفا عند العامّة و هذه الاخبار مخالفة لما عليه

المشهور من الامامية فلا يجوز العمل على طبقها.

[في ذكر الاخبار الدالّة على كون آخر وقت العشاء انتصاف الليل]

و امّا الاخبار الدالة على كون آخر وقت العشاء انتصاف الليل فنذكرها.

منها ما رواها زرارة (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عمّا فرض اللّه عزّ و جل من الصّلاة فقال خمس صلوات فى الليل و النّهار فقلت هل سمّاهنّ اللّه و بينهنّ فى كتابه قال نعم قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ و دلوكها زوالها و فيما بين دلوك الشّمس الى غسق الليل أربع صلوات سمّاهن اللّه و بينهنّ وقتهنّ و غسق الليل هو انتصافه ثمّ قال تبارك و تعالى قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً فهذه الخامسة). «1»

و منها مرسلة الصّدوق قال (قال الصادق عليه السّلام اذا غابت الشّمس فقد حلّ الافطار و وجبت الصّلاة و اذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة الى انتصاف الليل). «2»

و منها ما رواها داود بن فرقد عن بعض اصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا غابت الشّمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضى مقدار ما يصلّى المصلّى ثلاث ركعات فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّى المصلّى اربع ركعات و اذا بقى مقدار ذلك فقد خرج

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 2 من أبواب اعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 83

وقت المغرب و بقى وقت العشاء الى انتصاف الليل). «1»

و منها ما رواها معلّى بن خنيس عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال آخر وقت العتمة نصف الليل). «2»

[في حمل ما دلّت على كون آخر وقت العشاء الى الثلث على الفضيلة]

و امّا ما يدلّ على امتداد وقت العشاء الى الثلث فروايتان:

الرواية الاولى:

ما رواها معاوية ابن وهب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال أتى جبرئيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشّمس فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر ثمّ أتاه حين غربت الشّمس فأمره فصلى المغرب ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح ثمّ أتاه من الغد الى ان قال ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح ثمّ قال ما بينهما وقت). «3»

الرواية الثانية: ما رواها ذريح عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال أتى جبرئيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأعلمه مواقيت الصّلاة الى أن قال و صلّى العتمة حين ذهب ثلث الليل ثمّ قال ما بين هذين الوقتين وقت). «4»

فالجمع بينهما و الروايات الدالة على أن آخر وقت العشاء انتصاف الليل بحمل هاتين الروايتين على وقت الفضيلة و حمل الروايات الدالة على كون آخر وقت

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 8 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 84

العشاء نصف الليل على الأجزاء.

المطلب الثامن: فى وقت صلاة الفجر أوّلا و آخرا
اشارة

قال العلّامة عليه السّلام فى تذكرة الفقهاء أوّل وقت الغداة طلوع الفجر الثاني و هو البياض المعترض فى أفق السماء و يسمى الصبح الصادق لانه صدقك عن الصبح و سمّى صبحا لانّه جمع بين حمرة و بياض و لا عبرة بالاول الكاذب

الخارج مستدقا صاعدا كذنب السرحان و يسمى الخيط الأسود و هو قول العلماء كافة. «1»

قال أيضا و أخر وقتها للفضيلة حين يسفر الصبح و للأجزاء الى طلوع الشّمس و به قال ابو حنيفة و قال الشّيخ وقت المختار الى ان يسفر الصبح و للمضطر الى طلوع الشّمس و به قال الشافعى و أحمد. «2»

قال صاحب المدارك أجمع العلماء كافة على ان أوّل وقت الصبح طلوع الفجر الثّاني المستطير فى الافق اى المنتشر الّذي لا يزال فى زيادة و يسمى الصادق لانّه يصدق من رواه عن الصبح و يسمى الأوّل الكاذب و ذنب السرحان لخروجه مستدقا مستطيلا كذنب السرحان. «3»

و اختلف الاصحاب فى آخره فذهب المفيد رحمه اللّه فى المقنعة و الشيخ فى جملة من كتبه و المرتضى و ابو الصلاح و ابن البراج و ابن زهره و ابن إدريس الى طلوع الشّمس.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 316، مسئلة 35 و 36.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 316، مسئلة 35 و 36.

(3)- مدارك الاحكام، ج 3، ص 61.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 85

قال الشّيخ فى الخلاف وقت المختار الى ان يسفر الصبح و وقت المضطر الى طلوع الشّمس و قال ابن أبى عقيل آخره للمختار طلوع الحمرة المشرقية و للمضطر طلوع الشّمس و المعتمد الاوّل. «1»

[في الاخبار الدالّة على كون أوّل صلاة الفجر طلوع الفجر الصّادق]

و قد عرفت ممّا ذكرنا من عبارت تذكرة الفقهاء و مدارك الاحكام اتفاق المسلمين على أن أوّل وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثانى أعنى الصادق و مضافا الى دعوى الاجماع تدلّ عليه الروايات الكثيرة:

منها ما رواها على بن عطية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال الصبح (الفجر) هو الذي اذا رأيته كان معترضا كانّه بياض نهر سوراء).

«2»

و منها ما رواها ليث المرادي (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت متى يحرم الطعام و الشراب على الصائم و تحلّ الصّلاة الصّلاة الفجر فقال اذا أعترض الفجر فكان كالقبطيّة البيضاء فثمّ يحرم الطعام على الصائم و تحل الصّلاة صلاة الفجر قلت أ فلسنا فى وقت الى ان يطلع شعاع الشّمس قال هيهات أين يذهب بك تلك صلاة الصّبيان). «3»

و منها ما رواه هشام بن الهذيل عن أبى الحسن الماضى عليه السّلام (قال سألته عن وقت صلاة الفجر فقال حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء). «4»

و منها مكاتبة ابى الحسن بن الحصين الى أبى جعفر الثاني عليه السّلام (معى جعلت

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، ج 3، ص 62.

(2)- الرواية 2 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 86

فداك قد أختلف موالوك (مواليك) فى صلاة الفجر فمنهم من يصلّى اذا طلع الفجر المستطيل فى السماء و منهم من يصلّى اذا أعترض فى أسفل الافق و استبان و لست أعرف أفضل الوقتين فأصلّى فيه فان رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين و تحدّه لى و كيف أصنع مع القمر و الفجر لا يتبين (تبين) معه حتّى يحمّر و يصبح و كيف أصنع مع الغيم و ما حدّ ذلك فى السفر و الحضر فعلت إن شاء اللّه فكتب عليه السّلام بخطه و قرأته الفجر رحمك اللّه هو الخيط الأبيض المعترض و ليس هو الأبيض صعدا فلا تصل فى سفر و لا حضر حتّى تبيّنه فان اللّه تبارك و تعالى لم يجعل خلقه

فى شبهة من هذا فقال: و كلوا و اشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فالخيط الأبيض هو المعترض الّذي بجرم به الأكل و الشرب فى الصوم و كذلك هو الّذي يوجب به الصّلاة). «1»

و منها ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّى ركعتى الصبح و هى الفجر اذا أعترض الفجر و أضاء حسنا). «2»

[ما دلّت على ان وقت الامساك هو طلوع الفجر الصّادق]

و تدلّ هذا الأخبار على أن وقت صلاة الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني المسمى بالفجر الصادق و أن أول وقت الإمساك للصوم هو ذلك الوقت لانّ بمقتضى الآية الشريفة أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ.

و هذه الاخبار يستفاد أن وقت الامساك طول النهار و أول النهار هو طلوع الفجر الثاني لقوله عليه السّلام فى جواب السائل عن وقت يحرم الطعام على الصائم و تحل

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 87

الصّلاة صلاة الفجر (اذا أعترض الفجر) و كذا في المكاتبة (فالخيط الأبيض هو المعترض الّذي يحرم به الأكل و الشرب في الصوم كذلك هو الّذي يوجب به الصّلاة).

و المستفاد من هذه الاخبار كون الفجر الصادق متصل بالأفق و يكون أفقيّا و يشتدّ ضوئه تدريجا لانّه عليه السّلام قال في وصفه (هو الخيط الأبيض المعترض و ليس هو الأبيض صعدا) «1» و قال أيضا (يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراه) «2» او قال (كأنه بياض نهر سوراء). «3»

[المشهور انّ آخر وقت الاجزاء طلوع الشمس]

امّا آخر وقت صلاة الصبح فلا خلاف في كونه طلوع الشّمس و ان وقع الخلاف في كون طلوع الشّمس آخر وقت الاجزاء او آخر وقت المضطر و الاول أقوى و هو كون طلوع الفجر وقت الفضيلة و طلوع الشّمس وقت الاجزاء و أن الافتراق بين الوقتين بذلك لا من باب المختار و المضطر كما قال به الشّيخ من كون آخر وقت المضطر طلوع الحمرة المشرقية و هو أسفار الصبح.

و يدلّ على ما قلنا مضافا الى الاجماع اخبار:

منها ما رواه الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال وقت الفجر حين ينشق

الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء و لا ينبغى تأخير ذلك عمدا و لكنه وقت لمن شغل او نسى او نام). «4»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 26 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 88

و لفظ ينبغى ظاهر في تأكد الاستحباب و دلالتها على كون الوقتين بالاجزاء و الفضيلة ظاهرة.

و منها عبد اللّه ابن يعنى عبد اللّه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال لكل صلاة وقتان و أوّل الوقتين أفضلهما و وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلّل الصبح السماء. و لا ينبغى تأخير ذلك عمدا و لكنه وقت من شغل او نسى او نهى او نام). «1»

منها رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام (قال وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشّمس). «2»

و منها رواية عبد بن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال لا تفوت صلاة الفجر حتّى تطلع الشّمس). «3»

و امّا جعل آخر وقت الاجزاء طلوع الشّمس كما عن المشهور فلم يدلّ دليل عليه لكن بعد كون هذا مشهورا بين الأصحاب نكشف من كون حكمهم هذا مستندا الى نص معتبر عندهم و لم يصل إلينا كما نقول في تمام الفتاوى المشهورة اذا لم نصل الى نص دال عليه هكذا.

و يستفاد من هذه الاخبار أيضا ان الاتيان بصلاة الفجر في الغلس أفضل من تأخيرها بعد الإضاءة.

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 26 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 26 من أبواب المواقيت

من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 26 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 89

المطلب التاسع: في وقت فضيلة العصر و العشاء
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه في التذكرة آخر وقت العصر للفضيلة اذا صار ظلّ كل شي ء مثليه و للاجزاء الى الغروب عند أكثر علمائنا. «1»

و قال أيضا أوّل وقت العشاء عند الفراغ من فريضة المغرب لكن الأفضل تأخيرها الى سقوط الشّفق. «2»

قد عرفت بأن لصلاة الغدة و الظهر و المغرب وقتين وقت الفضيلة و الاجزاء و أنّ أوّل وقتها وقت الفضيلة و أن إتيانها في أوّل وقتها أفضل من تأخيرها.

و امّا العصر و العشاء فعند العامة وقتهما مباينا مع الظهر و المغرب فاوّل زوال الشمس وقت المختص بالظهر يعنى لم يدخل وقت العصر ألّا بعد مضى مقدار المثل و كذا وقت العشاء لم يدخل أوّل الغروب الا بعد زوال الشفق.

و امّا عندنا فوقت الظهر يدخل بزوال الشّمس بعد مضىّ مقدار اداء صلاة الظهر و وقت العشاء يدخل بغروب الشّمس بمقدار اداء صلاة المغرب فعلى هذا ما نقول هل نقول بأنّ الافضل الاتيان بهما في أوّل وقتهما مثل صلاة الظهر و الصبح و المغرب و أن التأخير الى آخر وقتهما وقت الاجزاء.

او ان الافضل تأخير العصر الى المثل و العشاء الى زوال الشّفق او التفصيل بين العصر فإتيانها في أوّل الوقت افضل و بين العشاء فتأخيرها الى زوال الشفق أفضل.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 308، مسئلة 29.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 312، مسئلة 32.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 90

و الدّليل على الأوّل العمومات الدالة على أن أوّل الوقت افضل. «1»

و الدليل على الثانى ما ورد من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يفرّق بين المغرب

و العشاء و بين الظهر و العصر «2» و كان ذلك لاراك الفضيلة لعدم وجه لنفس التفريق بما هو.

و لا شك في كون عمل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان مستمرا على التفريق بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء و ان كان قد يجمع «3» بينهما مع العلّة من مطر او ريح او بلا علّة لكن كان ذلك في جنب التفريق كان نادرا و لا وجه للتفريق مع كونه مشقة على الناس و عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الّا كون التأخير أفضل فكيف يجمع بين فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع الروايات الدالة على ان أوّل الوقت أفضل مطلقا مع أن وقت العصر يدخل بزوال الشّمس و وقت العشاء يدخل بغروب الشمس.

[في نقل كلام الجواهر و مصباح الفقيه]

و قال صاحب الجواهر «4» فلا يبعد استحباب التفريق زمانا بينهما و أن اختلف فتارة يكون الى المثل و تارة يكون الى الذرعين و ربما كان أزيد او أنقص.

و اختار المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه التفصيل بين العصر و العشاء فى الحكم حيث قال و ألّا العشاء الآخرة أيضا مطلقا فان الافضل تأخيرها حتّى يسقط الشفق الاحمر- و قال أيضا أن القول باستحباب التفريق بين الظهرين و تأخير العصر الى ان يمضى أربعة أقدام او المثل هو الأقوى و ان كان تقديمها من أوّل الوقت بعد اداء الظهر و نافلتها من باب المسارعة الى المغفرة و تعجيل الخير أيضا حسنا

______________________________

(1)- الرواية 9 و 11 و 18 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 و 5 و 8 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 1 و

2 و 3 من الباب 32 و الرواية 6 و 7 من الباب 31 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- جواهر الكلام، ج 7، ص 310.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 91

بل أحسن. «1»

و لكن يشكل عليه ان هذا الوجه يجرى بعينه في العشاء أيضا فلا وجه للتفصيل بينها و بين العصر مع أن الامر بالاستباق و المسارعة ليس أمرا مولويّا استحبابيا ناشئا عن ملاك الاستحباب بل الأمر إرشادي.

[في الاخبار الدالّة على خلاف عمل العامّة]

مع انّ ما ينبغى ان يقال انّ استمرار فعل النّبي على ما قيل من تأخيره صلاة العصر الى أنّ يصير ظلّ الشاخص مثله لم يثبت بل الّذي ثبت بالروايات الكثيرة أن عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان على الاتيان بالعصر بعد الذراعين فيظهر عدم صحة ما يقول به العامّة في مقام العمل من كون وقت العصر يشرع بعد بلوغ ظلّ الشاخص الى مثله و كون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ملتزما بذلك فنذكر بعض هذه الروايات ليتضح ما قلنا.

منها ما رواه الصّدوق باسناده عن الفضيل بن يسار و زرارة بن اعين و بكير بن أعين و محمد بن مسلم و بريد بن معاوية عن أبى جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام (أنّهما قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان). «2»

و منها ما رواه زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشّمس و وقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشّمس ثمّ قال ان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان قامة و كان اذا مضى منه ذراع صلّى الظهر و اذا مضى منه ذراعان صلّى

العصر ثمّ قال. تدرى لم جعل الذراع و الذرعان قلت لم جعل ذلك قال لمكان النافلة لك أن تنفل من زوال الشّمس الى ان يمضى ذراع فاذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة و اذا بلغ

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 82.

(2)- الرواية 1 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 92

فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة). «1»

و منها ما رواه صفوان الجمّال (قال صلّيت خلفت أبى عبد اللّه عليه السّلام عند الزوال فقلت بأبي أنت و أمّى وقت العصر فقال ريثما تستقبل إبلك فقلت اذا كنت في غير سفر فقال على أقلّ من قدم ثلثي قدم وقت العصر). «2»

و منها ما رواه اسماعيل الجعفيّ عن ابى جعفر عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا كان فيئي الجدار ذراعا صلّى الظهر و اذا كان ذراعين صلّى العصر قال قلت انّ الجدار يختلف بعضها قصير و بعضها طويل فقال كان جدار مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يومئذ قامة). «3»

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث قال كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل ان يظلّل قامة و كان اذا كان الفي ء ذراعا و هو قدر مريض كنز صلّى الظهر فاذا كان ضعف ذلك صلّى العصر). «4»

و منها ما رواه على بن حنظلة قال (قال لى ابو عبد اللّه عليه السّلام القامة و القامتان الذّراع و الذّراعان في كتاب على عليه السّلام). «5»

يمكن ان يكون المراد أن القامة فسرّت في كتابه

عليه السّلام بالذراع او ان في كتابه عليه السّلام ذكر بدل القامة الذراع.

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 10 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 14 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 93

[في ذكر بطلان عمل العامّة]

فيستفاد من هذه الاخبار و غيرها بطلان عمل العامّة من تأخير صلاة العصر الى ان يصير في ء الشاخص مثله و أن عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يكن على ذلك لعدم انطباق عملهم على أقوال من أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالتمسك بقولهم و هم عدل القرآن.

و امّا صلاة العشاء فلا يمكن كشف استحباب تأخيرها الى زوال الشفق من استمرار فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك على فرض ثبوته اذ يمكن كون وجهه امورا أخر و صرف تسالم العامّة على كون تأخيره أفضل قولا و فعلا لا يدلّ على استحبابه كما عرفت في وقت العصر من كون تسالمهم على كون وقته عند في ء الشاخص الى المثل لا أصل له لانّ بنائهم في ذلك عل امور لا يمكن الركون إليه مثل التمسك بقول ابى هريرة و غيره الّذي روا عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خمسة آلاف حديث مع عدم كونه واجدا لصلاحية أخذ الحديث و قلة صحبته مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

نعم يمكن استفادة أفضلية تأخير العشاء الى زوال الشّفق من الروايات «1» الواردة عن الاهل البيت

عليهم السّلام.

فعلى هذا يكون للعشاء وقتا أجزاء و هو بعد مضى مقدار ثلاث ركعات من اوّل غروب الشّمس و مقدار اربع ركعات بقين من انتصاف الليل و وقت فضيلة و هو عند زوال الشفق.

و لكن للعصر وقتان وقت الفضيلة أوّل وقتها و هو بعد مضى مقدار اربع ركعات من أوّل الزوال لصلاة الظهر و وقت الاجزاء و هو ما بقى من غروب الشّمس مقدار أربع ركعات و أما الى أربعة زراع فهو لمكان النافلة.

______________________________

(1)- الروايات 5 و 3 و 1 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 94

[ليس بعنوان الجمع بين الصلاتين خصوصية]

و لا يخفى عليك ان تعبير بعض المتأخرين عن ذلك المسألة بأنّه هل الجمع بين الصلاتين المشتركين في الوقت أفضل او التفريق بينهما لا وجه له لانّ عنوان الجمع و التفريق ليس لهما حكم و خصوصية بل هما من العناوين المنطبقة على الفعل قهرا لان من يقول بان أوّل الوقت أفضل و أوّل وقت العصر بعد مضى مقدار اربع ركعات من زوال الشّمس بعنوان صلاة الظهر ينطبق على فعله عنوان الجمع بين الصلاتين و ان كان غرضه درك فضيلة كلا الوقتين لاجل وقوع كل صلاة في وقت فضيلته و امّا عند من قال بأنّ وقت فضيلة العصر بعد ذراعين و أراد درك كلا الفضيلتين و صل الظهر في أوّل زوال الشّمس و أخر العصر الى بعد زراعين كان غرضه ادراك الفضيلتين و ان كان ينطبق عليه التفريق فعلى هذا لا يكون لصرف الجمع و التفريق و عنوانهما مزية و خصوصية يكون.

نعم قد يكون نفس عنوان الجمع موضوعا لحكم مثل سقوط الاذان حيث هو حكم على الجمع بين الصلاتين و يبحث فيه بان

النافلة بين الصلاتين لا يضرّ بعنوان الجمع و يصدق الجمع مع اتيان النافلة و الفصل بين الصلاتين بالنافلة لا يكون مضرّا بعنوان الجمع او لا يأتى حكمها بعدا إن شاء اللّه.

المطلب العاشر: في أوقات النوافل
اشارة

و نبحث فيها في ضمن جهات:

الجهة الاولى: وقت نافلة الظهرين.
[في ذكر الاقوال الثلاثة في وقت نافلة الظهرين]
اشارة

فيها ثلاثة أقوال:

القول الأوّل: امتداد وقتها بامتداد وقت فريضة هذه النافلة نافلة لها فكما

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 95

ان صلاة الظهر يمتدّ وقتها الى ان يبقى مقدار اربع ركعات قبل الغروب كذلك يمتدّ وقتها نافلتها الى هذا الوقت و لا تصير قضاء و ما يمكن ان يكون دليلا على هذا القول اطلاقات أدلّة النوافل بعد عدم ظهور لما دلّ على الذراع او زراعين او المثل و المثلين في كونه وقتا للنافلة.

القول الثاني: امتداد وقت نافلة الظّهر الى المثل و نافلة العصر الى المثلين و ما يمكن ان يكون دليلا لهذا القول أيضا اطلاقات أدلّة النوافل بعد كون جعل المثل و المثلين آخر وقت الفريضة بالنسبة الى المختار.

القول الثالث: امتداد وقت النافلة الى الذراع في نافلة الظّهر و الى الذّراعين في نافلة العصر او الى القدمين في نافلة الظّهر و الى أربعة أقدام في نافلة العصر على اختلاف التعابير.

[في نقل كلام العلامة في التذكرة]

و ما يمكن ان يكون دليلا لهذا القول كلام العلّامة رحمه اللّه في التذكرة قال العلّامة في تذكرة الفقهاء مسألة 37 وقت نافلة الظهر من الزوال الى أن يصير ظلّ كل شي ء مثله و نافلة العصر حتّى يصير الظّل مثليه.

قاله الشيخ في الخلاف «1» و الجمل «2» و المبسوط «3» و في النهاية «4» نافلة الظهر حتّى تبلغ زيادة الظّل قدمين و العصر أربعة أقدام لقول الصّادق عليه السّلام كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قامة فاذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر و اذا مضى

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 257، المسألة 4.

(2)- الجمل و العقود، ص 174.

(3)- المبسوط، ج 1، ص 67.

(4)- النهاية، ص 60.

تبيان الصلاة، ج 3، ص:

96

ذراعان صلّى العصر ثمّ قال أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان لمكان الفريضة لك أن تنتقل من زوال الشّمس الى أن يمضى ذراع فاذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة و اذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة و هو يدلّ على بلوغ المثل و المثلين لأنّ التقدير أنّ الحائط ذراع فحينئذ ما روى من القامة و القامتين جار هذا المجرى لقول الصادق عليه السّلام في كتاب على عليه السّلام القامة ذراع.

و قال الشافعى في أحد الوجهين وقت نافلة الظّهر ما لم تصلّ الفرض و فى الآخر ما لم يخرج وقت الفرض.

و قال أحمد كلّ سنة قبل الصّلاة فوقتها من دخول وقتها الى فعل الصّلاة و كلّ سنة بعدها فوقتها من فعل الصّلاة الى خروج وقتها. «1»

و يستفاد من كلامه رحمه اللّه أنّ وقت نافلة الظهرين يدخل مع دخول وقت فريضتهما و هو زوال الشمس فزوال الشمس اوّل وقت الفريضة و النافلة، و أنّ ما الاختلاف في آخر وقت النافلة هل يمتدّ وقتها بامتداد وقت الفريضة او امتدادها الى الذراع في نافلة الظهر و ذراعين في نافلة العصر او امتدادها الى المثل في نافلة الظّهر و المثلين في نافلة العصر، و عرفت من كلام العلّامة اختيار قول الثاني يعنى الذراع في نافلة الظّهر و الذّراعين في نافلة العصر لقول الصادق عليه السّلام فإذا مضى من فيئه ذرع صلّى الظّهر و اذا مضى ذراعان صلّى العصر ثمّ قال أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان لمكان الفريضة و في بعض الروايات (لمكان النافلة) «2» و المراد من جملة لمكان الفريضة ان كان هو أنّه قبل الذراع و الذراعين وقت المختص

بالنافلة فدلّت

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 316 و 317.

(2)- الرواية 3 و 4 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 97

الرواية على كون وقت النافلة مباينا مع وقت الفريضة و هذا المعنى مخالف للاجماع لانّه يجوز الاتيان بالفريضة من أوّل الزوال اجماعا.

بل المراد منها أنّ نافلة الظّهر الى الذّراع تزاحم فريضة الظّهر و اذا بلغ الفي ء الى الذراع فلا تزاحم النافلة الفريضة بل الافضل تأخير النافلة عن الفريضة لا أنّه يخرج وقت النافلة و تصير نافلة الظهر قضاء و كذا بالنسبة الى نافلة العصر فانّها الى ان يصير الفي ء الى الذّراعين تزاحم صلاة العصر و بعد وصول الفي ء الى الذّراعين فلا تزاحم نافلة العصر فريضة العصر لا أنّه يخرج وقتها و يمكن استفادة ذلك من قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة المتقدّمة حيث قال عليه السّلام بدأت بالفريضة و تركت النافلة حيث تدلّ على جواز الاتيان بالنافلة بعد الفريضة اذا بلغ الفي ء الى الذّراع او الى الذّراعين فيستفاد من الروايات جواز مزاحمة النافلة الفريضة الى الذراع او الى الذراعين و يكون ادراك ثواب النافلة افضل من ادراك كون الفريضة في اوّل الوقت و بعد بلوغ الفي ء الى الذّراع او ذراعين ينعكس الأمر يعنى درك أوّل وقت فضيلة الوقت أفضل من درك النافلة لا ان تصير النافلة قضاء.

ثمّ اعلم انّ وقت النافلة كما قلنا أوّل الزوال و قد حكى عن بعض جواز اتيانها قبل الوقت و تمسّكوا لذلك بروايات:

منها رواية محمد بن مسلم (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرّجل يشتغل عن الزّوال أ يعجّل من أوّل النّهار قال: نعم اذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النّهار

كلّها). «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 37 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 98

منها رواية عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: صلاة التطوع بمنزلة الهديّة متى ما أتى بها قبلت). «1»

و منها رواية محمد بن عذافر قال (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام صلاة التطوع بمنزلة الهديّة الهدية متى ما أتى بها قبلت فقدّم منها ما شئت و أخّر منها ما شئت). «2»

و منها رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال نوافلكم صدقاتكم فقدّموها أنى شئتم). «3»

و لا يمكن الركون الى هذه الأخبار لجواز التعجيل في النافلة لضعف سندها و عدم الصراحة في جواز تعجيل النافلة و لكن رواية محمد بن مسلم و اسماعيل بن جابر واردتان في صورة علم الرجل باشتغاله عن النافلة يمكن العمل بهما و الفتوى على طبقها و لكن بعد اعراض المشهور عنهما صارتا بمنزلة العدم.

فالقول الأوّل و هو كون وقت النافلة مثل الفريضة من حيث الاول و الاخر يكون متّبعا عدم ظهور ما دلّ على الذراع و الذراعين في التوقيت.

الجهة الثانية: في وقت نافلة المغرب

قال العلّامة رحمه اللّه في التذكرة، مسألة 38 وقت نافلة المغرب بعدها الى ان تذهب الحمرة المغربية و يه قال الشافعى و وجهه لانّه وقت يستحبّ فيه تأخير العشاء فينبغى اشتغاله بالنافلة و لقول الصّادق عليه السّلام كان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّى ثلاثا المغرب و

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 37 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 37 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 9 من الباب 37 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 99

اربعا بعدها «1»

و المشهور بين الاصحاب شهره عظيمه بل حكى الاجماع عليه كون وقتها يمتدّ الى ذهاب الحمرة المغربية كما في الجواهر «2» حيث قال و يمتدّ وقتها من بعد المغرب في المشهور و بين المتأخّرين كما في الدروس الى ذهاب الحمرة المغربية بمقدار اداء الفريضة المسماة بالشفق بل في البيان و الذخيرة دعوى الشهرة عليه من غير تقييد بل في المدارك هذا مذهب الاصحاب لا نعلم فيه مخالفا بل في المعتبر نسبته الى علمائنا بل كما عن المنتهى الاجماع عليه لانّه المعهود من فعلها عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و غيره و ممّا ورد فيه من النّصوص. «3»

قد عرفت من كلام الجواهر ان ما يمكن ان يستدلّ به لكلام المشهور ثلاثة:

الاوّل: استمرار فعل النبي و الائمة على الاتيان بنافلة المغرب قبل الشفق.

و الثاني: المنساق من النصوص الواردة في الباب ذلك.

و الثالث: دلالة غير واحد من الأخبار بضيق وقت فريضة المغرب فضلا عن نافلته و يمكن الاشكال فيها.

و امّا الاشكال في الاول فانّ فعل النّبي حيث لا لسان له لا يدلّ ألّا على كون ما قبل الشّفق يصحّ فيه الاتيان بنافلة المغرب و لا يدلّ على خروج وقت النافلة بذهاب الحمرة المغربية و يمكن كون الاتيان قبل زوال الشفق لكون ذلك الزمان وقت الاجزاء او وقت الفضيلة و امّا كون المنساق من الروايات ذلك فنمنع ذلك لأنّه لا يستفاد منها الّا التحريص و الحثّ على فعلها لا توقيتها الى الشّفق.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 317 و 318.

(2)- جواهر الكلام، ج 7، ص 186.

(3)- الرواية 6 و 15 و 16 من الباب 13 من أبواب اعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 100

و امّا ما دلّ على عدم جواز النّافلة في وقت الفريضة لما روى جماعة منهم ابن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام اذا دخلت الفريضة فلا تطوّع «1» و يرد عليه أوّلا ان وقت العشاء يدخل من أوّل غروب الشّمس و ثانيا أن وقت ذهاب الحمرة المغربية ليس وقتا مختصّا بالعشاء و لكن مقتضى ما ذكرتم لا يجوز مزاحمة العشاء في ذلك الوقت باتيان النافلة لا خروج وقتها.

فملخص الكلام لم نجد ما يثبت توقيت نافلة المغرب الى الشّفق.

فنأخذ بمقتضى الاطلاقات الواردة في نافلة المغرب فنقول بجواز تأخير الى ما بعد الشّفق و اتيانها الى مقدار ما بقى الى انتصاف الليل مقدار اربع ركعات للعشاء.

الجهة الثالثة: في بيان وقت نافلة العشاء

و قال أيضا في التذكرة في ذيل مسئلة 38 و أمّا وقت الوتيرة فيمتدّ بامتداد وقت العشاء لانّها نافلة تتبعها فيمتدّ وقتها بامتداد وقت متبوعها و للشافعى وجهان أحدهما امتداد وقت نافلة العشاء الى طلوع الفرج لانّه وقت العشاء عنده و الثّاني الى ان يصلّى الصبح. «2»

و يعرف من كلام العلّامة رحمه اللّه أن وقتها يمتدّ بامتداد وقت فريضتها كما يظهر ذلك من كلمات الاصحاب قدس اللّه أسرارهم مثل المعتبر «3» و المبسوط «4»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 318.

(3)- المعتبر، ج 2، ص 54.

(4)- المبسوط، ج 1، ص 74.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 101

و النهاية «1» بل ادّعى المحقّق في المعتبر «2» تحقّق الاجماع عليه بل يمكن استفاده امتداد وقتها بامتداد وقت فريضتها بالإطلاقات الواردة مع عدم معارض لها و توقيت لها من حيث الوقت ثمّ هنا مسئلتان:

المسألة الاولى: لو أخّر فريضة العشاء و أتى بها في آخر وقتها من

النّصف او الفجر فهل يجوز له اتيانها بعد أداء فريضتها بعنوان الأداء او تصير قضاء الظاهر أنّ امتداد وقت العشاء الى النصف او الفجر مع نافلتها لانّها من تتمتها فلا يستفاد التأخير من الأدلّة بل تصير قضاء.

المسألة الثانية: يظهر من الجواهر «3» و غيره «4» أنّ البعدية المعتبرة في نافلة العشاء البعديّة العرفية و يعتبر فيها عدم الفصل الطويل فلو أخر الوتيرة الى أخر وقتها مع اتيان الفريضة في أوّل وقتها لم يشرع له الاتيان بها و لكن لا يمكن استفادة ذلك من الادلّة على كون الوتيرة بعد العشاء لأنّ المنساق منها ان البعدية في مقابل القبلية مثل نافلة الظهرين و يكون المراد منها كون نافلة العشاء بعد صلاتها لا قبلها.

الجهة الرابعة: في وقت صلاة الليل
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه و وقت صلاة الليل بعد انتصافه و كلّما قرب من الفجر كان أفضل و عليه علمائنا. «5»

______________________________

(1)- النهاية، ص 60.

(2)- المعتبر، ج 2، ص 53.

(3)- جواهر الكلام، ج 7، ص 191.

(4)- مصباح الفقيه، كتاب الصّلاة، ص 47.

(5)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 318، مسألة 39.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 102

يدلّ كلامه الشريف على الحكمين:

الحكم الاوّل: كون أوّل وقت صلاة الليل بعد انتصافه.

الحكم الثاني: أنّه كما قرب من الفجر كان أفضل.

امّا حكمه الاوّل فلا اشكال فيه و عليه الفتوى من الاصحاب لمّا قال عليه علمائنا و يدلّ عليه بعض النصوص «1» و ان كان فيه مثل مرسلة الصّدوق ألّا ان ضعفها منجر بعمل الاصحاب بها و مطابقة فتواهم لها و لم يسمع الى الخلاف الّذي ذكره صاحب الجواهر «2» من بعض المتأخرين مع كون عمل أهل البيت عليهم السّلام على ذلك و يحمل كما ذكره رحمه اللّه على الأفضل.

و أمّا حكمه الثّاني و هو أنّه كلما قرب من الفجر كان أفضل قال صاحب الجواهر بلا خلاف معتدّ به بل فى المعتبر و عن الناصرية و الخلاف و المنتهى و ظاهر التذكرة الاجماع عليه. «3»

انّما الكلام فى الدليل اللّفظى عليه و فلا بدّ من ذكر الاخبار المربوط ثمّ ننظر هل يمكن استفادة ذلك منها او لا:

الرواية الاولى: ما رواه معاوية بن ذهب (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أفضل ساعات الوتر فقال الفجر أوّل ذلك). «4»

الرواية الثّانية: ما رواه أبان بن تغلب (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام أىّ ساعة

______________________________

(1)- الرواية 2 و 3 و 4 من الباب 43 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- جواهر الكلام، ج 7، ص 192 و 193.

(3)- جواهر الكلام، ج 7،

ص 196؛ الخلاف، ج 1، ص 533؛ المعتبر، ج 2، ص 54.

(4)- الرواية 1 من الباب 54 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 103

كان رسول اللّه يوتر فقال على مثل مغيب الشّمس الى صلاة المغرب). «1»

الرواية الثالثة: ما رواه مرازم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال قلت له متى اصلّى صلاة الليل قال صلّها في آخر الليل). «2»

الرواية الرابعة: ما رواه اسماعيل بن سعد الأشعري (قال قلت لابى الحسن الرضا عليه السّلام من ساعات الوتر قال أحبّها إليّ الفجر و سألته عن أفضل ساعات الليل قال الثلث الباقى). «3»

الرواية الخامسة: ما رواه الشهيد في الذكرى عن ابن أبي قرّة عن زرارة (أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السّلام عن الوتر أوّل الليل فلم يحبه فلمّا كان الصبحين خرج أمير المؤمنين عليه السّلام الى المسجد فنادى أين السائل عن الوتر (ثلاث مرّات) نعم ساعات الوتر هذه ثم قام فأوتر). «4»

و يستفاد منها كلام المشهور بل و المجمع عليه من كون كلّما قرب من الفجر كان أفضل.

الجهة الخامسة: في وقت نافلة الصبح
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه ركعتا الفجر لعلمائنا قولان أحدهما أنّهما يدخلان بطلوع الفجر الأوّل قاله المرتضى لقول الصّادق عليه السّلام صلّهما بعد ما يطلع الفجر و الثّاني بعد صلاة

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 54 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 54 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 54 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 54 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 104

الليل و أن لم يكن قد طلع الفجر أختاره الشيخان لقول الباقر عليه السّلام و قد سئل الركعتان قبل الغداة أين موضعهما

فقال قبل طلوع الفجر و عنه عليه السّلام أنّهما من صلاة الليل و الاقوى جواز فعلهما بعد صلاة الليل و استحباب تأخيرهما الى طلوع الفجر الاوّل جمعا بين الادلّة. «1»

[في ان اوّل وقت نافلة الصبح طلوع الفجر]

فكما عرفت من كلام العلّامة رحمه اللّه أنّ أوّل وقت نافلة الصبح طلوع الفجر الكاذب فى قول و قد قامت الشهرة على ذلك و القول الثاني ان اوّل وقتها بعد صلاة الليل و هو اختيار الشيخين و نسب هذا القول في الحدائق الى المشهور «2» لما ورد فى بعض الاخبار من كونها من صلاة اللّيل فلا بدّ من ذكر الاخبار الواردة في الباب و هو على ثلاث طوائف:

[في ذكر الطوائف الثلاثة من الاخبار]
الطائفة الاولى: ما تدلّ على اتيانها قبل طلوع الفجر الصادق.

منها ما رواه ابن ابي نصر البزنطي (قال سألت الرضا عليه السّلام عن ركعتى الفجر فقال أحشوا بهما صلاة الليل). «3»

و منها ما رواه ابو بصير (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام متى اصلّى ركعتى الفجر فقال لى بعد طلوع الفجر قلت له أنّ أبا جعفر عليه السّلام أمرنى أن اصلّيهما قبل طلوع الفجر فقال يا أبا محمّد أنّ الشّيعة أتوا أبى مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ و أتوني شكّاكا فأفتيهم بالتّقية). «4».

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 319.

(2)- الحدائق الناظرة، ج 6، ص 240.

(3)- الرواية 1 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 105

و منها رواية زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال سألته عن ركعتى الفجر قبل الفجر او بعد الفجر فقال قبل الفجر أنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل أ تريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تطوّع اذا دخل عليك وقت الفريضة فأبدأ بالفريضة). «1»

و منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قلت ركعتا الفجر من صلاة الليل هي قال: نعم). «2»

و منها ما رواه محمد بن

مسلم (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أوّل وقت ركعتى الفجر فقال سدس الليل الباقي). «3»

و منها ما رواه محمد بن أبي نصر (قال قلت لأبى الحسن عليه السّلام و ركعتى الفجر أصلّيهما قبل الفجر او بعد الفجر فقال قال أبو جعفر عليه السّلام أحش بهما صلاة الليل و صلّهما قبل الفجر). «4»

و منها ما رواه زرارة (قال قلت لابي جعفر عليه السّلام الركعتان اللّتان قبل الغداة أين موضعهما فقال قبل طلوع الفجر فاذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة). «5»

الطائفة الثانية: ما دلّت على كون وقتهما بعد الفجر معيّنا.

الاوّل: ما رواه ابن الحجاج قال (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام صلّهما بعد ما

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 7 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 106

يطلع الفجر). «1»

الثانى: ما رواه يعقوب بن سالم البزاز قال (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام صلّهما بعد الفجر و أقرأ فيهما في الاولى (قل يا أيّها الكافرون) و في الثانية (قل هو اللّه أحد)). «2»

الثالث: ما رواه اسحاق بن عمّار عمّن أخبره عنه عليه السّلام (قال صلّ الركعتين ما بينك و بين أن يكون الضوء حذاء رأسك فان كان بعد ذلك فابدأ بالفجر). «3»

دلّت الاوّل و الثانية على كون وقتها بعد الفجر و في دلالة الثالثة على ذلك منع لانّ المراد من كون الضوء بحذاء رأسك هو الفجر الكاذب لانّ الفجر الكاذب يطلع على شكل العمودى.

الطائفة الثالثة: دلّت على التخيير

بين الاتيان بها قبل الفجر او معه او بعده.

منها ما رواه ابن ابي يعفور (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ركعتى الفجر متى اصلّيهما فقال: قبل الفجر و معه و بعده). «4»

و منها رواية اسحاق بن عمّار (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام قال قبل الفجر و معه و بعده). «5»

و منها ما رواه محمّد بن مسلم (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ركعتي الفجر

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 51 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 51 من أبواب

المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 51 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 52 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 2 من الباب 52 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 107

قال صلّهما قبل الفجر و مع الفجر و بعد الفجر). «1»

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال صلّهما مع الفجر و قبله و بعد). «2»

و تكون هذه الطائفة شاهدة الجمع بين الطائفتين المتقدّمتين لكون هذه الطائفة نصّا في مدلولها و هو التخيير و الطائفة الاولى ظاهرة في التقديم و الطائفة الثانية أيضا ظاهره فى التأخير و بنصّها ترفع اليد عن ظاهرهما، مع أنّه يمكن أن يقال بأنّ الامر في الطائفة الاولى لا يدلّ على الوجوب لكونه واردا في مقام توهم الحضر، لانّ بناء العامّة على إتيانها بعد الفجر كما كان بناء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك، فربّما يتوهّم منها لزوم التأخير فتكون أخبار هذه الطائفة وردت على دفع هذا التوهّم، فلا تدلّ الّا على الجواز كما أنّه لا يبعد حمل الاخبار الواردة في الطائفة الثانية الدالّة على وجوب التأخير صدرت لاجل التقية لانّه كما قلنا كان بناء العامة على التأخير كما دلّ على ذلك ما رواه ابو بصير. «3»

و القول في وجه الجمع بين الطائفتين بأنّ المراد من الفجر في الطائفة الثانية هو الفجر الكاذب و المراد من الفجر في الطائفة الاولى هو الفجر الصادق فيجمع بينهما لان بعد الفجر الكاذب و قبل الفجر الصّادق كلاهما سواء و هو من الليل و يستمر وقت صلاة الليل الى الفجر الصادق لا يمكن المساعدة عليه لانّ المتبادر من الفجر

من الطائفتين هو الفجر الصّادق فعلى هذا يكون المصلّى مخيرا في إتيان ركعتى الفجر

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 52 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 52 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 108

قبل الفجر او بعده او معه و لكن يشكل الامر فى المراد من قبل الفجر و تحديده فذهب جماعة مثل الشيخ فى المبسوط و المحقق فى الشرائع الى أن قبل الفجر أوّل طلوع الفجر الكاذب «1».

[يستفاد من كلام الاصحاب جواز تقديم نافلة الصبح قبل الفجر]

قال بعض آخر قبل الفجر و هو اوّل وقت نافلة الصبح بعد الفراغ من صلاة الليل مثل النّهاية «2» و يكون مستندهم الاخبار الدالة على الاحشاء بهما فى الصّلاة الليل «3» و لا يخفى ان المشهور على القول الاوّل و ذكروها هذا القول فى كتبهم «4»- «5» المعدّ نقل الفتاوى المتلقّاة من أهل البيت عليهم السّلام و نقل هذا القول فى هذه الكتب يدلّ على وجود نصّ عليه و لكن لم يصل إلينا و في صورة التعارض نأخذ به لانّه موافق لفتوى المشهور.

ثمّ أنّه قد عرفت من اختيار بعض بكون أوّل وقتهما بعد الفراغ من صلاة الليل أنّه يجوز تقدمهما على الفجر و الاحشاء بهما فى صلاة الليل انّما الكلام و الاشكال في أنّ تقديمها مختص بهذه الصورة يعنى بصورة ضمّهما مع صلاة الليل او يجوز تقديمهما حتّى في صورة انفرادهما عن صلاة الليل وجهان من حيث أنّهما مستحبا و صلاة مستقلا و عنوانا في مقابل عنوان صلاة الليل يجوز تقديمهما على الفجر و من أن القدر المتيقن من جواز التّقديم صورة ضمهما مع صلاة الليل فلا

______________________________

(1)- المبسوط، ج

1، ص 76؛ الشرائع، ج 1، ص 63.

(2)- النهاية، ص 61؛ السرائر، ج 1، ص 203.

(3)- الرواية 8 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 16 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- مثل المبسوط و المعتبر و المراسم و شرايع الاسلام.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 109

يشرع اتيانهما مستقلا قبل الفجر الّذي أوّل وقتهما.

الجهة السادسة: في آخر وقتهما

قال العلّامة رحمه اللّه و آخر وقتهما طلوع الحمرة فيقدم على الفريضة الى أن تطلع الحمرة و أن ظهرت الحمرة و لم يصلّهما بدأ بالفرض و قضاهما بعد الغداة «1» فالمشهور امتداد وقتهما الى ان تطلع الحمرة المشرقية و لكن لم يدلّ دليل على ذلك غير ما رواه على بن يقطين كما ذكر في التذكرة قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرّجل لا يصلّى الغداة حتّى يسفر و تظهر الحمرة و لم يركع ركعتي الفجر أ يركعهما او يؤخرهما قال يؤخرهما «2» و دلالتها على امتداد وقتهما الى طلوع الحمرة محل نظر لكن يستفاد منها عدم مزاحمتهما لفريضة الصبح فيصلّى الفريضة أوّلا.

فلو قلنا بامتداد وقتهما الى الحمرة فمقتضى هذه الرواية صيرورتهما قضاء بعد طلوع الحمرة او أنّ المراد من الامتداد الى الحمرة جواز مزاحمتهما للفريضة الى ذلك الوقت و لا يجوز اتيانها بعد ذلك الوقت من دون ان تصير قضاء وجهان.

قال في الشرائع و يجوز ان يصلّهما قبل ذلك و الافضل اعادتهما بعد «3» و الظاهر ان نظره الشريف الى رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام حيث قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول أنى لاصلّى صلاة الليل و أفرغ من صلاتي و اصلّى الركعتين فأنام

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 319 و 320.

(2)- الرواية

1 من الباب 51 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الشرائع، ج 1، ص 63.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 110

ما شاء اللّه قبل أن يطلع الفجر فاستيقظت عند الفجر أعدتهما «1» و كذا رواية حمّاد بن عثمان قال: قال لى أبو عبد اللّه عليه السّلام ربّما صلّيتهما و عليّ ليل فان قمت (في بعض النسخ نمت) و لم يطّلع الفجر أعدتهما «2» لو كان المراد من الركعتين هو نافلة الصبح فى الرواية الاولى و كذا المراد من ضميرهما في الرواية الثانية و لا يمكن إثبات ذلك مضافا الى أنّ المتبادر من الفجر في الروايتين هو الفجر الثاني اعنى الفجر الصّادق مع أنّ الكلام في استحباب أعادتهما بعد الفجر الاوّل فلا يمكن جعلهما دليلا على هذا الحكم فتأمّل.

الرواية الثانية: نافلة الصبح لكن المتبادر من الفجر في الروايتين هو الفجر الثاني يعنى الفجر الصّادق و الحال أن المدعى هو استحباب اعادتهما بعد الفجر الكاذب و الدليل لا يناسب مع المدعى مع أنّ الدليل و هو الرواية الاولى مقيّدة بالنوم و كذا الرواية الثانية على نسخة فكما قال الجواهر ألّا أنّه كان عليه تقييده كالمحكى عن ابن فهد في المحرر بما اذا نام بعد دسّهما في صلاة الليل و نحوه ممّا اشتملا عليه لا الاطلاق. «3»

الجهة السابعة: فى التطوع وقت الفريضة
اشارة

و أعلم أنّه قد اختلف في اتيان النوافل المبتدأة و كذا قضاء النوافل المرتبة فى وقت الصّلاة الفريضة الّتي تكون هذا الزمان وقتها قال صاحب الجواهر بعد كلام

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 51 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 51 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- جواهر الكلام، ج 7، ص 235.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 111

الشرائع (و تصلّى النوافل

ما لم يدخل وقت الفريضة و كذا قضاؤها) بلا خلاف و لا اشكال لإطلاق الأدلّة و عمومها أما اذا دخل فالاقوى في النفر جوازه أيضا وفاقا للشهيد و المحقّق الثاني و الكاشانى و الخراسانى و ظاهر القاضى فيما حكي عنه و المدارك «1» و هو الاقوى و ذهب كثير من القدماء على المنع مثل الشيخ و المفيد. «2»

[في ما دلّ على جواز التطوع وقت الفريضة]

و منشأ الخلاف اختلاف الاخبار فلنذكر الاخبار أوّلا حتّى يظهر الحال فيها فبعضها يدلّ على الجواز.

منها رواية اسحاق بن عمّار (قال قلت أصلّي في وقت فريضة نافلة قال نعم في أوّل الوقت اذا كنت مع أمام تقتدى به فاذا كنت و درك فابدأ بالمكتوبة). «3»

و منها رواية سماعة (قال سألته (سألت أبا عبد اللّه) عن الرّجل يأتي المسجد و قد صلّى أ يبتدئ بالمكتوبة او يتطوع فقال ان كان في وقت حسن لا بأس بالتطوع قبل الفريضة فان كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة و هو حق اللّه ثمّ لتطوع ما شاء الّا هو (الامر) موسّع أن يصلّى الانسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل ألّا أن يخاف فوت الفريضة و الفضل اذا صلّى الانسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة و ليس بمحضور عليه ان يصلّى النوافل من اوّل الوقت الى قريب من آخر الوقت). «4»

و هذه الرواية صريحة في جواز التطوع في صورة ما لم يخف المصلّى

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 7، ص 241.

(2)- المبسوط، ج 1، ص 126؛ النهاية ص 62؛ المقنعة، ص 212.

(3)- الرواية 2 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 35 من أبواب المواقيت من

الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 112

فوت الفريضة.

و منها ما رواه محمّد بن مسلم (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اذا دخل وقت الفريضة أتنفّل او أبد بالفريضة قال أن الفضل أن تبدأ بالفريضة و انّما أخّرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الاوابين). «1»

فانّ الظاهر منها جواز التنفل في وقت الفريضة.

و منها ما رواه عمر بن يزيد انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرواية الّتي يروون أنّه لا يتطوع في وقت فريضة ما حدّ هذا الوقت (قال اذا أخذ المقيم في الإقامة فقال له أنّه النّاس يختلفون في الإقامة فقال المقيم الّذي يصلّى معه). «2»

و منها رواية أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشّمس فقال يصلّى ركعتين ثمّ يصلّى الغداة). «3»

[في ما دلّ على المنع من التطوع وقت الفريضة]

و ما دلّ على المنع أيضا روايات:

منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قال لى رجل من أهل المدينة يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوع بين الاذان و الاقامة كما يضع النّاس فقلت أنّا اذا. ردنا ان نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة فاذا دخلت الفريضة فلا تطوع). «4»

______________________________

(1)- الرواية 2 و 3 من الباب 36 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 61 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 113

و منها رواية زياد أبى عتاب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال سمعته يقول اذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا يضرّك ان تترك ما قبلها

من النافلة).

و منها رواية بخيّة (قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام تدركني الصّلاة و يدخل وقتها فابدأ بالنافلة قال فقال ابو جعفر عليه السّلام لا و لكن أبد أبا المكتوبة و أقض النافلة). «1»

و منها رواية أديم بن الحرّ (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لا يتنفّل الرّجل اذا دخل وقت فريضة قال و قال اذا دخل وقت فريضة فابدأ بها). «2»

و منها رواية أبى بكر عن جعفر بن محمّد عليه السّلام (قال اذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوّع). «3»

و غير ذلك من الروايات الدّالّة على المنع مثل رواية 8 و 10 و 11 و من هذا الباب بعد التأمّل في الروايات المجوّزة و المانعة مع كون سيرة المستمرة من الرسول الاعظم و الائمة عليهم السّلام و جميع المؤمنين على اتيان النوافل المرتبة الموقتة مثل نافلة الظهرين و المغرب و الغداة في اوّل وقتها و هو اوّل زوال الشّمس و أوّل غروبه و أوّل طلوع الفجر، و مع كون هذه الاوقات اوقات فرائضها و ورد أخبار في أنّ أوّل الوقت أفضل و كونه رضوان اللّه لا يدخل في أذهانهم بعد ما سمعوا الاخبار المانعة عدم الجواز من النوافل بل يفهمون منها ان أوّل أوقات الفضيلة للفريضة و كون اتيانها في هذا الوقت أفضل فعلى هذا لا يكون المراد من النهى في أخبار المانعة ألا الارشاد الى أنّ الافصل الابتداء بالفريضة لفراغ الذمّة ممّا هو أهمّ من النافلة و درك

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3،

ص: 114

فضل المبادرة الى الفضيلة.

لا النهى التكليفى و الوضعى او الارشاد الى وجود المنقصة في النافلة او كونها أقلّ ثوابا من فعلها في غير وقت الفريضة.

و مع ذلك لا ينبغى الشكّ في عدم جوازها اذا ضاق الوقت بحيث لو أتى بها خرج وقت الفريضة.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 115

المقدّمة الثالثة: في القبلة

اشارة

اعلم ان القبلة و التوجّه إليها في بعض الامور ممّا تكون معتبرة في الإسلام بل و ساير الأديان، غاية الأمر كانت القبلة عند اليهود البيت المقدس و كذلك عند النصارى، نعم يظهر من بعض كتبهم كون القبلة عند النصارى مشرق الشّمس و عند المجوس بيوت النيران و في الإسلام تكون الكعبة المعظّمة.

و كون الكعبة قبلة في دين الإسلام يكون من المسلّمات بل من الضروريّات في الجملة و ان كان اختلاف فيها في بعض خصوصياتها الّذي نتعرض له إن شاء اللّه تعالى، فكونها الكعبة المعظّمة اجمالا ممّا لا كلام فيه.

و أعلم أنّه بعد ما بعث محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالرّسالة، فكانت قبلة المسلمين مدّة البيت المقدس و يحوّلون عند الصّلاة وجههم نحوه، فإنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متّى كانت في المكّة المعظّمة- اعنى: ثلاثة عشر سنة- و بعد ما هاجر إلى المدينة المنورة مدة سبعة عشر شهرا أو تسعة عشر شهرا يصلّي و كان توجّهه إلى البيت المقدس، ثمّ بعد ما عيّر اليهود النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المسلمين بذلك- كما يظهر من بعض الأخبار، أو لأجل بعض مصالح

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 116

اخر مثل أنّه لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه، كما يظهر من الآية «1» الشريفة- أمره اللّه بأن يحوّل

وجهه إلى الكعبة، فقال اللّه تعالى قَدْ نَرىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمٰاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «2».

و المراد بقوله (فلنولّينّك) المشتق من ولى، هو فلنجعلنّك تلى سمتها كما يظهر ذلك من الكشاف أيضا، و يقال بمن يتوجّه نحو احد: بأنّه ولّاه، و يكون المراد من الشطر في قوله تعالى (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ) هو الجانب، فيكون المراد إنا نولّيك قبلة ترضيها فولّ وجهك إلى جانب المسجد الحرام.

[الكعبة قبلة للمسلمين بما لا اشكال فيه]

و بالجملة يكون الكعبة قبله للمسلمين و اعتبارها في ما يعتبر فيه التوجّه إلى القبلة- كالصّلاة و الذبح- من الضروريّات في الجملة ممّا لا أشكال فيه، كما يظهر من الكتاب الكريم و بعض الروايات.

ثمّ انّه يقع الكلام في جهات:

الجهة الأولى: في أنّ القبلة هل هو عين الكعبة لمن تمكّن من التوجّه نحوها بلا مشقّة، كالمصلّي في بيوت مكّة، وجهتها لغيره كالبعيد كما نسب إلى بعض من الفقهاء، أو أنّ الكعبة قبلة لمن كان في المسجد الحرام، و المسجد قبلة لمن كان في الحرم، و الحرم قبلة لمن خرج عن الحرم، كما يظهر من ظاهر عبارة المحقق رحمه اللّه في الشرائع و بعض آخر من الفقهاء، فلا بدّ أوّلا من التعرّض لأخبار الباب ثمّ، التعرّض لما هو حقّ في المقام.

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 143.

(2)- سورة البقرة الآية 144.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 117

فنقول: إنّه يظهر من ظاهر بعض الروايات «1» كون القبلة هي الكعبة، و توجد روايات في غير هذا الباب أيضا تدلّ على كون القبلة هي الكعبة في حدّ ذاتها، و في قبال تلك الأخبار يوجد بعض الروايات الدالة على كون الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن كان في الحرم، و الحرم

قبلة لمن كان خارجا من الحرم. «2»

و رواية منها تدلّ على كون البيت قبلة لمن في المسجد و المسجد قبلة لمن في مكة، و مكة قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة الدّنيا و هي الرواية 4 من هذا الباب، و هذه الروايات الأربعة و ان كانت بظاهرها معارضة مع الطائفة الأولى من الروايات، و لكن بعد ضعف سندها و اشتمال بعضها بما لا يلتزم به القائل بهذا القول، لان ظاهرها هو كون المسجد قبلة لمن في الحرم، و اطلاقها يقتضي كون المسجد قبلة لمن في الحرم و لو كان متمكنا من التوجّه إلى نفس الكعبة، و هذا ما لا يلتزم به حتّى القائل بكون المسجد قبلة لمن في الحرم «3» فلا يمكن العمل بها، فتبقى الطائفة الأولى الدالة على كون الكعبة قبلة، غاية الأمر يكون فيها كلام آخر، و هو أن القبلة نفس الكعبة أو الجهة، و يأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه.

[في الكلام في كون نفس الكعبة قبلة او الجهة]
اشارة

و اعلم ان الشّيخ قد التزم بالقول الثاني لا من باب الجمع الدلالى أو السندي بين الطائفتين من الروايات، بل لاستحالة الالتزام باستقبال عين الكعبة، لانه لا بد

______________________________

(1)- و هي 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 10 و 12 و 13 و 14 و 16 و 17 من الباب 2 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الروايات 1 و 2 و 3 من الباب 3 من أبواب القبلة من الوسائل.

(3)- اقول: و كذلك الرواية الرابعة منها مشتملة على ما لا يلتزم به القائل بهذا القول و هو ان المكة قبلة لمن في الحرم لا المسجد، لانها دالة بظاهرها على ان

الكعبة قبلة لمن في المسجد و المسجد قبلة لمن في مكّة و مكة قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن في خارج الحرم.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 118

في الاستقبال و التوجه الى الشي ء المحاذاة الحقيقة بحيث لو رسم خط من المستقبل (بالكسر) يصل إلى المستقبل (بالفتح) فإذا فرض صفّ طويل يكون أطول من كل جانب من الكعبة بمراتب، فلو رسم خط من ناحية المصلّين في الصف لم يصل الى الكعبة، فهذا شاهد على عدم كون عين الكعبة قبلة لكلّ مكلّف.

و النقض به بانّه لو فرض صفّ يكون طوله أزيد من طول الحرم- اعنى: أربعة فراسخ- فكيف تقول بصحة صلاتهم و كونهم متوجّهين إلى الحرم الّذي تقول بكونه قبلة لمن يكون خارج الحرم، و الحال أنّه لو فرض أنّه يرسم خط من كل نقطة من هذا الصف، لم يصل كل خط من الخطوط الى الحرم، فما تقول أنت في هذا الفرض، نقول في الصف الطويل بالنسبة الى عين الكعبة في غير محله.

لأنّه للشيخ أن يقول: بان ما فرضت من صف أطول من الكعبة كان له الخارجيّة من صدر الأوّل الى الآن، لأنّ نوع الصفوف في الجماعة اطول من طول الكعبة، لأنّ العرض و طول الكعبة لم يكن كثيرا، و ربما يبلغ عشرين زراعا أو اقل من ذلك، فخارجيّة هذا النحو من الصفوف من الصدر الأوّل الى الآن، و عدم انكار في الشرع منه دليل على انهم كانوا مستقبلين لما هو القبلة، و هذا لا يقبل الّا مع كون المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن في خارجه و لا يمكن جمعه مع كون العين قبلة مطلقا، و هذا بخلاف الصفّ الّذي فرضته من

كونه اطول من طول الحرم، لعدم خارجية الصّلاة في الصفّ بهذا النحو لا في الصدر الأوّل و لا بعد ذلك الى الآن، فلا مانع من الالتزام بعدم توجه مثل هذا الصف الى الحرم، فلا يرد هذا النقض.

و يأتي عند التعرض لكون القبلة هي الكعبة أو الجهة بيان منّا من كون الصف الطويل محاذيا حقيقة للكعبة، لأنّ الارض دوريّا، و به يجاب عن الشّيخ إذا عرفت

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 119

ذلك، فاعلم أن هنا بعض الفروع نتعرّض لها:

[في ذكر بعض الفروغ مربوطة بما نحن فيه: الفرع الاول و الثاني]

الفرع الأول: هل يكون حجر اسماعيل على نبيّنا و آله و عليه السّلام داخلا في الكعبة بحيث انّه لو التزمنا بكون القبلة هو نفس الكعبة فكما يكفي التوجّه إلى الكعبة في الصّلاة كذلك يكفي التوجّه إلى الحجر، و لو لم يكن توجه المصلّى إلى نفس الكعبة اصلا، و بعبارة اخرى يكون الحجر داخلا في ما هو القبلة للمصلي كما يدخلونه في الكعبة حين الطواف، فيطوفون حول البيت و الحجر، أو لا يكون الحجر داخلا، فإذا توجه احد إلى الحجر و لم يكن متوجها إلى نفس الكعبة اصلا- مثلا يكون في المسجد فيقف في حيال الحجر، و لا يكون وجهه و مقاديم بدنه متوجّها إلّا إلى الحجر لا الكعبة- فلم يكن متوجّها إلى القبلة، الحق الثاني، لأنّ المتبادر من الكعبة هو نفس البيت و ليس الحجر جزء البيت، لأنّ ظاهر الادلّة هو كون القبلة هو الكعبة، و ليس الحجر بحسب ما يتبادر من الكعبة جزئه، فلا يكفي توجّه المصلّي نحوه في الصّلاة، بل لا بدّ من توجهه إلى نفس البيت.

الفرع الثاني: ما يستفاد من ظاهر الآية هو وجوب التوجّه نحو الكعبة لقوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ

أو فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فهل يكون المراد من الوجه، الّذي يجب استقباله، هو خصوص الوجه في قبال ساير مقاديم البدن و لازمه كفاية توجه الوجه و ان لم يكن مقاديم بدنه متوجّها إلى الكعبة اصلا- مثل ما إذا أدبر وجهه إلى يمينه أو شماله- أو الوجه مع مقاديم البدن، أو الوجه مع خصوص ما يكون حيال الوجه من مقاديم البدن.

وجه كون الواجب هو خصوص الوجه هو الجمود بظاهر الآية، لأنّ ظاهر الآية و هو قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ أو فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ و المراد من

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 120

الوجه معلوم.

وجه كون الواجب هو الوجه مع تمام مقاديم البدن هو أن الأمر بتولّي الوجه شطره يكون كناية عن مقاديم البدن، لا خصوص الوجه، و لذا لا يكفي بالوجه فقط إذا لم يكن ساير مقاديم البدن مستقبلا إلى القبلة، كما فرض في المثال المتقدم.

وجه كفاية الوجه مع ما يحاذى الوجه من مقاديم البدن هو أنّ الظاهر من الدليل هو توجّه الوجه، غاية الأمر ظاهر توجّه الوجه بوضعه الطبيعي لا يمكن إلا مع توجه ما يحاذى الوجه من مقاديم البدن، فبالملازمة نفهم من قوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ان الواجب توجه الوجه مع مقدار من مقاديم البدن يكون ملازما مع توجه الوجه.

إن قلت: إن ظاهر الدليل هو توجّه الوجه، فلا دخالة لأزيد من ذلك حتّى ما يحاذى الوجه من مقاديم البدن.

نقول: بأنّه مع أنّ العرف يفهم أنّ المراد من استقبال الكعبة و التوجّه نحوه هو توجّه الوجه ببدنه بمقدار اللازم للتوجّه بالوجه، و أن ظاهر الدليل هو التوجّه بالوجه، و المنساق منه هو كون الوجه موضوعا للحكم بوضعه الطبيعي، و كونه بوضعه الطبيعي مساوق و ملازم مع مقدار

من مقاديم البدن المحاذي للوجه، فقول الثالث أقوى، فعلى هذا تظهر الثمرة في ما كان المصلّى مستقبلا بوجهه و ما يحاذيه من مقاديم بدنه إلى الكعبة، و لكن يكون الزائد على ذلك من مقاديم بدنه مثلا جانبه الأيمن أو الايسر غير مستقبل للكعبة، مثل ما إذا وقف في أحد أطراف الأربعة من البيت بحيث كان جانب يمينه أو يساره خارجا عن محاذات البيت، و لكن يكون وجهه مع ما يحاذي من مقاديم بدنه مستقبلا للقبلة، فيكفي هذا المقدار من الاستقبال

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 121

و التوجه، فما يظهر من العلّامة عليهما السّلام من اعتبار التوجّه بتمام مقاديم البدن لم نفهم وجهه.

الفرع الثالث:
اشارة

بعد ما عرفت من كفاية استقبال الوجه و مقدار من مقاديم البدن الملازم للوجه، فهل يجب التوجّه بتمام الوجه، أو يكفي التوجّه ببعض الوجه؟ و على تقدير كفاية التوجّه ببعض الوجه، فهل يكتفي بالتوجه بأي موضع كان من أجزاء الوجه، أو يكتفي بموضع خاص من الوجه؟

فنقول مقدمة: بأن وجه الإنسان يكون بحسب الخلقة غير مستوية، و يكون تقريبا بشكل الدائرة- يعني: لا يكون كل جزء منه متساويا في سطحه- فسطح الوجه يكون بشكل الدوري، فإذا تنظر إلى الوجه و الجبين من أذن إلى أذن آخر، تراه كنصف الدائرة بحيث إنه لو رسم خط من طرف من الجبين إلى طرف الآخر يكون خطا دوريا لا خطا مستقيما.

فعلى هذا لو فرض جعل نقطة وسط الوجه و الجبين مركزا، و رسم منه خط مستقيم إلى مقابله، و رسم خط من جانب أيمن الجبين مثلا و خط آخر من جانب يساره بطور المستقيم إلى مقابله، فترى أن هذه الخطوط يخرج من نقاط مختلفة، و يلتقط مع نقاط

مختلفة لا في نقطة واحدة، بل كلما يستطيل كل من هذه الخطوط الثلاثة يزيد في تباعد كل منها من الآخر، لأنه بعد كون المبدأ في نقاط و تخرج من خط دوري و يرسم كل منها مستقيما، فكلما يزيد في طول خط يزيد في بعد كل منها من الآخر (كما ترى في الحاشية).

[في كون تمام اجزاء الوجه مستقبلا محال]

فإذا كان الأمر كذلك و عرفت هذه المقدمة فيشكل الأمر في هذا الفرع، لأنّه إن قيل بوجوب توجه كل الوجه بحيث يكون كل جزء جزء من الوجه مستقبلا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 122

للقبلة، فهو غير معقول بهذا النحو، لأنّه مع ما قلنا ظهر لك عدم امكان توجه الوجه إلى الكعبة بحيث يكون أبعاض الوجه متوجّها إليه بحيث لو رسم من كل جزء من الوجه خط مستقيم يلاقى مع الكعبة، لما قلنا من ان الخطوط لا يكون فيها التوازي حتى ينتهي إلى نقطة واحدة، فهذا شاهد على عدم اعتبار التوجّه بتمام الوجه بهذا النحو.

و إن قيل بتوجه بعض الوجه- أعنى: بكفاية الاستقبال ببعض الوجه- فهل نقول بكفاية كلّ جزء جزء من الوجه، فيكفي التوجّه مثلا بالجزء الواقع في وسط الوجه، و كذلك بالجزء الواقع في يمين الوجه أو في يسار الوجه.

و الحال انّه على ما قلنا لو توجّه بنقطة وسط الوجه، لم يتوجّه إلى القبلة طرف يمين الوجه، و كذا يسار الوجه، و هكذا مع التوجّه بكل طرف إلى القبلة لازمه عدم التوجّه إلى الطرف الآخر.

أو نقول: بلزوم التوجّه بوسط الوجه و أن لم يتوجه طرف اليمين و يسار الوجه إلى القبلة، لأنّ هذا هو الاستقبال بالوجه.

أو نقول: بأن الاستقبال إلى الشي ء و جعل الوجه حياله يكون امرا عرفيّا و ما تصرّف فيه

الشارع، فإذا توجه الشخص نحو شي ء بحيث يكون مقاديم وجهه نحوه يقال بأنّ وسط الوجه متوجها إليه، فالوجه و إن كان كرويا تقريبا و لكن لا معنى للأمر بالتوجه بالوجه مع كون وضعه هكذا إلا بهذا النحو، فعلى هذا لا بأس بكون يمين الوجه أو يسار الوجه غير مواجه و مستقبل إلى القبلة، لأنه لا معنى لجعل شي ء كروي حيال شي ء إلا بان يكون نقطة منه مواجها بهذا الشي ء و ان كان بعض نقاطه غير مواجه إليه، فيكفي البعض، و البعض هو وسط الوجه، لأنّه لو توجه يمين الوجه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 123

أو يسار الوجه فقط إلى القبلة مع عدم استقبال وسط الوجه فلا يعدّ استقبالا للوجه إلى الكعبة عرفا فما نقول في المقام.

إذا عرفت ما بيّنا لك يقع الكلام في انّه هل القبلة هو الكعبة أو جهتها؟

اعلم انّه قد بينا سابقا بأنّه اختلفت كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم في ما هو القبلة، فيظهر من بعضهم كونها هو نفس الكعبة، و يظهر من بعضهم كون الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن في خارج الحرم، و بعضهم قالوا: بكون القبلة هو نفس الكعبة للقريب المتمكن من التوجّه إليها، وجهة الكعبة للبعيد الغير المتمكن من الاستقبال إلى نفس الكعبة، و قد عرفت حال بعض الروايات الواردة الدالة على كون القبلة نفس الكعبة، و حال ما دل على كون الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن في خارجه، و أنه في مقام التعارض يؤخذ بالطائفة الأولى لما قلنا من ضعف سند الطائفة الثانية الدالة على القول الثاني، و هي

روايات إحداها رواية «1» من الباب [3] كان في سندها حفص و قد ضبط صاحب الوسائل رحمه اللّه و كذا صاحب الجواهر رحمه اللّه جعفر.

أما الكلام في أنّ القبلة هي نفس الكعبة أو جهتها، فنقول: إنّ ما يظهر من المحقق «2» في بعض كلماته هو كون المراد من الجهة السمت، فجهة الكعبة أي سمت الكعبة، فإن كنا في مقام بيان ما هو المراد من الجهة أو السمت، فلا بدّ من أن يقال: بعد ما كان من الاعتبارات اعتبار جهات الستة- الفوق و التحت و اليمين و اليسار و الشمال و الجنوب- و بعد إلغاء الفوق و التحت تبقى جهات أربعة، فكل من هذه

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 3 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- المعتبر، ج 2، ص 65.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 124

الأربعة جهة، فالشي ء إما في جهة اليمين، أو اليسار أو الشمال أو الجنوب، فقهرا يكون معنى استقبال جهة شي ء هو أن الشخص إن كان بين المشرق و المغرب، فتوجّهه إمّا بجهة الشمال أو بجهة الجنوب و بالعكس إذا كان بين الشمال و الجنوب، فيتوجّه إما إلى المشرق أو إلى المغرب، فقهرا يكون المراد بالجهة إمّا بين المشرق و المغرب، و إما ما بين الجنوب و الشمال، فإذا كان كذلك، فيكون المراد بالتوجه و استقبال جهة الكعبة التوجه إلى الجهة الّتي تكون الكعبة فيها، فإن كانت الكعبة في جهة الجنوب فلا بدّ من التوجه إلى الجنوب، يعني: إذا فرض دائرة و رسم خطان يتقاطع كل منها الآخر بحيث تصير الدائرة ذو قوائم أربعة، فإذا كانت القبلة في جنوب المصلّي يجب استقباله إلى ناحية الجنوب، و إذا كانت في جهة الشمال يجب استقباله إلى

جهة الشمال و هكذا.

[الظاهر من القائلين بالجهة كون القبلة أضيق ممّا قلنا]

و هذا و إن كان الظاهر من الجهة، و لازمه ما قلنا من كفاية التوجّه إلى احد جهات الأربعة الّتي تكون القبلة في هذه الجهة، و لكن ما يظهر من نوع كلمات «1» القائلين بكون القبلة الجهة، كونها أضيق من ذلك، فإن المستفاد من كلام بعضهم هو كون المراد بالجهة كل جانب يحتمل المكلف الكعبة في هذه الجهة، لا ما بين المشرق و المغرب، أو الجنوب و الشمال.

فإن كان المراد من جهة الكعبة هذا فلازمه اختلاف القبلة باعتبار المصلّين، لانّ الأشخاص مختلفة من حيث الاحتمال، فربما يحتمل احد كون الكعبة في جهة تكون دائرته وسيعة، و الحال أن الآخر لا يحتمل إلا كونها في دائرة أضيق من ذلك، فعلى هذا يكون اللازم من هذا القول عدم كون الجهة أمرا كانت لها واقعيّة مضبوطة لاختلافها باختلاف نحوة احتمال المكلفين من اطلاعهم بوضع الجهات، و الجغرافيا،

______________________________

(1)- نهاية الاحكام، ج 1، ص 392؛ تذكره الفقهاء، ج 3، ص 7؛ الذكرى ج 3، ص 160.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 125

و الاسطرلاب و غير ذلك، و عدم اطلاعهم بهذه الامور.

فإذا نقول: إن كان مرادهم من الجهة هذا، فلا يناسب كون ذلك ما هو موضع حكم الواقعي في القبلة بعد كون موضوع حكم الواقعي أمرا غير مضبوط مختلفا بحسب حال المكلفين من حيث سعة احتمالهم أو ضيقه في ما هو الجهة، مضافا إلى أن ما هو القبلة يكون أمرا له واقعيّة في حدّ ذاته مع قطع النظر عن المكلفين، نعم يمكن أن يكون حكما ظاهريّا بمعنى إرجاع كلام القائل بالجهة على هذا إلى حكم ظاهري، و هو انّه بعد عدم امكان الوصول إلى ما هو موضوع حكم

الواقعي أعني: القبلة الحقيقة، ففي مقام الظاهر يكتفي بما يحتمل المكلف كون القبلة فيه.

و بعبارة اخرى لا بدّ من الاكتفاء في مقام الظاهر من التوجّه و الاستقبال إلى الجهة الّتي يحتمل كون القبلة أعنى: الكعبة في هذه الجهة و الجانب، فعلى هذا لا نفهم من كلام القائلين بالجهة ما يمكن أن نجعله موضوع حكم الواقعي في القبلة.

إذا عرفت ما يمكن ان يقال في وجه كلام القائل بالجهة و ما هو لازم كلامهم، اعلم أن ما يظهر من صاحب الجواهر «1» و الاجلّ من المحققين من المتأخرين هو كون القبلة للقريب و البعيد عين الكعبة بدعوى ظهور الآية، و كذا بعض الروايات الدالّة على كون القبلة عين الكعبة، و حيث إن ما كان الاشكال في كون الكعبة هو القبلة هو ما استشكله الشيخ «2» من انّه لو التزمنا بكون القبلة عين الكعبة فما تقولون في الصف الطويل الّذي يخرج من حيال الكعبة بحيث إذا رسم خط من ناحية المصلين لم يتلقط إلى الكعبة، و الضابط في المحاذاة الحقيقية هو هذا أعنى: إذا رسم خط

______________________________

(1)- جواهر، ج 7، ص 331- 332.

(2)- المبسوط، ج 1، ص 77.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 126

مستقيم من المستقبل (بالكسر) يصل إلى المستقبل (بالفتح) و إلّا ليست المحاذاة حقيقة ففي الصف الطويل الخارج عن حدّ الكعبة لاستطالته لا يمكن الالتزام بكونه مستقبل القبلة، فهذا شاهد على عدم كون الكعبة قبلة، لانه لو كانت عينها القبلة كان اللازم بطلان صلاة المصلّين في الصفّ الطويل و هذا ممّا لا يلتزمون به.

[في جواب صاحب الجواهر عن الشيخ]

قال صاحب الجواهر رحمه اللّه في جوابه: بان ما قلت صحيح، لكن هذا في المحاذاة الحقيقية، و لا يعتبر ذلك في الاستقبال و

المحاذاة العرفية، لأنّ العرف لا يعتبرون في كون شي ء مستقبلا لشي ء آخر ما اعتبر في المحاذاة الحقيقة، بل إن كان اشخاص في مقابل شي ء و لو لم يكن الاستقبال بحيث يصل الخط الخارج من صف المستقبلين إلى هذا الشي ء يعدّ استقبالا بصرف كونهم في مقابله، و هذا يختلف باختلاف القرب و البعد من المستقبل (بالفتح) فربما يكون المستقبل (بالكسر) قريبا من المستقبل (بالفتح) بحيث يكون متصلا به، ففي هذا المورد إن كان على يمينه أو يساره لا يعدّ حتى عند العرف مستقبلا بوجهه إليه، و كلما يبعد من المستقبل (بالفتح) يزيد دائرة الاستقبال، فربما يكون الصفّ الواقع بفاصلة عشرين ذراعا في قبال شي ء عند العرف مستقبلا له و أن لم تكن المحاذاة حقيقية، و هكذا فربما يكون البعد اكثر يصل الأمر بمقام يكون الصف الطويل الّذي يكون مثلا أربعة فراسخ مستقبلا لشي ء صغير عند العرف و إن لم يكن الاستقبال حقيقيّا لعدم وصول الخط الخارج من افراد الصف إلى هذا الشي ء، و لهذا صار من المشاهير بان الشي ء كلّما ازداد بعدا ازدادت جهة محاذاته سعة كما ترى في الشّمس و القمر و النجوم، فإنّ كلّ احد يمكن جعلها مستقبلا لوجهه مع عدم كون المحاذاة حقيقية، و بهذا يندفع اشكال الشّيخ رحمه اللّه الصف الطويل الذي فرضه و جعله سببا لامتناع الالتزام بكون القبلة عين الكعبة و ان لم

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 127

يكن محاذيا بالمحاذاة الحقيقية للكعبة، و لكن الاستقبال إلى الكعبة مثل ساير موارد الاستقبالات يكون عرفيّا و ما تصرف فيه الشارع بالخصوص، و عرفت بان ما قال رحمه اللّه لا يعتبر في المحاذاة العرفية، فعلى هذا يندفع الاشكال، هذا حاصل ما قاله

صاحب الجواهر رحمه اللّه و بعض من تأخر عنه.

و اعلم ان الأمر و ان كان كما قال من عدم ورود الاشكال في الصف الطويل و صدق المحاذاة عليهم مع الكعبة، لكن ليس وجهه ما ذكره صاحب الجواهر رحمه اللّه من كون المحاذاة أمرا عرفيّا و لا يعتبر المحاذاة الحقيقية، بل وجهه هو انّه مع كون المعتبر المحاذاة الحقيقية و لكن مع ذلك يكون الصف الطويل مستقبلا للقبلة، لأنّ الصف الطويل و إن كان طوله أزيد من فراسخ و لو يرى مستقيما بحيث لا يكون انحناء فيه أصلا، و لكن بعد كون الأرض كرويا، ففي كل نقطة من الأرض يفرض هذا الخط المستطيل مع فرض توجهم إلى نقطة خاصة و هي عين الكعبة، فلا محالة ينتهي كل خط رسم من كل نقطة من هذا الصف إلى النقطة الواقعة فيها الكعبة، لأنه مع استواء الصف و استقامته بحسب ما يرى بالحسّ، و لكن حيث يكون الصف واقعا على شي ء كروي و هو الأرض، فلا محالة يكون الصف أيضا كرويّا و إن كان لا يرى بالحسّ لسعة الدائرة.

فعلى هذا من الواضح أن بعد كون اهل الصفّ متوجّهين إلى الكعبة و هي المركز بالنسبة إليهم، فمن أي موضع من هذا الصف المستدير بحسب الواقع رسم خط، مع توجه كل نقطة إلى المركز و هو الكعبة، فيصل كل هذه الخطوط إلى الكعبة، فالمحاذاة على هذا تكون حقيقية، فالسّر في ذلك هو هذا لا ما وجّهه صاحب الجواهر رحمه اللّه و بعض من تأخر عنه. فبهذا البيان و إن كان يظهر لك بأنّه يفرض في

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 128

الصف الطويل المحاذاة الحقيقيّة، و لكن مع ذلك يقع الكلام في

ما هو القبلة، لانه بعد عدم تماميّة وجه الّذي ذكره صاحب الجواهر رحمه اللّه لكون القبلة عين الكعبة، فما ينبغي أن يقال في المقام؟

[في ان المراد من الجهة السمت كما قال فى المعتبر]

فهل نقول بكفاية الجهة كما يظهر من بعض الفقهاء رضوان اللّه عليهم و قد مرّ بعض الكلام فيها، و نقول توضيحا للمطلب: بأنّ القائلين بالجهة عباراتهم مختلفة فمن المحقق رحمه اللّه يظهر كما في المعتبر «1» بانّ المراد من الجهة هو السمت الّذي فيه الكعبة، و يظهر من حاصل مراد بعضهم أن المراد بالسمت، الجانب الّذي يظنّ كون الكعبة في هذا الجانب، و يظهر من بعضهم مثل ما يظهر من كشف اللثام أن السمت الّذي يحتمل كل جزء منه اشتماله عليها، و يقطع بعدم خروجها عن جميع اجزائه.

و ما قلنا سابقا من أنّ لازم هذا عدم كون واقعيّة محفوظة للقبلة مع قطع النظر عن علم المكلف و احتماله أولا و اختلاف القبلة بحسب نحوة حصول العلم وسعة دائرة الّتي يحتمل كون الكعبة في هذه الدائرة بحسب اختلاف المكلفين ثانيا، يمكن أن يدفع بأن المراد من السمت الّذي يحتمل، إن كان هو السمت الّذي من شأنه كون الكعبة في هذا السمت فلها واقعية محفوظة، و هي الجانب الّذي يكون فيه شأنية كون القبلة فيه، و لا يختلف باختلاف المكلفين، لانه بعد كون الشأنية مرادا، فشأنية كون القبلة في جانب لا يختلف باختلافهم، لأنه لا بد من جعل السمت بمقدار يكون له شأنية كون الكعبة في أحد أبعاض هذا المقدار، فالمكلفون و إن كانوا مختلفين بحسب القطع و الاحتمال الفعلى و لكن غير مختلفين من حيث الشأنية.

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 65.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 129

و يظهر من فاضل المقداد و المحقّق

الثاني في شرح الألفيّة في مقام تعيين السمت كلام غريب، فانّه قال أولهما على ما في الجواهر: «1» جهة الكعبة الّتي هي القبلة للنائى خط مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتداليين، و يمرّ بسطح الكعبة، فالمصلّي حينئذ يفرض نظره خطا يخرج إلى ذلك الخط، فإن وقع عليه على زاوية قائمة، فذاك هو الاستقبال، و إن كان على حادّة و منفرجة، فهو إلى ما بين المشرق و المغرب.

و قال ثانيهما: إنها ما يسامت الكعبة عن جانبيها بحيث لو خرج خط مستقيم من موقف المستقبل تلقاء وجهه، وقع على خط جهة الكعبة بالاستقامة، بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان قائمتان، فلو كان الخط الخارج من موقف المصلي واقعا على خط الجهة لا باستقامة، بحيث يكون إحدى الزاويتين حادة و الاخرى منفرجة، فليس مستقبلا لجهة الكعبة.

[يشكل الالتزام بكون عين الكعبة قبلة للبعيد]

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 3، ص: 129

و وجه غرابته هو أنّ لازم هذا القول عدم كفاية التوجّه بعين الكعبة في بعض الموارد، لأنّه لو وقع المصلّى على نقطة لو رسم خط من موقفه إلى الخط الواقع بين المشرق و المغرب يتشكل زاوية حادة و منفرجة لا زاوية قائمة، لما توجّه إلى القبلة، و لما صحت صلاته و إن تلاقى هذا الخط مع عين الكعبة، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

هذا بعض الكلام في الجهة و ما يظهر من كلمات القائلين بها.

و كان قول آخر هو كون عين الكعبة قبلة القريب و البعيد، و قول آخر ما اختاره الشّيخ رحمه اللّه من كون الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد لمن في الحرم، و

الحرم لمن في خارجه، و قد عرفت عدم تمامية قول الثالث كما قدمنا وجهه، و يبقى القول

______________________________

(1)- الجواهر، ج 7، ص 336.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 130

بكون عين الكعبة قبلة مطلقا، أو القول بكون الكعبة قبلة للقريب و المتمكن من التوجه إليها، و جهتها قبلة للبعيد.

و لا يخفى ان الالتزام بكون عين الكعبة قبلة للبعيد ممّا يشكل الالتزام به، لأنه مع قطع النظر عن عدم وجه وجيه لصحّة هذا القول، يوجب ذلك مشقة شديدة و العسر و الحرج الّذي نطمئن بعدم ارضاء الشارع به، و عدم أمره بالمكلّفين مع هذا الحرج، لانه لو كان الأمر هكذا يلزم على كل مكلف تحصيل نقطة الواقعة فيها الكعبة كي يتوجه نحوها، و هذا موقوف على تحصيل الهيئة و الاصطرلاب، و من الواضح عدم امكان ذلك لنوع المكلفين، و نرى انّه ليس البناء من الصدر الأوّل إلى الآن على ذلك بل يحولون وجوههم إلى جهتها كما ترى في أوّل الأمر أنّه بمجرد تحويل القبلة إلى الكعبة جاء رجل و قال لبني عبد الاشهل في المسجد: بأنّه حول القبلة إلى الكعبة فحولوا وجوههم نحوه و شطره بدون تفحص عن عين الكعبة.

و لا تقل: إنّهم يعلمون في أي جهة وقعت الكعبة، لأنه ليس الأمر كذلك، فهذا شاهد على عدم كون الواجب التوجّه نحو عين الكعبة.

فعلى هذا نقول: ما يأتي بالنظر في هذا المقام هو ما اختاره المحقق رحمه اللّه بأن القبلة الجهة، و المراد بالجهة السمت الّذي فيه الكعبة، و نزداد بصيرة لك كون الأمر كذلك بأن يقال: إنّه قد تعرّضنا لفرع سابقا، و هو أن الوجه الّذي يجب التوجّه به إلى القبلة هل هو تمام الوجه أو يكفي بعضه،

و على تقدير كفاية البعض هل يكون الكافى وسط الوجه بعد فرض كفاية البعض، أو يكفي أحد طرفي الوجه، و قلنا بان وضع الوجه و الجبين كما ترى يكون دوريّا، و ليس سطح الوجه سطحا مستويا، بل يكون من بين الاذنين بشكل نصف الدائرة تقريبا، بل يكون بين الصدغين أيضا محدبا و دوريّا لا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 131

مستويا بحيث إذا خرج من كل جزء من أجزاء الوجه خط مستقيم يتشكل خطوطا مثلاثة، و كلما يبعد كل خط من مركزه يزيد في البعد عن الآخر تقريبا بقدر ربع الدائرة إذا طوّل كلّ من الخطين، فكلّما يستطيل كل من الخطين يزيد في بعد هما إلى ان يكون البعد بينهما بفراسخ كثيرة.

[في ان ليس الملاك كون الجهة بنفسها كافية بل لملازمتها مع الاستقبال]

فعلى هذا نقول: بان الوجه في كفاية الجهة للبعيد هو انّه بعد كون المراد بالجهة هو السمت، ففي السمت الّذي وقعت الكعبة المكرمة إذا فرض توجه الشخص نحو هذا السمت، فيكون بتوجهه إلى هذا السمت الّذي فرض ربع الدائرة تقريبا متوجه بوجهه إلى الكعبة لأنّ الخطوط الخارجة من كل نقطة من وجهه يتلاقى أحدها عين الكعبة، لأنّه بالبيان المتقدم عرفت بأنّه لو فرض مقاديم الوجه هو المقدار الّذي يكون بين الحاجبين فالفاصلة بين الخط الخارج من كل من طرفي الوجه إذا وصل إلى محيط الدائرة تكون تقريبا بقدر ربع الدائرة، فالكعبة واقعة في هذا الربع من الدائرة، مثلا إذا كان الشخص واقفا في نقطة الشمال و توجه بوجهه نحو نقطة الجنوب الواقعة في سمتها الكعبة فالخطوط الخارجة من وجهه إذا وصل بنقطة الجنوب، يتلاقى مع ربع من الدائرة الواقعة في وسطها نقطة الجنوب تقريبا، فالمستقبل (بالكسر) أستقبل بوجهه عين الكعبة، لكن لا بتمام وجهه

بل بنقطة من وجهه.

فالقول بكفاية الجهة يكون لأجل هذا، لا من باب كفاية المحاذاة و الاستقبال العرفي و لو لم تكن المحاذاة بينهما حقيقية، و كفاية صرف كون البعيد محاذيا للجهة و لو لم يكن مستقبلا بجزء من وجهه لعين الكعبة، بل منشأ كفاية الجهة للبعيد هو كون المستقبل (بالكسر) على ما قلنا مواجها بوجهه لعين الكعبة لكن لا بتمام وجهه، بل بجزء من وجهه، و منشأ كفاية جزء الوجه في الاستقبال للبعيد هو ظاهر قوله تعالى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 132

فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ و لا يمكن اعتبار أزيد من ذلك للبعيد لموجبية العسر و الحرج، مضافا إلى ما يظهر من قصة بنى عبد الاشهل و تحويل وجوههم إلى الكعبة بمجرد سماعهم تحويل القبلة من البيت المقدس إلى الكعبة، و الحال أنهم لا يعرفون عين الكعبة.

فبهذا البيان يظهر لك كفاية الجهة، و ان وجه كفايتها هو ان التوجّه بالجهة، كما قلنا ملازم مع الاستقبال بالوجه و لو بجزء منه، لا كون الجهة كافية بنفسها و لو لم تكن ملازما لاستقبال العين لعدم دليل على كفاية هذه المعنى من الجهة.

و يؤيّد ما قلنا رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال: لا صلاة إلا إلى القبلة، قال: قلت: اين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله). «1»

ما رواها معاوية بن عمار (أنّه سئل الصادق عليه السّلام عن الرجل يقوم في الصّلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى انّه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا فقال له: قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة). «2»

[ما دلّ على ان ما بين المشرق و المغرب قبلة لا يكون امر تعبديا]

و يستفاد من الروايتين كون ما بين المشرق و المغرب قبلة بحسب الظاهر، فيحتمل

ان يكون المراد بما بين المشرق و المغرب ما يتفاهم منه العرف من أن ما بينهما أي: ما بين المحل الّذي تطلع الشّمس و تغرب كما يرى في كل يوم، و يحتمل أن يكون المراد ممّا بينهما المحل الّذي يكون بين المشرق و المغرب، و هذا المحل ليس إلا المحلّ الّذي يكون وسط الموضع الّذي تطلع الشّمس و تغرب و بعد كون المحل الّذي تطلع الشّمس و تغرب، مختلفا بحسب الفصول فإن في أوائل الصيف إذا حوسب ما

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 133

بينهما يكون تقريبا بقدر نصف الدائرة، و هكذا تضييق الدائرة الفاصلة بينهما باعتبار تغيير محل الطلوع و غروب الشّمس حتّى يكون في أوائل الخريف الفصل بينهما تقريبا بقدر ربع الدائرة، فما بين الفصلين طلعت الشمس و غربت باعتبار تغيير الفصول، ففي ما بين نصف الدائرة إلى ربع الدائرة يكون تقريبا محل طلوع و غروبها، فلا يصح أن يقال بهذا المقدار ان هذا ما بين المشرق و المغرب، لأنّ كل موضع من هذا المقدار كان موضع المشرق و المغرب باعتبار طلوع الشّمس فيه، و غروبها فيه لا ما بينهما، فما بينهما هو كل موضع لا تطلع بعده فيه الشّمس و لا غربت فيه حتّى يصح أن يقال: ان هذا الموضع ما بينهما، و الاحتمال الثاني أقوى بحسب ما قلنا من الدقة اللطيفة.

فعلى هذا الاحتمال يكون ما بين المشرق و المغرب أيضا تقريبا بقدر ربع الدائرة كما قلنا بأن الفصل بين طرفي الوجه أعنى: الربع المقدم من الوجه يكون كذلك فعلى هذا الاحتمال ما

ورد في الروايتين من كون ما بين المشرق و المغرب قبلة هو ربّما يكون من أجل كون ما بين المشرق و المغرب في حدّ الجهة الواقعة فيها الكعبة، و لهذا جعله قبلة، لا أن يكون حكما تعبديا صرفا، فهذا الحكم على هذا مؤيد لما قلنا من أن المراد من الجهة هي الربع الدائرة تقريبا الواقع في نقطة منه القبلة لا محالة.

و لكن يأتي منا كلام بعد ذلك يضعف الأخذ باحتمال الثاني في الروايتين، فافهم.

و يمكن ان يؤيد المطلب أيضا بما ورد في حق الغير المتمكن من تحصيل القبلة بالصّلاة إلى أربع جوانب، مثل الرواية 5 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 134

وجه التأييد أن المتحير إذا صلى إلى أربع جهات، فصلاته وقعت متوجها إلى جهة الكعبة، لأنّ الكعبة واقعة في أحد من أربع جوانب إذا فرض كون كل جانب ربع الدائرة كما قلنا، فلعلّ وجه الحكم بالصّلاة إلى أربع جوانب في هذه الصورة، كان من باب انّه إذا فعل كذلك، فقد توجه إلى الجهة الّتي تكون الكعبة فيها حتما، لكونها في احد من أربع جوانب يكون كل جانب ربع الدائرة، فعلى هذا يمكن أن تصير هذه الرواية مؤيدة لما قلنا.

[لا اشكال في ان التوجه بتمام الوجه الى عين الكعبة غير مأمور به للبعيد]

و على كل حال لا اشكال في أن التوجّه بتمام الوجه إلى عين الكعبة غير مأمور به للبعيد:

أما أولا فلان ظاهر الآية و هو قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ أو قوله فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ هو التولي بالوجه إلى شطر الكعبة، و الشطر عبارة اخرى عن الجانب و السمت و بالفارسية (سو) و التوجّه بالسمت إلى الشي ء ليس الا عبارة عن التوجّه إلى الطرف الّذي يكون هذا الشي ء

واقعا فيه، لا التوجه بعين الشي ء.

و ثانيا قصة خبر تحويل القبلة إلى اهل مسجد القباء أعني: بني عبد الاشهل أيضا على ما في الرواية، شاهد على ذلك، لأنّه بمجرد وصول الخبر بهم بتحويل القبلة من البيت المقدس إلى الكعبة حولوا وجوههم نحو الكعبة، و من الواضح أنهم فهموا من ذلك وجوب التوجّه إلى جانب الكعبة لا إلى العين، لأنّه لم يكن لهم طريق إلى تعيين عين الكعبة بالاصطرلاب أو الهيئة و غير ذلك، فهم توجّهوا إلى جانبها و لم يصر فعلهم مورد طعن اصلا.

و ثالثا يكفي لنا السيرة من الصدر الأوّل إلى الآن من توجههم إلى جهة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 135

الكعبة و عملهم بذلك، و لو كان البناء من الصدر الأوّل على التوجّه بالوجه إلى عين الكعبة لكان ذلك مشهودا، و لكان اللازم على كل مكلف من تحصيل بعض الطرق المعد لتحصيل عين الكعبة من الهيئة و غيرهما.

و رابعا يكون التكليف بالتوجّه إلى عين الكعبة موجبا لمشقة عظيمة و حرج شديد، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام بذلك. فعلى هذا نقول: بأنّ الحق هو كون القبلة للبعيد الغير المتمكّن من التوجّه بعين الكعبة هو الجهة و المراد بالجهة هو المقدار الّذي تكون الكعبة واقعة في أحد نقطة من نقاط هذا المقدار، و هذا المقدار يكون تقريبا بقدر ربع الدائرة و ما بينا من وضع الوجه و كونه كرويا، و ما أسلفنا من البيان كان لطيفة في مقام تشريح المطلب، و وقوع نقطة من نقاط ربع المقدم من الوجه متوجّها إلى عين الكعبة، و كان بيانا لسر كفاية الجهة، لأنّ وجه كفايتها ليس إلّا من باب كون الكعبة واقعة في الجهة، و إلّا لو

كانت خارجا عن حدود الجهة، فكيف يمكن القول بكفاية الجهة، لأنّ وجه كفاية الجهة ليس إلا من باب كونها جهة الكعبة و شطرها.

[في ان يؤيد كون القبلة الجهة جعل ثلاث علامات لاهل العراق]

و يؤيد ما قلنا من كفاية الجهة أيضا ما ذكره المحقق رحمه اللّه «1» من جعل علامات ثلاثة لأهل العراق (حيث قال: و أهل العراق و من والاهم يجعلون الفجر على المنكب الايسر، و المغرب على الأيمن، و الجدى محاذى خلف المنكب الأيمن و عين الشمس عند زوالها على الحاجب الأيمن) لأنه لو كانت القبلة للبعيد عين الكعبة، و كان البناء على هذه الدقّة، لما يناسب جعل هذه العلامات لأهل العراق مع الاختلاف بين هذه العلامات.

______________________________

(1)- الشرائع، ج 1، ص 66؛ جواهر الكلام، ج 7، ص 359.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 136

[ثلاثة علامات لساكن صقع واحد دليل على كون القبلة اوسع من عين الكعبة]

لأنّ مقتضى الأولى استقبال نقطة الجنوب، و مقتضى الثانية الانحراف عن نقطة الجنوب إلى طرف المغرب بمقدار معتد، به و مقتضى الثالثة الانحراف من نقطة الجنوب إلى جانب المشرق، فكون هذه العلامات علامة لساكن صقع مخصوص دليل على كون القبلة للبعيد أوسع من ذلك، و هو يناسب مع الجهة مع أن في نفس احدى من العلامات الثلاثة أيضا اختلاف إلى الآن بين الفقهاء في المراد منها و هي الجدى.

و لأن ظاهر ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما عليه السّلام، (قال: سألته عن القبلة، فقال: ضع الجدي في قفاك و صلّ) «1» هو جعل المصلّي الجدي في قفاه، و حيث ان الراوي يكون محمد بن مسلم و هو سئل عن القبلة، فالظاهر كون الجدي علامة لمن كان مثله، و هم أهل العراق و من والاهم، و المراد بالقفا يحتمل أن يكون ظهر الرأس أعني الربع الواقع خلف الرأس و هو مؤخر العنق كما في اللّغة، و يحتمل أن يكون المراد منه تمام الخلف مقابل قدام البدن، باعتبار انّه إذا اطلق القفا يفهم منه

ذلك عند العرف.

فخلاف في الرواية في ما هو المراد من القفا و خلاف آخر في أن العلّامة جعلت لاىّ موضع من الأرض، فلو فرض كون الحكم لاهل العراق باعتبار كون السائل- كما قلنا و هو محمد بن مسلم- عراقيّا و لكن ليس حال تمام العراق بوزان واحد، و ليسوا كلهم في نقطة واحدة بالنسبة إلى الكعبة، لاختلاف بلاد العراق من حيث جهات الأربعة. و رواية اخرى و هي ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال:

قال رجل للصادق عليه السّلام: إنّي أكون في السفر و لا اهتدى إلى القبلة بالليل، فقال:

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 137

أ تعرف الكوكب الّذي يقال له: جدي؟ قلت: نعم. قال: أجعله على يمينك، و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك). «1»

و في هذه الرواية أيضا مواقع من الكلام، و الخلاف أولا بأن جعل هذه العلّامة علامة لكل احد في كل موضع كان، فهذا ممّا لا يمكن، لأنه لا يمكن أن يكون شي ء واحد بوضع واحد علامة لكل جهة من جهات الأربعة بحيث يجعل الجدي كلهم على وضع خاص، حتّى يكونوا متوجّهين إلى القبلة، فلا بدّ من كونها علامة لجهة خاصة، فيقع الكلام في ان هذه الجهة أيّ جهة من الجهات، و لا يمكن الحكم بكونها علامة لاهل العراق مثل رواية محمد بن مسلم، لأنّ روايتها باعتبار السائل كانت قابلة له، و هذه الرواية لم يعين السائل فيها، بل قال: قال رجل للصادق عليه السّلام، و لا نعلم بان هذا الرجل كان عراقيا او غير عراقي، فعلى كل حال هذا أحد مواقع النظر حتّى نختار بعدا ما هو الحق

فيها.

و ثانيا أن رواية الاولى تدلّ على جعل الجدي في القفا، و هذه الرواية تدلّ على ان في السفر الّذي لم يكن في طريق الحج، لا بدّ من جعل الجدي على يمينه، و في طريق الحج بين كتفيه، فبين الروايتين مخالفة بحسب الظاهر.

و ثالثا كلام آخر في ما هو المراد من الكتف، و أنّه هل هو المفصل الواقع بين عظم العضد و المنكب أو غير ذلك، فغرضنا أن نفس هذه العلّامة يكون نحو علامته مورد الخلاف، فأنّ كان الأمر غير موسّع لكان اللازم الدقّة في جعل العلّامة لا الاتساع بمقدار لا يناسب إلا مع كون القبلة الجهة.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 138

ثمّ إنّ ما قلنا في طي كلماتنا من كون رواية زرارة و معاوية بن عمار المذكورين في الباب «1» مؤيدين المطلب، بناء على كون المراد ممّا بين المشرق و المغرب ما قلنا من أن ما بينهما ليس إلا الموضع الّذي لا تطلع بحسب اختلاف الفصول فيه الشّمس و لا غربت فيه، و هو آخر موضع الّذي تطلع الشّمس فيها، و تغرب فيها فما بينهما مع عدم الطلوع و الغروب للشمس بعد ذلك ما بين المشرق و المغرب، و هو تقريبا ليس إلا ربع الدائرة إذا فرض رسم دائرة تلاقي نقطة الجنوب و الشمال و المشرق و المغرب، يمكن أن يقال بأنّ بين روايات آخر قرينة على الاحتمال الآخر الّذي ذكرناه، لا هذا الاحتمال، و هو كون المراد ممّا بين المشرق و المغرب ما بين ما تطلع الشّمس و تغرب في كل يوم بحسب ما يتراءى عند العرف، فلنذكر هذه الروايات حتّى يتبين لك الحال

إن شاء اللّه تعالى:

[في ذكر بعض الروايات حتّى يظهر الحال]
اشارة

الرواية الأولى: ما رواها معاوية بن عمار (انّه سئل الصادق عليه السّلام عن الرجل يقوم في الصّلاة، ثمّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى انّه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا، فقال له: قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة). «2»

و ظاهرها في حدّ ذاته هو كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، و يحتمل أن يكون المراد ممّا بينهما هو ما بين محلّ طلوع الشّمس و غروبها في كل يوم، فما بين المحل الّذي يرى الشخص ان الشّمس طلعت منها و غربت هو القبلة.

و يحتمل أن يكون المراد ما قلنا من أنّ المراد المحل الّذي واقع بين آخر نقطة تطلع الشّمس منها، و آخر نقطة تغرب منها الشّمس و لم تطلع بعدها الشمس، فهذا

______________________________

(1)- الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 139

الموضع ما بينهما، و هو مقدار ربع الدائرة تقريبا من طرفى نقطة الجنوب، أو من طرفي نقطة الشمال بحيث تكون نقطة الجنوب أو الشمال بين هذا الربع من الدائرة، و هل لها إطلاق بحيث يقال: بكون ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا بدون التقييد بالاضطرار أو بصورة الجهل أم لا، يأتي الكلام في ذلك.

الرواية الثانية: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا صلاة إلّا إلى القبلة. قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله.) «1»

و هذه الرواية أقوى ظهورا من الأولى في كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، لأنّه يكون عليه السّلام في مقام بيان الحدّ، فهل لها اطلاق أم لا؟

يحتمل

أن يكون لها إلّا طلاق لأنّه بعد ما كان عليه السّلام في مقام الحد (فقال: ما بين المشرق و المغرب قبلة) فلو كان هذا قبلة لخصوص من كان جاهلا بالقبلة فصلّى، بانّ كون صلاته إلى غير القبلة، فكان اللازم عليه البيان.

و لكن يحتمل أن يقال: بأنّ الرواية الثانية و كذا الأولى تكون في مقام بيان الحد الّذي لا يمكن الخروج عن هذا الحد في القبلة أصلا، و اعتبار ذلك مطلقا و هذا لا ينافي مع اعتبار أضيق من هذا الحدّ للأشخاص مخصوصة، و هم القادرون و العالمون بجهة الكعبة أو عينها، فالروايتان على هذا ليستا إلا في مقام كون ما بين المشرق و المغرب قبلة في الجملة، فلا إطلاق لهما تشملان لكل من المكلفين، و هذا الاحتمال و إن كان ضعيفا بالنسبة إلى الاحتمال الأوّل إذا كنا و هاتين الروايتين فقط، و لكن يأتي بعد ذلك بعض روايات آخر شاهد على الاحتمال الثاني.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 140

[في ذكر الرواية الثالثة و الرابعة]

الرواية الثالثة: ما رواها عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصّلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال: إن كان متوجّها في ما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه الى القبلة ساعة يعلم و ان كان متوجّها الى دبر القبلة فليقطع الصّلاة ثمّ يحوّل وجهه الى القبلة ثمّ يفتتح الصّلاة.) «1»

الرواية الرابعة: ما رواها حسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليه السّلام: (أنه كان يقول: من صلّى على غير القبلة، و هو يرى أنّه على القبلة ثمّ عرف بعد ذلك فلا إعادة

عليه إذا كان في ما بين المشرق و المغرب.) «2»

و يستفاد من هاتين الروايتين كون قبلة مجعولة أضيق دائرة ممّا بين المشرق و المغرب و المأمور به التوجّه إليها أولا، و في الفرض تخيّل الشخص توجّهه إليها و الحال انّه غير متوجه إليها، فعلم بعد ذلك، فقال: إن كان ما بين المشرق و المغرب فلا يضرّ انحرافه عن القبلة الأصلية، لأنّ الظاهر منهما خصوصا الأخيرة هو انّه صلّى على غير القبلة، و هو يرى أنّه على القبلة، فمن المعلوم أن هذه القبلة غير ما بين المشرق و المغرب.

فعلى هذا بعد ضم هاتين الروايتين إلى الأولى و الثانية نفهم عدم إطلاق لهما أيضا، و عدم كون ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا حتّى للمتمكن و العالم بالقبلة الأصليّة الّتي دائرتها اضيق ممّا بين المشرق و المغرب.

و من هنا يظهر أنّ ما احتملنا في الرواية الاولى و الثانية- من كون المراد ممّا بين المشرق و المغرب، هو بين آخر نقطتين الّتي تطلع الشّمس فيها و تغرب عنها،

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 10 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 141

مائلا بطرف نقطة الجنوب من طرف المشرق و المغرب، و هو تقريبا ربع الدائرة من الدور إذا فرض تقسيم الكرة بأربعة، فربع الدائرة الواقعة في طرف نقطة الجنوب أو الشمال هو ما بين المشرق و المغرب- لا يساعد مع الروايتين الاخيرتين، مع ما التزمنا من كون القبلة الجهة للبعيد، لأنّه بعد ما استفاد من الروايتين بأن غير ما بين المشرق و المغرب قبلة اخرى يجب التوجّه بها أولا، و لهذا لو لم يتوجه بها جهلا

اكتفى الشارع بالتوجّه إلى ما بين المشرق و المغرب فلمّا التزمنا بأنّ المراد من قوله (ما بين المشرق و المغرب قبلة) ما قلنا من الاحتمال المذكور في الفوق، و هو ربع الدورة تقريبا، فلا بدّ من أن نلتزم بان القبلة الأصلية المأمور بها أولا تكون أضيق من ربع الدورة، فمع التزامنا بالجهة للبعيد، فلازم ذلك التزامنا بأن الجهة أضيق من ربع الدورة، و الحال انّه كما قلنا يكون حدّ الجهة تقريبا ربع الدورة.

فمن هنا نقول: بان ما احتملنا في المراد ممّا بين المشرق و المغرب ليس احتمال يمكن الأخذ به، فلا بدّ من الاخذ بالاحتمال الأول، و هو كون المراد من قوله (ما بين المشرق و المغرب قبلة) هو ما بين ما تطلع الشّمس في كل يوم و تغرب الشمس، فكل المواضع الّتي ما بين المشرق و المغرب قبلة، سواء كان اليوم يوم الصيف أو الخريف، فيكون تقريبا نصف الدائرة ما بين المشرق و المغرب، فإن اخذنا بالروايات المذكورة الدالة على كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، فلا بدّ من الالتزام بكون ما بين نصف الدائرة قبلة، فهذا المقدار أوسع من القبلة المأمور بها أولا و هو الجهة، لأنها ربع الدورة تقريبا فافهم.

و بالجملة بعد اللتيا و اللتي ما اخترنا في المقام هو كون الجهة قبلة للبعيد من باب كون التوجّه بالوجه إلى شطر الشي ء و جانبه هذا و قلنا في مقام المراد من الجهة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 142

بما حاصله يرجع إلى انك لو فرضت المستقبل (بالكسر) اعني: المكلف بالتوجه بالقبلة كمركز دائرة و قطبها، و فرضت دائرة حول هذا القطب و المركز، فهذه الدائرة يتم على أربعة جهات جهة المشرق، وجهة

المغرب، و جهة الجنوب، وجهة الشمال، فهذه الدائرة إذا قسمت على أربعة جهات فكل ربع من هذه الدائرة يحسب جزء لجهة من الجهات الأربعة، فربعها يعدّ جهة المشرق، و ربعها جهة المغرب، و ربعها جهة الجنوب، و ربعها جهة الشمال، فكلما أستقبل الشخص الواقع في مركز الدائرة في أحد من الجهات الأربعة بوجهه فهو مستقبل قهرا لربع هذه الدائرة، لأنّ شطر كل نقطة من هذه الجهات الأربعة ليس إلا الربع من هذه الدائرة الواقعة هذه الجهة في هذا الربع منها.

ثمّ بعد ما بينا لك من كون وضع الوجه و الرأس أيضا كرويّا بحيث إنّه لا يكون الوجه و الجبهة مستويا، بل يكون دوريّا، و لهذا يكون الرأس أيضا قابلا للتقسيم بأربعة أجزاء، و يكون كل جزء بقدر ربع الدائرة، فربع من هذه الدائرة المفروضة هو سمت القدام من الرأس الواقع فيه الوجه، فإذا فرض أن الرأس يكون له طرف القدام و طرف الدبر، و طرف اليمين، و طرف الشمال مثل الكرة المفروضة لها المشرق و المغرب و الجنوب و الشمال، فربع من هذه الدورة أعنى: الرأس يكون جزء القدام من الرأس الواقع فيه الوجه، و ربع طرف الخلف مقابل الوجه، و ربع منه طرف اليمين، و ربع منه طرف الشمال، فمن يستقبل لشي ء تارة يكون من الأشياء الّتي ليست لها قدام و لا خلف و لا يمين و لا شمال كالشجر مثلا، و تارة يكون من الاشياء الّتي لها هذه الجهات مثل الإنسان، فإن له قدام و خلف و يمين و شمال، فإذا أمر بمثل الإنسان بالاستقبال بقدامه بشي ء فلا بدّ من استقباله بربع المقدم من رأسه أعنى: بوجهه، لأنّ

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 143

هذا الربع جزء القدام لأنّه لا يعدّ جزء اليمين و لا الشمال و لا الخلف.

[في ان المراد من الآية هو وجوب التوجه بشطر الكعبة بالوجه]

إذا عرفت ذلك نقول: ان الظاهر من الآية وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ هو وجوب التوجّه بشطر الكعبة بالوجه و معنى الاستقبال بالوجه، ليس إلا جعل الوجه في جانب الكعبة و شطرها و سمتها، و حيث إن الوجه كما عرفت يكون كرويّا بحيث إذا خرج خطان من طرفي الوجه أعنى: الربع المقدم من الوجه يتشكل مثلث إذا يستطيل هذان الخطان و يصلان بالكرة يقعان على طرفي ربع الدائرة المتوجه إليها، فيكون الوجه في قبال ربع الدائرة قهرا، فإذا فرض كون الكعبة في الربع الدائرة الربع الّذي فيه نقطة الجنوب مثلا، أو نقطة اخرى، فإذا استقبل بوجهه إلى هذه الجهة وقع وجهه محاذيا لجانب الكعبة و سمتها بحيث لو خرج خطوط من كل نقطة من وجهه يصل أحد منها إلى الكعبة لا محالة.

فهذا هو السر في كفاية الجهة، فالجهة كافية باعتبار كون المحاذي بالوجه للجهة محاذيا للعين أيضا غاية الأمر لا بتمام وجهه، بل ببعض وجهه، و هذا المقدار من التوجه كاف للبعيد مع ما قلنا من أن التوجّه بتمام الوجه إلى نفس نقطة خاصة مع كون وضع الوجه كرويا غير معقول، لأنّ الخطوط الخارجة من الشي ء الكروي لا يمكن أن يتلاقى كلها إلى هذه النقطة الخاصّة و ان كان يمكن ذلك للقريب لقربه بها، و لو يمكن دعوى عدم امكان التوجّه بتمام أيضا له إذا كان الشخص مثلا في الخطوط الخارجة من الوجه لا يتلاقى كلها الكعبة، نعم القريب المتمكن من الاستقبال بعينها يجب عليه ذلك، لأنّ جانبها و شطرها هو هذا بخلاف البعيد.

فعلى ما قلنا يظهر لك

حدّ السمت، و هو ربع الدورة تقريبا، و وجه كفاية الجهة هو كون الكعبة فيها، فما قلنا من الجهة هو القبلة للبعيد لما قدّمنا وجهه من أوّل كلامنا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 144

إلى هنا فظهر لك بحمد اللّه كفاية الجهة و حدّها و سرّ كفايتها، و الحمد له أولا و آخرا هذا تمام الكلام في ما هو القبلة.

[لو لم يتمكّن من تحصيل العلم بالقبلة فما يكون تكليف المكلّف]
اشارة

الجهة الثانية: وقع الكلام بعد ذلك في أمر آخر، و هو انّه لو تمكن المكلف من تحصيل القبلة بالعلم، أو ببعض العلامات المفيدة للعلم أيضا (لانّه بجعل الجدى في موضع خاص أيضا يحصل القطع بجهة الكعبة و شطرها) فهو، و إن لم يتمكّن من تحصيل العلم بالقبلة فما يكون تكليف المكلف في هذه الصورة؟

[في ذكر روايات الواردة في المقام على طوائف ثلاثة]
اشارة

اعلم أنّ روايات الواردة في المقام على طوائف ثلاثة:

الطائفة الأولى:

ما رواها زرارة (قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة.) «1»

و ظاهرها تدلّ على كفاية المظنة إذا لم يعلم أين وجه القبلة، لأنّ المراد بالتحرّي هو الظّن، و هنا كلام آخر و هو أنّه هل يكتفي بالظن في حال عدم العلم ما لم ينكشف الخلاف، فلو كشف الخلاف لم يجز ما فعل على طبق ظنه، أو يجزي ما فعل مطلقا، و لو كشف الخلاف لظاهر قوله (يجزي التحري أبدا).

ما رواها سماعة (قال: سألته عن الصّلاة بالليل و النهار إذا لم ير الشّمس و لا القمر و لا النجوم. قال: اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك.) «2»

و روى عن سماعة ببعض طرق آخر باختلاف يسير في متن الحديث (و ليست الرواية مضمرة و إن ترى انّه نقل عن سماعة (قال: سألته) و لم يذكر ممّن سأله، سماعة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 6 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 6 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 145

يروي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، و له كتاب فذكر في اوّل كتابه سألت عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ثمّ قال في صدر كل رواية و سألته و سألته و هكذا إلى آخر كتابه، ثمّ بعدا نقل عن كتابه كل رواية مجز عن الآخر فصار التقطيع سببا لتوهم كون الرواية مضمرة، فالرواية مسندة و منتهى سندها إلى أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السّلام).

و هذه الرواية تدلّ على كفاية الظن و العمل بالاجتهاد في القبلة مع عدم التمكّن من تحصيل القبلة بالعلم أو بالعلامات.

[في ذكر الطائفة الثانية و الثالثة]

الطائفة الثانية: ما رواها زرارة و محمد بن مسلم عن

أبي جعفر عليه السّلام (ثمّ إنّه قال: يجزي المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم اين وجه القبلة). «1»

ما رواها زرارة (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قبلة المتحير، فقال: يصلّي حيث يشاء) «2».

و الظاهر من الروايتين هو جواز توجّه المصلّي إلى أي جهة شاء إذا كان متحيرا في القبلة و لم يعلم بوجهها.

الطائفة الثالثة: ما رواها محمد بن علي بن الحسين عليهم السّلام قال: روى فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة انّه يصلّي إلى أربعة جوانب) «3».

ما رواها محمد بن يعقوب (قال: و روي أيضا انّه يصلّي إلى أربع جوانب) «4».

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- اقول: و يحتمل كونهما رواية واحدة لأنّ الأولى رواها زرارة و محمد بن مسلم فيمكن ان نقلها تارة زرارة بنفسه./ الرواية 3 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 146

و هاتان الروايتان نقلهما الصّدوق رحمه اللّه و الكليني رحمه اللّه مرسلة، و يمكن وصول رواية إليهما و لهذا نقلا كذلك، و يمكن أن تكون هذه الرواية الّتي نقلا روايته تكون هذه الرواية نذكرها الآن، و هي ما رواها خراش (بالراء أو بالدال على اختلاف الضبط) عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت: جعلت فداك إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا اطبقت علينا أو اظلمت فلم نعرف السّماء كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد، فقال: ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصلّ لأربع وجوه) «1».

فهذه الرواية تدلّ على أن السائل قال: إن المخالفين

يقولون بنا بأنكم تعملون بالاجتهاد مثلنا في مورد القبلة، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: ليس كما يقولون، إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه.

[ظاهر كل هذه الطوائف معارض مع الاخر]

إذا عرفت ان في المقام طوائف ثلاثة من الروايات، فنقول: ظاهر كل طائفة من هذه الطوائف معارض مع الأخرى، فأنّ مقتضى الطائفة الأولى هو وجوب العمل بالظن مع فقد ما يوجب تحصيل العلم، و لو كان العلم حاصلا من جعل علامة لان ذلك يوجب العلم بالجهة، فعلى هذا تدلّ هذه الطائفة على العمل بالظن الحاصل بالاجتهاد عن جهة الكعبة، لأنّ ظاهر التحرّي كما نرى في موارد استعماله هو تحصيل الظنّ.

و مقتضي الطائفة الثانية هو ان المتحيّر في القبلة يصلّي حيث يشاء، و إطلاقه يشمل ما إذا كان المتحير في القبلة الواقعية ظانا بالظنّ الغير المعتبر على كون القبلة في جهة من الجهات الأربعة، فبينهما التعارض و كذلك مع الطائفة الثالثة، لأنّ مقتضى

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 147

الطائفة الثالثة هو الصّلاة إلى أربع جوانب على من لم يتمكّن من أن يعرف القبلة، سواء كان ظانّا بجهة على أن القبلة فيها أوّلا، و معارضة مع الطائفة الثانية لأنّها دلّت على الصّلاة بايّ جهة شاء، و هذه الطائفة تدلّ على الصّلاة على أربع جوانب، فبينهما تعارض أيضا.

إذا فهمت ذلك نقول: بأنّه يمكن رفع التعارض بين الطائفة الأولى و بين الثانية أوّلا فبان لفظ المتحيّر الوارد في الطائفة الثانية (يجزي المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة) لا يشمل الظان لأنّ الظان لم يكن متحيرا، فيمكن دعوى عدم شمول المتحير للظان أصلا، فلا إطلاق له يشمل الظانّ.

و ثانيا أنّه بعد عدم

إمكان تحصيل العلم إذا أمكن الظن، فهو مقدم و يكون بناء العقلاء على الاخذ به، و لهذا قالوا في الانسداد بأنّه بعد عدم إمكان الاحتياط أو عدم وجوبه يتنزل بالظن، فلا وجه لمن يكون ظانّا بالقبلة و امكان موافقة الظنّية بأن يرفع اليد عنها و يكتفي بالموافقة الاحتمالية و يصلّي حيث يشاء. «1»

و ثالثا على فرض شمول المتحير للظان أيضا، و عدم الالتزام بما قلنا ثانيا فنقول: بأنّ النسبة بين الطائفة الأولى و الثانية تكون العموم و الخصوص المطلق، لأنّ الطائفة الأولى أخص من الثانية، لكون موردها خصوص الظانّ، و الثانية أعم لأنها تشمل الظان و غير الظان، مثل من يكون شاكا في جهة القبلة، فعلى هذا لا بدّ من تقديم الخاص على العام، لكون ذلك جمعا عرفيّا، فيجمع بينهما بتقييد الطائفة الثانية أو تخصيصها بالاولى، فنتيجة الجمع بينهما هو انّه مع امكان الاجتهاد و تحصيل

______________________________

(1)- أقول: و لكن ليس هذا إلا دعوى الانسداد في المورد و لزوم الاخذ بالظن المطلق، و كيف يمكن الالتزام به لمن لم يلتزم به في غير المورد. (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 148

الظن يجب تحصيله و العمل به، و مع عدمه يصلّي حيث يشاء، فبهذا يجمع بين الطائفة الأولى و الثانية.

و امّا تعارض الطائفتين مع الطائفة الثالثة، فنقول: أما التعارض بين الأولى و الثالثة فكما قلنا كان من باب أن مقتضى الطائفة الأولى هو الاخذ بالظن و الصّلاة على الجهة الّتي يظنّ كون القبلة فيها، و مقتضى الثالثة هو وجوب الصّلاة إلى أربع جوانب لمن لم يعرف القبلة و لو كان ظانّا، حتّى أن في رواية خراش فرض أنّه لا يجوز الاجتهاد، و لا بدّ من الصّلاة بأربع

جوانب.

فنقول في مقام رفع التعارض بينهما: بان الكلام تارة يقع في الطائفة الأولى مع ما روى الكليني رحمه اللّه و الصدوق رحمه اللّه من الطائفة الثالثة: بأنّه يصلّي إلى أربع جوانب.

و تارة يقع الكلام في التعارض بين الطائفة الأولى و بين رواية خراش من الطائفة الثالثة.

أما الكلام في الأوّل فنقول: تارة نقول: بأنهما مرسلتان لأنّ الكليني رحمه اللّه و كذا الصدوق رحمه اللّه قالا (و روى) و لم يبينا ممّن روى، فعلى هذا بصرف نقلها مرسلة ليس لنا الحكم بحجيتهما، و ما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه: بأن الصّدوق رحمه اللّه- على ما قال في أول كتابه- لا ينقل إلا رواية تكون حجة عنده أيضا لا يفيد لنا، إذ ربما تكون الرواية حجة عنده، و لكن لو وصل بايدينا لم نر فيها مقتضى الحجية، فمع إرسالهما لا يمكن التعويل عليهما، إذ ربما لو وصل بايدينا سندها ما كان السند معتبرا عندنا.

و تارة نقول- كما هو الحقّ- بأنّهما و ان كانتا مرسلتين، و لكنّ المشهور، عمل بهما فيجبر ضعف سند المرسلتين بعمل المشهور فعلى هذا تكون المرسلتين حجّة، فإذا كان كذلك نقول: أما مرسلة الكليني رحمه اللّه فهو كما يظهر من نقله وارد في المتحير، لأنه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 149

بعد ما روى عن زرارة بسنده قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قبلة المتحير فقال يصلّي حيث يشاء) فبعد ذلك قال الكليني رحمه اللّه: و روى أيضا انّه يصلّي إلى أربع جوانب) و من الواضح انّه يقول (و روى أيضا أنّه) يعني المتحير يصلّي إلى أربع جوانب، فنقول في مقام الجمع بينها و بين الطائفة الأولى الدالة على العمل بالاجتهاد و الظن، ما قلنا

في مقام الجمع بين الطائفة الأولى و الثانية من أولا و ثانيا و ثالثا.

و أمّا مرسلة الصّدوق رحمه اللّه فنقول- مع امكان دعوى انصرافها عن الصورة يتمكّن الشخص من تحصيل الظن، لأنّ المفروض فيها كما يظهر من متن المرسلة (محمد بن علي بن الحسين قال: روى فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة انّه يصلّي إلى أربعة جوانب) الصورة الّتي لا يتمكن الشخص من الاجتهاد لأنّه في مفازة، و الغالب عدم امكانه في ذلك الموضع من تحصيل ظن اجتهادي على جهة الكعبة، فلهذا صورة التمكن من الظن خارج عن فرض المرسلة- بأنّه على فرض اطلاق لها فأيضا يقيد إطلاقها بالطائفة الأولى، لأنها خاص و هذه المرسلة عام، لأنّها وردت في خصوص المتمكن من تحصيل الظن، و هذه عام تشمل الظن و الشك، فيحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، فتكون النتيجة هي وجوب تحصيل الظن و العمل به أوّلا، ثمّ لو لم يتمكن فالصّلاة إلى أربعة جوانب.

و امّا الكلام في رواية خداش (أو خراش) فالتعارض بينها و بين الطائفة الأولى الدالة على إجزاء التحري و الاجتهاد الظني يكون بالتباين، لأنّ رواية خراش نص في عدم جواز الاخذ بالاجتهاد، و وجوب الصّلاة إلى أربعة جوانب، و لكن بعد كون نفس خراش و من يروي عن الخراش من المجاهيل، و لم يعين خراش ممّن يروي لأنّ الطريق هكذا- عن خراش عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 150

و مضافا إلى عدم عامل بهذه الرواية من الاصحاب، فلا يمكن التعويل عليها في مقابل ما ورد من إجزاء التحري إذا لم يعلم اين وجه القبلة، هذا كله حال التعارض و الجمع بين الطائفة الأولى

و الثالثة.

و امّا الكلام في التعارض بين الطائفة الثانية و بين الثالثة، فنقول: مقتضى الطائفة الثانية الصّلاة إلى أي طرف شاء إذا كان الشخص متحيرا و لا يعلم بجهة القبلة، و مقتضى الطائفة الثالثة هو وجوب الصّلاة إلى أربع جهات لمن لا يعلم، فيقع بينهما التعارض.

فنقول: بان رواية خراش حيث لا يمكن العمل بها في موردها، و هو مورد التمكن من الاجتهاد الظنّي، و كون سندها ضعيفة، فغير قابلة لأنّ يعوّل عليها إن كان المستند في الصّلاة بأربع جوانب هذه الرواية فقط، و لكن بعد كون مرسلة الكليني رحمه اللّه و مرسلة الصّدوق رحمه اللّه دالّتان على الصّلاة بأربع جوانب لمن لا يهتدي وجه القبلة، و كون ضعف سندهما منجبرا بعمل المشهور بمضمونهما، و كونهما موافقين للاحتياط، فلا بد من العمل بهما و الصّلاة إلى أربع جوانب، و الروايتان الدالتان على جواز الصّلاة للمتحير حيث يشاء- أعنى: الطائفة الثانية من الروايات- و ان كان ظاهر هما الصّلاة إلى أي طرف شاء، و لكن مع كون مضمونهما مخالفا للاحتياط، و كون ظاهرهما الغاء شرطية القبلة من رأس، لأنّ لسانهما إتيان الصّلاة حيث يشاء، لا يمكن العمل بهما في قبال المرسلتين المنجبرتين بعمل الاصحاب، و كونهما على وفق الاحتياط، حتّى لو وصل التعارض بينهما بمقام لا يمكن ترجيح المرسلتين عليهما، و أغمضنا عن كون الترجيح لهما لكونهما موافقتين للمشهور، و بلغ أمر تعارضها إلى التساقط فأيضا مقتضى القاعدة هو الاخذ بمضمون المرسلتين، لكونهما موافقتين

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 151

للاحتياط، لأنّ مقتضى الادلة الاولية الدالة على اعتبار شرطية، القبلة هو الاحتياط في تحصيل الشرط لا إسقاط الشرط من رأسه، و يحصل الاحتياط بإتيان الصّلاة إلى أربع جوانب،

لأنّه بعد ما بينا في المراد بجهة القبلة بأن جهتها تكون تقريبا ربع الدائرة من المحيط الّذي فرض كون الشخص مركزها، فمن يعلم كون الكعبة في أي ربع من الدائرة- مثلا يكون الشخص في نقطة الشمال، و يعلم كون الكعبة في نقطة من ربع الدائرة من نقطة الجنوب- فيتوجه نحوها، و امّا من لا يعلم كون الكعبة في أي ربع من هذه الأربعة، فلا بدّ من أن يصلّي إلى أربع جهات حتّى يعلم بذلك أنّه يحصل الشرط، و توجّه نحو الكعبة و شطرها و جهتها، فعلى هذا يكون من صلّى بأربع جهات فقد تيقن ببراءة ذمته و إتيان صلاته واجدة لشرط القبلة.

[الصّلاة الى اربع جوانب يؤيد ان القبلة الجهة]

و من هنا يظهر أن ما قلنا في وجه الامر بالصّلاة الى أربع جوانب يؤيد ما قلنا في مقام بيان المراد من الجهة الّتي قبلة للبعيد يكون كلاما تماما بناء على عدم كون هذا الحكم حكما تعبّديا صرفا، كما أنّه لا يبعد عدم كونها حكما تعبديّا صرفا، بل ليس الحكم بالصّلاة إلى أربع جوانب بحسب ما يفهم العرف إلّا من باب كون هذا العمل مؤديا إلى العمل بالشرط، و وقوع الصّلاة متوجّها إلى جهة الكعبة، لأنّه بعد تقسيم الدائرة على أربعة أجزاء و بعد كون الجهة في أحد من هذه الأجزاء الأربعة من الدائرة ببيان المتقدم في تحديد الجهة، فإذا فرض عدم تمكّن الشخص من تحصيل الربع الّذي هو جهة الكعبة من هذه الأربعة، فإذا صلّى متوجّها إلى كل ربع من هذه الدورة صلاة، فقد علم ببراءة ذمته، و تحصيل الشرط و إتيانها بصلوة واجدة لشرط القبلة.

و حكم الشارع بالصّلاة بأربع جوانب يكون من هذا الباب، لا أن يكون

تبيان الصلاة، ج 3، ص:

152

إعمال تعبّد من الشارع في الفرض، كما أنّه ما قلنا سابقا من أنّ ما دلّ على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبله يؤيدنا بناء على عدم حمله على ما يأتي بنظر العرف ممّا بين المشرق و المغرب، و هو كل موضع تطلع في كل يوم من أحد طرفيه الشّمس و تغرب من طرفه الآخر، بل على ما احتملنا من كون ما بينهما هو الموضع الّذي لا تطلع فيه الشمس و لا تغرب فيه في أحد من الفصول، و يكون بينهما، و تقريبا بقدر ربع الدائرة، فإذا تمكن من تحصيل المشرق و المغرب و تحصيل العلم بالربع الّذي جهة الكعبة فيه فهو، فإذا كان في نقطة الجنوب يتوجّه بنقطة الشمال و بالعكس، و كذلك إذا كان في نقطة المشرق بالمغرب و بالعكس، و في الرواية و ان ورد (ما بين المشرق و المغرب قبلة) لكن يفهم منه أن ما بين الشمال و الجنوب قبلة بهذا المنوال.

[مع التمكّن من الصّلاة الى الجهة لا يجب عليه الصّلاة الى اربع جوانب]

فعلى كل حال مع التمكن من ذلك لا يجب عليه الصّلاة بأربع جوانب بناء على ما احتملنا، لأنّه يتمكّن من تحصيل الجهة و هي الربع من الدورة و هو ما بين المشرق و المغرب، و لو لم يتمكن فيجب عليه الصّلاة إلى أربع جوانب. «1»

ثمّ على ما قلنا من كون الصّلاة إلى أربع جوانب حكما موافقا للاحتياط و لا يبعد عدم إعمال تعبد من الشارع فيه، بل ليس منشأه إلا ما يفهم العرف من أنّه إذا فرض عدم إمكان تحصيل الربع من الدائرة الّتي هي جهة الكعبة، فلا بدّ خروجا لعهدة التكليف من الصّلاة إلى جهات أربعة، يظهر لك بأنّه لا حاجة إلى ما ذكره «2» صاحب الجواهر

رحمه اللّه و أتعب نفسه من الاشكال و ردّه، فقال رحمه اللّه بعد ما قال في طي

______________________________

(1)- أقول: و قد مضى الاشكال في عدم امكان الالتزام بما احتمله مدّ ظلّه في المراد ممّا بين المشرق و المغرب حتّى يكون المجال لما أفاد هنا. (المقرر)

(2)- جواهر، ص 410، ج 7.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 153

كلماته (بانّ مقتضى العلم الاجمالي هو الصّلاة إلى أربع جوانب حتّى لو لم يكن الدليل على العمل بالظن، نقول على الاحتياط بمجرد عدم إمكان تحصيل العلم التفصيلي ثمّ قال: و المناقشة بأنّ الأربع غير محصّلة لليقين بالجهة، ضرورة تعدد المحتملات فيها، و عدم انحصارها فتسقط، كما في كل مقدّمة غير محصورة يستلزم الإتيان بها العسر و الحرج المنفيين بالآية و الرواية، و بأنّه متّى سقط بعض أفراد مقدمة اليقين سقط الجميع، لأنّها إنّما وجبت تحصّلا لليقين بالمكلّف به، فوجوب الأربع حينئذ إن كان فهو ليس إلا من الدليل لا القاعدة المزبورة، يدفعها أن ظاهر الخبر المزبور أو صريحه كالفتاوى كون الأربع تحصيلا لليقين و إلّا كان الأمر أسوأ حالا من العامّة المكتفين بالصّلاة إلى جهة من الجهات بلا مقتض لتخصيصها، و هذا هو الاجتهاد المنكر عليهم، فلا بدّ حينئذ من إرادة تحصيل اليقين بما بين المشرق و المغرب.

ثمّ قال بعد اسطر و من ذلك يعلم سقوط المناقشة المزبورة بعد الاغضاء عن الثانية منها لما ستعرفه إن شاء اللّه، كالمناقشة بأنّه لو كان ذلك مقدمة لليقين المذكور لاجتزى بالثلاث، ضرورة حصول جهة ما بين المشرق و المغرب بالصّلاة إلى ثلاث جهات على وجه يقسم فيه الفضاء مثلثا، فإنه يقطع بعدم خروجها عن الخطوط الثلاثة كما هو واضح، إذ يدفعها أيضا احتمال أن

ذلك جار مجرى ما في أذهان غالب الناس من الجهات الأربع الخ.

فإنّه على ما قلنا فهمت بأن ذلك- أعنى: الصّلاة إلى أربع جوانب- موافق للاحتياط، و لا يمكن الاحتياط بأقلّ من ذلك، لما قلنا من كون الجهة الربع من الدائرة، فلا بدّ من الصّلاة بأربع جهات حتّى وقعت صلاة منها على جهة الكعبة، فلا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 154

حاجة إلى إطناب الكلام بما أطنب مع ما يكون فيه مجال من الاشكال لو لم نقل بما قلنا ثمّ إنه بعد كون الصّلاة بأربع جوانب من باب الاحتياط لحصول الاحتياط بها و عدم إعمال تعبّد فيها من الشارع، بل هو ارشاد إلى ما يحكم به العقل في مقام براءة الذمّة من التكليف مع جهله بالجهة.

[مع امكان تحصيل الظن يجوز الصّلاة الى اربع جوانب]

فنقول: هل يجزي هذا النحو من الامتثال- أي إتيان الصّلاة بأربع جوانب- حتى مع التمكن من تحصيل الظن، أو لا يصح هذا النحو من الامتثال؟

أعلم أنّه بعد الاكتفاء بالامتثال الإجمالي في مقابل الامتثال الظنّي فيصحّ الصّلاة إلى أربع جوانب و ترك التحري و تحصيل الظن، لأنّ ما يستفاد من الروايتين الدالتين على العمل بالظن الاجتهادي يستفاد منه الاجزاء و الاكتفاء به، لأنّ الرواية الأولى تدلّ على صرف الاجزاء لأنه قال (يجزي التحري) و الرواية الثانية و إن كانت بصورة الأمر، لأنه قال (اجتهد رأيك و تعمد القبلة جهدك) و لكن بعد عدم كون موضوعية لنفس الاجتهاد، لعدم كون وجوب نفسى للاجتهاد، بل الغرض تحصيل الظن بما هو الشرط للصّلاة- أعنى: القبلة- فلا يستفاد منهما إلا العمل بالظن و إجزائه، لا وجوب العمل به بحيث لا يجوز الاحتياط في هذا الحال خصوصا بقرينة الرواية الأخرى لقوله (يجزي التحرّي) فافهم.

ثمّ إنّه كما بينا

سابقا ما يمكن أن يقال في أصل المسألة هو ما قلنا من وجوب التوجه بالوجه إلى جهة الكعبة، و بيّنا ما هو المراد من الجهة، و لم نجد وجها معقولا غير ما قلنا من كفاية الجهة للبعيد، لأنّ ما قيل من كون القبلة عين الكعبة للقريب و البعيد إما بدعوى أن الشي ء كلما ازداد بعدا جهة محاذاته أزداد سعة، و الشاهد حكم العرف بذلك، و أنّه يرى العرف صفّا مستطيلا مقابلا لشي ء و متوجّها إليه إذا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 155

كان الفصل بينهما كثيرا، و لو أنّه إذا رسم خطوط من هذا الصف إليه لم يصل كلّها به، و لا إشكال في أن الاستقبال إلى الكعبة كذلك- أعنى: ليس المأمور به إلا استقبالا عرفيا- لعدم تعيين وضع آخر من الشرع على خلاف حكم العرف، فيكفي استقبال العرفي.

أو بدعوى أن الشرط هو التوجّه إلى عين الكعبة فالقريب المتمكن يمكن له العلم بكون توجهه إلى العين، و البعيد و إن كان يجب عليه التوجّه بالعين و لكن بعد عدم تمكنه من تحصيل العلم، فيجب التوجّه نحو عين الكعبة بأحد أمارات ظنية، فيختلف تكليف القريب و البعيد في الحكم الظاهري، فالاول يجب عليه العلم، و الثاني يجب عليه العمل بغير العلم ممّا يكون حجة له، لا يمكن الالتزام به.

ثمّ إنّه بعد ما عرفت ما قلنا من أن المتحير المتمكن من إتيان الصّلاة بأربع جوانب يجب عليه ذلك، فنقول فيمن لا يتمكن من إتيان الصّلاة بأربع جوانب لضيق الوقت، بل لا يتمكن إلا من الصّلاة بجانب واحد: إنه يجب عليه الصّلاة إلى جانب واحد، أما أولا فلأنّ مورد رواية زرارة و محمد بن مسلم و رواية اخرى من

زرارة مثل هذا المورد، لأنّه بعد ما قلنا في مقام رفع التعارض بين الأخبار بأنّه مع التمكن من الظن الاجتهادي يكون هو مقدما، ثمّ بعده تصل النوبة إلى الاحتياط و الصّلاة على أربع جوانب، ثمّ بعد ذلك يصلّي الى متى شاء، فلا بدّ له من إتيان الصّلاة بجهة واحدة يكون متمكنا منها، و ثانيا لأنّ بذلك تحصل موافقة الاحتمالية للتكليف.

[من لا يتمكن من الصّلاة الى اربع جوانب لضيق الوقت يكفى الصّلاة الى جانب واحد]

ثمّ إنّه إذا لم يتمكّن من الصّلاة بأربع جوانب لضيق الوقت و لكن يتمكّن من الصّلاة ببعض الجوانب أزيد من جانب واحد، مثلا بجانبين أو بجوانب ثلاث لبقاء

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 156

الوقت بهذا المقدار، فهل يجب إتيان الصّلاة بكل جانب يكون متمكنا، أو لا يجب ذلك بل يكتفي الصّلاة بجانب واحد في هذه الصورة.

[قد يقال بانّ الواجب صلاة واحدة مع سعة الوقت الى جانبين او ازيد]
اشارة

قد يقال: بعدم وجوب الصّلاة إلّا بجانب واحد و لو كان الوقت باقيا بقدر أن يصلّي بجانبين أو جوانب ثلاثة لأنّ الرواية الدالة على الصّلاة على أربع جوانب إن كان فيها إعمال تعبد فهي تدلّ على الصّلاة إلى أربع جوانب، و إذا لم يتمكن لضيق الوقت منها فلا دلالة لها على الصّلاة إلى جوانب ثلاثة، و يشمل المورد رواية زرارة و محمد بن مسلم بأنّه (يصلّي متّى شاء) و إن لم يكن فيها إعمال تعبد، بل كان الحكم فيها موافقا لما يحكم به العقل من الاحتياط، لأنّ الاشتغال اليقيني يحتاج إلى البراءة اليقينية، فموردها لا بدّ و أن يكون موردا يكون التكليف بحيث تحصل بها موافقة أمر المولى بالاحتياط.

و بعبارة اخرى يكون مورد حكم العقل بالاحتياط ما إذا كان تكليف المولى منجزا على كل تقدير بحيث إذا كان في كل طرف من الاطراف- و في الفرض في كل جانب من الجوانب- يكون منجزا و يحكم العقل بأنّه إن كان هنا يصح العقاب و أمّا إذا لم يكن كذلك فلا حكم للعقل بوجوب الاحتياط، و المقام يكون كذلك، لأنّه إن كانت القبلة في الجهة الّتي لا يتوجّه إليها لضيق الوقت غير الجهات الثلاثة أو الجهتين يمكن له التوجّه بها، فليس تكليف المولى منجزا لعدم قدرة العبد على إطاعته مثل ما

إذا خرج أحد أطراف المعلوم بالاجمال عن محل الابتلاء، فعلى هذا لا حكم للعقل بوجوب الاحتياط، فلا يجب عليه إلا الصّلاة بجانب واحد.

و لكن مع ما بيّنا في الأصول من أن العقل كما يحكم تارة بموافقة القطعية للتكليف، و لازمه حفظ التكليف و رعايته، بحيث إنه لو كان المكلف به في كل طرف

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 157

من الأطراف أطاعه و لم يخالفه.

كذلك تارة يقتضي صرف موافقته الاحتمالية في طرف واحد إن لم يبق إلّا طرف واحد، و موافقته في بعض الاطراف المتمكن من حفظه إن كان أزيد من طرف واحد، فلو فرض كون التكيف المحرم المعلوم بالاجمال مرددا بين أربعة اشياء فإن تمكن من رعايته في جميع الأطراف، فيجب حفظ التكليف و الاجتناب من كل الاطراف، و إن لم يتمكن من حفظه إلا في طرف واحد، فيجب موافقته الاحتمالية و الاجتناب من هذا الطرف، و إن أمكن حفظه في ضمن طرفين أو ثلاثة اطراف بحيث كان الممكن له تركها، فيجب الاجتناب عنها و موافقة الاحتمالية بهذا النحو، لأنّ العقل حاكم بحفظ مراد المولى و ما كلف به حتّى الامكان، و يصح احتجاج المولى بالعبد لو ترك ذلك إن صار تركها مصادفا مع ترك التكليف المعلوم بالاجمال، لأن الحاكم في باب الاطاعة و المعصية هو العقل، و هو يحكم بصحة احتجاج المولى و عدمه في كل مورد، و يحكم بصحة احتجاج العبد بالمولى و عدم صحته، و في مثل هذه الموارد يرى صحة احتجاج المولى بالعبد. «1»

______________________________

(1)- إن قلت: إن الميزان في العلم الاجمالي بناء على وجوب موافقة القطعية، هو حكم العقل بوجوب الاجتناب عن الأطراف من باب مقدمة العلمية، و هذا كما أنتم

معترف، فرع كون المعلوم بالاجمال بين الأطراف منجّزا على كل تقدير، بمعنى انّه إن كان في كل طرف من الأطراف كان منجزا، و هذا لا يفرض ألّا في ما كان جميع الاطراف بهذا النحو، و امّا إذا فرض كون بعض الاطراف بحيث لو فرض كونه هو المعلوم ليس التكليف به منجزا، فلا معنى للاجتناب عن ساير الاطراف، لأنّ المعلوم يحتمل كونه في البعض، الذي لو كان المعلوم هذا البعض لا يكون المعلوم بالاجمال تكليفه منجزا، مثل ما إذا خرج أحد الأطراف عن محل الابتلاء، ففي المقام بعد كون

المكلف غير متمكن من الصّلاة بأربع جوانب، بل متمكن إلى جانبين أو ثلاثة جوانب، فالمكلف و إن كان يعلم بكون القبلة في أحد جوانب الأربعة، و لكن بعد ما يكون المفروض انّه إن كانت الكعبة في الجهة الّتي لا يمكن له التوجّه إليها، و ليس هو مكلف بالتوجه به و إن كانت الكعبة فيها، لعدم تمكّنه من ضيق الوقت، فليس التكليف المعلوم إجمالا منجزا على كل تقدير، لأنه على تقدير كونه في الجهة الرابعة الّتي لا يتمكن من جهة ضيق الوقت من التوجّه نحوها لم يكن التكليف منجزا في حقه، فعلى هذا لم يكن العقل حاكما على لزوم إتيان الصّلاة بجوانب المتمكنة و لو لم يتمكن من جانبه الآخر.

هذا ما أتى بنظري، و قلت له مد ظلّه في مجلس البحث، و قال جوابا نقول: بأن العلم كما يقتضي تارة بحكم العقل لزوم موافقته القطعية، فإن كان المعلوم مجملا بين الأطراف يجب الاحتياط في جميع الاطراف من الاجتناب إن كان التكليف المعلوم بالاجمال تحريميا، كذلك تارة يقتضي بحكم العقل موافقته الاحتمالية بحيث إذا فرض كون المعلوم مشتبها بين أطراف

لا يتمكن من الاجتناب عن جميع الأطراف، و لكن يتمكن من بعضها، فيحكم العقل بالاجتناب عنها و يصح للمولى الاحتجاج على العبد لو ارتكب هذا البعض و صار مصادفا مع ارتكاب المحرم الواقعي، فعلى هذا لو فرض أن الأطراف أربعة و صار الاجتناب من أحدها خارجا عن قدرة المكلف، فيجب عليه بحكم العقل الاجتناب من أطرافه الثلاثة الباقية، و لا يمكن أن يكتفي في مقام موافقة الاحتمالية بالاجتناب عن طرف واحد من هذه الثلاثة و ارتكاب طرفين الآخرين، لانه لو صادف كون المعلوم بالاجمال في هذين الطرفين يكفي عند العقل لحصول مصححية الاحتجاج، و كذلك إذا كان المعلوم بالاجمال طلب فعل و صار مشتبها بين أطراف أربعة مثلا، فكما يحكم العقل بوجوب الإتيان بجميع المحتملات من باب مقدمة العلمية، كذلك فيما لا يتمكن من موافقة، القطعية بما يمكن له من الموافقة فتارة لا يتمكن إلا من الموافقة الاحتمالية بفعل احد الاطراف فقط، و تارة يتمكن من أزيد من ذلك مثل ما إذا لم يتمكن من فعل طرفي المحتملات أو طرف واحد من المحتملات، فالعقل يحكم حفظا للواجب المعلوم في البين الذي يكون التكليف به معلوما فعلا، بإتيان طرفي الآخر أو اطراف ثلاثة حتّى لو صادف كون

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 159

[في ذكر بعض الفروع مربوطة بما نحن فيه]
اشارة

ثمّ إن هنا بعض الفروع ينبغي التعرض له:

[الكلام في الفرع الاوّل]

الفرع الأول: المتحير الّذي لا يتمكّن لأجل ضيق الوقت من الصّلاة إلى أربع جوانب، و لا ثلاثة جوانب، و لا جانبين، و لم يكن مقصرا في ذلك، بل يتمكن من الصّلاة إلى جانب واحد فقط، فيكون تكليفه الصّلاة إلى أيّ جهة شاء لدلالة رواية زرارة و محمد بن مسلم على هذا، بل كما قلنا يكون موردها، فلا إشكال في كون تكليفه ذلك، كما لا إشكال في إجزاء هذه الصّلاة و عدم حاجة إلى القضاء سواء نقول بأن في هذه الصورة تسقط شرطية القبلة، كما لا يبعد كون ظاهر الروية هذا،

______________________________

المعلوم في الاجمال بين احدها لم يكن للمولى على العبد حجة.

و في المقام يكون الأمر كذلك، لأنّه بعد كون الواجب في الصّلاة التوجّه إلى القبلة، و هي شرط فيها، و يعلم المكلف المتحير إجمالا بكون القبلة في أحد من جهاته الأربعة، و على الفرض لا يكون متمكنا لضيق الوقت من الصّلاة إلى كل هذه الجوانب الأربعة لتحصيل الموافقة القطعية، و لكن يتمكن من الصّلاة بثلاثة جوانب، فيجب بحكم العقل موافقة المعلوم بالاجمال بهذا النحو، لأنه بعد معلومية تكليف المولى و كونه مريدا له، فيجب بحكم العقل حفظ مأمور به المولى مهما أمكن، و هو في المقام يكون بذلك النحو، فلو ترك الصّلاة بجانب منها أو جانبين، و اكتفي بجانبين آخرين أو جانب واحد، و صادف كون مطلوبه في ما ترك العبد، فيصح بحكم العقل احتجاج المولى، و يستحق العبد العقاب على ترك مطلوب المولى بحكم العقل.

اقول: هذا غاية ما يمكن لي أن احرر و أقول في مقام بيان مراده مد ظله العالي، و لكن مع ذلك عندي مورد

الاشكال أوّلا لما قلت في ضمن (إن قلت) المتقدم و ثانيا لأنه بعد عدم كون المورد- أعنى: صورة التمكن من الصّلاة بثلاثة جوانب- موردا يشمله ما ورد في المرسلتين بالصّلاة على أربعة جوانب، لأنّ موردهما ما إذا كان الشخص متمكنا من الصّلاة على أربع جوانب، و على الفرض لا يتمكن من ذلك لضيق الوقت، فيكون المورد من مصاديق الرواية الدالة على انّه يجزي المتحير الصّلاة إلى أي جهة شاء، لأنه متحير لا يعلم بالقبلة، و لا يتمكن من الصّلاة إلى أربع جوانب، فيكون تكليفه الصّلاة إلى أي جهة شاء فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 160

و سواء نقول بأن شرطية القبلة محفوظة بحالها، غاية الأمر حيث لا يمكن حفظها بنحو اليقين، و لا يمكن موافقتها القطعية، يكفي موافقتها الاحتمالية، لصراحة الرواية على إجزاء الصّلاة بهذه الحالة بأيّ طرف شاء، هذا كلّه فيمن لم يكن مقصرا في تأخير الصّلاة إلى أربع جوانب حتّى ضاق الوقت.

[الكلام في الفرع الثاني]
اشارة

الفرع الثاني: لو كان المتحيّر في جهة القبلة مقصرا في تأخير الصّلاة إلى أربع جوانب حتّى ضاق الوقت، و لم يتمكن لضيق الوقت إلا من إتيان صلاة بجهة واحدة من الجهات الأربعة- مثلا صار متحيّرا في القبلة في وقت يكون متمكنّا من أن يصلّي بأربع جوانب، لكن أخّر الصّلاة و لم يصلّ أربع صلوات عمدا و عن تقصير صار الوقت مضيّقا، بحيث لا يتمكن فعلا إلا من أن يصلّي صلاة واحدة بجهة واحدة لعدم بقاء الوقت إلّا بهذا المقدار- فلا إشكال في وجوب الاتيان فعلا بالصّلاة الواحدة المتمكنة عنها، لوجوب ذلك بحكم العقل لاجل لزوم موافقة عنده، و لكن الكلام في جهتين:

الجهة الأولى [من الفرع الثاني:]

في إجزاء هذه الصّلاة و الاكتفاء بها بحيث لا يكون الواجب عليه بعد الوقت إتيان صلوات ثلاثة إلى جهات أخر غير جهة الّتي يصلّي نحوها هذه الصّلاة حتى كان مصليا إلى أربع جهات أحدها في الوقت، و ثلاثة منها في خارج الوقت أو يجب عليه قضاء صلوات ثلاثة اخر في خارج الوقت حتّى يعلم بوقوع صلاة منها إلى جهة الكعبة.

الجهة الثانية: [من الفرع الثاني:]
اشارة

بعد فرض إجزاء صلاة واحدة في هذا الحال يقع الكلام في أنّ هذا الشخص هل يكون معاقبا على تأخير الصّلاة حتّى ضاق عليه الوقت لأنّه بتقصيره صار الوقت مضيقا بحيث لم يتمكن من الصّلاة بثلاثة جوانب اخر، لأنّه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 161

كان متمكنّا قبل ضيق الوقت من الإتيان بكل هذه الأربعة، أو لم يكن معاقبا على ذلك.

و اعلم مقدمة بأن فرض كلامنا يكون على وجوب حفظ شرطية الوقت للصّلاة مهما أمكن بحيث يجوز رفع اليد لأجل حفظ هذا الشرط من بعض الشرائط و منها القبلة، لما نرى من تتبّع الموارد أن الشارع ألغى شرطية بعض الشرائط إذا دار الأمر بين حفظ هذه الشرائط، و بين حفظ شرطية الوقت، كما ترى في نفس المورد أعنى: القبلة، فإن الشارع على ما يستفاد من رواية زرارة و محمد بن مسلم أسقط شرطية القبلة أو اكتفي بموافقة الاحتماليّة لحفظ شرطية الوقت حتّى تقع الصّلاة في وقتها، و إلّا فلو فرض عدم الاعتناء بشرطية الوقت لكان اللازم ان يأمر بأربع صلوات للمتحير مطلقا، لأنه متمكن على ذلك إما في الوقت و إما في خارجه، فالكلام يقع في الجهتين المذكورتين مع مفروغية اعتبار شرطية الوقت، و وجوب حفظه حتّى الامكان، و عدم رفع الشارع يده عنه حتّى في هذا

الحال.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى:

أما الكلام في الجهة الأولى: يعني: في إجزاء هذه الصّلاة و عدم وجوب قضاء الصّلاة (إما بأن يصلّى بثلاثة جوانب اخر بعد الوقت، و إما بصلوة اخرى إذا فرض علمه بجهة القبلة بعد الوقت) فلا يبعد أن تكون المسألة مبنية على ما اسلفناه في طي كلامنا في الفرع السابق بأنّه إن قلنا بكون القبلة شرطا حتّى في هذا الحال للمتحير الّذي لا يتمكّن من الصّلاة إلى أربع جوانب، و كانت رواية زرارة و محمد

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 162

بن مسلم «1» و زرارة «2»- المستفاد منهما بأنّه يصلّي حيث يشاء- ناظرة إلى وجوب موافقة الاحتمالية الّتي يحكم بها العقل، و وجه الحكم بأنّه يصلّي حيث يشاء كان من باب انّه بأيّ جهة يصلّي فقد أدرك جهة واحدة، و بذلك حصلت الموافقة الاحتمالية للتكليف، فيجب عليه إتيان صلاة في الوقت إلى جهة و صلوات ثلاثة إلى جهات ثلاثة اخر حتّى يعلم بأنّه أتى بالتكليف المتعلّق بالصّلاة إلى القبلة.

و إن قلنا بأن شرطية القبلة ساقطة في هذا الحال كما هو المستفاد من ظاهر روايتي زرارة، و محمد بن مسلم و زرارة، لأنّ المستفاد منها أن المتحير يصلّي إلى أي جهة شاء، و هذا التعبير مناسب مع سقوط الشرطية في هذا الحال، فلا بدّ من اكتفاء الشارع بصلوة واحدة في هذا الحال، لأنه بعد عدم شرطية القبلة، و معنى ذلك عدم وجوب التوجّه إليها في هذا الحال، و عدم وجوب كون صلاته واجدا لهذا الشرط، فهذا المكلف يصلّي صلاته إلى جهة و صلاته واجدة للشرائط، و مقتضي القاعدة هو إجزاء هذه الصّلاة و عدم وجوب القضاء، لأنه أتى بالمأمور به كما أمر

المولى، و حيث أنّ الظاهر عندنا سقوط شرطية القبلة، فلا اشكال في وجوب إتيان المكلّف في هذا الحال بصلوة واحدة إلى أي جهة شاء، و سقوط القضاء عنه و إجزائها «3».

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

(3)- أقول: أولا ما المانع من شمول نفس الروايتين لهذا المورد أعنى: من لم يتمكن إلا من صلاة واحدة، و كان عدم قدرته على أزيد من ذلك لتقصيره، لأنّ الروايتين مطلقتان و تدلان على أن المتحير يصلّي إلى أي جهة شاء إذا لم يتمكن من الصّلاة بأربع جوانب بعد جمعهما مع المرسلتين المتقدمتين الدالتين على وجوب الصّلاة إلى أربع جوانب، و على الفرض هذا الشخص

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 163

و امّا الكلام في الجهة الثانية: بعد ما أمضينا من إجزاء هذه الصّلاة و عدم وجوب القضاء بالإتيان إلى جوانب اخرى، يقع الكلام في أنّه هل يكون معاقبا على التأخير حتّى صار غير متمكن من الإتيان بكل هذه الجوانب الأربعة، أو لم يكن معاقبا على ذلك؟

اعلم انّه بعد ما أمضينا الكلام مكررا في أن المكلّف إذا دخل عليه وقت الصّلاة توجه إليه التكليف بإتيان الصّلاة، و لا يدعو الأمر الا نحو طبيعة الصّلاة فما هو المأمور به ليس إلا طبيعة الصّلاة، غاية الأمر أنّ هذه الطبيعة لها أفراد مختلفة ففرد، منها الحاضر، و فرد منها المسافر، و فرد منها الصحيح، و فرد منها المريض، و فرد منها المتوضى، و فرد منها المتيمم، و فرد منها من يجب عليه صلاة الكامل المختار، و فرد منها من لا يجب عليه إلا الصّلاة المجعول حال الخوف، و فرد منها

صلاة الغريق، و كل هذه الافراد فرد الطبيعة الصّلاة بحيث لا فرق بينها في المصلحة القائمة بالطبيعة.

فالمريض الّذي يصلّي قاعدا أو مضطجعا يكون واجدا لما يكون الكامل المختار واجدا له من حيث المصلحة الصلاتية، غاية الأمر يكون مكلف فردا لفرد

______________________________

موردهما فعلا.

و ثانيا على فرض منع ذلك و التزامنا بعدم سقوط شرطية القبلة حتّى في هذا الحال فهو يصلّي الى جهة صلاته، و إذا مضى الوقت فهو شاك في أن ما أتى من الصّلاة هل وقعت إلى القبلة حتّى لا يجب القضاء، أو لم تقع إلى القبلة حتّى كان القضاء واجبا، فإن قلنا بان القضاء تابع لصدق الفوت فهو شاك في أنّه هل فات عنه الفريضة أم لا، و استصحاب عدم إتيان الصّلاة لا يكفى في وجوب القضاء، لأنه لا يثبت الفوت، لأنّ ذلك مثبت، و إن قلنا بان الفوت ليس الا عدم الاتيان، فمقتضى عدم إتيانها هو وجوب القضاء. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 164

من هذه الطبيعة، و مكلف آخر فردا لفرد آخر من الطبيعة، فالحاضر يكون موردا لتكليف أربع ركعات، و المسافر لركعتين، و هكذا فإذا دخل الوقت، مثلا زالت الشمس، فعلى المكلف بحكم العقل التخيير في كل جزء من أجزاء الواقع بين الحدين، فله أن يصلّي في أول الوقت، و في وسطه و في آخره.

فالمكلف بعد ما يرى من أن لها أفرادا مختلفة، فلا بدّ من ملاحظة حال نفسه، فإن كان في زمان من هذه الأزمتة الواقعة بين الحدين يريد أن يأتي بصلوة الظهر، فإن كان مسافرا فيصلّي ركعتين، و إن كان حاضرا فيصلّى أربع ركعات، و إن كان صحيحا يصلّي قائما، و إن لم يتمكّن من القيام يصلّي قاعدا، و إن

كان واجد الماء يصلّي مع الوضوء، و إن كان فاقد الماء يصلّي متيمما.

فكذلك إن كان عالما بجهة الكعبة يصلّي نحوها، و إن كان متحيرا و يكون الوقت باقيا بقدر أن يصلّي إلى أربع جوانب، فيصلّي أربع صلوات، و إن لم يكن الوقت باقيا إلّا بمقدار إتيان صلاة فيصلّي حيث يشاء، و في كل هذه أنحاء أدرك مصلحة المكامنة في طبيعة الصّلاة.

إذا عرفت ذلك، ففي ما نحن فيه بعد كون الصّلاة الواقعة في هذا الحال من هذا المكلف فردا للصّلاة واجدة للمصلحة الكامنة في طبيعتها، و ليس الأمر من المولى إلا بإتيان هذه الطبيعة، و ليس الأفراد، المختلفة مجعولة إلا لمن يكون موردا لكل فرد من الافراد بحيث لا يريد المولى من العبد إلّا إتيان كل أحد فردا من هذه الأفراد بشرط كونه موردا لهذا الفرد، و منطبقا عليه، و لم يجب تحصيل مورديّة فرد على العبد، و لا حرم عليه إخراج نفسه عن مورديّة فرد و ادخاله في مورديّة فرد آخر، فلا وجه لكونه مستحقا للعقاب إذا أختار فردا من الطبيعة، و صيّر نفسه مورده،

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 165

و أخرج نفسه من مورديّة فرد آخر، فعلى هذا لا مورد للحكم باستحقاق العقاب نحن فيه.

إن قلت: إنّ لطبيعة الصّلاة و إن كانت أفرادا كثيرة، و لكن ليس كل فرد واجدا لما في الفرد الآخر من المصلحة، مثلا لا إشكال في أن الصّلاة مع الطهارة المائية واجدة لمرتبة من المصلحة لم تكن هذه المرتبة في الصّلاة مع الطهارة المائية واجدة لمرتبة من المصلحة لم تكن هذه المرتبة في الصّلاة مع الطهارة الترابية، فعلى هذا لا يجوز تفويت المصلحة بلا عذر و من تقصير، فلا يجوز تفويت

الماء و جعل نفسه غير متمكن من الوضوء عن تقصير، و هكذا في ما نحن فيه تكون الصّلاة إلى أربع جوانب واجدة لمرتبة من المصلحة، و لهذا كانت واجبة، و لم تكن في الصّلاة إلى أي جهة شاء هذه المرتبة من المصلحة، لأنّ بها يحفظ شرطية القبلة حتما، و باتيان صلاة واحدة الى اى جهة شاء في صوره التحير لا يعلم بحفظه الشرط، و بهذه لا يعلم بذلك.

نقول: بأنّ ما يدعوا إليه أمر الصّلاة ليس إلّا إلى ما في هذه الطبيعة من المصلحة الكامنة الّتي صارت سببا لتعلق الأمر بها، و ليس على العبد إلا إطاعة أمر المولى، و إيجاد ما أمر به في الخارج، و عدم إيجاد ما نهى عنه المولى، فعليه اطاعة الأمر و النهي، و في المقام ليس أمر الصّلاة إلا داعيا و باعثا إلى إيجاد طبيعة الصّلاة، فإذا دخل وقت صلاة الظهر مثلا، فهو مخير بتخيير العقلى بين ايقاعها في أي جزء من اجزاء وقتها، فإذا أراد أن يأتي بها المكلف في أحد أبعاض هذا الوقت فينظر أنّه مورد أي فرد من أفراد طبيعة الصّلاة، فإن كان مسافرا يأتي بالطبيعة في ضمن هذا الفرد و إن كان حاضرا فيأتي بها في ضمن الفرد الواجب على الحاضر، و هكذا فالصحيح يصلّي قائما، و المريض يصلّي قاعدا و هكذا، و يمكن له في ضمن

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 166

الوقت صيرورة نفسه موردا لفرد و اخراج نفسه من موردية فرد آخر، فالحاضر يسافر، و المسافر يرجع إلى وطنه، فمن له الماء يجوز له تفويت الماء حتّى يكون تكليفه التيمم، و كذلك من يتمكن من الصّلاة إلى أربع جهات لسعة الوقت، فله التأخير إلى

مقدار يصير مورد تكليف إتيانها إلى أي جهة شاء.

[فلا وجه لكون العبد معاقبا]

فعلى هذا بعد إتيان المكلف بطبيعة الصّلاة و عدم كون الواجب عليه حفظ مورديته لفرد، لعدم دليل على عدم جواز أن يجعل الحاضر نفسه مسافر، أو بالعكس، و عدم دليل لعدم جواز جعل واجد الماء، نفسه فاقد الماء و كذلك عدم دليل على عدم جواز المتمكن من الصّلاة إلى أربع جوانب أن يجعل نفسه مضطرا بحيث لا يتمكن إلا من الصّلاة بجانب واحد، فبعد إتيان المكلف بطبيعة الصّلاة، و كون هذا الفرد من الصّلاة واجدا لما في الفرد الآخر من المصلحة الكامنة في طبيعة الصّلاة، و عدم كون الواجب على المكلف إذا صار مورد فرد منها أن يحفظ مورديته له، و لو فرض كون مصلحة زائدة في هذا الفرد باعتبار مشخصات الفردية فلا يجب عليه حفظ هذه المصلحة، و لا يحرم عليه تفويتها لعدم دليل على ذلك، فلا وجه في المقام لاستحقاق العقاب على التأخير و صيرورته غير متمكن من إتيان الصّلاة إلا بجانب واحد لضيق الوقت، لعدم دليل على ذلك.

[فالقول بعدم استحقاق العبد للعقاب قوى]

فالقول بعدم استحقاق العقاب في ما لو تأخر عمدا و عن تقصير، و ترك الصّلاة إلى أربع جوانب حتّى ضاق الوقت بحيث لا يتمكن إلا من صلاة واحدة، قوى في حد ذاته إلّا انّ ما يظهر من تتبع الكلمات هو التزام القدماء باستحقاق العقاب، فمع قطع النظر عن ذلك لا دليل على استحقاق العقاب، هذا تمام الكلام في الفرع الثاني.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 167

الفرع الثالث:
اشارة

بعد ما قلنا من كون تكليف المتحير الغير المتمكن من تحصيل العلم أو الظن بالقبلة، هو الصّلاة إلى أربع جوانب، فلو صار المكلّف متحيرا في وقت الظهر و العصر، فيكون الواجب عليه إتيان كل من الصّلاة الظهر و العصر إلى أربع جهات اعنى يجب عليه إتيان ثمانية صلوات، و هذا ممّا لا اشكال فيه.

إنّما الاشكال في انّه هل يجب عليه في هذا الفرض إتيان أربع صلوات للعصر الواجب إتيان كل منها إلى جهة، بعد ما أتى بكل من الصلوات الأربعة الّتي يأتي بها احتياطا بقصد اطاعة أمر صلاة الظهر، فإذا أتى بمحتملات الأربعة للظهر حتّى قطع بأنّه أتى بها إلى القبلة، فيجوز له الشروع في الصلوات الأربعة احتياطا للعصر.

أو يجوز له إتيان كل من الصلوات الأربعة للعصر بعد كل من الصلوات الأربعة للظهر، بأن يشرع في الصّلاة فيأتي بالظهر إلى جهة، ثمّ يأتي بالعصر بعدها إلى هذه الجهة، ثمّ يأتي بظهر آخر إلى جهة اخرى، فيأتي بعصر بعدها إلى هذه الجهة، و هكذا إلى آخرها:

وجه الأول: أنّه بعد اعتبار الترتيب بين الظهر و العصر بمعنى أنّ العصر يشترط أن يكون مترتبا على الظهر، فمهما لم يأت بمحتملات الظهر، أعنى: لم يصلّ الظهر إلى أربع جهات، فإن أتى ببعض محتملات العصر،

فهو لا يعلم بكون عصره واجدا لشرطية الترتيب، لأنّه من المحتمل كون الظهر المأتي بها قبل هذا العصر غير واقع إلى جهة القبلة، فصارت فاسدة، و على تقدير فساد الظهر ليس عصره واقعا بعد الظهر، فيجب عليه أن يأتي بمحتملات العصر بعد إتيان جميع محتملات الظهر.

و أمّا وجه جواز إتيان كل محتمل من المحتملات الأربعة من العصر بعد إتيان كل واحد من محتملات الظهر، فهو انّه بعد كون الواجب على المكلف الإتيان بأربع

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 168

صلوات لكل من الظهر و العصر في الفرض من باب عدم علمه تفصيلا بجهة القبلة، و يكون من باب الاحتياط، و علم الاجمالي بكون القبلة واقعة في أحد من الجهات الأربعة، و اثر الاحتياط ليس إلا ان المكلف يعلم بإتيان جميع المحتملات بأن صلاته صارت واقعة إلى القبلة، و إذا أتى بكل من المحتملات لا يدري كون هذا صلاته، لعدم علمه حال إتيان هذا المحتمل بأنّه واجد لشرط القبلة، فهو لا يدري تفصيلا عند إتيان كل من هذه المحتملات بكونه هو صلاة ظهره، بل يعلم إجمالا أن أحدا منها يصير صلاة ظهره، فليس عند إتيان كل منها جازما في نيته، لأنّه لا يمكن له أن ينويه ظهرا مسلّما، لاحتمال عدم كونها إلى القبلة، فإذا كان كذلك، فإن أتى بكل من محتملات العصر بعد كل من محتملات الظهر- أعنى: أتي بظهر، ثمّ بعصر، بظهر، ثمّ بعصر، ثمّ بظهر، ثمّ بعصر، ثمّ بظهر، ثمّ بعصر- يدري أيضا بأنّه اتى بعصره واقعا واجدا لشرط الترتيب، لأنّ أحدا من هذه الصلوات الآتية بعنوان العصر صارت واقعة بعد الظهر قطعا.

[في ذكر اشكال عدم الترتيب بين الظهر و العصر و الجواب عنه]

إن قلت: إن هذا المكلف متى يأتى بعصر بعد ظهر واحد، لا

يدري بواجديته لشرط الترتيب، لاحتمال كون ظهره إلى غير القبلة حين الإتيان بهذا العصر و امّا إذا اتى بها بعد كل من المحتملات الظهريّة فيعلم تفضيلا بكون صلاة عصره واجده لشرط الترتيب فمع قدرته على تحصيل ذلك تفصيلا لا وجه للاكتفاء بموافقة الاجمالية.

أقول: مع عدم اعتبار الجزم في النية و كفاية هذا النحو من القصد، و كفاية إتيان الظهر و لو لم يعلم حين إتيان المحتملات بأنّها الظهر أم لا، لكفاية علمه بعد إتيان كل من محتملات الظهرية و العصرية بهذا النحو، بأنّه أتى صلاة الظهر إلى القبلة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 169

و أتى بالعصر إلى القبلة واجدة لشرط الترتيب، إن في المقام لا يوجب هذا النحو من الإتيان بالظهر و العصر إجمالا زائدا على الاجمال الحاصل في الظهر على أي حال، لأنّه بعد كون الظهر الواقع إلى القبلة أمره دائر بين المحتملات الأربع بحيث لا يعلم بوقوع صلاة ظهره إلى القبلة إلا بعد إتيان جميع محتملات الظهر، فعلى هذا إن اتى بالعصر بعد إتيان جميع محتملات الظهر بعد وقوع كل من محتملات العصر في جهتها و إن كان يعلم بوقوع صلاة العصر بعد الظهر، لكن لتردده في جهة القبلة يجب أربع صلوات حتّى كانت أحدها إلى القبلة، فإن أتى باحد محتملات العصر بعد أحد محتملات الظهر و هكذا إلى الآخر، فلا يوجب هذا إجمالا زائدا على ما في الظهر و يكون لا بدّ منه، لأنّ منشأ الإتيان بثمانين صلوات ليس إلا التردد في القبلة، و هذا الاجمال واقع لا محالة، لأنّ الظهر لا بد من إتيانها إلى أربع جهات لأجل إجمال القبلة، فكما انّه يصح لأجل هذا الاجمال الإتيان بأربع صلوات و امتثال

الاجمالي، و عدم اشكال في عدم الجزم في النية، كذلك يصح في العصر امتثال الاجمالي لاجل تحصيل شرطية الاستقبال و الترتيب، و المكلف إذا أتى بهذا النحو فهو يعلم عند إتيان كل عصر يقع منه بعد ظهر بأنّه إن كانت ظهر الواقعة منه إلى هذه الجهة واقعة إلى القبلة فعصره أيضا واقعة إلى القبلة و واقعة مترتبة على الظهر لوقوعها بعد الظهر الصحيح، و إن لم تكن ظهره واقعة إلى القبلة فعصره أيضا لم تقع لفقدها لشرطى الاستقبال و الترتيب، فلا بدّ له من الإتيان بسائر المحتملات كي يقطع بحصول المكلف به مع شرط القبلة و الترتيب.

فعلى هذا الوجه لا إشكال في إتيان كل عصر بعد كل ظهر في الفرض نعم، إتيان تمام محتملات العصر بعد الفراغ عن تمام محتملات الظهر، يكون أحوط، و لكن

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 170

لا إشكال في إتيانها بنحو المتقدم.

إن قلت: إنّه بعد ما أتى باحد محتملات الظهر فإذا اتى بأحد محتملات العصر فحيث يكون شاكا في أنّ هذا العصر واجد للترتيب أم لا، لأنه شاك في أن ظهره وقعت إلى القبلة حتّى كانت عصره واجدة للترتيب أم لا، فمقتضى استصحاب عدم إتيان الظهر هو عدم كون العصر واجدة للشرط، لأنّ بالاستصحاب يثبت عدم إتيان الظهر، فبعد عدم إتيان الظهر، و لو بالاستصحاب، يعلم كون عصره غير واجدة لشرط الترتيب، فعلى هذا يعلم بعدم كون عصره صحيحة.

و امّا إن أتى بمحتملات العصر بعد إتيان جميع محتملات الظهر، فهو قاطع حين إتيان كل من المحتملات العصر بأنّها إن كانت عصرا تكون واجدة لشرط الترتيب، و هذا واضح.

نقول: بأنّه ما قلت من الاستصحاب ليس أثره إلا إتيان عصر آخر واجدة للشرط،

و عدم الاكتفاء بهذا العصر المحتمل فقط، و نحن ملتزمون بذلك، و لهذا لا بد من إتيان جميع محتملات العصر على هذا الفرض بعد كل محتمل الظهرية- أعنى: يأتي بظهر، ثمّ عصر، و هكذا- فإذا فرغ من كل المحتملات يعلم بأن ظهره و عصره وقعت إلى القبلة، و يعلم أيضا بأن ما هو عصره وقع واجدا للشرط، كما انّه قبل الإتيان بجميع المحتملات يعلم انّه إذا أتى بهذا النحو فقد أدى صلاة ظهره و عصره و الحال أنهما واجدان للشرائط المعتبرة فيهما، فعلى هذا نقول: إنه يجوز الإتيان في الفرض بالعصر بكلا النحوين المتقدمين و لا يرد اشكال أصلا.

الفرع الرابع:

هل يجوز في ما كان تكليف المكلف إتيان كل من الظهر و العصر أو المغرب و العشاء إلى أربع جهات، أن يصلّي العصر أو العشاء في الجهات

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 171

الأربعة الّتي صلّى الظهر أو المغرب، فيها أو يصح أن يأتي بهما إلى أربع جهات اخر، مثلا لو فرض انّه رسم خطين متقاطعين بحيث يتشكل أربع زوايا قائمة، و كان أحد من الخطوط الأربعة إلى نقطة المشرق، و الآخر إلى نقطة المغرب، و الثالث و الرابع إلى نقطة الجنوب و الشمال، و صلّى الظهر أو المغرب على هذه الجهات الأربعة، فهل يجوز له أن يتوجه حال صلاة العصر أو العشاء إلى نقاط أربعة مخالفة مع النقاط الأربعة المذكورة الّتي صلّى الظهر أو المغرب إليها، أو لا بدّ من إتيان العصر أو العشاء إلى النقاط الأربعة المذكورة لا غيرها.

اعلم أنّ الكلام لا بدّ و أن يكون في موضعين:

الموضع الأول: يقع الكلام في انّه على فرض جواز إتيان كل من المحتملات العصر بعد كل من المحتملات

الظهر، هل يجوز إتيان العصر بعد الظهر في جهة غير الجهة الّتي صلّى الظهر، بأن يصلّي ظهرا إلى جهة، ثمّ بعدها يصلّي عصرا إلى جهة مخالفة للجهة الّتي صلّى الظهر أم لا؟

فنقول: في هذه الصورة بعدم الجواز أعنى: جواز الوضعي أعنى: عدم صحة العصر، لأنّه لو صلّى كذلك فيقطع ببطلان صلاة عصره إجمالا، لأنّ عصره إما فاقدة لشرط الترتيب إن كانت صلاة عصره إلى القبلة، لأنه على هذا يعلم بكون صلاة ظهره واقعة إلى غير جهة القبلة، و إما واقعة إلى غير القبلة، لاحتمال عدم كون الجهة التي صلّى العصر إليها هي القبلة، فعلى هذا لا إشكال في عدم الجواز في هذه الصورة.

الموضع الثاني: فرض الكلام الصورة الّتي أتى المكلف بجميع محتملات الظهر، و أنه بعد إتيان الظهر متيقن بأنّ أحدا منها وقعت إلى القبلة، فهل يجوز أن يأتي بمحتملات العصر إلى نقاط أربعة غير النقاط الأربعة الواقعة إليها الظهر، أو

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 172

لا بدّ من إتيان محتملات العصر إلى الجهات الأربعة الّتي صلّى إليها محتملات الظهر.

فنقول: في هذا المقام بجواز ذلك على ما قلنا في جهة القبلة من انّه إذا قسّم كل دائرة بأربعة اجزاء، فتكون جهة الكعبة في ربع من الدائرة الربع الّذي واقع فيه الكعبة بحيث لو فرض خروج خطوط من مقاديم بدن الإنسان و وجهه ليصل خط من هذه الخطوط إلى الكعبة، ففي كل موضع إذا فرض كون المكلف مركزا و يرسم حوله دائرة يتقاطع هذه الدائرة الكعبة، ففي كل ربع من الدائرة تكون الكعبة واقعة في هذا الربع، يجب على هذا المكلف التوجّه نحو هذا الربع من الدائرة، فعلى هذا لو فرض ان الكعبة في ربع من

الدائرة، ففي كل موضع يكون الإنسان فوجهه واقع إما مستقبل القبلة، أو مستدبرها، أو إلى يمين القبلة، أو إلى يسار القبلة، ففي كل نقطة رسم خطوطا أربعة بحيث يحصل منها زوايا أربعة قائمة، و كان رأس كل خط متوجها إلى نقطة، فلو صلّى متوجها إلى هذه النقاط الأربعة الّتي يتوجه نحوها رأس هذه الخطوط، فهو يعلم بوقوع أحد منها إلى جهة القبلة، فإذا صلّى إلى هذه الجهات الأربعة فقد وقع أحد من صلواته إلى القبلة، فإذا رسم بهذا النحو خطوطا أربعة و صلّى الظهر في كل من هذه الخطوط، فإذا بنى بأن يصلّي العصر إلى نقاط أربعة اخر غير نقاط الأربعة الّتي صلّى الظهر إليها، بأن رسم خطوطا أربعة متقابلة على خلاف نقاط الّتي صلّى الظهر إليها، و صلّى هكذا، فيقع عصره صحيحا واقعة أحدى منها إلى القبلة، لأنّه بعد ما فرضنا من أن في كل موضع يقع الإنسان المصلي، و يفرض مركز دائرة، و يرسم حوله دائرة تتقاطع نقطة منها الكعبة، فإذا صلّى إليها محتملات العصر في غير نقاط الأربعة الّتي صلّى إليها محتملات الظهر، و لكن بعد كون كل من محتملات الظهر و كذا العصر واقعة إلى نقطة من نقاط كل ربع من الدائرة، و تكون الكعبة على

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 173

الفرض واقعا في أحد من ربع الدائرة، فتقع واحد من المحتملات الظهر و العصر لا محالة إلى القبلة، و لا نريد من إتيان المحتملات إلّا هذا، فلا فرق بين أن يكون كل نقطة من نقاط الأربعة الّتي صلي العصر إليها موافقا مع كل نقطة من نقاط الأربعة التي توجه إليها حال صلاة الظهر، أو مخالفا لأنّه على كل حال تقع

أحد من محتملات الظهر و أحد من محتملات العصر إلى جهة الكعبة، فعلى مبنانا لا إشكال في ذلك «1».

الفرع الخامس:
اشارة

قال في العروة «2»: من عليه صلاتان كالظهرين مثلا مع كون وظيفته التكرار إلى أربع إذا لم يكن له من الوقت مقدار ثمان صلوات، بل كان مقدار خمسة أو ستة أو سبعة، فهل يجب إتمام جهات الأولى و صرف بقية الوقت في الثانية، أو يجب إتمام جهات الثانية و إيراد النقص على الأولى؟ الأظهر الوجه الأول، و يحتمل وجه ثالث و هو التخيير.

اعلم انّه بعد فرض وجوب حفظ الوقت، و أهمّيته من القبلة، فيقع الكلام في هذا الفرع.

______________________________

(1)- أقول: و يظهر من بعضهم في مقام جواز إتيان محتملات العصر إلى غير جهات الّتي صلّى محتملات الظهر بأن رواية زرارة و محمد بن مسلم و زرارة تدلّان على أن المتحير يصلّي إلى أربع جهات في هذا الحال، و إطلاقهما يقتضي إتيانها الى كل أربع جهة، فالمصلي للعصر تكليفه ذلك، و بحسب إطلاق هذه الروايتين يجوز له إتيان محتملات العصر إلى أربع نقاط متقابلة سواء كانت موافقة مع نقاط الواقعة فيها محتملات الظهر أم لا.

و لكن بعد عدم إعمال تعبد للروايتين و كونهما موافقتين مع حكم العقل، فلا بدّ من أن تدور مدار حكم العقل، فإن حصل بذلك موافقة القطعية يجوز و الّا فلا، و حيث قلنا بحصول الموافقة بهذا النحو، فيصح إتيان العصر بهذا النحو، فتأمل.

(2)- العروة الوثقى، ص 392، ج 1، مسأله 14.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 174

[في ذكر وجه ورود النقص على الظهر و العصر]

فنقول: إنّ وجه كون ورود النقص على صلاة الظهر و وجوب إتيان العصر إلى أربع جهات هو أن يقال: بأن المستفاد من رواية «1» داود بن فرقد من كون آخر الوقت بمقدار إتيان أربع ركعات مختصا بالعصر، هو أن آخر الوقت بمقدار لا يمكن إتيان العصر بعد

مضيّ هذا المقدار مختص بها، و ليست خصوصية لأربع ركعات، لأنّ وقت أدائها يصير مختلفا، فإذا كان مسافرا فلا يحتاج إلا إلى مقدار وقت يصلّي فيه ركعتين، و إذا كان حاضرا أربع ركعات، و إذا كان متوضئا فبمقدار نفس صلاة العصر من آخر الوقت، و إذا كان غير متوضأ فبمقدار أن يتوضأ و يصلّي العصر، فالميزان كون آخر الوقت بمقدار أداء العصر مختصّا به، و يختلف ذلك الزمان بحسب اختلاف امكان اداء العصر.

فعلى هذا نقول في المقام بانّه بعد عدم امكان اداء العصر و براءة الذمّة منها إلّا باتيان اربع صلوات، فلا بدّ من كون آخر الوقت بمقدار اداء اربع صلوات مختصا بالعصر.

فعلى هذا لا بد من ان يرد النقص بصلوة الظهر بمعنى وقته إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار اداء العصر.

و امّا وجه كون النقص واردا بصلوة العصر و اتيان اربع صلوات للظهر، فهو أن يقال بأنّه بعد ما لا يدلّ رواية داود بن فرقد إلّا على كون آخر الوقت بمقدار اتيان اربع ركعات مختصا بالعصر، و ان قلت بعدم موضوعية لاربع ركعات، لأنّ المسافر الّذي تكليفه ركعتان، فليس آخر الوقت مختصا بالعصر إلا بقدر ركعتين،

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 4 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 175

و لكن المقدار الممكن هو ان يقال ان الرواية تدلّ على أن آخر الوقت بمقدار يتوقف اتيان العصر في هذا الوقت بحسب ما يعتبر فيه واقعا من الركعات و الاجزاء و الشرائط، فهو مختص بالعصر، و لا يستفاد من الرواية ازيد من ذلك، فالمتحير الذي كان تكليفه بحكم العقل الصّلاة إلى اربع جوانب، فكيف يمكن ان يقال بان آخر الوقت بمقدار ستة عشر

ركعة مختص بالعصر، لدلالة رواية داود على ذلك، فلا يظهر من هذه الرواية كون هذا المقدار من الوقت مختصا بالعصر.

فعلى هذا يكون المكلف في الوقت المشترك، و لا بدّ له من اتيان الظهر أوّلا صحيحا، ثمّ اتيان العصر لترتب العصر عليه، و كون شرط من شرائطه وقوعها بعد الظهر فما لم يأت بالظهر على ما هو عليه، و هو في الفرض ليس إلا باتيان اربع صلوات لا يمكن له اتيان العصر، لعدم حصول شرطه و هو اتيان الظهر الصحيح الجامع لاجزاء و الشرائط، و حيث ان الاظهر وجه الثاني فالمتعين ورود النقص على العصر، فيأتي بجميع محتملات الظهر أولا، ثمّ يأتي بما يمكن له في الوقت من اتيان محتملات العصر، ثمّ ان السيّد رحمه اللّه قال و يحتمل وجه ثالث و هو التخير، و كانه بعد ما قال الاظهر الوجه الأول، و يحتمل وجه ثالث و هو التخير كون هذا الاحتمال مورد الاعتناء أيضا، و لكن الاظهر الوجه الأول، و لم نجد للمتحير وجها وجيها يمكن الاعتناء به، لأنّ الأمر دائر بين الاحتمالين، أما الاستظهار من رواية داود بن فرقد بكون آخر الوقت بمقدار اداء العصر بأي نحو يمكن اتيانه شرعا و عقلا مختصا بالعصر، فلا اشكال في ان النقص لا بد و ان يرد بالظهر، لانّه لا يمكن اداء العصر لمن كان متحيرا إلا بإتيان اربع صلوات، و على الفرض يكون الوقت بهذا المقدار مختصا بالعصر فعلى هذا لا بد من ان يأتي ببعض محتملات الظهر حتّى إذا بقى مقدار اداء

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 176

اربع صلوات من الوقت، فإذا بلغ هذا الوقت فقد خرج الظهر، و لا بدّ من صرف الوقت في

صلاة العصر.

[لا يمكن اختصاص آخر الوقت بالعصر]

و ان لم نقل بذلك و قلنا بأن آخر الوقت مختص بالعصر بمقدار امكن للمكلف اتيان العصر بما هو تكليفه بحسب الواقع، و امّا ازيد من ذلك مثل ما نحن فيه الّذي ليس الالزام باتيان اربع صلوات إلا من باب حكم العقل، فلا يمكن اختصاص آخر الوقت بالعصر حتّى فى هذا الفرض، لأنّ رواية داود ليس إلا في مقام بيان ما هو وقت للظهر و العصر المكلف به واقعا اشتراكا و اختصاصا، و بعد ما قلنا بان الاظهر هذا فالنقص يرد على العصر لبقاء وقت المشترك بمقدار اداء محتملات الظهر، و ما لم يأت بالظهر على وجهها لا يمكن له اتيان العصر، لأنّ من شرائط العصر الترتيب اعنى كونها مرتبا على الظهر، فلا بدّ من صرف الوقت أوّلا في الظهر ثمّ في العصر بمقدار يكون باقيا «1».

______________________________

(1)- أقول ثمّ أنّي قلت في مجلس البحث بانّه يمكن بأن يكون وجها للتخيير بان يقال بعد كون الوقت كما افاد مد ظله في غير مقدار اداء اربع ركعات في آخر الوقت مشتركا بين الظهر و العصر بحيث يمكن له اتيانهما في هذا الوقت غاية الأمر يشترط في العصر ان يكون مترتبا على الظهر ففي المقام نقول بان الوقت مشترك بينهما و ليس له لضيق الوقت اتيان كل من محتملات الظهر و العصر فلا يمكن له إلا حفظ شرط القبلة في احد من الظهر و العصر فإذا كان كذلك فيحكم العقل بالتخيير بين حفظ الشرط في الظهر و رفع اليد عن شرط القبلة في العصر و لازمه عدم وجوب الاتيان بتمام اربع صلوات في العصر و بين حفظ الشرط في محتملات العصر و رفع اليد عن شرط

القبلة في الظهر و لازمه جواز الاقتصار بالموافقة الاحتمالية من حيث القبلة في الظهر و امتثال القطعي في العصر بالنسبة إلى شرط القبلة.

ان قلت بعد اعتبار الترتيب بين الظهرين و اشتراط وقوع العصر بعد الظهر فما لم يأت بجميع

محتملات الظهر لا يجوز له الشروع في العصر لفقد شرط و هو الاتيان بالظهر الصحيح فلا بدّ من حفظ الشرط في الظهر و الاتيان بجميع محتملات الظهر ثمّ الاتيان بعد ذلك بما يمكن له من اتيان محتملات العصر فالترتيب مانع من الحكم بالتخيير.

أقول ان فرض كون القبلة شرطا حتّى في هذا المورد في الظهر فصحيح ما قلت من انّه لا يمكن له الشروع في العصر إلا بعد اتيان الظهر بماله من الاجزاء و الشرائط و لكن هذا مصادرة لانا فعلا نبحث في ذلك إذ لا ندري بان شرطية القبلة محفوظة حتّى فى هذا الحال حتّى لا يجوز له الشروع في العصر قبل ذلك فإن كان الشرط معتبرا في الظهر لا يصح عصره إلا بعد اتيان جميع محتملات الظهر و ان كان الشرط معتبرا في العصر فما اتى من بعض محتملات الظهر وقع صحيحا لعدم كون القبلة شرطا في الظهر فيجوز له الشروع و حفظ الشرط في العصر ففي هذا المورد لا ندري بصرف الشرط في أي من الظهر و العصر فيكون مقتضى حكم العقل التخيير في المقام و بهذا يمكن ان يقال ان لاحتمال التخيير وجه ثمّ.

بعد ما قلت ذلك اجرى البحث سيدنا الأستاذ مدّ ظلّه في الجواب عن ذلك و هذا حاصل ما افاده مدّ ظلّه و قال بانّه لو صرفنا النظر عما قلنا في وجه ورود النقص على الظهر من كون الوقت المختص بالعصر بمقدار

يمكن له بحسب حاله أداء العصر و لو مع ما يكون مقدمة لها بحكم العقل فلا اشكال في أن الحق هو وجوب اتيان جميع محتملات الظهر و ورود النقص بالعصر لانه على الفرض يكون الوقت مشتركا بين الظهر و العصر و ما لم يأت بالظهر لا مجال للاتيان بالعصر لانها مشروط بوقوعها بعد الظهر فالحال يكون ظرف اتيان الظهر و هو متمكن من اتيان الصّلاة إلى القبلة فيجب عليه ذلك و على الفرض لا يمكن تحصيل القبلة إلا باتيان اربع صلوات فلا بدّ من اتيانها ثمّ بعد اتيان محتملات الظهر يكون ظرف اتيان العصر فهو ان كان متمكنا من اتيانها في الوقت مع شرط القبلة فعليه ذلك و ان لم يمكن له ذلك لضيق الوقت فيسقط الشرط و يجب عليه اتيان العصر بلا شرط فيجب عليه اتيان ما يمكن له من بعض محتملات العصر أما إلى جهة أو جهتين أو ثلاثة جهات في الفرض من باب وجوب موافقة الاحتمالية في هذه الصورة و قد مرّ وجه لزوم موافقة الاحتمالية بقدر الامكان.

ان قلت انّه بعد دخول الوقت يكون التكليف بالنسبة إلى كل من الظهر و العصر فعليا بحيث يجب تحصيل شرائطهما و مقدماتهما و العصر و ان كان مترتبا على الظهر في الوجود و لكن مع ذلك يكون كالظهر فكما لا يجوز تقويت مقدمات الظهر كذلك لا يجوز تفويت مقدمات العصر و بعبارة اخرى يكون قبل اتيان الظهر كالواجب المعلق فكما لا يجوز تفويت واجب المعلق و يجب تحصيل مقدماته و ليس كالواجب المشروط كذلك لا يجوز تفويت مقدمات العصر و يجب تحصيل مقدماته فكما يجب حفظ شرطية القبلة للظهر كذلك يجب للعصر فعلى هذا و

لو كان العصر مشروطا بكونه مترتبا على الظهر في الوجود و لكن بعد كون القبلة شرطا في كل من الظهر و العصر و بعد كون الظهر و العصر من حيث هذا الشرط على السواء في الوقت اعنى كما يدعوا امر الظهر باتيانه مع الشرط كذلك العصر بحيث لا يجوز للمكلف الغاء هذا الشرط في الظهر في ذاته و كذا في العصر في حدّ ذاته و لهذا لو لم يكن هذا الشرط شرطا في الظهر فلا بدّ له من اتيان العصر مع هذا الشرط و لا يجوز له عمل يوجب عدم تمكنه بعد اتيان الظهر من عدم اتيان العصر مع القبلة ففي المورد بعد ما لا يمكن للمكلف حفظ هذا الشرط في كل من الظهر و العصر و بعد كون كل منهما في عرض واحد بالنسبة إلى هذا الشرط و ان كان احدهما مترتبا على الآخر و بعد عدم كون المكلف قادرا إلا على حفظ شرط القبلة في احدهما فقط لأنّ الوقت لم يسع لازيد من ذلك فله قدرة لا يمكن صرفها إلا في احدها فبعد عدم ترجيح في احدهما على الآخر فيحكم العقل بكون المكلف مخيرا بين ان يأتي الظهر إلى اربع جهات حتّى كان الآتي بها مع القبلة و يرد النقص في العصر و بين عكس ذلك.

اقول انّه و لو فرض كون الأمر كذلك اعنى كان العصر بالنسبة إلى شرط القبلة بعد دخول الوقت مثل الظهر اعنى يكون الواجب عليه فعلا اتيانها مع القبلة و لو لم يأت بعد بالظهر و كان بحيث لا يجب تفويت شرطه في حدّ ذاته و كان نظير واجب المعلق و لكن مع ذلك بعد كون المكلف به أوّلا

الظهر بحيث ان هذا الزمان ظرف اتيانه و بعد ذلك يكون طرف اتيان العصر فعلى هذا يكون في هذا الظرف مأمورا باتيان الظهر و على الفرض يكون قادرا على ان يأتي بها مع الشرط فلا بدّ من اتيانها إلى القبلة فإذا اتى بمحتملات الظهر فيصل ظرف اتيان العصر ففي هذا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 179

الفرع السادس:

من لم يتمكن إلا من الصّلاة إلى اربع جهات لضيق الوقت، و لم يصل الظهر و لا العصر، فهل يجب ان يصلّي إلى اربع جهات بقصد الظهر أو بقصد العصر، أو يجب اتيان ثلاثة منها إلى ثلاث جهات بقصد الظهر، و واحدة منها إلى أي جهة شاء بقصد العصر.

اعلم انّه بعد ما قلنا من ان القدر المتيقن من اختصاص آخر الوقت بالعصر

______________________________

الظرف بعد ما يرى عدم تمكنه من الصّلاة إلى اربع جوانب و عدم قدرته على حفظ الشرط فيسقط شرطيته الشرط فعدم صرف القدرة في العصر ليس إلا من باب انّه بعد صرف قدرته في الظهر لم تصل النوبة إلى العصر و لم يبق له زمينة يمكن معها حفظ الشرط و هو و ان كان متمكنا من عدم صرف القدرة في الظهر حتّى يكون متمكنا من صرف القدرة في العصر و لكن بعد كونهما طوليا فالعقل لا يحكم في هذا المورد بالتخيير بل يحكم بتقديم الظهر و اتيانها مع الشرط لتقدم ظرف وجوده على العصر و صرف القدرة في حفظ الشرط للظهر و اتيان جميع محتملاتها و ورود النقص على العصر (خصوصا مع ما افاد سيدنا الأستاذ مد ظله في مطاوي كلماته المتقدمة في الفرع السابق من ان المكلف مأمور بإتيان الطبيعة في ما بين الحدين ففي كل آن

يكون بصدد اتيانها فيرى نفسه بانّها مورد أي فرد من افراد الطبيعة فيأتي بهذا الفرد منها ففي المقام من لم يأت بالظهر و لا يكون متمكنا من اتيان جميع محتملات الظهر و العصر لضيق الوقت و لم نقل بكون ازيد من مقدار اربع ركعات من آخر الوقت مختصا بالعصر ففي هذا الوقت المشترك يكون هذا المكلف بالنسبة إلى الظهر مأمورا باتيان اربع صلات لانه مورد هذا الفرد من الطبيعة و على الفرض يكون قادرا على ذلك و إذا فرغ من الظهر و وصل ظرف اتيان العصر فهو يرى انّه مورد فرد آخر منها أما صلاة واحدة فيصلى حيث يشاء أو صلاتين أو صلوات ثلاث فيجب عليه ذلك لاجل ما قلنا من لزوم موافقة الاحتمالية بهذا النحو هذا حاصل ما افاده مد ظله في هذا المقام و لبعض آخر من الفقهاء رضوان اللّه عليهم في دوران الأمر بين فقط التيام في بعض الاجزاء دون بعض الآخر و انه لا بدّ من صرف القدرة على جزء المقدم أو يكون ضميرا كلمات من أراد فليراجع. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 180

هو مقدار اداء اربع ركعات فقط، و يكون باقي الوقت بعد مضى مقدار اربع ركعات من اوّل الزوال مشتركا بين الظهر و العصر، ففي الفرض بعد بقاء الوقت بقدر اتيان اربع صلوات، فكما قلنا في الفرع السابق من وجوب حفظ الشرط من جانب الظهر، لان الآن ظرف اتيانه و هو متمكن من حفظ الشرط، و بعد ما قلنا من وجوب موافقة الاحتمالية بقدر الامكان و انّه لو لم يتمكّن الشخص من اتيان الصّلاة إلى أي جهات، و تحصيل موافقة القطعية، فيجب موافقة الاحتماليّة بهذا النحو، اعنى باتيان الظهر

إلى ثلاث جهات، و بعد اتيانها كذلك فلا يبقى على الفرض إلا مقدار اداء اربع ركعات من الوقت، فيجب اتيان صلاة العصر في هذا الوقت، و حيث لم يدر اين وجه القبلة، فيكون تكليفه اتيان العصر إلى أي جهة شاء لدلالة الرواية على ذلك، فافهم.

الفرع السابع:

من كان تكليفه الصّلاة إلى اربع جهات، فصلّى إلى جهة أو جهتين أو ثلاث جهات، فعلم اجمالا أو تفصيلا بوقوع أحدى منها إلى جهة الكعبة، فلا اشكال في الاكتفاء بذلك و عدم وجوب الاعادة إلى الجهة الّتي كانت إلى الكعبة، لأنّ المطلوب ليس إلا وقوع صلاته إلى القبلة، و قد أتى بمطلوب المولى، و لا يلزم ان يكون عالما حين العمل بكون صلاته إلى القبلة، و لذا يكفي الامتثال الإجمالي و الصّلاة إلى اربع جوانب كي يعلم ان بهذا النحو صلّى إلى القبلة، و في الفرض صلّى إلى القبلة فلا حاجة إلى اعادة الصّلاة ثانيا إلى القبلة، كما لا يجب بعد ذلك اتيان ما بقي من المحتملات، فلا يجب في الفرض مع فرض وقوع صلاته إلى القبلة ان يأتي بثلاث صلوات بعد فرض اتيانه بصلوة إلى جهة، و علمه بعد ذلك بكون صلاته إلى القبلة أو إلى جهتين بعد صلاته إلى جهتين، و علم بكون أحدى منها المعينة أو غير

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 181

المعين إلى القبلة أو إلى جهة في ما إذا صلى إلى جهات ثلاث و علم بوقوع احدى منها إلى القبلة، لأنّ الزام المكلف بالصّلاة إلى أربع جهات كان من باب حكم العقل، حتى يعلم بامتثال التكليف المتعلّق بالصّلاة إلى القبلة، و بعد علمه بامتثال التكليف، و وقوع صلاته إلى القبلة، فلا يجب إتيان بقية المحتملات

إلى باقي الجهات الأربع.

و مرسلة الصّدوق و الكليني لا يستفاد منهما أن في المورد كان اعمال تعبّد من الشارع بل ليس مفادهما إلا مفاد حكم العقل بوجوب الموافقة القطعيّة، فلا يمكن أن يقال: انّ ظاهرهما هو الصّلاة إلى أربع جوانب، و لو علم في الأثناء بوقوع ما أتى من أربع صلوات إلى القبلة، فافهم.

كما أنّه لو اتى ببعض من المحتملات أعنى: ببعض جهات الأربعة و علم بعدم كونها جهة الكعبة، فيجب اتيان الصّلاة إلى باقي الجهات حتّى يعلم بوقوع صلاته إلى جهة الكعبة، لأنّ الميزان هو حصول الامتثال و لا يحصل الامتثال القطعي إلا بذلك بحكم العقل.

الفرع الثامن:

هل يجب على من يكون متحيرا في ساير الصلوات الواجبة الاتيان إلى أربع جهات، مثلا إذا ظهرت آية موجبة لصلاة الآيات، و كان متحيرا في القبلة، يجب عليه أن يصلّي صلاة الآيات إلى أربع جهات أولا يجب ذلك، بل يسقط عنه التوجّه إلى القبلة في هذا الحال، فيصلّي حيث يشاء.

اعلم انّه بعد اعتبار القبلة في الصلوات الواجبة، فيجب حال التحير حفظ القبلة و امتثال الاجمالي، و هو لا يحصل إلا بالصّلاة إلى أربع جوانب، فيكون حال ساير الصلوات حال صلاة اليومية في هذا الحال.

نعم، قيل بعدم وجوب الصّلاة إلى أربع جوانب في صلاة الميت، و ليس وجهه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 182

إلا أن يقال: بأن الدليل الدال على الصّلاة إلى أربع جوانب ليس له إطلاق يشمل حتى صلاة الميت، و تكون الروايتان الدالتان على ذلك في مقام اعمال التعبد لا ما يحكم العقل من حفظ الأطراف لتحصيل موافقة المعلوم بالاجمال، و يقال بعد ذلك: بأنّه لا يجب موافقة القطعية في العلم الاجمالي، و الّا فلو كان للدليل

إطلاق أو قلنا بوجوب موافقة القطعية في العلم الاجمالي، فلا يتم هذا الكلام.

و بعد ما قلنا من أن مدلول الروايتين ليس إلا الارشاد بما يحكم به العقل، من أنّه بعد وجوب وقوع الصّلاة إلى القبلة، و عدم طريق إلى تحصيل القبلة، فيحكم العقل بوجوب إتيان أربع صلوات إلى أربع جهات، حتّى يعلم بامتثال التكليف الاجمالي، اعنى وجوب الصّلاة إلى القبلة المتردد أمرها بين أربع جوانب، فليس لهذا الكلام أعنى: الاشكال في صلاة الميت وجه، بل يجب مع التحير في جهة القبلة من أربع صلوات بالميت كي يعلم بامتثال التكليف، كما أنّه يكون الأمر كذلك في ساير الصلوات الواجبة.

نعم يمكن ان يقال في خصوص صلاة العيدين، و صلاة الجمعة بانّه مع التحير يجزي اتيان صلاة واحدة إلى أي جهة شاء، لانه بعد كون هذه الصلوات وضعها على اجتماع الناس، و بمقتضى السياسة الدينية و حضور الإمام أو من نصبه الإمام و عظمتها في الخارج، فبحسب وضعها منافية من إتيانها إلى أربع جهات، فلا يبعد الاكتفاء بصلوة واحدة إلى جهة واحدة، و لكن لم نقل بذلك مسلما، و لا نجزم بذلك، بل كان إبداء احتمال في المسألة.

الفرع التاسع:
اشارة

هل يجري ما قلنا في المتحيّر من الاحتياط في اربع جوانب في قضاء الأجزاء المنسية، و سجدتي السهو، بمعنى وجوب إتيانهما في صورة التحير إلى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 183

أربع جهات أم لا يجري؟

فإن قلنا بالاول، فإن نسى التشهّد مثلا، و لم يدر أين وجه القبلة، يجب عليه أربع تشهدات إلى أربع جهات، و إذا حصل له موجب سجود السهو و لم يدر وجه القبلة، يجب عليه تكرار سجود السهو إلى أربع جهات.

و ان قلنا بالثاني، فلا يجب إلا

تشهد واحد أو سجدتي السهو مرة إلى أي جهة شاء.

أعلم أن اعتبار القبلة في الأجزاء المنسية و كذا في سجدتي السهو مسلم، فيجب حالهما التوجّه إلى القبلة، سواء نقول بكون أجزاء المنسية جزء للصّلاة، غاية الأمر محلّها في هذه الصورة بعد الصّلاة، أو قلنا بكونها مثل سجدتي السهو واجبات مستقلة، لأنّ المنساق من أدلتهما اعتبار ما يعتبر في الصّلاة من الشرائط فيهما و منافات منافيات الصّلاة فيهما، إنما الكلام في المقام يكون هنا في جهات:

[في ذكر بعض الجهات في المقام]
اشارة

الجهة الأولى: هل يفرض صورة في الأجزاء المنسية كان الواجب فيها إتيانها إلى أربع جهات أم لا؟

الجهة الثانية: في انّه بعد فرض ذلك، و عدم وجود ما يمنع عن الاتيان بأربع جوانب، هل يجب فيها الاحتياط أم لا يجب ذلك؟

الجهة الثالثة: على تقدير وجوب الاحتياط، هل يجب الاحتياط باتيانها إلى أربع جهات، أو اقل من ذلك؟

الجهة الرابعة: بعد كون الفصل باحد المنافيات مضرّا بينها و بين الصّلاة، فما هو التكليف و ما يصنع المكلف؟

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 184

[الكلام في الجهة الاولى و الثانية]

أما الكلام في الجهة الأولى: فاعلم أنّه إن قلنا بأنّ قضاء أجزاء المنسية تكون واجبات مستقلة المشروعة عند نسيان هذه الاجزاء، و لم تكن جزء للصّلاة، فلا إشكال في انّه يفرض صورة في الأجزاء المنسية يكون الشخص متحيرا فيها في القبلة، لأنه بعد كونها واجبات مستقلة و غير مربوطة بالصّلاة، فلا يضرّ الفصل بالمنافيات بينها و بين الصّلاة، فعلى هذا يمكن فرض صورة كان الشخص متحيرا في القبلة فيها، مثلا صلّى صلاته ثمّ خرج عن موضع صلّى صلاته، و بلغ إلى محل لم يدر أين وجه القبلة، فتوجه بأنّه نسي تشهدا من هذه الصّلاة أو سجودا منها، فيجب عليه إتيانه مع القبلة، و حيث لم يدر وجه القبلة فيجب بمقتضى العلم الاجمالى و تحيره أن يتشهّد أو يسجد إلى أربع جهات حتّى يعلم باتيان التشهّد أو السجدة إلى القبلة الواقعية.

و إن قلنا بكونها جزء للصّلاة، غاية الأمر تغير محلّها و إلّا فهي جزء لها، فلازم ذلك مضرية المنافيات بينها و بين الصّلاة حتّى تصير قابلة لصيرورتها جزء للصّلاة، فكما أن وقوع المنافيات مضرا إذا حصلت بين أجزاء و موجبا لبطلانها، و عدم قابلية ضم اللاحق بالسابق،

كذلك بين الصّلاة و بين أجزاء المنسيّة، فيشكل الأمر، و لا يمكن فرض صورة كان التكليف فيها إتيان أجزاء المنسية إلى أربع جهات.

الكلام في الجهة الثانية: إن قلنا بعدم كون المنافي مضرّا بينها و بين الصّلاة، فيمكن فرض صورة وجوب الاحتياط في الأجزاء المنسية «1» فلا بدّ له من

______________________________

(1)- أقول: فرضت صورة في المجلس البحث و أعطف سيدنا الأستاذ مدّ ظله عنان الكلام

إلى تنقيحه و هو أنّه قلت: إذا صلّى المتحيّر إلى أربع جهات لوجوب الاحتياط عليه فبعد تماميّة أربع صلوات علم اجمالا بنسيان تشهّد أو سجدة من أحدى هذه الصلوات الأربع فيجب عليه بحكم العقل الاحتياط في التشهّد أو في السجدة حتّى يقطع بموافقة أمر المولى بقضاء التشهّد أو السجدة لأنّه يعد علمه بنسيان التشهّد في أحدى صلواته الأربعة المأتي بها، فهو يعلم بوجوب تشهد عليه و لا إشكال في وجوب وقوع التشهّد إلى القبلة فلا بدّ بمقتضى العلم الاجمالي بهذا التكليف الاحتياط و يأتي الكلام في ما تكون مقتضى الاحتياط و استرضاه مدّ ظله و نقحه و قال: هل نقول هكذا أو نقول: بأنّه بعد ما يعلم بأنّ أحدى من هذه الصلوات كانت واقعة إلى القبلة احدا من هذه الجهات الأربعة الّتي صلّى إليها كانت فيها القبلة فهو فعلا لا يدري بأنّ هذا التشهّد نقص من هذه الصّلاة الواقعة واقعا إلى القبلة أو من أحدى من صلوات ثلاثة اخر فمقتضى قاعده الفراغ في هذه الصّلاة الواقعة الى القبلة هو تماميتها فيها، فلا يجب عليه قضاء التّشهد لامكان كون التشهّد الناقص من غيرها أعنى: من أحدى من الثلاثة الآخر و ان كان من أحدى منها فلا يجب قضاء تشهدها، لأنّ الصّلاة الواقعة إلى

القبلة إن كان مع التشهّد فلا يضرّ عدم تشهد أحدى منها، لأنّ وجوب هذه الثلاثة كان بحكم العقل و من باب المقدمية.

و لكن مع ذلك قال: بأنّ الحقّ الأوّل و وجوب الاحتياط لأنّ بعد علم الاجمالي بنسيان التشهد من أحدى من أربع صلوات فيحكم العقل بأنّ ما هو معلوم و إن كان مرددا في الاطراف يجب حفظه فأن فرض كون المعلوم بالاجمال منطبقا على الصّلاة الواقعة إلى القبلة واقعا، فكانت بلا تشهّد و يصحّ للمولى العقاب و ليس حكم العقل في الأطراف المعلوم بالاجمالي إلّا هذا الحكم التعليقي و هو أنّه على فرض كون المعلوم في أحد الأطراف و تعمل فى أحد الاطراف ما يفوت مطلوب المولى المعلوم بالاجمال يصح له أن يعاقب العبد فكذلك في المقام و بعد العلم الاجمالي لا تجري قاعدة الفراغ سواء كانت أصلا أو أمارة لأنّه لا مجال لاجراء الاصل أو الامارة على خلاف العلم و لا فرق في العلم بين الإجمالي و التفصيليّ.

و كما أنّه يمكن أن يقال بأنّه لو أخذنا بالتعليل أعنى: قوله (لانّه حين العمل اذكر) في قاعدة الفراغ فلا تجري لأنّه لا يمكن له أن يدعي نفسه أنّه كان أذكر أو بأن نقول: بعدم إطلاق لها

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 186

الاحتياط، كما أن الأمر يكون هكذا لو صلّى إلى أربع جهات، و علم ينقص ركن من أركان الصلوات الأربعة عمدا أو سهوا أو ترك جزء غير ركني عمدا من أحدى منها فيجب بحكم العقل تجديدها، أعنى: اتيان اربع صلوات مجددا، لأنّ العقل يحكم بذلك، فعلى هذا إن فرض عدم مضرّيّة وجود المنافي بين الصّلاة و بين اجزاء المنسية، فيمكن فرض صورة كان الواجب الاحتياط في الاجزاء

المنسية باتيانها بعد الصّلاة أزيد من مرّة واحدة بنحو تحصل الاحتياط.

الكلام في الجهة الثالثة:

بعد ما قلنا بوجوب الاحتياط فرضا، فكيف طريق الاحتياط بحكم العقل، فهل يجب اتيان تشهدات أربعة أو سجدات أربعة، أو يكتفي في الفرض المذكور بأقل من ذلك؟

لا إشكال في انّه بعد كون الواجب في التشهّد المنسي، أو السجدة المنسيّة، التوجّه إلى القبلة، فهو في الفرض يعلم بوجوب قضاء تشهّد أو سجدة عليه، و لا يعلم أين وجه القبلة، فيجب إتيانه إلى أربع جهات مثل المتحيّر في أصل الصّلاة، لأنّ هذا مقتضى تنجيز العلم الإجمالي، فإذا تشهّد أو سجد إلى أربع جهات يعلم

______________________________

تجري حتّى مع العلم الاجمالي.

(أو بأن يقال: ان قاعدة الفراغ في كل من أربع صلوات معارضة مع الأخرى و لا يمكن أن يقال: بان قاعدة الفراغ تجري فقط في أحدى من هذه الصلوات الأربعة و هي الصّلاة الواقعة إلى القبلة واقعا لا غيرها، لأنّه لا اشكال في أجزائها في كل منها مثلا لو صلّى هذا المتحير الواجب عليه بحكم العقل أربع صلوات إلى أربع جهات إلى جهة شك بعد إتمامها بأنّه هل زاد في صلواته أو نقص منها، فتجري قاعدة الفراغ و ببركتها يكتفي و يصلّي إلى باقي الجهات و بعد ذلك فبعد العلم الاجمالي لا يمكن له إجراء القاعدة في كل من الأربعة و الحكم بإتيان تشهّداتها، لأنه يعلم بعدم إتيان تشهّد أحدى منها. (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 187

بامتثال الأمر المتوجّه إليه بقضائه.

الكلام في الجهة الرابعة:
اشارة

بعد ما فرض كون الفصل بأحد المنافيات مضرا إذا وقعت بينها و بين الصّلاة ما لا يكون بعيدا بل هو الأقرب فعلى هذا لا يمكن للمصلّى الإتيان بجزء المنسى إلى الأربع لتحصيل إبراء الذمّة، لأنّه لو كان جزء المنسىّ من أجزاء أحد الصلوات الثلاثة الّتي أتى بها إلى

جهات ثلاثة قبل صلاة الرابعة الّتي صلّاها الى جهة رابعة، فقد وقع المنافي بين جزء المنسى و بين الصّلاة نسى منها هذا الجزء، لأنّ كل صلاة وقعت بعد الصّلاة الّتي نسى جزئها، فهي من المنافيات.

فعلى هذا بعد عدم علم بأنّ التشهّد المنسي أو السجدة المنسية، نسى من أي صلاة من هذه الصلوات الأربع، فهو لا يدري بأن هذا الجزء، الّذي يقضيها وقع بعد الصّلاة الّتي نسى عنها هذا الجزء أو فصل المنافي بينهما، فلا يمكن له تحصيل البراءة بصرف اتيان التشهّد أو السجدة إلى أربع جهات كما انّه إذا أتى بأربع تشهدات أو أربع سجدات إلى أربع جهات قضاء فإن كان التشهّد أو السجدة المنسية من الأخيرة من الصلوات الأربع، و أتى بالتشهد أو بالسجدة المنسية إلى الجهة صلّى هذه الصّلاة، فلم يتخلل المنافي بين الصّلاة و بين الجزء المنسي، و لكن بعد ما لا يدري بكون ما نقص من هذه الصّلاة لاحتمال ورود النقص إلى أحد الصلوات الثلاثة، الواقعة إلى الجهات الثلاثة فهو يحتمل وقوع التشهّد الواقع إلى الجهة صلّى الصّلاة الأخيرة متخللا بين الجزء المنسي و الصّلاة الّتي نسى جزئها، فعلى هذا لا يمكن له إتيان الجزء المنسي متصلة بالصّلاة الّتي نسى هذا الجزء منها بحيث لم يقع بينهما فصل بأحد المنافيات.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 188

فالمكلف فى هذا المورد يعلم بعدم أثر في إتيان التشهّد أو السجدة إلى أربع جهات، فلا معنى للعمل بهذا النحو، لأنّ الغرض من إتيانهما إلى أربع جهات هو قضاء ما نسى منه واقعا في أحد صلواته الأربعة، بأنّه إذا أتى بهما إلى أربع جهات فأتى بما نسى منه في صلواته، فإن كان المنسي من الأولى فأتى به

إلى الجهة الواقعة فيه صلاته الأولى و هكذا، و بعد كون تخلل المنافي مضرّا فهو يعلم بأن بهذا العلم أعنى:

الاتيان إلى أربع جهات، لا يمكن له تحصيل الموافقة القطعية، لأنّه لو كان المنسي في أحد من الصلوات الأربعة غير الأخيرة أعنى: الصّلاة الرابعة، و أتى بالتشهد أو السجدة أولا إلى الجهة الواقعة إليها الرابعة، فاتيان التشهّد أو السجدة إلى الجهات الأخرى لا ينفع لتحصيل الموافقة القطعية، لأنه وقع المنافي بين الصّلاة و بين الجزء المنسيّ في هذه الصورة، فهو لا يتمكّن من تحصيل الموافقة القطعيّة بهذا النحو.

[مع تحلل المنافى بين الجزء المنسي و الصّلاة لا يمكن له الاحتياط]

و بعد ذلك فلا بدّ من الاحتياط بنحو آخر، و هو ما ينبغي أن يبحث عنه في هذه الجهة أعنى: الجهة الرابعة من الجهات الأربعة الّتي قلنا بوقوع الكلام في هذه الجهات.

فإذا نقول في هذا المقام: بأنّه بعد كون تخلّل المنافي بين الصّلاة و الجزء المنسي مضرّا، فكما قلنا لا يمكن تحصيل الموافقة القطعية بالإتيان بالجزء المنسي إلى أربع جهات بل لا بدّ له من الاحتياط بنحو آخر، ففي الفرض بعد ما كان تكليفه إلى أربع جوانب، و بعد فرض إتيان الصلاة إلى أربع جوانب، و بعد فرض العلم الاجمالي بنسيان تشهد أو سجدة من أحدى من هذه الصلوات، و بعد عدم إمكان موافقة القطعية باتيان جزء المنسي إلى أربع جهات، فهو يعلم فعلا إما بوجوب قضاء الجزء المنسي عليه، لاحتمال كون المنسي من الصّلاة الواقعة أخيرا من الصلوات الأربعة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 189

التي يمكن إتيان جزئها المنسي بدون وقوع المنافي، و إما بوجوب إتيان أصل الصّلاة عليه، لاحتمال كون المنسي من غير الأخيرة، و لهذا حصل الفصل، فلا بدّ من إعادة أصل الصّلاة، و حيث

إن القبلة غير معلوم فيجب الاحتياط بتكرار الصّلاة مكررا.

[في ذكر طريق الاحتياط]

و طريق الاحتياط على هذا على الفرض يحصل باتيان الجزء المنسي أولا إلى الجهة الّتي صلّى الصّلاة الأخيرة إليها، ثمّ اتيان صلوات ثلاثة إلى جهات ثلاثة اخر غير هذه الجهة، لأنّه إما نسى التشهّد أو السجدة من الصّلاة الأخيرة من أربع صلوات، أو من غيرها، فإن كان منها فإذا تشهد أو سجد بعدها إلى الجهة الّتي وقعت الأخيرة إليها، فقد أتى بالمكلف به، و حصلت الموافقة القطعيّة، و ان كان المنسيّ من غيرها أعنى: من أحدى من ثلاثة صلوات اخر، فلا يمكن له قضاء الجزء المنسيّ بلا فصل بينه و بين الصّلاة الّتي نسى منه هذا الجزء، لفصل الصّلاة الأخيرة أقلا بينها و بين الجزء المنسي، فلا بدّ من إعادة أصل الصّلاة، و إذا أتى بثلاث صلوات إلى جوانب ثلاثة بعد إتيان الجزء المنسي إلى الجهة الّتي صلّى الصّلاة الأخيرة إليها، فهو يعلم بامتثال التكليف للصّلاة، لأنّ القبلة إما في الجهة الّتي صلّى الصّلاة الأخيرة إليها، فهو صلّى إلى القبلة، و على الفرض لو كان المنسي منها فقد أتى بجزء المنسي بلا فصل بعدها، و إن كانت القبلة إلى أحدى من الجهات الثلاثة الاخر، فحيث لم يتمكن من قضاء الجزء المنسي إن كان المنسي من أحدى منها لحصول المنافي بينها و بين الجزء المنسي، فلا بدّ من إعادة أصل الصّلاة، و حيث لم يدر وجه القبلة، فهو لو إلى جهات ثلاثة بعد الصّلاة الرابعة و بعد قضاء الجزء المنسيّ، فهو يعلم بوقوع صلاة صحيحة منها إلى القبلة، لأنّه على هذا صلّى إلى أربع جهات كما هو حقّه.

فبهذا النحو يحصل احتياط في المقام، فافهم، فظهر لك ممّا

مرّ حال المسألة و جهاتها بحمد اللّه و الحمد للّه أولا و آخرا و صلّى اللّه على رسوله و آهل و اللعن على

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 190

أعدائهم.

[الكلام في الخلل في القبلة]

الجهة الثالثة: في الخلل و يقع الكلام فيه في طي مطالب:

المطلب الأول: يقع الكلام في حكم ما إذا صلّى إلى جهة، ثمّ تبيّن خطائه و عدم كون القبلة فى هذه الجهة، فلا بدّ أوّلا من ذكر أخبار الواردة في الباب، ثمّ بيان ما يستفاد منها، و بيان حكم المسألة، فنقول بعونه تعالى: إن الأخبار الواردة في المقام على طوائف:

الطائفة الأولى: ما تدلّ بظاهرها في حدّ ذاتها على وجوب استقبال القبلة فيما إذا تبيّن له كونها على غير القبلة في أثنائها، لما بقي من صلاته، و أمّا إذا فرغ من صلاته، و تبيّن كون صلاته على غير القبلة فلا يعيدها، و هي رواية القاسم بن الوليد (قال: سألته عن رجل تبين له و هو في الصّلاة أنّه على غير القبلة، قال: يستقبلها إذا أثبت ذلك، و ان كان فرغ منها فلا يعيدها.) «1»

و هذه الرواية مضمرة، لأنّ القاسم لم يعيّن ممّن يروي، و قال فقط (سألته) مضافا إلى أنّه لم يذكر في الرجال شي ء في حق القاسم إلا أنهم قالوا: له كتاب، و تدلّ بظاهرها على ما قلنا، غاية الأمر ينبغي التكلم فيها في بعض جهات اخر، و هو في أنّ الرواية هل تدلّ على كون الدخول في الصّلاة مع التحرّي عن القبلة، و قام في الصّلاة إلى الجهة الّتي توجه نحوها بمقتضى اجتهاده.

أو كان عالما بكون القبلة إلى الجهة الّتي توجّه نحوها و تبين بعدا خطائها.

أو كان ساهيا أو ناسيا عن القبلة اصلا، أو كان للرواية

إطلاق يشمل كل

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 191

الصور، و تدلّ على أنّ من توجه بجهة بأيّ نحو كان، ثمّ ثبت كون القبلة في غير هذه الجهة، فإن كان التبين في أثناء الصّلاة يستقبلها، و ان كان بعد الفراغ فلا يعيدها.

و أيضا هل تدلّ الرواية على عدم الإعادة في الوقت و القضاء فى خارجه إذا تبين بعد الفراغ من الصّلاة، بمعنى أن لها إطلاق يشمل كل من الوقت و خارجه.

أو تدلّ على عدم الوجوب إن كان في خارج الوقت، و أمّا في الوقت فلا ظهور لها معتدّ به.

و أيضا هل تدلّ الرواية على أن الحكم المذكور ثابت حتّى في ما إذا تبين كون الخروج عن القبلة بالغا حدّ اليمين و اليسار او أكثر من ذلك، مثل ما كان مستدبرا للقبلة، أو ليس لها اطلاق يشمل مطلق تبين الخروج من القبلة، بل لا يدلّ إلا على عدم وجوب الاعادة في ما إذا كان الانحراف إلى ما بين اليمين و اليسار، و لم يبلغ بهذا الحدّ اعنى: حدّ اليمين و اليسار، فهذه جهات لا بد من التكلم فيها.

[الكلام في الجهات المختلفة في الطائفة الثانية من الروايات]

الطائفة الثانية: ما تدلّ بظاهرها على وجوب إعادة الصّلاة في صورة تبين كونها على غير القبلة، و هي ما رواها معمر بن يحيى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى على غير القبلة، ثمّ تبينت القبلة و قد دخل وقت صلاة اخرى، قال:

يعيدها قبل أن يصلّي هذه الّتي قد دخل وقتها) «1» الحديث. (و نقل العامة معمرا مخففا، و في رجال أصحابنا معمر مشددا). «2»

و تدلّ الرواية على وجوب الاعادة بعد الصّلاة لمن تبين له وقوع

صلاته على

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 9 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- و قد نقل سيدنا الأستاذ مد ظله في أطراف شخصيته و ما روى عنه العامة مطالب مفيدة.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 192

غير القبلة غاية الأمر يقع الكلام في الرواية أيضا في جهات:

الاولى في أنّه هل تدلّ على مطلق من صلّى على غير القبلة سواء كان دخوله في الصّلاة إلى الجهة الّتي توجهه نحوها، ثمّ انكشف عدم كونها القبلة، من باب العلم بذلك، أو التحرى و الاجتهاد، أو السهو في القبلة، أو نسيانها، أو يختص بصورة التحري فقط، او مع العلم، و لا تشمل السهو و النسيان.

الثانية في أنّها هل تدلّ على خصوص صورة كونه مستدبر القبلة ثمّ انكشف له ذلك، أو على مطلق كونه على غير القبلة، و إن كان مقبلا إلى يمين القبلة أو يسارها.

الثالثة في أنّها هل تدلّ على وجوب الإعادة في الوقت و خارجه، بل لها خصوصية في ذلك بقرينة قوله (و قد دخل وقت صلاة اخرى) لأنّ ذلك قرينة على مضى الوقت و دخول وقت صلاة اخرى، أو تدلّ على وجوب الاعادة في خصوص ما إذا انكشف كونه على غير القبلة في الوقت، و امّا بعد الوقت فلا ظهور لها يشمل بعد الوقت، و كان قوله (و قد دخل وقت صلاة اخرى) يعني دخل وقت صلاة العصر إن كان ما صلّى على غير القبلة الظهر، أو العشاء إن كان ما صلّى غير القبلة المغرب، فالمراد بدخول وقت صلاة اخرى، هو دخول وقت صلاة مترتبة عليها، و إن كان الوقت مشتركا بينهما، فهذه جهات يأتي الكلام فيها في طى كلامنا.

الطائفة الثالثة: ما قال الشّيخ رحمه اللّه في النهاية، قال:

قد رويت رواية أن من صلّى إلى استدبار القبلة، ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصّلاة، و هذا هو الاحوط و عليه العمل انتهى «1»، و هي تدلّ على أن من صلّى إلى دبر القبلة يجب

______________________________

(1)- النهاية، ص 64.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 193

عليه إعادة الصّلاة بعد خروج الوقت.) «1»

و احتمال كون نظر الشّيخ رحمه اللّه من الرواية الّتي رويت إلى رواية معمّر المتقدمة ذكرها، و أنّه استظهر منها وجوب الإعادة حتّى في خارج الوقت، و لهذا قال رويت رواية بعيد، لأنّ رواية «2» معمر ليس فيها كون وقوع صلاته مستدبر القبلة و الحال أنّه رحمه اللّه قال رويت رواية على أنّ من صلّى إلى استدبار القبلة، ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصّلاة الخ، فعلى هذا هي أيضا رواية في الباب.

الطائفة الرابعة: ما تدلّ على عدم وجوب الاعادة على من صلّى على غير القبلة في صورة التحرّي، و هي ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (ثمّ في الاعمى يؤمّ القوم و هو على غير القبلة قال: يعيد، و لا يعيدون فانّهم قد تحروا.) «3»

و قد يستشكل في الرواية نظرا إلى أنّه ما الفرق بين الأعمى و غيره، حتّى تجب الاعادة عليه دون غيره، لأنّ الاعمى أيضا دخل في الصّلاة حتما بعد السؤال و الفحص عن القبلة، فدخل فيها بعد التحري و الاجتهاد مثل القوم فما الفرق بينه و بينهم حتّى يقال: يعيد و لا يعيدون، معللا بأنّهم قد تحرّوا، فهذا سبب لو هن الرواية. «4»

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 9 من أبواب القبلة من الوسائل.

(3)- الرواية

7 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

(4)- أقول: قلت في مجلس البحث بعد ما أفاد مدّ ظله ما تقدم: بأنّه بعد صراحة قول الإمام عليه السّلام في عدم وجوب الاعادة على القوم، لأنّهم قد تحرّوا، فيمكن أن يكون المعلوم بين السائل و الامام عليه السّلام بأن الاعمى دخل بغير التحري و لم ينقل تمام القضيّة في الرواية فبعد إمكان

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 194

و اعلم أن هذه الطوائف من شواذ الأخبار في هذا الباب، و العمدة في الباب

[ذكر الطائفة الخامسة من الروايات المربوطة بالمقام]

هي الطائفة الخامسة و السادسة من الروايات، فنقول:

أما الطائفة الخامسة: فهي ما يمكن أن يستفاد منها بحسب الظاهر في ذاتها، وجوب الإعادة إذا كان الخروج عن القبلة بالغا إلى المشرق و المغرب أو أزيد، و عدم وجوب الإعادة إذا لم يبلغ بهذا الحدّ، بل كان غير بالغ حدّ اليمين و الشمال أو المغرب و المشرق، و هي روايات:

الرواية الأولى: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنه قال: لا صلاة إلا إلى القبلة قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله. قال:

قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: يعيد.) «1»

و ظاهر هذه الرواية تدلّ على أنّ الصّلاة الواقعة إلى غير القبلة ليست بصلوة، و أنّ القبلة حدّها ما بين المشرق و المغرب، و بعد ما قال (فمن صلّى لغير القبلة أو صلّى في يوم غيم في غير الوقت يعني: صلّى الصّلاة في غير وقته في يوم غيم، يعيد الصّلاة) يستفاد بأن الصّلاة الواقعة إلى المشرق و مغرب الكعبة أو أزيد من ذلك محتاجة إلى الاعادة، و امّا إذا لم يبلغ الانحراف عن

القبلة إلى هذا الحدّ، بل كان ما بين المشرق و المغرب، فلم يصرح فيها بعدم وجوب الإعادة، و لكن يستفاد ذلك من قوله عليه السّلام في جواب (أين حدّ القبلة) قال (ما بين المشرق و المغرب قبلة) لأنّه إذا كان ما بين

______________________________

ذلك لا وجه لرفع اليد عن ظاهر قوله عليه السّلام من أن وجه عدم وجوب الإعادة على القوم كان من باب تحرّيهم، و وجوب الإعادة على الاعمى كان من باب عدم تحريه فسكت مدّ ظله و لم يقل شيئا و لعله استرتضى مدّ ظلّه ما قلت. (المقرر)

(1)- الرواية 2 من الباب 9 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 195

المشرق و المغرب قبلة، فالصّلاة الواقعة ما بين المشرق و المغرب واجدة لشرط القبلة فلا تجب الإعادة، غاية الأمر كلام آخر هنا في أن ما بين المشرق هل هو قبلة مطلقا، أو لخصوص البعض الموارد:

الرواية الثانية: ما رواها معاوية بن عمار انّه سئل الصادق عليه السّلام (عن الرجل يقوم في الصّلاة، ثمّ ينظر بعد ما فرغ فيرى انّه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال: قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة.) «1»

و هذه الرواية لا تدلّ إلّا على عدم وجوب الإعادة على من انحرف عن القبلة، و لم يبلغ إلى المشرق و المغرب أو أزيد، بل كان انحرافه أنقص من ذلك يعني:

بين المشرق و المغرب، و امّا بالنسبة إلى ما إذا كان الانحراف الى المشرق و المغرب أو اكثر، فالرواية غير دالة عليه (إلا على مبنى سيدنا الاستاد مد ظله في المفهوم فانّه يقول على هذا بأنّ قوله (ما بين المشرق و المغرب قبلة) له المفهوم بمعنى

وجود الدليل على كون القبلة إلى هذا الحد، و عدم الدليل على أزيد من ذلك نعم، لو ورد الدليل على أزيد من ذلك لم يكن منافيا مع هذه الرواية).

الرواية الثالثة: ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم و هو في الصّلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجّها بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و إن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصّلاة، ثمّ يحول وجهه إلى القبلة، ثمّ يفتتح الصّلاة.) «2»

و هذه الرواية متعرضة لصورة كون توجه المصلي في ضمن الصّلاة، و أنه في

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 196

صورة كون الانحراف في ما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و هذا تدلّ على صحة ما مضى بهذا النحو من صلاته، و امّا إن كان الانحراف إلى دبر القبلة فما مضى من صلاته تقع فاسدة، و لا بدّ من قطع الصّلاة و اتيانها مجددا إلى القبلة، و لم تتعرض الرواية لصورة تبين الانحراف بعد الصّلاة، فليست مربوطة بمسألتنا إلا ان يقال: بأنّه لا فرق بين تمام الصّلاة و أبعاضها، فإذا لم يكن الانحراف بأزيد من بين المشرق و المغرب موجبا لبطلان بعض الصّلاة و إعادتها من رأس، فكذلك لا يوجب لبطلان تمام الصّلاة و إعادتها، و إذا كان الانحراف بحد المشرق و المغرب أو أكثر مضرا و موجبا لفساد بعض الصّلاة، فكذلك في كل الصّلاة لعدم الفرق بين بعض الصّلاة و تمامها فتامل.

الرواية الرابعة:

ما رواها الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السّلام: انّه كان يقول: من صلّى على غير القبلة و هو يرى انّه على القبلة، ثمّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان ما بين المشرق و المغرب.) «1»

و هذه الرواية تدلّ على عدم وجوب الاعادة إذا تبيّن بعد الصّلاة كونه منحرفا من القبلة و لكن إلى ما بين المشرق و المغرب لا أكثر من ذلك و تدلّ على وجوب الاعادة على الانحراف أكثر من ذلك بالمفهوم لقوله (إذا كان ما بين المشرق و المغرب).

[الطائفة السادسة من الروايات المربوطة بالمقام]

الطائفة السادسة: ما يمكن أن يستفاد منها الفرق في وجوب الاعادة بين الوقت و خارج الوقت إذا كان منحرفا عن القبلة و هي روايات:

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 197

[في ذكر بعض الروايات الواردة في المقام]

الرواية الاولى: ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا صليت و أنت على غير القبلة و استبان لك أنك صليت و انت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد، و إن فاتك الوقت فلا تعد.) «1»

فهذه الرواية فرقت بين الوقت و خارجه في وجوب الاعادة و عدمها إذا تبين وقوع الصّلاة على غير القبلة.

الرواية الثانية: ما رواها يعقوب بن يقطين (قال: سألت عبدا صالحا عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة، ثمّ طلعت الشّمس و هو في وقت أ يعيد الصّلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة و إن كان قد تحرى القبلة بجهده أ تجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه.) «2»

الرواية الثالثة: ما رواها سليمان بن خالد (قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي لغير القبلة، ثمّ يضحي فيعلم انّه قد صلّى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال: إن كان في وقت فليعد صلاته، و ان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده.) «3»

الرواية الرابعة: الرواية 9 من هذا الباب بنقل الوسائل، و لم نتعرض للرواية 5 و 8 من هذا الباب لأنّ سندهما أيضا ينتهي إلى عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه، و متن الروايتين و إن كان مختلفا في الجملة مع متن الرواية الأولى الّتي

رواها عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه عليه السّلام خصوصا الرواية 8، الّتي رواها الصّدوق رحمه اللّه لأنها

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 198

متعرضة للسؤالين أحدهما عن الاعمى، و لكن مع ذلك من كان له تتبع في الروايات يدري بأن كلها ليست إلا رواية واحدة، غاية الأمر عبد الرحمن نقل ما وقع بينه و بين المعصوم عليه السّلام على الاختلاف لا أن عبد الرحمن سئل عن المسألة ثلاث مرات، و على كل حال تدلّ كلها على التفصيل بين الوقت و خارجه في وجوب الاعادة و عدمها.

[قد يقال بالجمع بين الطائفة الخامسة و السادسة بالعموم و الخصوص من وجه]

و على كل حال قد يقال: بأن النسبة بين الطائفة الخامسة و بين الطائفة السادسة تكون عموما من وجه، لأنّ الطائفة الخامسة خاص من جهة و عام من جهة، خاص من جهة، ان الاعادة اوجبت فيها في خصوص ما إذا كان الانحراف بالغا حدّ المشرق و المغرب و أكثر، لأنها دلت على عدم وجوب الاعادة إذا كانت الانحراف أقل من ذلك، و دلت على وجوب الاعادة فيما إذا كان الانحراف بالغا المشرق و المغرب أو اكثر، و عام من جهة ان وجوب الاعادة فيها غير مختصّة بالوقت بل تعم الوقت و خارجه.

و الطائفة السادسة خاص من جهة و عام من جهة، خاص من جهة اختصاص الاعادة بما إذا كان تبين الانحراف في الوقت، و امّا إذا كان بعد الوقت فلا تجب الإعادة، و عام من جهة وجوب الاعادة في الوقت لمن انحرف عن القبلة سواء كان انحرافه بأقل من

المشرق و المغرب أو بالمشرق و المغرب و اكثر.

فإذا كان كذلك فحيث انّه ما يرى من كلمات المشهور من القدماء هو أنهم فصّلوا بين ما إذا كان تبين الانحراف في الوقت فتجب إعادة الصّلاة، و بين ما إذا كان تبيّن الانحراف في خارج الوقت فلا تجب الاعادة، فيؤخذ بالطائفة السادسة من الأخبار و يقيد بها الأخبار الطائفة الخامسة في مورد التعارض، و تكون النتيجة هو

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 199

وجوب الاعادة مطلقا حتّى في ما إذا لم يكن الانحراف بالغا حدّ المشرق و المغرب.

و هذا النحو من التوجيه فى مقام رفع التعارض بين الطائفتين من الروايات، هو ما اختاره صاحب الحدائق رحمه اللّه، و لكن ليس كلامه في محلّه، و ليس هذا هو الجمع بين الطائفتين من الروايات، بل هذا يوجب طرح الطائفة الخامسة من الروايات، لأن بين الطائفة الخامسة و السادسة لم تكن منافات و معارضة في بعض الجهات، مقتضى كل من الطائفتين عدم وجوب الاعادة في خارج الوقت بالنسبة إلى من انحرف عن القبلة، في صلاته بمقدار لم يبلغ المشرق و مغرب القبلة، لأنّ الطائفة الخامسة تدلّ على عدم وجوب الاعادة فى هذه الصورة مطلقا في الوقت و خارجه، و الطائفة السادسة تدلّ على عدم الاعادة فى هذه الصورة أيضا في صورة خروج الوقت، فتعارضهما يكون بالنسبة إلى ما كان الانحراف كذلك و لكن تبين بعد ذلك في الوقت، فإن مقتضى الطائفة الأولى من الطائفتين هي عدم وجوب الاعادة، لكون الانحراف ما بين المشرق و المغرب، و تدلّ هذه الطائفة على كون منشأ عدم وجوب الاعادة هو أن ما بين المشرق و المغرب قبلة، و الحال أن الطائفة الثانية من هاتين الطائفتين

تدلّ على وجوب الإعادة في هذه الصورة، فإن قلنا بترجيح الطائفة الثانية و لازمه وجوب الإعادة في الوقت مطلقا إذا كانت صلاته إلى غير القبلة سواء كان الانحراف بالغا حدّ المشرق و المغرب و أزيد، أو يكون أقل من ذلك، فيوجب ذلك طرح الطائفة الأولى، لأنّ الطائفة الأولى نص في أن عدم وجوب الاعادة في هذه الصورة مستندة إلى كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، فإن رفع اليد عن ذلك و يقال بوجوب الإعادة فى هذا الفرض و تقييد الطائفة الأولى الدالة على عدم وجوب الإعادة في الفرض بالطائفة الثانية، فيوجب ذلك طرح الطائفة الأولى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 200

من رأس، لأنّ بذلك رفع اليد عما تكون الطائفة الأولى نص فيه، و هو كون ما بين المشرق و المغرب علّة لعدم وجوب الاعادة لا خروج الوقت، فهذا ليس جمع بل طرح الطائفة الأولى، فلا وجه لما ذهب إليه صاحب الحدائق رحمه اللّه فى المقام.

[نقول ان التعارض بين الطائفتين يدوى اذا عرض على العرف]

إذا عرفت ذلك نقول في مقام الجمع فى هذا التعارض البدوي بين الطائفتين:

بأنه بعد كون لسان الطائفة الأولى هو عدم وجوب الاعادة في ما إذا كان الانحراف بما بين المشرق و المغرب لوقوعها إلى القبلة، لأنّ المستفاد منها كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، و يكون لسان الطائفة الثانية فيه وجوب الاعادة إذا صلّى إلى غير القبلة و تبين ذلك في الوقت، و امّا لو تبين في خارجه فلا تجب الاعادة، فإن عرض الطائفتين من الروايات على العرف يرى أن الطائفة الأولى تحكم بعدم وجوب الاعادة في الفرض لكون صلاته واقعة إلى القبلة، و الطائفة الثانية تحكم بوجوب الاعادة في الوقت لكونها واقعة على غير القبلة، فلم ير

العرف فيهما منافات و معارضة، و بلسان الاصطلاحي يكون لسان الطائفة الأولى لسان الورود أو الحكومة على الطائفة الثانية، لأنّه إما تدلّ على كون ما بين المشرق قبلة حقيقة بدون اعمال تعبد و تنزيل فتكون واردا على الطائفة الثانية، و امّا تدلّ على كون ما بين المشرق و المغرب قبلة تنزيلا و تعبدا فتكون حاكما على الطائفة الثانية و على كل حال لا تعارض بينهما.

و امّا بالنسبة إلى ما كان الانحراف بالغا حدّ المشرق و المغرب و أزيد، فإن توهّم كون التعارض بينهما بنظر البدوي لأنّ الظاهر من الاطلاق في الطائفة الأولى أعنى: الخامسة هو وجوب الإعادة في الوقت و خارجه، و الطائفة الثانية أعنى الطائفة السادسة من الروايات المتقدمة ذكرها نصّ في الفرق بين الوقت و خارجه،

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 201

فلا بدّ من تقييد الأولى بالثانية، فتكون النتيجة الاعادة في الوقت إذا كان الانحراف بالغا إلى المشرق و مغرب القبلة أو أزيد، و عدم الاعادة في خارج الوقت في هذه الصورة، هذا كله في مقام الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات.

و هنا كلام آخر في بعض ما يمكن أن يكون معارضا بالنسبة إلى خارج الوقت مع الطائفة السادسة أعنى: الأخبار الّتي كان مفادها التفصيل بين الوقت و خارجه، و يأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه.

ثمّ ان من الغريب انّه لم نر في كلمات القدماء عدم وجوب الاعادة مطلقا إذا كان الانحراف ما بين المشرق و المغرب، بل يظهر من كلماتهم على سبيل الإطلاق ما يستفاد من الروايات المفصلة من وجوب الإعادة في الوقت و عدمها في خارجه إذا صلّى على غير القبلة بدون ذكر عما إذا كان الانحراف ما بين المشرق و

المغرب، فكيف لم يذكروا هذه الصورة فانّه لا يجب الاعادة مطلقا فيها مع دلالة الروايات عليها، كما قلنا بأن مقتضى الجمع بينها و بين الروايات المفصّلة هو عدم وجوب الاعادة مطلقا إذا كان الانحراف ما بين المشرق و مغرب القبلة.

و يمكن أن يقال في توجيه عدم تعرضهم لصورة الانحراف في ما بين المشرق و المغرب، هو أن هذا المقدار من الانحراف لا يكون انحرافا عن القبلة كما قلنا في حاشيتنا على العروة: بأن القبلة هو ما بين محل شرق الشّمس و غربها في أول الجدي لا المشرق و المغرب العرفى، و هو كل مورد يطلع فيه الشّمس و يغرب فيه، لأنه على ما قلنا كون ما بين المشرق و المغرب تقريبا بقدر ربع الدائرة، فيساوق مع ما قلنا في المراد من الجهة، فلا يبعد أن يكون نظرهم إلى ذلك، فعدم تعرضهم بصورة الانحراف البالغ هذا الحدّ كان من باب عدم كونه انحرافا، لأنه لم يزد تقريبا من ربع الدائرة الّتي

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 202

تكون تقريبا هو المراد من الجهة الّتي يجب التوجّه إليها، فبهذا النحو يمكن توجيه كلامهم، و يمكن أن يكون هذا وجه عدم تعرضهم، و على كل حال لم نر في كلامهم إلا الحكم بالاعادة في الوقت و عدمها في خارجة إذا صلى إلى غير القبلة، و لم يتعرضوا لصورة ما بين المشرق و المغرب أصلا فتأمل.

[يقع الكلام في بعض الجهات]

ثمّ إنّه يقع الكلام في بعض الجهات الأولى في انّه كما قلنا في طي كلماتنا السابقة يقع الكلام في أن الروايات الدالة على التفصيل بين الاعادة في الوقت و خارجه، أو ما دل من الروايات على عدم الاعادة مطلقا في ما كان الانحراف ما

بين المشرق و المغرب هل تدلّ على خصوص ما إذا كان دخول المصلّى في الصّلاة بعد التحري عن القبلة فشرع في الصّلاة بعد تحصيل الاجتهاد الظنى على جهة، ثمّ تبين بعد الصّلاة عدم كون هذه الجهة هي الجهة القبلة، أو يعم الدخول مع التحري و الدخول مع العلم بكون جهة هي القبلة ثمّ تبين بعد الصّلاة خلاف ذلك، أو يعم صورة دخل في الصّلاة و توجه إلى غير جهة القبلة ناسيا أو ساهيا ثمّ تبين له بعد الصّلاة انّه توجه إلى غير القبلة، أو تشمل حتّى الصورة الّتي دخل في الصّلاة و توجه الى غير جهة القبلة مع كونه شاكا في القبلة، أو يشمل حتّى صورة توجّهه إلى غير القبلة عمدا.

لا اشكال في عدم دخول صورة الاخيرة، أما الأخبار المفصّلة بين الوقت و خارجه، فهي صريحة في أنّه صلّى على غير القبلة، ثمّ تبين بعد الصّلاة كونها على غير القبلة، و أمّا إن كان من أوّل الصّلاة عالما بكون الجهة الّتي يتوجه نحوها غير القبلة فمن الأوّل بيّن عنده كون صلاته على غير القبلة، لا أنّه بعد الصّلاة تبين ذلك، فهذا شاهد على خروج هذه الصورة عن موردها مسلما.

[لا يمكن الالتزام بكون ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا]

و كذلك الأمر بالنسبة إلى الطائفة الدالة على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة،

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 203

لأنّ احتمال كون هذه الروايات دالة على أن المشرق و المغرب قبلة مطلقا بحيث كان الشرط من أول الأمر حتّى بالنسبة إلى العالم بجهة القبلة هو كفاية التوجّه إلى ما بين المشرق و مغرب القبلة و لو لم يكن حال الاضطرار، أو حال الالتفات بين الصّلاة أو بعدها احتمال، لا يمكن الالتزام به فانّه و إن كان

قد يتوهّم ذلك من رواية زرارة أعنى: الرواية الأولى من هذه الطائفة المتقدمة ذكرها، حيث ان فى هذه الرواية بعد السؤال عن حدّ القبلة قال عليه السّلام (ما بين المشرق و المغرب قبلة) إلا أنّه بعد ظهور رواية الرابعة من هذه الطائفة على أن القبلة المشروعة أولا و بالذات هي مرتبة اخرى غير ما بين المشرق و المغرب، لأنّ الظاهر من قوله عليه السّلام فيها (إن كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم) في ما يعلم كونه على غير القبلة في أثناء الصّلاة، هو أنّ القبلة المشروعة أوّلا مرتبة اخرى تكون دائرتها أضيق ممّا بين المشرق و المغرب، و هي مرتبة يجب على كل أحد، مع قطع النظر عن طرو بعض الطواري، مثل ما كان من باب الخطاء في الاجتهاد، و لهذا بمجرد الالتفات يجب التوجّه إلى هذه المرتبة من القبلة، فهذا شاهد على أن ما بين المشرق و المغرب ليس قبلة مطلقا و لعل المراد من قوله عليه السّلام في رواية زرارة و غيرها (ما بين المشرق و المغرب قبلة) هي القبلة الّتي لا بد من التوجّه إليها أقلا، فهذه المرتبة مرتبة لا يصح خلوّ الصّلاة من هذه المرتبة من القبلة إلّا في ما دل دليل من خارج على اغتفار خلو الصّلاة حتّى من هذه المرتبة من القبلة و هي ما بعد الوقت، فيمكن ان يقال في مقام الثبوت بكفاية القبلة الظاهرية للصّلاة في هذا الحال، أعنى بعد الوقت أو إسقاط شرطية القبلة.

و على كل فكل من الطائفتين غير شاملين لصورة الدخول في الصّلاة إلى غير

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 204

القبلة عالما عامدا، ثمّ نقول بعد ذلك:

بأنّ ما كان دخوله في الصّلاة متوجّها إلى جهة انكشف بعد الصّلاة عدم كونها القبلة إن كان بعد التحرّي و الاجتهاد، فهي القدر المتيقّن من الروايات المفصلة خصوصا التصريح في بعضها على ذلك، مثل ما رواها سليمان بن خالد (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثمّ يضحى، فيعلم انّه صلّى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال: إن كان في وقت فليعد صلاته، و إن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده.) «1»

[منشأ عدم القضاء في خارج الوقت اجتهاده]

فإنّ مفروض السؤال يكون في يوم غيم في قفر من الأرض، و من الواضح أنّ في أمثال هذا الوقت يكون وقت التحري و إلّا فإن كانت الشمس، طالعة فيعلم بالقبلة بالشمس، فالظاهر أنّ دخوله كان بالتحري، و أصرح من ذلك أنّه قال (و ان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده،) فمنشأ عدم القضاء في خارج الوقت يكون اجتهاده فيدل ذلك على أنّ دخوله في الصّلاة إلى الجهة الّتي يعلم بعدا كونها غير القبلة كان مستندا إلى الاجتهاد، ثمّ انكشف خطاء اجتهاده، و لا إطلاق لسائر الروايات يشمل ما إذا كان دخوله شاكّا أو ناسيا أو ساهيا للقبلة، لأنّ روايات الباب ظاهرة أو صريحة أو متيقنها صورة كان دخولها في الصّلاة و توجهها إلى الجهة التي ينكشف بعدا كونها غير القبلة عن اجتهاد.

و امّا شمول روايات الدالة على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة لصورة النسيان و السهو و عدم شمولها فيأتي الكلام فيها.

و توهّم دلالة رواية يعقوب بن يقطين، و هي هذه: (يعقوب بن يقطين قال:

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 205

سألت عبدا صالحا

عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة، ثمّ طلعت الشمس و هو في وقت أ يعيد الصّلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة؟ و إن كان قد تحرى القبلة بجهده أ تجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا اعادة عليه. «1» على الاعم من صورة التحرى و غيره بتقريب أنّ الرواية تدلّ على أن السائل سئل سؤالين: أحدهما عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة، و الثاني عمن تحرى و صلّى على غير القبلة لأنّ بعد سؤال الأوّل (قال و إن كان قد تحري بجهده أ تجزيه صلاته) فأجاب عليه السّلام عن كلا السؤالين بوجوب الاعادة في الوقت و عدمها في خارجه، و حيث إنّ الظاهر من السؤال الثاني يكون خصوص صورة دخوله متحريا عن القبلة، فالصورة الأولى تكون غير ذلك و هي ما كان دخولها شاكّا في القبلة أو ساهيا أو ناسيا أو يقال: بأنّ السؤال لو فرض أنّه سؤال واحد، و لكن سياق الكلام دليل على أن السائل سئل عن صورة لم تشمل كل الأفراد، ثمّ فرض صورة تكون الأولى بعدم الاشكال، و أداها مصدرا بان الوصلية و قال (و ان كان قد تحرى القبلة بجهده الخ) و لكن الإمام عليه السّلام بدون تعيين خصوص صورة التحري أو غيرها، أجاب بما يفيد وجوب الاعادة في الوقت و عدمها في خارجه، فاسد جدا.

لأنّه كما قلنا يكون وضع السؤال و فرض السحاب مناسبا مع كون الدخول مع الاجتهاد و التحرّي، لأنّ في أمثال هذه المواقع يتحرّى الشخص و يعمل بمقتضى تحريه، و ما تقدم من أنّ السائل سئل سؤالين، أو سؤالا واحدا بيّن أولا تمام

مراتبه، ثمّ مرتبة من مراتبه بقوله (و ان كان قد تحرى الخ) واضح البطلان، لأنّ السؤال ليس

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 206

إلا سؤال واحد، أو أقلا كون السؤال سؤالين غير معلوم، و قوله (و إن كان قد تحرّى الخ) و إن كان إن فيه إن الوصلية، فليس معناه ما توهم، بل المراد، و اللّه اعلم، هو أن السائل بعد ما سئل عن الصّلاة في يوم سحاب، و أنه يعيد أولا يعيد، كان في مقام بيان فهم وجوب الاعادة و عدمها، و أنه تجب الاعادة في هذه الصورة و إن كان صلاته إلى الجهة الّتي صلّى كان مع التحري، فالمراد هو أنّه مع كون ذلك مع التحرّي تجب الاعادة أم لا، فليس في البين إلا سؤال واحد و هو عن الصّلاة على غير القبلة مع التحري، و لا أقل من عدم ظهور للرواية يشمل غير صورة التحرّي.

[روايات عبد الرحمن رواية واحدة لا ثلاثة]

و من هذا يظهر لك حال ساير الروايات مثل الروايات الّتي تنتهى سند كل منها إلى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه التي قلنا بانّها رواية واحدة، «1» لا أن تكون روايات ثلاثة، و كذلك الرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

الأعمى إذا صلّى لغير القبلة فإن كان في وقت فليعد، و إن كان قد مضى الوقت فلا يعيد). «2»

حيث ان ظاهرها أو متيقنها صورة التحري، لأنّ الاعمى أيضا يسأل و يتحرى حتما عن القبلة و يدخل في الصّلاة فلا يستفاد من الروايات صورة و النسيان و السهو.

و امّا صورة القطع أعنى: ما إذا قطع من طريق إلى كون جهة هي القبلة، فصلّى

إلى هذه الجهة، ثمّ انكشف بعد ذلك خطاء قطعه، فهل يقال بهذا التفصيل فيها أعنى: وجوب الاعادة في الوقت و عدمها في خارجه أو لا؟

______________________________

(1)- الروايات 1 و 5 و 8 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 207

الظاهر أنّ القطع يكون مثل الاجتهاد الظني، و عدم كون فرق بينهما من هذا الحيث، كما أنّ الروايات بعضها ان كان ظاهرها مورد التحري، و لكن نعلم بأنّ الميزان في عدم الاعادة في خارج الوقت في الصورة الّتي تحرى عن القبلة ليس إلا من باب أن دخوله كان على طبق ما قرّر له من الوظيفة و الطريق على تحصيل شرط القبلة، سواء كان ذلك اجتهاد ظنّى أو القطع.

[في الروايات الدالّة على ان ما بين المشرق و المغرب قبلة]

أما الكلام في الروايات الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، «1» و أنّها هل تدلّ على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة لخصوص من تحري في القبلة، ثمّ تبين بعد الصّلاة كون انحرافها إلى ما بين المشرق و المغرب لا أزيد أو يشمل من دخل في الصّلاة عالما بكون جهة قبلة، ثمّ تبين بعد الصّلاة كونه منحرفا عن القبلة بما بين المشرق و المغرب، و كون قطعه جهلا مركبا، أو تعم الناسي و الساهي و الغافل عن التوجّه إلى القبلة حال الصّلاة، ثمّ تبين له بعد الصّلاة، و كان انحرافه بما بين المشرق و مغرب القبلة.

أو يقال: ان المستفاد من الرويات خصوصا رواية زرارة منها، هو كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، و إطلاق هذا الكلام يقتضي كون هذا الحد قبلة حتّى للعالم المختار، و لا اختصاص لها بصورة

التحري أو القطع أو النسيان و السهو.

اعلم أن شمول الروايات لصورة النسيان و السهو مسلم إن لم نقل بأنّ مورد السؤال في بعضها هو من نسى القبلة و انحرف عنها إلى ما بين المشرق و المغرب، مثل رواية معاوية بن عمار أنّه سئل الصادق عليه السّلام عن الرجل يقوم في الصّلاة، ثمّ ينظر بعد

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 9 و الرواية من الباب 10 و الرواية 5 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 208

ما فرغ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا، فقال له: قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة) فإنّه من المحتمل بل لا يبعد أن يكون المستفاد من قوله (يقوم في الصّلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ) انّه متى قام في الصّلاة لم يكن ملتفتا إلى القبلة كي يتوجّه نحوها، بل نسى أو غفل فدخل فيها و الحال أنّه منحرف عنها، فلما صلّى نظر فرأى انّه انحرف عن القبلة، فلا يبعد أن يكون مساق السؤال عمن نسى القبلة.

و على كل حال إن لم نقل بذلك فلا وجه لاختصاص مورد الروايات بخصوص المتحرّي، نعم يمكن دعوى شمول الروايات خصوصا رواية زرارة للناسي و المتحري، بل و القاطع، و لو نقول بعدم كون المستفاد منها كون ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا حتّى للعالم المختار، و لكن لا يبعد شمولها للقاطع بكون جهة هي القبلة و الناسى و المتحري.

[شمول للروايات للمختار و المضطر مشكل]

و أمّا شمولها لكل مورد حتّى يقال: بأنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة للمختار و المضطر، فهو مشكل و لا يمكن الالتزام به، لدلالة رواية عمار، «1» لأنّها تدلّ على أنّ

من توجه في أثناء الصّلاة بكونه منحرفا بما بين المشرق و المغرب يجب عليه التوجّه إلى القبلة و تحويل وجهه نحوها، فهذا دليل على أنّ القبلة المفروضة أولا التوجه إليها هي أضيق دائرة ممّا بين المشرق و المغرب.

و احتملنا سابقا بأن يكون المراد بما بين المشرق و المغرب ليس المشرق و المغرب الاعتدالي أعنى: ما بين كل نقطة تطلع الشّمس منها أو تغرب فيها، بل يكون ما بين آخر نقطة تطلع الشّمس منها أو تغرب فيها و لم تتجاوز طلوع أو

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 209

غروبها من هذه النقطة، بحيث إذا فرض دائرة و يفرض نقطة، منها محل شرق الشّمس بحسب ميلها الأعظم، و هو في أول سرطان، ثمّ كلما يمضي من الأيام تطلع الشمس في نقطة اخرى بحيث يصير بمضى كل يوم من بعد سرطان الفصل بين مشرقها و مغربها في هذه الدائرة المفروضة أنقص من الفصل الحاصل بين مشرقها و مغربها في أول سرطان إلى أول الجدي، ففي هذا اليوم يكون الفصل بين المشرق و مغرب الشّمس أنقص من جميع أيام السنة، ففي كل موضع من هذه الدائرة المفروضة من أول سرطان إلى أول الجدي يكون مشرق الشّمس و مغربها في نقطة من الدائرة، فتمام هذه المواضع موضع شرق الشّمس و غربها، فليست هذه المواضع من الدائرة المفروضة ما بين المشرق و المغرب، بل نفس المشرق و المغرب، لأنّ كلها موضع شرقها و غربها، و ما هو ما بين المشرق و المغرب يكون كل موضع من الدائرة يكون بين موضع شرقها و غربها، و هو على ما قلنا بين موضع من الدائرة

تطلع الشمس منها في أول الجدي و تغرب منها في هذا اليوم، فعلى هذا يكون المراد بما بين المشرق و المغرب ما بين المشرق و المغرب في أول الجدي.

و إذا كان هذا هو المراد فينطبق تقريبا مع ما قلنا في توجيه الجهة، لأنّ بهذا النحو يكون ما بين المشرق و المغرب تقريبا ربع الدائرة المفروضة، و الجهة تكون بهذا المقدار تقريبا فيوافق مفاد هذه الروايات تقريبا مع ما بينا في المراد من الجهة، إلا أنّه بعد دلالة رواية عمار أنّ القبلة المفروضة، أولا أضيق مما بين المشرق و المغرب، فلا يمكن أن يقال بأنّ روايات الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة مفادها ينطبق مع ما قلنا في ما هو قبلة للبعيد الغير المتمكن من التوجّه إلى عين الكعبة أعنى: الجهة، لأنه قلنا بأن الجهة و شطر المسجد الحرام تكون تقريبا هي الربع

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 210

من الدائرة المفروضة الّتي تكون الكعبة فى هذا الربع.

[توضيح المراد من الجهة و البيان الاول]

و نقول بعونه تعالى توضيحا لمرادنا من الجهة: بأنّه ربما يحتمل أن يكون تكليف البعيد هو عين تكليف القريب، فكما أن الواجب على القريب من الكعبة هو التوجه بعينها كذلك يجب على البعيد أيضا التوجّه بعين الكعبة، فعين الكعبة قبلة للقريب و البعيد ببيانين:

الأول: أن يقال: بكون الواجب على كل مكلف هو استقبال عين الكعبة غاية الأمر يختلف الاستقبال بالنسبة إلى القريب و البعيد، مثلا انت إذا كنت قريبا من شي ء بحيث يكون الفصل بينك و بينه ذراعا مثلا، فلا بدّ من صدق المقابلة و كونك مستقبلا له بأن يكون مقاديم وجهك مقابلا له بحيث لو خرج خط من جانبك يكون مستقيما يصل به، حتّى لو

كان هذا الجسم المقابل لك إنسانا لا بد و ان يكون تمام مقاديم بدنك مقابلا لتمام مقاديم بدنه، فلو كان نصف بدنك غير مقابل له لا يصدق الاستقبال و كونكما متقابلين، و لكن إذا فرض صيرورتك بعيدا منه مثلا كان هذا الشي ء أو هذا الشخص بعيدا عنك بالف ذراع، فلا يعتبر في صدق استقبالك له ما اعتبر في صدق استقبالك له في حال قربك به، فلو كان جزء من بدنك غير مقابل له يصدق الاستقبال مع ذلك، و كلما يكون البعد أكثر يكون الأمر أسهل، فربما يصدق الاستقبال في البعيد لشي ء لو فرض كونه قريبا منه لم يصدق الاستقبال اصلا.

فعلى هذا يقال في المسألة هكذا و أنّ الواجب على القريب و البعيد هو و استقبال عين الكعبة، غاية الأمر يختلف صدق الاستقبال بالنّسبة إلى القريب و البعيد، و لهذا ترى أن صفا من الناس إن كان قريبا من شي ء لا يكون مستقبلا لهذا الشي ء إلّا أحد منهم لقربهم بهذا الشي ء، فليس إلّا أحد أهل الصفّ مقابلا له، و ساير

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 211

أهل الصف ليسوا مقابلين له، بل يكونون واقعين في طرفيه، و لكن لو باعدوا عن هذا الشي ء يكونون كلهم مستقبلين له في حدّ من العبد عند العرف، و هذا واضح البيان.

[البيان الثاني في المراد من الجهة]

الثاني: و هو لا يتفاوت مع بيان الأوّل في النتيجة، غاية الأمر أنّ بيان الأوّل قال من قال به: بأن الاستقبال يختلف في القريب و البعيد بحسب صدق العرفي، و يقال في بيان الثاني: بأن معنى التوجّه إلى الكعبة و تولية الوجه نحوها ليست إلا جعل مقاديم البدن محاذيا لها في حال الصّلاة مثلا، فيقال بأن الواجب هو كون كل

مكلف محاذيا للكعبة حال الصّلاة سواء كان قريبا أو بعيدا، غاية الأمر تختلف المحاذاة بالنسبة إلى القريب و البعيد.

فكما قلنا في المثال السابق في البيان الأوّل ترى أن في مرتبة لا تصدق المحاذاة إلا بكون الشخص مقابلا لشخص آخر مقابلة حقيقية لقربه به، و لكن في مرتبة اخرى يكون مع العبد بينهما تصدق المحاذاة، و لو لم تكن محاذاة، حقيقية، فنحن نقول:

بان القبلة عين الكعبة و يجب التوجّه نحوها مطلقا على القريب و البعيد، و لكن بعد ما نرى ان الشارع لم يأمر إلا بتولية الوجه نحوها و قال اللّه تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «1» و لم يبين موضوع حكمه، فلا بدّ من الرجوع إلى العرف، و نرى بأنّ العرف لا يحكم إلا بلزوم تولية الوجه نحوها، و أنّ معناها ليست إلا جعل مقاديم البدن محاذيا لها، و نرى بأنّ المحاذاة تختلف بنظر العرف للقريب و البعيد، فالبعيد ليس معنى توجهه نحوها، و تولية وجهه بعين الكعبة إلا محاذاته و تولية وجهه بها بنحو يصدق عرفا بأنّه متوجه إلى عين الكعبة، فالبعيد يتوجه بالعين غاية الأمر يكون التوجه و المحاذاة مختلفا في نظر العرف للقريب و البعيد.

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 143.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 212

[حاصل كلام من قال بان عين الكعبة قبلة للقريب و البعيد]

هذا حاصل كلام من يقول: بأنّ الواجب هو التوجّه بعين الكعبة للقريب و البعيد، و لكنّ السرّ في أن قبلة البعيد أوسع من القريب ليس إلا من باب أن العرف يحكم بصدق الاستقبال أو محاذاة شي ء لشي ء إذا كان بينهما البعد مع عدم هذا الصدق عنده ان كان بينهما القرب، و هذا هو وجه ما يقال: من أن الشي ء كلما ازداد بعدا ازداد جهة محاذاته سعة، و

لكن قلنا في صدر البحث بأنّ هذا الكلام غير تمام أعنى: لا يمكن أن يقال بذلك بمجرد دعوى صدق العرفي، و قلنا بأنّه بعد كون الواجب هو التوجّه إلى شطر المسجد الحرام لانه تعالى قال فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «1» نقول في مقام بيان المراد من الشطر بأنّ الشطر هو السمت و الجهة، و لا إشكال في أنّ الواجب على البعيد الغير المتمكّن من التوجّه بعين الكعبة ليس بها، لكونه موجبا لمشقة عظيمة، بل العسر و الحرج، بل أزيد منهما، و لا اشكال في أنّه لا يمكن أن يقال: بان الواجب عليه هو التوجّه بالعين، غاية الأمر يحكم العرف بأنّ التوجّه بالعين يحصل بما قلنا في ضمن بيانين لما قلنا من الاشكال في ذلك أن نغضّى أعيننا و نقول بصدق العرفي بدون أن نفهم أن العرف موافق معه أم لا، و لو فرض حكمهم فما منشأ حكمهم بذلك، و إذا بلغ الأمر إلى هنا كما قلنا سابقا نقول: بأن الشطر هو السمت و الجهة، و الواجب على البعيد هو تولية الوجه شطرها و سمتها و جهتها كما يظهر من الآية ان الواجب، هو التوجّه إلى شطر المسجد الحرام.

و نقول في وجه ذلك و سره: بأن بعض الاشياء ممّا ليس له قدام و لا خلف، و هذا مثل الاشجار و الاحجار، و بعض الاشياء يكون لها قدام و خلف كالانسان، فترى أن له قداما و له خلفا، فإن امر بالتوجه إلى الاشياء الّتي ليس لها قدام و لا

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 143.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 213

خلف، أو امر بتوجه هذه الاشياء مقابلا لشي ء آخر، فبكل جانب منها إذا توجه الشخص في فرض الأمر

بالتوجه و الاستقبال إليه حصل التوجّه و الاستقبال، و كذلك بتوجيه أي جانب منها إلى شي ء آخر في فرض وجوب توجيه هذه الاشياء و استقبالها لشي ء آخر يحصل الاستقبال و المحاذاة، و هذا واضح.

و إن كان المأمور به هو توجه أشياء الّتي لها قدام و خلف و استقبالها لشي ء آخر، فترى انّه لا يكفي في تحقق الاستقبال استقبال كل جانب منها إلى الشي ء الواجب استقباله، فإذا أمر الإنسان بأنّك استقبل شيئا أو توجه شطر شي ء، فلا يكفي في امتثال الأمر توجهه و استقباله لكل جانب من جوانبه، بل لا بدّ من التوجّه بجانب يكون قدام بدنه فيه في صدق الاستقبال.

[توضيح كون القبلة الجهة]

إذا عرفت ذلك فلتعرف مطلبا آخر، و هو أنّ الجهات تكون ستة الفوق و التحت و القدام و الخلف و اليمين و الشمال، و الفوق و التحت ليسا مربوطا بجهة كلامنا، فيبقى القدام و الخلف و اليمين و الشمال، و الإنسان له قدام و خلف و يمين و شمال، فإذا فرض راس الإنسان كرة كما أنّ رأسه يكون بشكل الكرة، و فرض تقسيم هذه الكرة أعنى: الرأس بأربعة أجزاء، فالربع من هذه الكرة يكون قدام الإنسان، و ربعها خلفه، و ربعها يمينه، و ربعها يساره، فقدّام الإنسان هو الربع الدورة من الرأس الّذي يكون الوجه واقعا فيه.

و إن حوسب الوجه فكذلك يكون بحسب وضعه كرويا، فانظر إلى الحدّ الّذي يكون جبهة للانسان، فإنّ القدر المسلم من الجبهة هو ما بين العينيين، فمقدم الرأس بين الحاجب و منبت الشعر من طرف الطول، و بين العينيين من طرف العرض يكون هو الجبهة، و هذا المقدار لو لوحظ يرى أن وضعه يكون بشكل الكرويّ، و ليس

تبيان الصلاة،

ج 3، ص: 214

عرض الجبهة عرضا مستويا، بل يكون كرويا بحيث انّه إذا اخرج خط مستقيم من نقطة منه، و خرج خط اخر مستقيم من نقطة اخرى، فلا يصلان بمحلّ واحد كما ترى في الكرة، فكل خط من الخطوط الخارجة من الجبهة كلّما يبعد من الجبهة يصير أبعد من الخط الآخر الخارج منها.

فبعد كون وضع الجبهة، و كذلك الوجه كرويّا، فلو فرض بكون الإنسان مركزا للدائرة، فالدائرة المرسومة حول هذا المركز و القطب، يكون ربع من هذه الدائرة حول مقاديم بدنه المشتمل على الوجه، و ربعه الآخر محاذيا لخلفه، و ربعه محاذيا ليمينه، و ربعه محاذيا ليساره.

فإن كان المطلوب من الإنسان استقباله لشي ء، فلا بدّ من أن يستقبله بقدام نفسه، لا جوانبه الأخرى، ففي صدق استقباله يكفي كون الربع من رأسه الواقع مقابل وجهه، و مقاديم بدنه بهذا المقدار مقابلا لهذا الشي ء، و وجه صدق الاستقبال بهذا النحو ليس إلا من باب أن هذا الشي ء الواقع في موضع إذا أستقبله الإنسان بوجهه، يكون محاذيا له، فإن كان قريبا منه يرى بالحس كون تمام وجهه مقابلا له، و أمّا اذا كان بعيدا فلا يمكن استقباله بكل نقطة من وجهه، لأنه كما قلنا بكون وضع الوجه و الجبهة كرويا فالخطوط الخارجة من نقاط الوجه، لا يمكن أن يتلاقى كلها إلى نقطة واحدة.

[في ذكر المراد من الآية الشريفة]

إذا عرفت ذلك نقول في ما نحن فيه: بأن الظاهر من قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ هو وجوب تولية الوجه شطر المسجد الحرام، أي: جانب مسجد الحرام و سمته فالبعيد يجب عليه التوجّه إلى جانب المسجد الحرام و السمت الذي يكون فيه المسجد الحرام، فبعد ما فهمت من كون وضع الوجه كرويّا و

من

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 215

المسلم وجوب تولية الوجه نحوه لقوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ فإذا بنى الشخص على تولية وجهه نحو المسجد الحرام، فبحسب طبع وجهه و وضعه، لا بدّ من أن يجعل وجهه شطره، و أن كان بعيدا عن المسجد الحرام، فإذا كان المسجد في موضع و بنى على تولية الوجه شطره فلا يمكن له تولية تمام الوجه للمسجد بحيث يكون بتمام وجهه مستقبلا للكعبة، لأنه بعد كون وجهه كرويّا فالخطوط الخارجة من نقاط وجهه لا تصل إلى نقطة واحدة، بل كلما يبعد عن المسجد فالفرج بين الخطوط الخارجة من نقاط وجهه يصير أكثر بحيث ربما يكون البعد بين كل خط خارج من نقطة مع الخط الخارج من نقطة اخرى فراسخ كثيرة، مع كون الخطين خارجين من نقتطين المتصلتين من الوجه بالآخر، فعلى هذا لا يمكن للشخص البعيد الاستقبال بتمام الوجه، بل لا بد من كفاية الاستقبال بجزء من الوجه.

فعلى هذا نقول في توجيه الجهة و ما يستفاد من ظاهر قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ بأنّ المكلّف النائي من المسجد الحرام إذا فرض كونه مركزا لدائرة تتلاقي محيط هذه الدائرة الكعبة المكرمة، فإذا أمر بهذا الإنسان باستقبال وجهه إلى الكعبة، فلا بدّ له من تولية وجهه شطر المسجد الحرام أعنى: إلى جانب و شطر تكون الكعبة واقعة فيها، فإذا ولى وجهه نحوها، فلو فرض خطوط خارجة من وجه هذا الإنسان مع كون الوجه كرويا، فتلاقي هذه الخطوط إلى المحيط في الجانب الّذي تكون الكعبة فيه، فحيث إن الوجه ربع الدائرة تقريبا من الرأس فتتلاقى الخطوط الخارجة من الوجه ربعا من الدائرة المحيطة بهذا المركز أعنى:

الإنسان المكلف باستقبال الكعبة، ففي كل موضع

يكون المكلف و يفرض نفسه مركزا و يفرض دائرة تتلاقي محيطها الكعبة، فربع من هذه الدائرة الواقعة فيه الكعبة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 216

محاذيا لوجه المكلف المفروض واقعا في مركز هذه الكرة، هو جانب الكعبة و شطرها و سمتها، لأنه يتلاقى أحد الخطوط الخارجة من حدّ الجبهة و الوجه إلى الكعبة لا محالة، لما قلنا في ضمن المطالب المتقدم، و لا يمكن له الاستقبال بأزيد من ذلك بحيث يتلاقى تمام الخطوط الخارجة من عرض الوجه إلى الكعبة، لما قلنا من كون الوجه بخلقته كرويّا، و لهذا مع كون الكعبة بعيدا منه ربّما يحاذي بنفس وجهه مع موضع بعيد من الكعبة بفراسخ، و هذا لاقتضاء وضع الوجه في الإنسان.

فبهذا البيان يمكن أن يقال: بأنّ المراد من الجهة اللازم اعتبار التوجّه نحوها، هو الربع من الدائرة الواقعة في قطعة من هذا الربع الكعبة، و بهذا البيان عرفت ما هو قبلة للبعيد، و يمكن أن يكون وجه حكم العرف للبعيد بأنّ الاستقبال و المحاذاة يصدق للشي ء و إن لم يكن محاذاة حقيقية ما قلنا لك.

[ما فهمت في ما نحن فيه]

فبما قلنا في المقام فهمت.

أولا ما هو قبلة للبعيد الغير المتمكن من التوجّه بعين الكعبة، و أنّه إذا توجّه إلى ربع الدائرة الّتي تكون الكعبة واقعة فيه، فقد توجه شطر المسجد الحرام و إن كان ليس ما توجّه من وجهه، إلى الكعبة إلا نقطة من وجهه، لأنّه لا يمكن أزيد من ذلك.

و ثانيا يمكن أن يكون وجه حكم العرف بصدق الاستقبال و المحاذاة للبعيد مع عدم كون الشخص محاذيا في مقابل الكعبة بالدقة العقلية و حقيقة، هو ما قلنا من أنّه يرى العرف عدم امكان أزيد من ذلك، و وقوع جزء من

أجزاء وجهه مستقبلا للكعبة، فعلى هذا لسنا مخالفا مع من يقول بكفاية استقبال العرفي و المحاذاة العرفية، إلّا انّا بينّا منشأ لحكم العرف، و بينّا أنّ في الربع من الدائرة الّتي تكون الكعبة في نقطة من نقاطه إذا توجّه الشخص شطر هذا الربع، فقد ولى وجهه شطر المسجد الحرام

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 217

و جانبه و سمته، مع ما ذكرنا سابقا من بعض المؤيدات للمطلب:

[في ذكر بعض المؤيدات للمطلب]

و كان أحدها هذه الروايات الدالة على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة بناء اعلى ما احتملنا من كون المراد بما بين المشرق و المغرب هو ما بين المشرق و المغرب في أول الجدي.

و لكن قلنا: بأنّ رواية عمار، «1» الدالة على أنّ القبلة.

شي ء تكون دائرتها أضيق ممّا بين المشرق و المغرب، و لهذا مع فرض وقوع بعض صلاته إلى غير القبلة قال في رواية عمار (إن كان متوجها في ما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم و إن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصّلاة، ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصّلاة) منافية مع ما احتملنا من قابلية انطباق الروايات الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، مع ما قلنا بأنّ قبلة البعيد هو شطر المسجد و جانبه الّذي يكون تقريبا بقدر الربع من الدائرة.

و الثانية من المؤيدات ما وردت في بعض الروايات الواردة في أحكام الخلوة، و هي هذه الرواية: محمد بن الحسن عن المفيد عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة عن عيسى بن

عبد اللّه الهاشمي عن ابيه عن جده عن علي عليه السّلام قال: (قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لكن شرقوا أو غربوا) فإن الأمر بالتشريق و التغريب يدلّ على أنّ امر القبلة يكون أوسع من نفس التوجّه بالعين، فليس أمرها بهذا الضيق، بل يكون بحد

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 218

من الوسعة يلزم في حال التخلي التشريق و التغريب عن القبلة حتّى لا يكون في هذا الحال مستقبلا للقبلة و لا مستدبرا لها). «1»

الثالثة ما قلنا سابقا: بأنّ الأمر بالتوجه بنفس العين و استقبالها استقبالا حقيقيا بحيث يكون متوجّها لها بالدقة العقلية موجبا للعسر و الحرج و المشقة، و كيف يمكن للمكلفين البعيدين عن الكعبة ذلك، فهذا شاهد على أن أمرها أوسع من ذلك.

الرابعة ما ورد في بعض الروايات بأنّه إذا حوّلت القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام كان بنو عبد الاشهل في مسجدهم مشتغلين بالصّلاة، فاخبروا بذلك فحوّلوا وجوههم حال الصّلاة نحو الكعبة، فإنّه إن كان الواجب التوجّه إلى نفس العين فكيف هم توجّهوا نحوها، و كيف صاروا عالمين بها حال الصّلاة، فتحويل وجههم إلى الكعبة بدون فحص و تحقيق ليس إلّا من باب أنّهم كانوا عالمين بجهة الكعبة فقط، و هي أمر سهل.

و على كل حال لا يمكن أن يقال في هذا المقام إلّا ما قلنا من أنّ قبلة البعيد هو حدّ يكون تقريبا بقدر الربع من الدائرة الّتي تكون الكعبة واقعة فيها، و هو بيان يناسب مع العين باعتبار أنّ حدّ القبلة هو نقطة يقع أحد خطوط الخارجة

من الوجه إلى الكعبة لا محالة، و يناسب مع القول بالجهة، لأنّه إذا صرنا في مقام بيان شطر الشي ء و جانبه و جهته، فهذا البيان أنسب بيان له، لما قلنا في طي بياناتنا بأن الربع من مقدم الوجه هو قدام الشخص و الوجه في هذا الربع، فإذا أوجب الاستقبال على المكلف، لا بد و أن يكون بهذا الربع، و هذا ينطبق مع الجهة و فهمت بأنّ ما بينا في وجه

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 10 من أبواب احكام الخلوة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 219

كون القبلة هو الربع من الدائرة تقريبا للبعيد يمكن أن يكون وجه حكم العرف بصدق الاستقبال و المحاذاة في هذا الحدّ حدّ للبعيد مع عدم كون الشخص مستقبلا و محاذيا للشي ء بالمحاذاة الحقيقية.

هذا تمام الكلام في أصل المطلب و إن كنا بينا ذلك في صدر المبحث، و لكن نبيّن مجددا كي يتضح المطلب كاملا، ثمّ إنه بعد ذلك نعطف عنان الكلام إلى الجهة الّتي كنا باحثا لها، و هي الروايات الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، و قلنا: بأن هذه الروايات تشمل صورة النسيان بل يمكن دعوى كون مورد بعض منها خصوص صورة دخوله في الصّلاة ناسيا للقبلة.

[في ذكر الاشكال العمدة في الروايات]

و لكن إشكال العمدة في الروايات هو أنّه كلما تتبعنا في كلمات القدماء من الأصحاب رضوان اللّه عليهم كالمفيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه و غيرهما لم نجد متعرضا للمسألة أعنى: ظاهر كلماتهم هو التفصيل بين الوقت و خارجه مطلقا إذا انحرف المصلي عن القبلة بدون استثناء ما إذا كان الانحراف بين المشرق و المغرب، بل قالوا بوجوب الاعادة مطلقا إذا تبين بعد الصّلاة منحرفا عن القبلة

إذا كان الوقت باقيا، و عدم وجوب الاعادة إذا تبين وقوع صلاته منحرفا عن القبلة و كان التبين بعد الوقت.

نعم، يظهر من الشيخ رحمه اللّه استثناء صورة كونه مستدبرا للقبلة، فإنّ في هذه الصورة أوجب رحمه اللّه الاعادة و إن كان التبين بعد خروج الوقت، و نقل رواية في النهاية تدلّ على هذا، و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه بعد ذلك.

فظاهر عبارات القدماء هو التفصيل مطلقا بين الوقت و خارجه، و لم ير من أحدهم الإفتاء على طبق الروايات الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة و أنّ

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 220

الانحراف إذا كان بهذا المقدار و تبين بعد الصّلاة لا تجب الاعادة و ان كان الوقت باقيا، فلأجل ذلك قد يخلج بالبال وهن في هذه الروايات بدعوى إعراض الاصحاب عنها، فإن ثبت إعراضهم فلا يبقى مقتضى الحجية فيها، لعدم بناء للعقلاء في هذه الصورة، بل كلما ازداد صحة ازداد سقما، لأنّه مع ما يرى من صحة سندها و لكن بعد ما نرى من أنّ بطانة الفن و القدماء لم يعتنوا بها و لم يفت على طبقها نكشف من ذلك أنّهم يرون في هذه الروايات ما لا يمكن معها الاعتماد بكون الروايات صادرة في مقام بيان حكم اللّه الواقعي، و المورد يمكن أن يكون من هذا القبيل، لأنه كيف لم يفت على طبق مضمونها أحد، منهم.

[ادعاء الاعراض يكفي في وهن الروايات ان كان اعراضا]

فمن هذا يدعي إعراض و إن كان ذلك إعراضا فيكفي في وهن الروايات، نعم يرى تعرض الشيخ رحمه اللّه و إفتائه في أحد كتبه على طبق رواية عمار. «1»

و أنه إذا تبين للمصلي الانحراف في أثناء الصّلاة- بأنّه إذا كان الانحراف بما بين المشرق

و المغرب فليحوّل وجهه إلى الكعبة، و يتم الصّلاة، و إن كان الانحراف بأكثر من ذلك فليقطع الصّلاة.

و لكن لا يكفي تلك الفتوى في صورة كون التبين في أثناء الصّلاة و إفتائه على طبق هذه الرواية لاثبات كون ساير الروايات الّتي موردها صورة كون التبين بعد الصّلاة، و أنه إن كان الانحراف بما بين المشرق و المغرب فلا يعيد، و إن كان الانحراف بأزيد من ذلك فليعد، مورد اعتناء الشّيخ رحمه اللّه لأنه يمكن أن يكون الشّيخ أخذ برواية عمار لكون مقتضى الحجية موجودا فيها بنظره الشريف، و لكن مع ذلك لم يكن ساير

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 221

الروايات الّتي موردها صورة كون تبين الانحراف بعد الصّلاة مورد اعتنائه، و الدليل على ذلك عدم إفتائه بمضمون هذه الروايات، فهذا هو الاشكال العمدة في هذه الروايات.

فما نقول في المقام، فهل نقول و نلتزم: بطرح هذه الروايات، و ردّ علمها إلى أهلها بدعوى إعراض الاصحاب عنها من باب عدم تعرضهم لها أعنى: الافتاء على طبقها، و نقول نحن أيضا: بالتفصيل مطلقا بين الوقت و خارجه إذا تبين الانحراف بعد الصّلاة، و وجوب الاعادة في الوقت و عدمه في خارجه؟

أو نقول: بأن صرف عدم تعرضهم لها، و عدم إفتائهم على طبق هذه الروايات لا يكفي لاثبات كون الروايات ممّا أعرض عنه الاصحاب و نتيجة ذلك أنّه نقول: بعدم وجوب الاعادة حتّى في ما اذا تبين الانحراف بعد الصّلاة و كان الوقت باقيا إذا كان الانحراف بما بين المشرق و المغرب في صورة النسيان، أو بعض صور اخر بمقدار الّذي يستفاد من الروايات، و أنّ موردها صورة كون

دخوله في الصّلاة ناسيا للقبلة أو غيره من الصور أو كلها أو بعضها «1» و يبقى الكلام في أمر

______________________________

(1)- أقول: اعلم أن سيدنا الاستاد مدّ ظله بعد ما أفاد ما ذكرت لك قال ما حاصله يرجع إلى أنّه يمكن أن يقال: بعدم ثبوت الاعراض، لأنه ليس في البين إلّا عدم تعرض الفقهاء، و عدم إفتائهم بمفاد الأخبار الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، و لكن لم يرجح أحد طرفي المسألة بعد ما تكلمات معه، فما اختار الاعراض و لا عدمه، و المسألة بعد ذلك مشكلة.

و على كل حال أنا أقول: بأنّه على تقدير عدم الاشكال في هذه الروايات من حيث السند فكما أفاد مد ظله في أول تعرضه للروايات، و بينا لك، تشمل هذه الروايات صورة كون دخول المصلي في الصّلاة ناسيا عن القبلة، لأنّ ظاهر بعض الروايات يشمل النسيان، بل يمكن كون

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 222

آخر أشرنا إليه سابقا، و هو ما نتعرض له في الجهة الثانية إن شاء اللّه و نقول:

الجهة الثانية: بعد ما فهمت بأن الطائفة السادسة من الروايات كانت دالة

______________________________

موردها النسيان و أقول: بأنّه لا يبعد شمولها لصورة التحري و الاجتهاد، و أنه إذا كان دخوله في الصّلاة و توجهه إلى جهة باعتقاد كونها القبلة بمقتضى اجتهاده الظني و تحريه لأنّ الرواية 5 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل تدلّ على هذا، و هي ما رواها الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السّلام عن علي عليه السّلام أنّه كان يقول: من صلّى على غير القبلة و هو يرى على القبلة، ثمّ عرف بعد ذلك، فلا اعادة عليه إذا كان

في ما بين المشرق و المغرب) فظاهر قوله (و هو يرى انّه على القبلة) هو أنّ ذلك كان بحسب اعتقاده لا من باب كونه ناسيا للقبلة اصلا فعلى هذا تدخل صورة دخوله في الصّلاة باجتهاد إلى جهة من باب أنّه يرى كونها القبلة، بل و كذلك صورة القطع لأنه أولا ظاهر قوله (يرى) هو ان دخوله كان باعتقاد كونها القبلة سواء كان اعتقاده ظنيا أو قطعيا، مضافا إلى أن منشأ كفاية التحري و الاجتهاد الظني، و عدم وجوب الاعادة في هذه الصورة ليس إلا من باب كون دخوله في الصّلاة لا مع المسامحة و عدم الاعتناء و التعلل بأمر القبلة، بل دخل و توجه إلى جهة بحسب ما يقتضي الطريق و الحجة، فلا فرق بين القطع انكشف بعد الصّلاة كونه جهلا مركبا و بين الاجتهاد الظني.

فعلى هذا شمول هذه الروايات لهذه الموارد الثلاثة (صورة القطع و الاجتهاد الظني و النسيان غير بعيد، فعلى هذا بناء على عدم اشكال في الروايات من حيث السند، هذا المقدار يكون مقدار دلالتها، و لا يمكن الالتزام بدلالتها على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا حتّى كان الجائز من أول الأمر التوجّه الى ما بين شرق القبلة و غربها لما قلنا من أن المستفاد من بعض روايات الباب هو كون القبلة المجعولة أولا أضيق من ذلك غاية الأمر ما بين المشرق و المغرب قبلة لبعض الموارد، و هو صورة النسيان و الاجتهاد و القطع.

هذا ما يمكن أن يقال في المقام، فتكون النتيجة على هذا هو أنّ الانحراف ان كان ما بين المشرق و المغرب و تبين بعد الصّلاة، فلا تجب اعادة الصّلاة لا في الوقت و لا خارجه

في الصور المتقدمة أعنى: النسيان و الاجتهاد الظني و القطع، و ان كان الانحراف بأزيد من ذلك، فتجب الاعادة في خصوص الوقت لا في خارجه، فهذا ما يمكن أن يقال في مقام الجمع بين الطائفة الخامسة و بين السادسة من الروايات. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 223

على التفصيل في الاعادة و عدمها بين كون تبين انحراف المصلي عن القبلة في الوقت و خارجه إذا كان الانحراف أزيد ممّا بين المشرق و المغرب، و إطلاقها يقتضي ما كان الانحراف بالغا حدّ نفس المشرق و المغرب او أزيد إلى صورة يكون الانحراف إلى دبر القبلة أعنى: النقطة المقابلة للقبلة، مثل ما إذا توجّه إلى نقطة الجنوب باعتقاد كونها القبلة ثمّ تبين بعد الصّلاة كون نقطة مقابله أي نقطة الشمال هي القبلة.

يقع الكلام في أنّه هل يوجد في الأخبار رواية تكون معارضة مع هذه الطائفة بالنسبة إلى خارج الوقت أم لا؟

اعلم أن رواية معمّر بن يحيى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى على غير القبلة، ثمّ تبينت القبلة و قد دخلت وقت صلاة اخرى، قال: يعيدها قبل أن يصلّي هذه الّتي قد دخل وقتها) «1» الحديث، لا يكون مدلولها منافيا مع الرواية المفصلة، لأنّ ما يمكن أن يقال في وجه المعارضة بينهما هو أن يدّعي بأن الظاهر من قوله (و قد دخل وقت صلاة اخرى) هو أن تبين وقوع صلاته على غير القبلة كان بعد الوقت، فمع ذلك أمر باعادتها، لأنّه قال عليه السّلام (يعيدها قبل أن يصلّي هذه الّتي قد دخل وقتها) ليس وجها وجيها.

أمّا أولا: فلما قلنا سابقا من احتمال عدم كون المراد من دخول وقت صلاة اخرى وقت صلاة يدخل وقتها

بخروج وقت الصّلاة الأولى كالمغرب بالنسبة إلى الظهر و العصر، أو الصبح بالنسبة إليهما، و المغرب بل يكون المراد منها الصّلاة المترتبة على صلاة و إن كان الوقت مشتركا بينهما كالعصر بالنسبة إلى الظهر، أو

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 9 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 224

العشاء بالنسبة إلى المغرب، ففي هذا المورد أيضا يطلق (و قد دخل وقت صلاة اخرى) فعلى هذا ليست الرواية لاجل الحكم فيها باعادتها قبل الثانية معارضة مع الرواية المفصلة، لأنّ على هذا كان الحكم باعادة الصّلاة قبل الأخرى كان من باب كون الوقت باقيا.

[ليست الرواية اصلا في مقام بيان هذا الحيث]

و ثانيا و هو العمدة في الجواب، هو أن الرواية ليست أصلا في مقام بيان هذا الحيث، بل الرواية تكون في مقام بيان أنّ الفائتة تجب تقديمها على الحاضرة أم لا أعنى: إذا كان الواجب عليه صلاة قضائية يجب تقديمها على الحاضرة، فإذا كانت الرواية في مقام بيان ذلك، فلو فرض أنّ ما عليه من قضاء الصّلاة كان لأجل وقوعها على غير القبلة و لكن لا إطلاق للرواية في هذا الحيث، لأنّه ليس في مقام بيان ذلك.

فعلى هذا يمكن أن يكون المورد موردا يجب قضاء الصّلاة و إتيانها حتّى بعد الوقت، مثل أن يكون موردها موردا صلّى على غير القبلة عمدا أو جهلا بالحكم بناء اعلى القضاء في الموردين، فلا إطلاق لها يشمل وجوب القضاء حتّى في صورة التحرّي أو العلم حتّى تكون الرواية معارضة مع ما نفي الاعادة في خارج الوقت. «1»

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 3، ص: 224

______________________________

(1)- أقول: إن ما أفاده

مد ظله يشكل الالتزام به مع سياق الرواية، لأنّ السائل على ما يحكي متن الرواية، حيث قال (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى على غير القبلة ثمّ تبينت القبلة و قد دخل وقت صلاة اخرى قال: يعيدها قبل أن يصلّي هذه الّتي قد دخل وقتها) كان نظره إلى فهم حال من صلّى على غير القبلة، لا عن لزوم تقديم الفائتة على الحاضرة و عدمه، فلا بد أن يقال في مقام يرى تعارض بينها و بين الروايات المفصلة إمّا بما قال أوّلا في توجيه الرواية، و امّا بأن يقال: بعد كون ظاهر رواية معمّر هو وجوب الاعادة حتّى في خارج الوقت

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 225

و على كل حال يكون مدلول رواية معمّر هو وجوب الاعادة في خارج الوقت في مطلق من صلّى على غير القبلة سواء كان انحرافه إلى المشرق و المغرب، أو أزيد من ذلك، أو كان بحد الاستدبار.

[الكلام في رواية عمّار]

و امّا رواية عمار «1» و هي هذه (عن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم و هو في الصّلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجها في ما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و إن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصّلاة، ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة، ثمّ يفتتح الصّلاة).

فتوهم كونها معارضة مع الروايات المفصلة بين الوقت و خارجه في الاعادة و عدمها، بأن يقال: إنها تدلّ على وجوب إعادة الصّلاة و افتتاحها ثانيا إذا تبين وقوعها مستدبرا للقبلة، و إطلاقها يقتضي وجوب الاعادة حتّى في صورة خروج الوقت مثل ما إذا كان مشتغلا بالصّلاة فتبين

له وقوع ما مضى من أجزاء صلاته إلى دبر القبلة و خرج الوقت في هذا الحال، أعنى: في أثناء الصّلاة، فيجب بمقتضى إطلاق هذه الرواية قطع صلاته و افتتاحها مجددا، فعلى هذا تدلّ على وجوب الاعادة في صورة الاستدبار حتّى بعد خروج الوقت، فتعارض مع الروايات المفصلة، لأنها دالة على عدم الاعادة في خارج الوقت مطلقا حتّى في صورة وقوع مستدبرا.

______________________________

(1)- و ليس قابلة للتقييد باخبار المفصلة لأنّ موردها خصوص خروج الوقت، فهي نص في هذه الصورة، و مع ذلك قال (يعيد) بأن العمل بها في قبال الروايات المفصّلة، غير ممكن للزوم طرح الروايات المفصّلة ففي مقام التعارض لا بدّ من ترجيح الروايات المفصّلة لكون العمل على طبقها، فالمرجح لها. (المقرر)

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 226

[في ذكر اشكال و الجواب عنه]

و إن قلت: ان الرواية متعرضة لما إذا تبين الخروج عن القبلة و وقوع ما مضى من صلاته على دبر القبلة في أثناء الصّلاة، و الروايات المفصلة لما تبين الانحراف بعد الصّلاة، فموردهما مختلف فلا تعارض بينهما.

أقول بأنّه بعد وجوب الاعادة إذا تبين في الأثناء في صورة الاستدبار مع أن بعض صلاته وقعت مستدبرا، ففي صورة تمامية الصّلاة إن لم تكن الاعادة ثابتة بالأولوية في صورة الاستدبار، فلا أقل من انّه لا فرق مسلما في هذا الفرض بين وقوع بعض الصّلاة مستدبرا في وجوب الاعادة أو وقوع كلها مستدبرا.

و لكن لا مجال لهذا التوهّم حيث ان الرواية مشعرة أو ظاهرة في ما كان تبين الانحراف مستدبرا في الوقت، لأنه من الواضح أنّ الشخص يصلّي صلاته في الوقت، ففرض صورة كان الشخص مشتغلا في الوقت بالصّلاة ثمّ تبين له انحرافه

عن القبلة، و أجاب عليه السّلام بما يستفاد منه وجوب اعادة هذه الصّلاة إذا كان الانحراف بالغا حدّ الاستدبار، فمورد السؤال و الجواب هو مورد يكون الوقت باقيا، ففرض شمولها لخارج الوقت بعيد في الغاية.

نعم هنا رواية رواها الشّيخ الطوسي شيخ الطائفة رحمه اللّه و هي هذه (محمد بن الحسن في النهاية (قال: قد رويت رواية انّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصّلاة، و هذا هو الأحوط و عليه العمل انتهى). «1»

و هذه الرواية تارة يقع الكلام في مقدار دلالتها و أنها هل تعارض مع

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 227

الروايات المفصلة أم لا، و تارة يقع الكلام في حجيتها و اعتبارها، و أنها هل تكون رواية اخرى غير ما ذكرنا من أخبار الباب أولا.

[الكلام في مقدار دلالة الرواية]

أما الكلام في مقدار دلالتها، فهي تدلّ على انّه من صلّى و وقع ما صلّيها إلى استدبار القبلة تجب إعادتها في صورة علم بعد خروج الوقت بوقوع صلاته مستدبرا للقبلة، فهي خاص بالنسبة إلى الأخبار المفصّلة، لأنّها تدلّ على وجوب الاعادة في خصوص الاستدبار في خصوص بعد الوقت، فلا بدّ من تقييد أخبار المفصلة بها، و تكون النتيجة هو وجوب الاعادة إذا كان الانحراف بالغا إلى المشرق و المغرب و أزيد من ذلك حتّى صورة الاستدبار في الوقت مطلقا، و لا تجب الاعادة بعد الوقت إلا في خصوص ما إذا كان مستدبرا في صلاته إلى القبلة.

و لا وجه لأنّ يقال: بأن النسبة بين هذه الرواية و الروايات المفصلة تكون عموما من وجه، بأن يقال: ان هذه الرواية خاص باعتبار تعرضها لخصوص

صورة الاستدبار و عام باعتبار دلالتها على الاعادة بعد الوقت و خارجه، و الروايات المفصلة عام باعتبار تعرضها لصورة وقوع الصّلاة على غير القبلة- سواء كان وقوعها على غير القبلة بحد الاستدبار، أو إلى المشرق و المغرب أو الأزيد من المشرق و المغرب أنقص من الاستدبار- و خاص باعتبار دلالتها على وجوب الاعادة في خصوص الوقت، فإذا كانت النسبة عموما من وجه فلم تقدمت هذه الرواية على الروايات المفصلة، و ما وجه ترجيح تقديمها.

لأنّا نقول: بأنّه يكون المجال لهذا الكلام في الرواية السابقة أعنى: رواية عمار، على فرض دلالتها على ما توهّم و على فرض تعارضها مع الروايات المفصلة، لأنها على هذا كانت مطلقة بالنسبة إلى الوقت و خارجه، لأنها على ما ذكرنا في وجه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 228

التوهم تدلّ على وجوب الاعادة في الوقت و خارجه، و أمّا رواية الشّيخ فليست كذلك أعنى: ليست مطلقة من حيث الوقت و خارجه في وجوب الاعادة و ليس شمولها لخارج الوقت في وجوب الاعادة بالإطلاق، بل هي نص في وجوب الاعادة في خارج الوقت، لأنّ المفروض فيها هو صورة العلم بعد الوقت باستدبارها للقبلة، فهي خاص أو مقيّد، فيجب تقييد المطلقات بها، فتكون النتيجة ما قلنا.

[الكلام في اعتبار الرواية الّتي رواها الشيخ رحمه اللّه]

و امّا الكلام في اعتبارها و كونها رواية مستقلة غير الروايات الاخر المذكورة في الباب و عدمها، فنقول: بأنّ ما يمكن أن يكون منشأ للاشكال في الرواية من هذا الحيث أمور:

الأمر الأول: أن يقال: بأنّ هذه الرواية مرسلة لأنّ الشّيخ أرسلها بدون أن يذكر سندها، و من تنتهي الرواية إليه فليست بحجة، إذ ربما انّه رحمه اللّه لو ذكر سندها لم نعتمد على كل من يكون في طريق الرواية،

أو بعضها، لاحتمال عدم كونه ثقة عندنا.

الأمر الثاني: أن عمل الفقهاء كالسيد رحمه اللّه و ابن ادريس رحمه اللّه و ابن جنيد رحمه اللّه على التفصيل بين الوقت و خارجه مطلقا سواء بلغ الانحراف بحد الاستدبار أو لا.

الأمر الثالث: انّه يحتمل كون نظر الشّيخ رحمه اللّه في ما (رويت) إلى رواية معمر بن يحيى، أو إلى رواية عمار المتقدم ذكرهما، و فهم رحمه اللّه من أحدهما بأن في صورة الاستدبار تجب الاعادة في خارج الوقت، و ذكرنا وجه أن تكون الروايتان دالتين على وجوب الاعادة في خارج الوقت في ما تقدم عند التكلم عن الروايتين.

الأمر الرابع: أن بعض كلمات الشّيخ في بعض كتبه دليل على عدم كون تلك العبارة منه رواية مستقلة غير ساير الروايات، فانّه في التهذيب ذكر الروايات و لم يتعرض لهذه الرواية، بل في الخلاف عبارته صريح في أنّ دليل من يقول بوجوب

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 229

الاعادة حتّى في خارج الوقت في خصوص الاستدبار هو رواية عمار، فعلى هذا ما قال في النهاية ليس نظره الشريف إلى أنّ رواية اخرى غير ما بايدينا وصل إليه، بل نظره إلى ما قال من انّه (رويت الخ) هي رواية عمار بقرينة ما قال في الخلاف، فنقول في الجواب:

أمّا ما في الأمر الأوّل فما توهّم من أنها مرسلة إلى آخر ما ذكر، فنقول: إن الشيخ رحمه اللّه عادل و قد أخبر بورود رواية عن أحد المعصومين عليهم السّلام و إن لم يصرّح بذلك، لأنّ من الواضح أن نظره الشريف من ورود رواية هو ورودها عن أحدهم عليهم السلام، و خبر العادل حجة، فلا يضر إرسالها في حجيتها.

أما ما في الثاني فاعلم أن بعض الاعاظم

من الفقهاء إما روا هذه الرواية على اختلاف في التعبير كالسيد المرتضى رحمه اللّه في الناصريات و الشيخ رحمه اللّه في النهاية و بعض آخر، و إما افتوا على طبق ذلك كالمفيد رحمه اللّه و بعض آخر، و امّا السيّد المرتضى رحمه اللّه و ابن ادريس رحمه اللّه فعدم إفتائهما على طبق هذه الرواية يكون من باب أنهما لم يعملا على الخبر الواحد، و أمّا ابن جنيد رحمه اللّه فحيث إنه ليس الواصل إلينا وضع فقاهته و إحاطته حتى يمكن لنا التوقف لأجل عدم إفتائه بذلك في قبال الشيخ رحمه اللّه و المفيد و غيرهما من الفقهاء لأنّه ليس اثر له إلا كتاب (المختصر الاحمدي في الفقه المحمدي) و يظهر من العلّامة رحمه اللّه أن هذا الكتاب وصل بيده، و أمّا بعد العلّامة رحمه اللّه فلم نقف على هذا الكتاب، فعمل على طبق هذه الرواية المشهور من الفقهاء و إن كان لها ضعف من أجل ارسالها فهي منجبرة بعمل الاصحاب و إن لم يظهر من كلماتهم استنادهم بها في الفتوى، بل يكفي صرف مطابقة فتوى المشهور مع الحكم المستفاد من الرواية في جبر ضعف سندها.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 230

[الكلام في الامر الثالث و الرابع في الرواية الّتي رواها الشيخ]

أما في الأمر الثالث فانّه كيف يمكن أن يقال بكون نظر الشّيخ رحمه اللّه في قوله (رويت) إلى رواية معمر بن يحيى أو رواية عمار، لأنه كما قلنا لا يستفاد منهما وجوب إعادة الصّلاة بعد الوقت في خصوص الاستدبار، و لا يستظهر ذلك منهما، فكيف يستند رحمه اللّه بهما مع عدم ارتباطهما بما قال من أنّه (رويت رواية أنّ من صلّى إلى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه اعادة الصّلاة، و هذا

هو الأحوط و عليه العمل) و كيف يمكن أن يقال باختفاء أمر واضح عليه رحمه اللّه و أنه تخيل دلالة أحد الروايتين على هذه الفتوى فقال هكذا في النهاية فمن هنا نعلم أن نظره الشريف ليس إلى الروايتين، بل هي رواية اخرى غيرهما.

و امّا في الأمر الرابع فنقول: أنّ عدم تعرض الشيخ رحمه اللّه لهذه الرواية الّتي- ذكرها في النهاية- في التهذيب، و كذا الاستدلال لوجوب الاعادة في صورة الاستدبار برواية عمار في الخلاف لا ينافي أيضا مع كونها رواية مستقلة، لأنّ عدم الذكر في بعض كتبه أو الاستدلال لوجوب الاعادة في خارج الوقت في صورة الاستدبار برواية عمار في بعض كتبه، لا يوجب أن يكون ما نقل من الرواية في كتابه الآخر أعنى: النهاية، هو رواية عمار. فإذا لا يبعد كون ما ارسله رواية مستقلة الدالة على وجوب الاعادة في خارج الوقت لو تبيّن استدباره للقبلة.

و عدم ذكر لها في الجوامع الأربعة (الكافي و التهذيب و الاستبصار و من لا يحضره الفقيه) لا يوجب انكار الرواية، لأنّه كانت جوامع اخر سابقة على هذه الجوامع، و ربّما أخذ الشّيخ منها و لم يصل إلينا هذه الجوامع. «1»

______________________________

(1)- أقول: و مع ذلك كله و لو أنّ سيدنا الاستاد مدّ ظله استوفي الكلام فى هذه الرواية، و جاء

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 231

هذا تمام الكلام في هذه المسألة و الحمد للّه أولا و آخرا، و في الخلل بعض مسائل اخر لم يتعرض له سيدنا الاستاد مدّ ظلّه.

الجهة الرابعة: في عدم اشتراط الاستقبال في النوافل.
اشارة

لا إشكال في جواز إتيان النافلة حال السفر، بل في مطلق حال المشي و إن لم يكن في السفر، و يدل على ذلك بعض الروايات، و لا حاجة إلى تعرضها

مفصلا، فارجع باب 15 من أبواب القبلة من الوسائل، فإنّ بعض الروايات صريحة في عدم شرطية الاستقبال في النوافل حال السفر و حال المشي، و بعض الروايات يمكن ان يكون دليلا على ذلك بالملازمة، لأنه بعد دلالتها على جواز النافلة حال المشي و الركوب فغالبا يكون المشى و الركوب ملازما مع الخروج عن القبلة، لأنّ الطريق ليس مستقيما، فهو بانحراف الطريق ينحرف عن القبلة، فمن جواز إتيانها حال المشي و الركوب مع كون ذلك ملازما للانحراف عن القبلة نكشف بالملازمة عدم شرطية القبلة للنافلة فى هذا الحال.

فهذا لا إشكال فيه كما انّه لا إشكال في عدم شرطية الاستقبال في حال السفر و مطلق المشي في النافلة حتّى في حال تكبيرة الاحرام، لأنه و إن تدلّ على شرطية القبلة في النافلة في هذا الحال الرواية 12 من الباب 15 من أبواب القبلة من

______________________________

بتحقيقات و نكات، و لكن لم نفهم كون ما ارسله في النهاية رواية اخرى غير ساير روايات الباب مع تصريحه في الخلاف بأن ما يخصص العمومات الدالة على وجوب الإعادة في الوقت و عدمها في خارجه، في خصوص خارج الوقت في صورة الاستدبار هو رواية عمّار، فإذا نظنّ ظنّا قويا بكون نظره في النهاية أيضا إلى رواية عمار، فلا يمكن احراز رواية اخرى حتّى يحكم بمقتضاها بأن في صورة الاستدبار تجب الاعادة حتّى في ما تبين الاستدبار بعد الوقت، و لكن الاحتياط حسن. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 232

الوسائل، إلا أن الرواية 6 بنقل الكليني (لا على ما رواه الشّيخ رحمه اللّه من الباب 15 من أبواب القبلة من الوسائل) تدلّ على عدم اشتراط القبلة فيها حتّى في هذا الحال.

[الكلام في انّه هل القبلة ليست شرطا في النوافل او شرطا خرج حال السفر و حال المشي منه]

هذا ممّا لا

اشكال فيه، انما الاشكال في أنّه هل القبلة غير معتبرة اى لا تكون شرطا في النافلة أصلا بحيث يجوز إتيانها إلى غير القبلة حتّى في حال الاستقرار، أو ليس كذلك، بل القبلة شرط فيها، غاية الأمر خرج حال السفر و حال المشي، و يبقى الباقي، و لا يخفى عليك أنّ الكلام يكون في دخلها و عدم دخلها شرطا، فإن كانت شرطا فإن نافلة بدون الشرط لم تقع صحيحا، و إن لم تكن شرطا فيها فتقع النافلة بدون وجودها صحيحة، و ليس الكلام في أنّ القبلة واجب فيها بالوجوب التكليفي، أو ليس بواجب حتّى يتوهم أحد و يقول: انّه كيف يمكن أن تكون القبلة واجب في النافلة مع كون نفس النافلة مستحبة، فمن أجرى البحث إلى هذا المقام، و توهم كون النزاع في كون القبلة واجبا فيها بالوجوب التكليفي و عدمه، فقد بعد عن طريق الصواب بمراحل، بل النزاع يكون في الوجوب الوضعي، و هو عبارة عن أن القبلة شرط فيها أولا.

[الامر الاول من الامور الّتي تمسّك به في هذا الباب]

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إن ما تمسك به في هذا الباب بعض امور نعترض لها:

الأمر الأول: و هو الّذي تكون العمدة في المسألة، الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنّه قال: لا صلاة ألّا إلى القبلة: قال: قلت: أين حد القبلة؟ قال:

ما بين المشرق و المغرب قبلة كله. قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 233

غير الوقت؟ قال: يعيد.) «1»

وجه الاستدلال هو المستفاد من قوله (لا صلاة إلا إلى القبلة) أنّه نفي الصلاتيّة من صلاة ليست إلى القبلة و بعد كون لا صلاة مفيدا للعموم فيعم هذه العبارة لكل صلاة،

فكل صلاة من الصلوات يعتبر فيها القبلة سواء كانت صلاة فريضة أو نافلة. «2»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 9 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- أقول: و أوردت عليه مد ظله في المجلس البحث و قلت: بأنّ قوله (لا صلاة إلا إلى القبلة) على فرض اطلاقها في حدّ ذاته بحيث يشمل النافلة، و لم يكن مختصا بالفريضة، و لكن ذيل الرواية و هو قوله (فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال يعيد) مناف مع كون الاطلاق لقوله (لا صلاة إلا إلى القبلة) لأنّ وجوب الاعادة المستفاد من قوله عليه السّلام (يعيد) لا يساعد إلا مع كون (لا صلاة الا الى القبلة) مختصا بالفريضة، لأنّ في الفريضة تجب الإعادة إذا وقعت على غير القبلة لا النافلة.

و قال مدّ ظله في الجواب: بأنّ (يعيد) ليس الا في مقام بيان عدم وقوع الصّلاة الواقعة على غير القبلة واجدة للشرط و أنّه لأجل كونها غير واجدة للشرط لم يأت بها المكلف، فلو كان المكلف في مقام تحصيل مطلوب المولى فلا بدّ له من اعادتها مع القبلة، فعلى هذا في الفريضة الواقعة بدون شرط القبلة لا بد له في مقام حفظ مطلوب المولى من اعادتها مع الشرط، و ان كانت نافلة و كان في صدد تحصيل مطلوب استحبابى المولى فلا بدّ له أيضا من إعادة النافلة الواقعة بلا شرط مع الشرط مجددا فقوله عليه السّلام (يعيد) لا ينافي مع كون (لا صلاة إلا إلى القبلة) شاملة للفريضة و النافلة، فقوله عليه السّلام (بعيد) يدلّ على أنّه بعد ما (لا صلاة إلا إلى القبلة) فمن صلّى إلى غير القبلة لم يأت صلاته و لم يوجد مطلوب المولى،

بل لا بد له من الاعادة فى مقام تحصيل مطلوب المولى، فإن كان مطلوبه وجوبيا فتجب الاعادة قهرا، و ان كان مطلوبه استحبابيا لا تجب الاعادة، بل إن كان في مقام إتيان مطلوب استحبابي المولي فيستحب له الاعادة في ما يكون أمر الاستحبابي باقيا.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 234

[الامر الثاني لاشتراط القبلة مطلقا]

الأمر الثاني لاشتراط القبلة مطلقا: ما قيل من عدم معهودية الصّلاة مستقرا إلى غير القبلة عند المتشرعة بل يرون ذلك من المنكرات.

و فيه انّه لا عبرة بما قيل، فإنه لو فرض كون المعهود عندهم هو الصّلاة إلى القبلة، فلا يصير ذلك وجها لعدم جواز غير ذلك عندهم، بل يمكن أن يكون مختارهم من الصّلاة إلى القبلة يكون من باب كون الأفضل إتيانها إلى القبلة، لا لزوم ذلك بحيث يكون مع فقدها الصّلاة باطلة، و لا يمكن دعوى السيرة في العدميّات و إلّا فلا بد من الالتزام بعدم جواز كل فعل لم يصدر من المتشرعة (و من هذا القبيل بعض امور اخر تمسك به لاعتبار القبلة في النافلة حال الاستقرار).

أما الروايات الّتي تمسك بها لعدم اعتبار القبلة في النافلة مطلقا حتّى حال الاستقرار (منها الروايات الواردة في سقوطها حال السفر بدعوى عدم فرق بين السفر و غيره، كما يظهر من مطاوي كلمات الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه. «1»

و فيه انّه مع الفرق الواضح بين السفر و المشي و بين حال الاستقرار، كما يظهر من بعض روايات الباب من أن ذلك ضيق في السفر، انّه لو لم يثبت الفرق من أين

______________________________

و لكن كما قلت لا يمكن أن يقول كذلك، لأنه و ان كان دخل القبلة في الصّلاة بنحو الشرطية، و معناه عدم تمامية الصّلاة إلا متوجها

إلى القبلة، لا أنها واجب بالوجوب التكليفي، و الاعادة تكون من باب عدم حصول ما هو شرط في الصّلاة و لكن مع ذلك بعد عدم اتيان الصّلاة مع شرائطه، فالاعادة، واجبة بالوجوب التكليفي لا الوجوب الشرطي بحيث يكون المكلف معاقبا على ترك الاعادة، لأنه ما اتى بما وجب عليه و هو الصّلاة كما امر بها، فقوله عليه السّلام (يعيد) في الرواية ظاهر في الوجوب و على هذا الظهور يستفاد أن قوله في الصدر (لا صلاة إلا إلى القبلة) ليس لها إطلاق يشمل النافلة. (المقرّر).

(1)- مصباح الفقيه، ص 111.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 235

اثبت عدم الفرق حتّى يقال: بأنّه كما لا تعتبر القبلة حال السفر و المشي كذلك لا تعتبر حال الاستقرار.

و منها ما رواها محمد بن مسعود العياشي في تفسيره عن زرارة (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: الصّلاة في السفر في السفينة و المحمل سواء؟ قال: النافلة كلها سواء تؤمي ايماء أينما توجهت دابتك و سفينتك، و الفريضة تنزل لها عن المحمل إلى الأرض إلّا من خوف، فإن خفت أومأت، و امّا السفينة فصلّ فيها قائما و توخّ القبلة بجهدك، فإن نوحا عليه السّلام قد صلّى الفريضة فيها قائما متوجها إلى القبلة و هي مطبقة عليهم. قال:

قلت: و ما كان علمه بالقبلة فيتوجهها و هي مطبقة عليهم؟ قال: كان جبرئيل عليه السّلام يقومه نحوها. قال: قلت فأتوجه نحوها في كل تكبيرة؟ قال: أما النافلة فلا إنما تكبّر على غير القبلة اللّه اكبر، ثمّ قال: كل ذلك قبلة للمتنفّل أينما تولّوا فثمّ وجه اللّه). «1»

وجه الدلالة ذيل الرواية قال (أما النافلة الخ) فهو يدلّ على عدم كون النافلة مشروطة بالقبلة مطلقا.

[الاحتياط مراعاة القبلة في النوافل في حال الاستقرار]

و فيه انّه

إذا تأملنا في الرواية نرى أنّها أيضا مخصوصة بحال السفر، فالذيل لا يدل إلا على عدم اشراطها بالقبلة حال السفر في السفينة و على الدابة، و لا إطلاق لها يشمل لكل مورد حتّى حال الاستقرار.

و منها ما ورد في باب الالتفات عن القبلة حال الصّلاة، و هي الرواية رواها محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب الجامع للبزنطي صاحب الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت

______________________________

(1)- الرواية 17 من الباب 13 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 236

الفريضة و التفت إلى خلفه، فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلّى و لا يعتد به، و إن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود.) «1»

و رواه الحميري في قرب الاسناد «2» عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر من أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام «3»، و قال مد ظله بان هذه الرواية وردت في الالتفات عن القبلة و انّه من القواطع و هذه الجهة غير ما نحن فيه و هو بيان شرطية القبلة للصّلاة و عدمها، نعم يمكن أن يقال: بأنّه بعد كون الالتفات قاطعا نستكشف كون التوجّه نحو القبلة واجبا، و من عدم كونه قاطعا نستكشف عدم شرطيته.

هذه جملة ممّا يمكن أن يقال في طرفي المسألة، و لكن الاحتياط هو مراعات القبلة في النوافل حال الاستقرار، فافهم.

[الجهة الخامسة: في عدم جواز اتيان صلاة الفريضة على الراحلة في غير حال الضرورة]

الجهة الخامسة: لا اشكال في عدم جواز إتيان صلاة الفريضة على الراحلة في غير حال الضرورة، و جواز ذلك حال الضرورة، كما لا إشكال في جواز إتيان

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 3 من أبواب القواطع من

الوسائل.

(2)- قرب الاسناد ص 107 ح 381.

(3)- (و ربّما يتوهم أن هذه تدلّ على اعتبار القبلة في النافلة في الجملة، لأنّ مورد الروايات ليس العمد، لبعد توجه أحد في الفريضة إلى دبر القبلة، فيكون موردها صورة النسيان، و في النافلة في صورة كونه ناسيا قال (لم يقطع ذلك صلاته) فهذا دليل على أن القبلة معتبرة فيها في الجملة، غاية الأمر في صورة النسيان لا تعتبر ذلك، و لكن قوله في ذيل الرواية في النافلة (لم يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود) دليل على أن الالتفات المفروض للسائل كان عمدا، لأنه قال في النافلة (لا يعود) يعني: لا تجدد هذا العمل، فإن كان فعله أوّلا ناسيا لا معنى للنهي عن العود، فهذه الرواية لا تبعد دلالتها على عدم اشتراط القبلة في النافلة بحيث مع عدمها كانت النافلة باطلة، نعم يمكن أن يقال بكون ذلك مستحبا في النافلة، و بعد ما قلت بدلالة الرواية على عدم الاشتراط تمّ البحث، و لم يتعرض سيدنا للرواية و أنها تدلّ على ذلك أم لا.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 237

النافلة على الراحلة مطلقا حتّى في غير حال الضرورة، و يدل على الحكمين بعض ما ورد في الباب، فارجع باب 14 و باب 15 من أبواب القبلة من الوسائل، إنما الكلام في موردين:

[الروايات المتعارضة في النافلة المنذورة]

المورد الأول: في النافلة الّتي صارت واجبة بالعرض مثل ما لو نذر إتيان نافلة، فإنها نافلة ذاتا و صارت واجبة بالعرض، و أن حكمها حكم النافلة بعد طروّ حيث الوجوب، أو حكم الفريضة حتّى يجوز إتيانها على الراحلة على الأول، و لم يكن جائزا على الثاني.

الأمر الثاني: يقع الكلام في الفريضة الّتي صارت نافلة بالعرض مثل صلاة المعادة،

فإن من صلّى فرادى مثلا يستحبّ له إتيان صلاته مجددا و إعادتها جماعة، فهل يجوز إتيان مثل هذه الصّلاة على الراحلة بدعوى كونها نفلا فعلا فحكمها حكم النافلة، أو لا يجوز ذلك بدعوى كون حكمها حكم الفريضة و إن صارت نفلا بالعرض.

أمّا الكلام في المورد الأوّل فنقول: إنّ في الباب تكون روايتان يمكن دعوى شمولهما للمورد أعنى: للنافلة الّتي صارت فريضة بالعرض، فلا يجوز اتيانها على الراحلة.

الرواية الأولى: ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا يصلّي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة، و يجزيه فاتحة الكتاب، و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي ء، و يؤمى في النافلة إيماء). «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 238

الرواية الثانية: ما رواها عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام:

أ يصلّي الرجل شيئا من الفروض راكبا؟ فقال: لا إلا من ضرورة). «1»

وجه الاستدلال هو أن قوله في الرواية الأولى (لا يصلّي على الدابة الفريضة) و قوله في الثانية (أ يصلّي الرجل شيئا من الفروض) تدلّ على أن الفريضة لا يجوز إتيانها على الدابة أو راكبا، و المراد من الفريضة ليس خصوص الفرائض المعهودة، بل إطلاقها يشمل كل فريضة، و منها هذه الفريضة، و هي النافلة صارت فريضة بالعرض.

و في قبال الروايتين وردت رواية اخرى، و هي ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام (قال: سألته عن رجل جعل للّه عليه أن يصلّي كذا و كذا، هل يجزيه أن يصلّي ذلك على دابته و هو مسافر؟ قال: نعم). «2»

و هذه الرواية تدلّ

بظاهرها على جواز نافلة المنذورة على الدابة، فإن فرض إطلاق للروايتين المتقدمتين، فيقيّد إطلاقهما بهذه الرواية، فمقتضى الجمع بينهما و بين هذه الرواية هو جواز إتيان هذا القسم من النافلة على الراحلة، فلو لم يكن وجه آخر لجواز إتيان نافلة المنذورة على الراحلة، لكفي لنا هذه الرواية.

و ربّما يتوهّم أنّ النسبة بين الروايتين و بين هذه الرواية تكون عموما من وجه، لأنّ الروايتين أعم من حيث شمولهما لما هو فرض ذاتا و ما هو فرض بالعرض، و خاص باعتبار دلالتهما على عدم جواز إتيان الفريضة على الدابة راكبا في خصوص غير حال الضرورة، و أمّا في حال الضرورة فيجوز إتيان الفريضة

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 14 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 14 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 239

بمقتضى الروايتين، و رواية علي بن جعفر اعم من جهة، و هي ظهورها في جواز إتيان نافلة المنذورة على الدابة حتّى في غير حال الضرورة، و أخص باعتبار كون موردها خصوص نافلة المنذورة، فإذا كانت النسبة بينهما عموما من وجه فلم قدّمت رواية علي بن جعفر عليهما و قيدت بها الروايتين، بل يمكن العكس و تكون النتيجة جواز إتيان نافلة المنذورة على الدابة في خصوص حال الضرورة، فما وجه ما قلت من تقييدهما بهذه الرواية حتّى كانت النتيجة جواز اتيان نافلة المنذورة على الدابة مطلقا.

و لكن هذا توهّم فاسد، لأنه أولا يمكن منع شمول الفريضة الواردة في الروايتين على اختلاف التعبير فيهما للمورد، و كون إطلاق لهما يشمل المورد، لإمكان منع ذلك.

و ثانيا لو فرض تسليم ذلك نقول: بأنّ مورد تعارض الروايتين مع رواية علي بن جعفر يكون في

النافلة المنذورة في غير حال الضرورة، لأنه لو كانت الضرورة فلا إشكال في الجواز و إن كانت الصّلاة فريضة اصلية فالتعارض فى هذا المورد، لأنّ مقتضى إطلاق الروايتين عدم جواز إتيان نافلة المنذورة في غير حال الضرورة، و مقتضى إطلاق هذه الرواية جواز اتيانها في غير حال الضرورة.

فإذا كان الأمر كذلك، فحيث ان الميزان في مقام الجمع الدلالى هو الأخذ بأقوى الظهورين بحكم العرف، فنقول: بأنّه نرى أنّ رواية علي بن جعفر بحسب ظاهرها أقوى ظهورا لشمولها لمورد غير الضرورة من الروايتين، بل يمكن ادعاء أنّ نظر السائل فيها إلى خصوص حال غير الضرورة، خصوصا لو قلنا: بأنّ مثل علي بن جعفر- مع كون مسئلة جواز الصّلاة على الراحلة من المسائل الّتي مورد

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 240

تعرض العامة- فهو كيف لا يدري مع جلالته بأنّ الصّلاة حتّى الفريضة يجوز اتيانها على الراحلة حال الضرورة، فلا بدّ و أن يكون سؤاله راجعا إلى مورد نذر النافلة في غير حال الضرورة، فعلى هذا تكون الرواية نصا في غير مورد الضرورة، فتقدم على الروايتين بلا إشكال لأنّهما مطلقتان و هي مقيّدة.

هذا كله بمقتضى ما يستفاد من الروايات في الباب، و يمكن أن يقال: بعدم شمول بعض الروايات الدالة على عدم جواز إتيان الفريضة على الراحلة في غير حال الضرورة للنافلة الّتي صارت واجبة بالعرض بأن يقال: إنّ ما يدلّ من الروايات على عدم إتيان الفريضة على الراحلة في غير حال الضرورة فيه احتمالان:

الاحتمال الأول: أن يكون المراد من الفريضة هي الطبائع المعنية في الخارج مثل الفرائض اليومية، فتكون الروايتان في مقام بيان عدم جواز إتيان هذه الطبائع مع عدم الضرورة على الراحلة، و على هذا تكون

الفريضة في الرواية الأولى و المفروض في الرواية الثانية إشارة إلى الطبائع المعينة الّتي تكون فريضة، فإن كان الأمر هكذا فلا يشمل لفظ الفريضة و الفروض إلا هذه الطبائع، و لا يشمل للنافلة المنذورة.

و بعبارة اخرى يكون المراد من الفريضة و المفروض ما كان فرضا ذاتا لا ما صار واجبا بالعرض، فإن النافلة المنذورة نافلة واجبة لا الفريضة.

[المراد من الفريضة ما كان ذاتا واجبا لا بالعرض]

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من الفريضة و المفروض في الروايتين ما يكون فرضا غير مشير إلى الطبائع المعينة، و بعبارة اخرى ما هو فرض فعلا، و إن لم يكن فرضا ذاتا، فيشمل النافلة المنذورة أيضا لانها فريضة فعلا.)

و الأقوى الاحتمال الأول، فإنّ الفريضة بحسب إطلاقها تكون إشارة إلى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 241

الطبائع المعينة، فلا تشمل للنافلة المنذورة، و بعبارة اخرى الفريضة تكون ما هي فريضة ذاتا، لا ما تكون فريضة فعلا.

فنقول: قد تحصل أن النافلة الّتي عرضها الوجوب يجوز إتيانها على الراحلة حتى في غير حال الضرورة.

أما الكلام في المورد الثاني أعنى: في الفريضة الّتي صارت نفلا بالعرض مثل الفريضة المعادة، فنقول: إنّه لا يبعد عدم جواز إتيانها على الراحلة في غير حال الضرورة، لأنّ شمول الادلة الدالة على إتيان النافلة على الراحلة حتّى مع عدم الضرورة لما نحن فيه غير مسلم، مضافا إلى أنّ ما بينا لك في المورد الأوّل من أنّ الظاهر من الفريضة بنظر العرف يكون إشارة إلى الطبائع المعينة الّتي تكون فريضة لا إلى كل ما يصير واجبا، كذلك نقول: بأنّ الظاهر من النافلة، الطبائع بحسب وضعها الشرعي تكون نافلة، و بعبارة اخرى نافلة ذاتا لا ما صار نفلا بالعرض.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 242

هذا تمام الكلام في هذه المسألة

و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلى اللّه على رسوله و آله و سلم.

هذا تمام المباحث الّتي تعرّضها سيدنا الاستاد مدّ ظله في القبلة، و قد قرّرنا ما أفاده مد ظله مع بعض ما خطر ببالي القاصر، و قد فرغ من المباحث المتعرضة لها في القبلة في اليوم الرابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 1370 و أنا الاقل على الصافي الگلپايگاني اللهم اجعل عواقب امورنا خيرا.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 243

المقدّمة الرابعة: في الستر و الساتر

اشارة

و بعد لما فرغ سيدنا المعظم و استادنا الاعظم آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي متعنا اللّه بطول بقائه عن المباحث المتعلقة بالقبلة، شرع في اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 1370 في المباحث الراجعة إلى الستر و الساتر، و أسأل اللّه لأنّ يوفقني لفهم ما يقول مد ظله، و تحريره مع ما يخطر ببالي القاصر، و يجعلني من أهل العلم و العمل، و يوفقني لترويج دينه و يجعل عاقبة أمري خيرا.

فنقول بعونه تعالى يقع الكلام:

تارة فى الستر أعنى ما يجب على المكلف ستره من بدنه امّا بالوجوب النفسى و اما بالوجوب الشرطى:

فالاوّل: ما يجب على كل مكلف ستره من بدنه مطلقا و لو في غير حال الصلاة و معنا وجوبه النفسى أنّه يستحق الثواب على فعله و العذاب على تركه.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 244

و الثّاني: ما يجب عليه ستره من بدنه حال الصلاة بالوجوب الشرطي أعنى لو ستر هذا المقدار من بدنه فقد أتى بشرط صلاته، و إن لم يستر حال الصّلاة و صلّى بدون ذلك، فصلاته فاقدة للشرط، و ليس على ترك نفس هذا الشرط عقاب، بل الثواب و العقاب يدور مدار إتيان الصّلاة واجدة

للشرائط و عدم اتيانها.

و تارة في الساتر أعنى: ما به يستر المكلف نفسه، و فى هذا المقام ليس السّاتر بما هو ساتر مورد الكلام، و إن كان كلام في هذا المقام فيكون في اللباس الذي يلبس المكلف و لو لم يستر به، فيقع الكلام في أنّ اللباس الّذي يصير ساترا لا بدّ و أن يكون خاليا عن بعض الموانع، و يأتي الكلام فيها إن شاء الله، ففي هذا المقام يقع الكلام في ما هو مانع.

إذا عرفت ذلك ظهر لك ما هو السر في التعبير في كلماتهم بأنّ الكلام يكون في الستر و الساتر، لأنّ البحث في الستر من حيث غير ما يبحث في الساتر فافهم.

و اعلم أنّ الكلام ليس في مقدار يجوز النظر على المكلف من الرجال و النساء، و ما لا يجوز النظر، بل الكلام في الستر الواجب عليهم، فإن ثبت وجوب الستر في مورد أو عدمه في مورد آخر، فلا يلازم ذلك مع عدم جواز النظر و جواز النظر به، إذ ربما قلنا بوجوب الستر في مورد، و لم نقل بعدم جواز النظر إليه، أو قلنا بعدم وجوب الستر و لكن قلنا بحرمة النظر إليه.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 245

المورد الاوّل: يقع في الستر
اشارة

ثمّ إنّ الكلام في المورد الأوّل اعنى فى الستر يقع في مقامين:

المقام الأول: في المقدار الّذي يجب على المكلف ستره من بدنه مطلقا و لو في غير حال الصّلاة.

و المقام الثاني: في المقدار الّذي يجب ستره من بدنه في خصوص حال الصّلاة.

أما الكلام في المقام الأوّل فنقول- بطريق الاختصار، لأنّ المقام ليس مقام تعرضه بنحو المستوفي- إنّ التكلم في هذا المقام يقع تارة في الستر الواجب على الرجال، و تارة يقع في الستر

الواجب على النساء.

[يقع الكلام في مفاد آية الشريفة من سورة النور الآية]

أما الستر الواجب على الرجال، فنقول: اعلم أنّ المسلم عند المسلمين من الخاصة و العامة هو وجوب ستر العورتين على الرجال بمعنى: وجوب ستر القضيب و الانثيين و المقعد، و هذا المقدار مسلم عند الفريقين، و يدل على ذلك قوله تعالى في

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 246

سورة النور قال عزّ من قال قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ الخ «1» فأوجب سبحانه تعالى غضّ البصر عليهم، و حفظ فروجهم، و نحن نتكلم في الجهات الراجعة إلى مفاد الآية في طي امور:

الأمر الأول: يقع الكلام في مفاد قوله تعالى يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ فقال الأخفش بكون (من) في قوله (من ابصارهم) زائدة، و قال بعض بكون (من) هنا للتبعيض، فان كانت من زائدة فتكون المعنى انّه يجب غض أبصارهم، و إن كانت من هنا للتبعيض فإمّا يكون التبعيض باعتبار الابصار أعنى: يجب الغض عن ابصار بعض الامور، و ليس الأمر بحيث يجوز ابصار كل شي ء، و لا أن يكون الحرام ابصار كل شي ء، بل الابصار جائز إلى بعض الاشياء و حرام بالنسبة إلى بعض الاشياء، و إمّا يكون التبعيض باعتبار المبصر (بالفتح) أعنى: لا يجوز أن ينظر المرء إلى كل ما يكون مبصرا.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه لا يمكن أن يقال: بعدم جواز النظر إلى كل شي ء على المؤمنين باعتبار أن اللّه تعالى يقول (يغضوا من أبصارهم) فهو عز شانه لم يعين مورد عدم جواز النظر، و حذف المتعلّق يفيد العموم، فلا يجوز النظر إلى شي ء من الاشياء، لأنّ بطلان ذلك مسلم من الدين، لأنه بالضرورة يجوز النظر إلى بعض الاشياء، فوجوب الغض لا إشكال في كونه بالنسبة إلى بعض المواضع

و بعض الأشياء، كما أنّ (من) إن كانت للتبيض يقتضي ذلك.

و ما يمكن أن يقال فى هذا المقام هو انّه إذا لوحظ قوله تعالى (يغضوا من

______________________________

(1)- سورة النور، الآية 30.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 247

أبصارهم) مع قوله (و يحفظوا فروجهم) ترى أن البلاغة تقتضي كون مورد وجوب الغض هو المورد الّذي يجب حفظه من أن ينظر إليه، فكأنّ اللّه تعالى في مقام إثبات أمرين: أحدهما وجوب حفظ الفرج من أن ينظر إليه، و ثانيهما وجوب الغض عن ذلك، يعني لا تنظر إلى عورة الغير، و لا تجعل عورتك معرضا لأنّ ينظر إليه، بل أستره عن الناظر، فالبلاغة مقتضية لأنّ نقول: ان المراد هو وجوب غض البصر عن عورة الغير فبناء على هذا ما يأتي بالنظر هو كون المراد وجوب غض البصر على الرجال عن عورات غيرهم، لا وجوب غض البصر مطلقا عن كل شي ء، لعدم وجوب في ذلك بالضرورة من الدين، نعم بمقتضى شان نزول آية المباركة هو وجوب الغض على الرجال أزيد من عورات النساء، لأنّ رواية 4 من الباب 104 من أبواب النكاح من الوسائل تدلّ على ذلك، فارجع الرواية.

[في وجوب ستر العورة على الرجال]

الأمر الثاني: اعلم أن الواجب على الرجال هو ستر العورتين بمعنى وجوب ستر القضيب و الانثيين و المقعد، و هذا المقدار كما قلنا مسلم عند الفريقين، و المشهور عند العامة وجوب الستر من السرّة إلى الركبتين، بل قال أبو حنيفة بوجوب ستر نفس الركبتين أيضا و المقدار الثابت من الآية أيضا هو العورتين، لأنّ قوله (و يحافظوا فروجهم) و ان كان المراد من الفرج لغة معنى أخص من شموله لكلا العورتين إلا ان الفرج بحسب إطلاقه العرفي يطلق على العورتين.

الأمر الثالث: يقع

الكلام في الناظر الّذي يجب على الرجال ستر العورة منه، لا إشكال في وجوب الستر عن النساء، و كذا الرجال، و كذا الصبي المميز، و أمّا الصبي الغير المميز الّذي لا يلتفت إلى هذه الخصوصيات، و لم يكن فرق في شعوره بين العورة و غيرها فوجوب الستر عنه غير معلوم، و أمّا المجنون فإن كان مثل الصبي

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 248

الغير المميز، فهو أيضا وجوب الستر عنه غير معلوم، لعدم اطلاق لقوله (و يحافظوا فروجهم) يشمل لهذا المجنون، و أمّا المجنون الّذي له المشاعر، و مع جنونه يتلفت إلى هذه الخصوصيات، فلا يبعد وجوب ستر العورة عنه، و كذلك يجب ستر العورة عن الخنثى على الرجال.

و أمّا الكلام في أنّه يجب الستر في خصوص صورة العلم برؤية الناظر، أو مع الظن بذلك، أو حتّى مع الاحتمال فيأتي الكلام فيه بعد التكلم في وجوب الستر على النساء، و الجهات الراجعة إليها بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى.

هذا تمام الكلام في الجهات الراجعة إلى الستر الواجب على الرجال بطريق الاختصار.

[الكلام في الستر الواجب على النساء]

و أمّا الكلام في الستر الواجب على النساء فنقول: إنّه تارة يقع الكلام يستفاد من بعض الآيات الشريفة، و تارة يقع الكلام في ما يستفاد من الروايات.

أما الكلام في بعض الآيات فنقول: قال اللّه تعالى في سورة النور «1» قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ الخ.

تدلّ الآية على وجوب غض البصر عليهنّ و ستر الفروج، لأنّ المراد من حفظ الفرج هو الستر، كما يدلّ عليه ما روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام على

ما في مجمع البيان «2» المستفاد منه أن كل آية من الآيات القرآنية الّتي فيها حفظ الفرج، فالمراد

______________________________

(1)- سورة النور، الآية 31.

(2)- مجمع البيان، ج 7 و 8، ص 138.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 249

منه حفظه عن الزنا إلا هذه الآية، فإن المراد منه ستره، و المراد من قوله (و لا يبدين زينتهن) ليس النهي من ابداء نفس الزينة، لأنّ إظهارها بدون أن تكون في البدن لا مانع منها، فإنه لا يحرم إبداء الخلخال مثلا بنفسه، بل المراد عدم جواز إبدائها إذا كانت في مواضعها، فالنهي يكون من الزينة الواقعة في مواضعها من البدن كما أنّ المناسب ذلك، لأنّ إظهارها فى حال وقوعها في مواضعها موجب لتهييج الشهوة، و لكن استثنى منها ما ظهر منها، و يأتي الكلام إنشاء اللّه في ما هو المراد ممّا ظهر منها.

و المراد من قوله (وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ) كما يظهر من بعض التفاسير أيضا هو القاء الخمار أعنى: المقنعة و بالفارسية (چارقد) على صدورهن و لا يصنعن كما تصنع قبل ذلك من إلقاء ذيل الخمار و أطرافه على ظهورهن بحيث يكشف بذلك جيوبهنّ و صدورهن، بل وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ يعني:

يسترن صدورهن بالخمار، و امّا أنّه تعالى تكرر قوله (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) فلعله كان قوله أولا (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) لبيان عدم جواز إبدائها إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا، و ذكره ثانيا كان لاجل أن يعلمن انّه لا يجوز إبداء الزينة إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ الخ، فهذا ما يستفاد من الآية، و ما ينبغي أن يقال فيها بنحو الاجمال.

و قوله تعالى في سورة الاحزاب يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ

ذٰلِكَ أَدْنىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلٰا يُؤْذَيْنَ وَ كٰانَ اللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً «1» الجلباب أكبر من خمار المرأة، و هو الّذي يغطي رأسها و وجهها، فالظاهر من قوله تعالى هو وجوب ستر الرأس و الوجه بالجلباب، لأنّ المراد من قوله (يدنين عليهن) هو الستر على أنفسهنّ بالجلباب، كما يقال: أدنى عليك ثوبك كما قال

______________________________

(1)- سورة الاحزاب، الآية 59.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 250

الكشاف، أي: أرخى عليك ثوبك، و الجلباب بعد ما يكون ثوبا يغطي الرأس و الوجه، فالمراد ستر الوجه و الرأس بالجلباب، فيستفاد من هذه الآية وجوب ستر الرأس و الوجه بالجلباب.

[الكلام في الروايات الواردة في الباب]

أما الكلام في الروايات فنقول: ان الكلام في الروايات المتمسكة بها لوجوب ستر تمام البدن على المرأة حتّى الوجه و الكفين، بعد ما لا إشكال في وجوب ستر غير الوجه و الكفين على النساء بالضرورة عند المسلمين من الخاصّة و العامة، فنحن نكون في مقام بيان ذكر ما يمكن أن يستدل بها على وجوب الستر على النساء الوجه و الكفين فنقول:

منها ما روي في طرق العامة (المرأة عورة) و على نقل بعضهم (جسد المرأة عورة) أو (بدن المرأة عورة) أو (النساء عورة) و روي أيضا في طرقنا، فقد روي هذا المضمون على اختلاف في اللفظ مع إضافة في رواياتنا.

أحدها: ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال: قال عليه السّلام: إنما النساء عىّ و عورة فاستروا العورة بالبيوت و استروا العي بالسكوت.) «1»

و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذكر مثله، إلا انّه ترك

لفظ إنما، و رواه الشّيخ في المجالس و الاخبار باسناده عن هشام بن سالم مثله.

ثانيها: ما رواها محمد بن الحسن في المجالس و الاخبار تنتهي سندها إلى فاطمة بنت الحسين عن أبيها عن جدها علي بن ابى طالب عليه السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 24 من أبواب النكاح من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 251

النساء عيّ و عورات فداووا عيّهنّ بالسكوت و عوراتهنّ بالبيوت). «1»

ثالثها: ما رواها محمد بن يعقوب و تنتهي سندها إلى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تبتدءوا النساء بالسلام، و لا تدعوهن إلى الطعام فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: النساء عيّ و عورة فاستروا عيّهنّ بالسكوت و استروا عوراتهنّ بالبيوت.) «2»

أما ما روى في طريق العامة (النساء عورة) أو (جسد المرأة) أو (بدن المرأة) أو (المرأة عورة) فهي و ان كانت من النبويات و النبويات إذا لم تكن في طرقنا ضعيفة في حدّ ذاتها إلا أنّ هذه الرواية منجبرة بعمل أصحابنا حتّى أن العلّامة (ره) قال في المنتهى عند التعرض لمسائل الستر (مسئلة: و جسد المرأة البالغة الحرة عورة بلا خلاف بين كل من يحفظ عنه العلم لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المرأة عورة الخ) فهذا الكلام أعنى: قوله بلا خلاف بين كل من يحفظ عنه العلم، كاف في انجبار ضعف سند الرواية، مضافا إلى ورود هذا المضمون مع اختلاف يسير في طرقنا، و هي الروايات الثلاثة المتقدّمة.

[الكلام في تشبيه النساء بالعورة]

أما الكلام في دلالة هذه الرواية و هي (المرأة عورة أو بدن المرأة

أو جسد المرأة أو النساء عورة) فنقول: إنّه من الواضح أنّ العورة عبارة عن السوأة، و من الواضح أنّه ليست المرأة عورة بهذه المعنى، فإذا كنّا نحن و هذا الاطلاق مع ما يرى من المراد من العورة عند العرف، فهو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شبه النساء بالعورة، و ما يكون وجه شبهه بحسب نظر العرفي، هو أنّ العورة كما تجب سترها و لا يجوز كشفها، كذلك يجب

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 24 من أبواب النكاح من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 131 من أبواب النكاح من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 252

ستر النساء.

و هذا البيان أبلغ تشبيه و أحسن بيان في التشبيه، لأنّ التشبيه تارة يكون بألفاظ الدالة على التشبيه، و تارة من غاية الشباهة بين المشبه و المشبه به يلقى المتكلم ألفاظ الدالة على التشبيه، و يحمل المشبه على المشبه به فتارة يقول: زيد كالاسد، و تارة يقول: زيد الاسد، فالثاني دليل على قوة الشباهة عند المتكلم و البلاغة في هذا النحو، فهو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يقل (المرأة كالعورة) بل قال (المرأة عورة) فبعد معلومية عدم كونها عورة حقيقة، فنفهم من هذا الاستعمال تنزيل المتكلم المرأة منزلة العورة، فبعد ما نرى من انّه نزّلها منزلة العورة و شبهها بها، فلا بدّ من كونها بنظر المتكلم شبيهة بها في جهة، فإذا نعرض هذا الكلام و هذا التشبيه بالعرف انّه أي شبه من شبهها أظهر من غيرها بالعورة، فنرى بنظر العرفي أن وجه شبه الظاهر هو كونها مثلها في لزوم التستر خصوصا مع صدور هذا الكلام من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فهو بمقتضى

شارعيته لا يرى من وجه تشبيه المرأة بالعورة إلا كونها مثلها في وجوب السّتر.

فعلى هذا نقول: بأنّه بعد ما بينا، يستفاد من الرواية أن المرأة يجب سترها، فيجب أن تكون مستورة بتمام بدنها من الرأس و الوجه و اليدين و ساير بدنها، لأنه قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (المرأة عورة) و لم يختص كونها عورة بغير وجهها و كفّيها، خصوصا إن كان الوارد (جسد المرأة) أو (بدن المرأة) فهو أظهر في إثبات كون الحكم لتمام بدنها، لأنّ وجهها و كفّيها من بدنها و جسدها أيضا، هذا كله في ما ورد في طرق العامة من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (المرأة عورة) أو تعبيرات اخر.

[في ذكر الروايات الواردة بطرقنا]

و أمّا الكلام في ما وردت في طرقنا، و هي ما ذكرناها، تدلّ على أنّ كلام

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 253

الصادر منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان (النساء عيّ و عورة فاستروا العورة بالبيوت و استروا العيّ بالكسوت) أو باختلاف يسير في روايتي الأخرى المتقدمة ذكرهما، فنقول: بأنّه يستفاد منها ان النساء عيّ و عورة فكما قلنا يظهر ان النساء شبيهة بالعورة لعدم كونهنّ عورة حقيقة، و وجه التشبيه ليس إلا من باب أن العورة كما يجب سترها كذلك النساء، و قال في الذيل (فاستروا العورة بالبيوت) فهذا شاهد على كون التشبيه و كونها منزلة العورة في لزوم الستر، فلذا قال (فاستروا العورة بالبيوت) و هذا غاية الاهتمام بسترهم، لأنهنّ إن وقفن في البيوت فأجود في سترهن، و لهذا امر بسترهن بأعلى مرتبة كي تستر وجوههنّ و ساير أعضائهن، فبناء على كون كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما

يكون في طرقنا فأيضا يستفاد وجوب الستر من الروايات على النساء حتّى الوجه و الكفين. «1»

______________________________

(1)- أقول: و بعد ما أفاده مد ظله في هذا المقام، و بيّن لتوجيه الرواية بنحو تفيد وجوب ستر تمام البدن حتّى الوجه و الكفين على النساء، بيانا شافيا، عرضت عليه بعض ما خطر بذهني من الاشكال، فقلت: أولا ان كون إطلاق العورة على المرأة في الرواية إطلاقا تنزيليا و بعنوان التشبيه يصح، إذا لم يكن في البين معنى مناسبا للاستعمال في المعنى الحقيقي، و أمّا إن كان في البين معنى يصح حمل اللفظ على المعنى الحقيقي، فلا حاجة إلى التكلف و كون الحمل على وجه التشبيه.

فنقول: ان العورة على ما نرى في كلام اهل اللغة ليست معناها منحصرة بالسوأة أعنى:

بالمعنى المصطلحة عند العرف، و ما يتبادر من هذا اللفظ حين إطلاقها في نظرهم فعلا، بل على ما ذكر أهل اللغة، كما يرى، لها معان اخر: منها أن العورة كل أمر يستحيي منه، و كل أمر ممكن للستر، و كل شي ء يستره الإنسان من اعضائه انفة و عفة و حياء و الخلل في الثغر و غيره، و غير ذلك.

فعلى هذا ما يناسب من هذه المعاني مع هذا الكلام، يمكن أن يكون ما يستحيي منه، أو ما يرى من مجمع البيان (7- 8 ص 347) عند ذكر تفسير آية، أو بعدها في سورة الاحزاب قال: و العورة كل شي ء يتخوف منه في ثغر أو حرب، بناء على هذا قال: بأن قوله تعالى (و يقولون إن بيوتنا عورة و ما هي بعورة) يقولون إن بيوتنا غير حصينة، فيحتمل أن يكون معنى من معاني العورة كل ما يتخوف منه لجهة.

فعلى هذا يمكن أن

يقال: بأن إطلاق العورة على المرأة يمكن أن يكون إما من باب أنّ المرأة بحسب وضعها ممّا يتخوف منه، لكونها معرضا لوقوع الشهوة، و الايقاع في الشهوة أو من باب أنّه ممّا يستحيي منه، كما يرى أنّ كل من يكون صاحب الغيرة يستحيي منه، فعلى هذا لا حاجة إلى كون هذا الاطلاق في الرواية تشبيها بالعورة بمعنى السوأة، فإن كنا نحن و نفس قوله (المرأة عورة) فيمكن كون المراد منه أن المرأة ممّا يستحيي منها، أو يتخوف منها أعنى: ينبغي الاستحياء منها، أو ينبغي التخوف منها، يعني: يواظب عنها، لكون وضعها ممّا يتخوف منها لكونها معرضا للفتن و الشهوات.

فعلى هذا تكون هذه الرواية من الأوامر الاخلاقية الدالة على التعفف، كما ينادي بذلك بعض الروايات، و إن كانت الرواية ما وردت في طرقنا فالاولى بالمطلوب، لأنّ الذيل شاهد على ذلك، فانه ليس حبسهنّ في البيوت و سترهن في البيوت واجب مسلما، فهذا شاهد على بيان شدة الاهتمام بالمواظبة عنهن، فلا يستفاد منها وجوب سترهن حتّى وجوههنّ و كفوفهن.

و ثانيا لو سلم أنّ اطلاق العورة على المرأة كان تشبيها بالسوأة، و لكن نقول: ما ادعى مدّ ظلّه من كون أظهر وجوه الشبه هو تشبيهها بالعورة في وجوب الستر، لأنه لا يمكن دعوى كونها منزلة العورة في جميع الآثار و الاحكام يمكن عدم تصديقه، لأنه يمكن كون وجه التشبيه هو وجوب التحفظ، فكما يجب حفظ الفرج من الوقوع في الفجور، كذلك يجب حفظ النساء بحيث لا يقعن في الفجور و المعاصي، أو كما لا يجوز النظر إلى العورة كذلك لا يجوز النظر إلى النساء، و أنى ذلك و وجوب ستر الوجه و الكفين عليهن.

و ثالثا مع قطع النظر

عن ذلك كله و تسليم كونها العورة أي كالسوأة، إذا نراجع إلى وضع

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 255

[في ذكر الرواية الّتي نقلها في مجمع البيان]

و من الروايات المتمسّكة بها على وجوب ستر مطلق البدن عليهنّ حتّى الوجه و الكفين، الرواية الّتي نقلها في مجمع «1» البيان عند ذكر آية (و القواعد من النساء الخ) في سورة النور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: للزوج ما تحت الدرع، و للابن و الاخ ما فوق الدرع، و لغير ذي محرم أربعة أثواب درع و خمار و جلباب و إزار.

اعلم، أن الدرع القميص و بالفارسية (پيراهن)، فالمراد أن للزوج ما تحت

______________________________

النساء، و أنهنّ بحسب خلقتهنّ فتنة، و لا فرق في ذلك كونهنّ ساترات الوجوه أو لا، بل نفس ارائتها و لو مع ستر الوجه معرض للشهوات و الآفات، بل في هذا الحيث صرف منظر حجمها و قامتها مورث للفتنة، و لعل أن ما ورد في بعض الروايات المستفاد منها الأمر بحبس النساء في البيوت، أو عدم رجحان اختلاطهن، حتّى تكلمهنّ مع الرجال، يكون لأجل هذا.

و رابعا على ما في نقل مسعدة بن صدقة قال في ذيل الرواية (فاستروا عوراتهنّ بالبيوت) فإن كانت المرأة عورة بتمامها يجب سترها فلم قال (فاستروا عوراتهنّ بالبيوت) فهذا الكلام شاهد على أن ما يجب سترها عليهم هو عوراتهن، و لا مطلق بدنهن.

و بعد ما أوردنا ما خطر ببالنا أجاب سيدنا الاستاد مد ظله، و أعاد ما أفاده في وجه كون المراد من الرواية هو وجوب ستر تمام البدن على النساء، و قال: لا يبعد أن يكون هذا الكلام الصادر منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، مع كون وضعه بحسب شارعيته في

مقام بيان الحكم، أن وجه الظاهر الّذي تشبه النساء بالعورة، هو كونهنّ مثل العورة في وجوب الستر، مع انّه إن كان إطلاق العورة عليهنّ من باب كونهنّ ممّا يستحيي منهن، فأيضا يمكن أن يستفاد وجوب الستر عليهنّ من هذه الرواية، فإنّه على هذا يكون المراد أن النساء يستحيي منهن، أو مكمونات للستر، أو ما يتخوف منهنّ، فأيضا ليس غرضه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفس الإخبار بذلك، بل يكون في مقام بيان الحكم، فأيضا يمكن أن يقال: بأنّه يستفاد من هذا الكلام وجوب الستر عليهنّ حتّى الوجه و الكفين، خصوصا مع ما في ذيلها على ما في طرقنا من قوله (فاستروا العورة بالبيوت) فمن هذا يستفاد ان النظر في قوله (النساء عيّ و عورة) يكون إلى وجوب سترهنّ، و إن فرض كون ستر هنّ في البيوت لم يكن واجبا، لكن في صورة وجود الناظر يجب الستر عليهنّ. (المقرر)

(1)- مجمع البيان، ج 7 و 8، ص 105.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 256

القميص، فيحل له تحت قميص زوجته، فهذا المقدار مقدار ينحصر له (و اقله يكون كناية من جواز الحظ منها حتّى بما تحت القميص من تمام بدنها) و يجوز للأب و الأخ ما فوق القميص، يعني: هذا المقدار هو المقدار الّذي لهما، و لا يجب على المرأة التستر منهما في هذا المقدار، و لغير ذي محرم أربعة أثواب يعني: يجب التستر على النساء لغير ذي محرم بأربعة أثواب: الدرع و هو القميص، و هو يستر البدن إلا الرأس و مقدار من الصدر إلى القدمين، بل لعل كان القميص المتداول سابقا بحيث يجر ذيله في الأرض، فلا يظهر معه حتّى القدمين، و الخمار و هو

المقنعة يستر الرأس و الجيب و الصدر، غاية الأمر حيث كان تلقى بعض النساء أطراف الخمار على ظهورهن، فقال اللّه تعالى (و ليضربن بخمرهن على جيوبهن) يعني يسترن بالخمار و يضعن أطرافه بحيث يستر به الصدر، فيستر به لو القى أطرافه الجيب و الصدر، و الجلباب كما قلنا هو ثوب يكون أكبر من الخمار يستر به الرأس و الوجه، و الازار ثوب يغطي به و يستر به تمام البدن، و يكون تقريبا مثل ما نقول بالفارسية (چادر).

فيستفاد من ذلك أن المرأة يجب ستر بدنها من غير ذي محرم بهذه الأثواب الأربعة، و إذا وجب الستر على المرأة بهذه الأربعة مع ما يستر هذه الأثواب الأربعة، فيستر جميع البدن حتّى الوجه و الكفين، فتدل الرواية على ستر جميع البدن على المرأة حتّى الوجه و الكفين، و هو المطلوب. «1»

و من الروايات المتمسك بها لوجوب ستر جميع البدن على المرأة حتّى الوجه و الكفين ما ورد في باب كيفية إحرام المرأة، و هي ما رواها الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة، فقال: احرمي و اسفري و ارخي

______________________________

(1)- أقول: و لم يتعرض مد ظله لسند الرواية و أن سندها صحيح أولا. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 257

ثوبك من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك، فقال رجل: إلى اين ترخيه؟

قال: تغطي عينها، قال: قلت: تبلغ فمها، قال: نعم.) «1»

و بهذه الرواية كما تمسك لوجوب الستر حتّى الوجه و الكفين على المرأة الرواية، تدلّ على أن النقب عليها غير جائزة حال الاحرام بالخصوص، فإن كان كشف الوجه جائزا عليها مطلقا لم يقل الإمام عليه السّلام

(احرمي و اسفري و ارخي ثوبك من فوق رأسك) فيستفاد أن هذا الحكم أعنى: الاسفار مخصوص بهذا الحال خصوصا مع ما قال بعد ذلك (فانك ان تنقبت لم يتغير لونك)، فيستفاد بأن البناء في حال الاحرام حيث يكون على الارتياض، و تحمل المشاق، و العمل على خلاف الميول النفسانية، كما يرى من غير ذلك من بعض محرمات حال الاحرام، فامرت النساء بعدم النقب لأجل أن تغير وجههنّ من شعاع الشّمس، فلحال الاحرام خصوصيّة جوزت كشف الوجه بخلاف غير حال الاحرام.

كذلك تمسك لعدم وجوب ستر الوجه على النساء بدعوى أن قول من سئل كما في الذيل الرواية (فقال رجل: إلى أين ترخيه؟ فقال تغطي عينها قال: قلت: يبلغ فمها، قال: نعم) يدلّ على جواز كشف الوجه في الجملة، لأنه بعد ما امر بتغطية عينها و إرسال الثوب و إرخائه من فوق رأسها إلى عينها و فمها فيجوز كشف ما دون الفم. «2»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 48 من أبواب تروك الاحرام من الوسائل.

(2)- أقول: و قد تعرض سيدنا الاستاد مد ظله للرواية و قال فقط: بأنّه تمسك بها لكل من طرفى المسألة و لم يتعرض لدفع ما توهّم من الاستدلال بها على جواز كشف الوجه على

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 258

و ممّا يؤيد المطلب، بل يمكن كونه دليلا ما ورد في بعض الروايات من وجوب تستر نساء المسلمين عن المرأة الغير المسلمة، معللا بأنهنّ يذكرن أوصافهنّ لرجالهن، فإذا كان ذلك مبغوضا، فكشف الوجه لنفس الأجنبي محرم مسلما، فهذا دليل أو مؤيد على وجوب الستر على النساء مطلقا حتّى الوجه و الكفين. «1»

[يجب الستر على المرأة كما قلنا في حاشيتنا على العروة و في الوجه و الكفّين بطريق الاحتياط]

فعلى هذا نقول: إنّه كما قلنا في حاشيتنا على العروة يجب الستر على المرأة

حتى الوجه و الكفين، غاية الأمر في غير الوجه و الكفين بطريق الفتوى، لأنّ هذا المقدار مسلم عند كل المسلمين، بل يعد من الضروريات، و بالنسبة إلى خصوص الوجه و الكفين بطريق الاحتياط الواجب رعايته، و نقول توضيحا- لئلا يتوهم أحد أنّ ما يرى في زماننا من خروج بعض النساء مكشفات بدون ساتر متبرجات يظهرن وجوههن، و رءوسهنّ و أيديهنّ و أرجلهنّ بوضع فجيع، يمكن كونه على وفق

______________________________

النساء، و لكن يظهر بما أفاده بطلان ذلك بأنّه مع دلالة الصدر على أن كشف الوجه يجوز في خصوص حال الاحرام كما أفاده مد ظله، فلا اشكال في أنّ الذيل لا ينافي مع الصدر، لأنه بعد أمر الإمام عليه السّلام بالاسفار و إرخاء الثوب و إرساله من فوق الرأس، سأل السائل بأنّه إلى أين ترخيه، ففي الحقيقة سئل عن الحد الّذي يجوز الارخاء، و عن الحد الّذي يجوز كشفه من الوجه في خصوص حال الاحرام، و جواب الامام عليه السّلام راجع إلى أنّ الارخاء يكون إلى العين، بل يبلغ الفم، و ما دونه يجوز كشفه فقط في حال الاحرام، فلا ينافي الصدر مع الذيل، فعلى هذا تكون الرواية دليلا على وجوب ستر الوجه على النساء، غاية الأمر هذه الرواية يخصص عموم وجوب ستر الوجه عليهنّ بحال الاحرام، بمعنى جواز ذلك بمقدار الّذي عيّن في هذه الرواية أو غيرها في خصوص هذا الحال. (المقرر)

(1)- أقول: و مما يدلّ على الوجوب تستر الوجه الرواية 10 من الباب 48 من أبواب تروك الاحرام من الوسائل، و هي ما رواها سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأله عن المحرمة، فقال: إن مربها رجل استترت منه بثوبها، و لا تستتر

بيدها من الشّمس الحديث. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 259

مذاق الشرع- بأن الستر في غير الوجه و الكفين على النساء واجب مسلما عند المسلمين من العامة و الخاصة، بل يعدّ هذا المقدار من الضروريات، فيوجب إنكاره الكفر، و كيف يمكن عد أمثال هذه النساء من المسلمين و داخلا في ربقتهم مع إنكارهنّ هذا الأصل المسلم، و حربهنّ مع اللّه و رسوله، و مخالفتهنّ لهما عيانا و جهارا، و هل هذا إلا إعلان الخلاف مع الدين.

نعم، إن كان خلاف يكون في خصوص وجوب ستر الوجه و الكفين، فيوجد من الفقهاء من أشكل في وجوب سترهما عليهن، و لكن مع ما بينّا من الآية و الروايات يظهر حالهما، و أنّ مقتضى الاستظهار من الآية و الروايات هو وجوب الاحتياط بالتستر في الوجه و الكفين على النساء.

[الكلام في جواز النظر و عدمه]

ثمّ إنّه كما يظهر من مطاوي كلماتنا تارة يقع الكلام في وجوب المقدار الّذي يجب ستره على النساء، و مضى الكلام فيه و تارة يقع الكلام في جواز النظر و عدمه، فهذا مقام آخر، فإن قيل فرضا: بعدم وجوب ستر الوجه و الكفين على النساء، فهذا لا يلازم مع جواز النظر، لأنّه- على ما هو الحق المستفاد من روايات كثيرة- لا يجوز النظر إلى بدن المرأة الأجنبية حتّى الوجه و الكفين، فإن قال أحد بعدم وجوب ستر الوجه و الكفين من الناظر المحترم على النساء، فلا يلازم ذلك لأنّ يقول: بجواز النظر إلى وجوههنّ و كفوفهن، مع ما قلنا بأن مع ما بينا في الآيات و الروايات لا يمكن تجويز كشف الوجه و الكفين عليهن، هذا تمام الكلام في الستر الواجب بالوجوب التكليفي بالمقدار الّذي يناسب التكلم فيه في هذا المقام.

[الستر الواجب على الرجال و النساء فيما اذا كان عالما بوجود الناظر مسلم]

ثمّ اعلم أن الستر الواجب على كل من الرجال و النساء في المقدار الّذي يجب ستره على الرجال و في تمام البدن على النساء، إنما يجب الستر في ما يكون عالما

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 260

بوجود الناظر الّذي يجب الستر منه، و كذا مع الظن بوجود الناظر، لأنّ معنى التحفظ عن الناظر و وجوب الستر عليهم من أن ينظر إليهم، هذا، بل و كذا مع الاحتمال المتساوي الطرفين، لأنّ في هذه الصورة يقتضي التحفظ و التستر بنظر العرف ذلك.

نعم، يبقى الكلام في صورة احتمال وجود الناظر مع كون الاحتمال احتمالا موهونا ضعيفا، فيكون احتمال عدم وجود الناظر أقوى و يظهر من صاحب الجواهر وجوب الستر حتّى في هذه الصورة.

اعلم أنّ مع العلم بوجود الناظر، و كذا مع الظن يجب الستر، و كذلك مع

كون معرضيته للنظر و إن كان بالاحتمال، و امّا لو لم تكن المعرضية، بل يكون احتمالا موهونا، ففي وجوب الستر في هذه الصورة و عدمه وجهان «1».

[في ذكر موارد اختلاف الستر الشرطي و الستر التكليفي في الصّلاة]

المقام الثاني: في الستر الواجب في الصّلاة بمعنى كونه شرطا في بحيث لو أتى بالصّلاة بدونه ما كان آتيا بالمأمور به، لكونها فاقدة للشرط، لا أن يكون بمخالفته مستحقا للعقاب، و بين هذا الستر الّذي يكون شرطا في الصّلاة، و بين الستر الواجب بالوجوب التكليفي في غير حال الصّلاة اختلاف في بعض الخصوصيات:

الأول: أنّ في الستر الواجب في غير حال الصّلاة لا تعتبر خصوصيّة في

______________________________

(1)- أقول: و لم يختر مدّ ظلّه وجوب الستر في هذه الصورة بنحو التسلّم و لكن الالتزام بوجوب الستر حتّى في هذه الصورة مشكل، لأنّ وجوب حفظ الفرج في الآية كان معناه الستر بمقتضى الرواية و وجوب الستر لا يقتضي الستر حتّى في هذه الصورة فلا بدّ من الاختصار في مورد عدم وجوب الستر بصورة العلم بعدم وجود الناظر و لا يأتى بنظر العرف من وجوب التحفيظ و التستر هذا المقدار من الستر، نعم كما ذكر سيد الاستاد مد ظله قال الشافعي: بوجوب الستر حتّى مع العلم بعدم وجود الناظر و هو دعوى بلا دليل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 261

الساتر، بل يكفي بأيّ شي ء كان حتّى بالوحل، أو باليد، او بالدّخول في الماء إن لم ير ما يجب ستره من تحت الماء، بخلاف الستر الّذي شرط في الصّلاة، فيجب فيه ساتر خاص حال الاختيار مثلا لا يجوز الطلى بالطين حال الاختيار.

الثاني: أنّ الستر الواجب بالواجب التكليفي لا يعتبر فيه إلا بحيث لا يراه الناظر، فلا يلزم كونه ملتصقا ببدنه، فلو وقع في

موضع و نصب ساترا، و لو بفواصل بينه و بين الناظر، ليكفي في حصول الستر، أو ستر نفسه بتوقفه في بيت مشدود الباب لا يراه أحد، بخلاف الستر الواجب في حال الصّلاة، فيجب ان يكون ملتصقا به بحيث يعد كونه لا بساله و لباسا له.

الثالث: أن المعتبر في الستر الواجب في غير حال الصّلاة هو ستر تمام البدن حتى الوجه و الكفين على النساء على ما بينا، و لكن لا يجب ستر الوجه و الكفين في الصّلاة، بمعنى عدم شرطية ستر الوجه حتّى للنساء في الصّلاة.

ثمّ اعلم أنّ الكلام يكون فعلا في الستر الّذي يكون شرطا في الصّلاة و ذكر بعض خصوصياته، و يكون كلاما آخر في بعض ما يكون لبسه مانعا للصّلاة، بمعنى اعتبار كون اللباس في حال الصّلاة ممّا لا يكون من أجزاء هذا البعض، مثل عدم كونه من أجزاء غير المأكول، أو الميتة، أو عدم كونه من الذهب و الحرير للرجال و غير ذلك.

و على كل حال لا إشكال في أنّ الستر الّذي شرط في الصّلاة بالنسبة إلى الرجال في المقدار ليس إلا ستر العورتين، لعدم الدليل على إلا زيد من ذلك، نعم ستر العجان أحوط و ان لم يكن دليل عليه، و كذلك لا يجب ستر غير العورتين بما بين السرة و الركبة على الرجال، لعدم اقتضاء دليل على ذلك و إن كان ذلك موافقا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 262

للمشهور بين العامة و نادر من فقهائنا.

[في ذكر الروايات في الستر الواجب على النساء في الصّلاة]

و أمّا الستر الّذي شرط في الصّلاة بالنسبة إلى النساء فنقول: لا إشكال بأنّ الواجب على المرأة الحرة ستر تمام البدن حال الصّلاة ما عدا الوجه و الكفين و القدمين، فإنّه يأتي الكلام فيها

بعد ذلك، أما شرطية ستر البدن ما عدا ما استثنى الذي يقع الكلام فيه بعدا، فيظهر من الروايات الواردة في الباب فنذكر الروايات أولا، ثمّ المقدار الّذي يستفاد منها، فنقول:

منها ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناد عن الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: صلّت فاطمة عليها السّلام في درع و خمار على رأسها ليس عليها أكثر وارت به شعرها و أذنيها.) «1»

تدلّ على أنّ فاطمة عليها السّلام تارة صلّت في درع و هو عبارة عن القميص و خمار و هو عبارة عن المقنعة و بالفارسية (جارقد)، و تدلّ على جواز الاكتفاء بهذا المقدار للستر الشرطى في الصّلاة، لأنّ أبا جعفر عليه السّلام نقل فعل فاطمة عليها السلام، و لا يبعد دلالتها على أن الوجه الّذي يجوز كشفه حال الصّلاة أوسع دائرة من الوجه المعتبر غسله في الوضوء، لأنّ في الوضوء لا يكون الصدغان داخلا في الوجه (كما يستفاد من الرواية المنقولة في أبواب الوضوء).

[في الروايات الواردة في الستر الشرطي لصلاة المرأة]

و بمقتضى هذه الرواية قال (ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها) فبعد كون خمارها بنحو يواري شعرها و أذنيها، فلا يواري به صدغيها خصوصا مع أن نظر المعصوم عليه السّلام من بيان ذلك، لعله يكون لأجل بيان أنها عليها السّلام كشفت

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 263

وجهها حين الصّلاة، فمن هذه الفقرة يستفاد كون الوجه المستثنى من الستر الشرطى في الصّلاة هو الوجه العرفي «1» ثمّ في طي ما أفاده، كما يظهر من بعض روايات الباب، ظهر حال الجيب و أنه يجب ستره لما نرى في بعض الروايات الدالة على اشتراط أن تلتفّ في

الملحفة بحيث يستر جمع البدن، فلا إشكال من هذا الحيث).

و منها ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن علي بن جعفر انّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال:

تلتف فيها، و تغطي رأسها، و تصلّي، فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك

______________________________

(1)- ثمّ قلت لسيدنا الاستاد مد ظله: بأنّه ان كنا و ظاهر قوله عليه السّلام (ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها) فيمكن أن يقال: إن بعض جيدها عليهما السّلام و جيبها لم يكن مستورا، لأنّ القميص المتداول في زمانها، و كذا الخمار لا يستر الجيد و الجيب، و لهذا قال اللّه تعالى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ كما أنّ هذا الاشكال جار في الستر الواجب في الصّلاة، بأنّه يجب ستر الجيب أم لا لأنّه إن كان وضع الدرع أعنى: القميص بنحو المتداول، فهو لا يستر الجيب، فقد اكتفى على ما في بعض الروايات للستر الشرطى في الصّلاة بالدرع و القميص، فلا يلزم ستر الجيب إلّا أن يقال: إن الآية وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ دلّت على إرسال الخمار بنحو يستر الجيب، و لكن دلت الآية بستر الجيب بالخمار في الستر الواجب بالوجوب التكليفي، و لا منافات بين وجوب ستره في غير حال الصّلاة و عدم وجوب ستره حال الصّلاة، فعلى هذا الرواية على عدم وجوب ستر الجيد في المقدار الّذي يظهر حين إرسال الخمار على الظهر كما كان متعارفا و على عدم وجوب ستر الجيب حال الصّلاة، بمعنى عدم شرطية سترهما للصّلاة.

و اجاب مد ظله بأنّه من الواضح أنّها عليها السّلام لم تجعل الخمار على رأسها

على الوضع الغير المتعارف، مثلا تشد على رأسها بحيث لا يصل إلى الموضع الّذي يصل الخمار بوضعه المتعارف فعلى هذا كان جيدها مستورة بالخمار، و أمّا ما قلت من الاشكال بالنسبة إلى الجيب فلم يتوجه مدّ ظله إليه حتّى يظهر ورود إشكالي و عدمه بنظره الشريف، و لعل يجي ء توضيح لذلك بعد ذلك إن شاء اللّه. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 264

فلا بأس. «1»

[التكلّم في مفاد الروايات]

تدلّ الرواية على الاكتفاء في مقام تحصيل الستر الشرطى في الصّلاة بأن تلفت ملحفة واحدة بنفسها، و تغطي رأسها، و المراد بالملحفة هو ثوب يستر جميع البدن، و يكون تقريبا مثل ما يقال به بالفارسي (جادر) و لا يبعد دلالتها على أن تمام ما وجب سترها في الصّلاة بالملحفة يكون سترها شرطا للصّلاة، لا أن ما هو شرط لها يكون في ضمن ما يستر.

و بعبارة اخرى حيث يقع الكلام في أنّه ما يستفاد من روايات الباب من ستر تمام البدن إلا ما يأتي استثنائه بعدا من الوجه و غيره، هل الشرط في الصّلاة تمام ما يستر بالخمار و الدرع، أو بثلاثة أثواب، أو بالملحفه من البدن، أو ليس كذلك، بل الشرط في الصّلاة يكون بعض ما يستره الأثواب من البدن، و الامر بلبس هذه الاثواب و الستر بها يكون من باب أنّ المقدار الّذي يكون الشرط في الصّلاة ستره من البدن يستر قهرا بهذه الأثواب.

و هذه الرواية من الشواهد على أنّ تمام ما يستر من البدن بهذه الأثواب، هو ممّا يكون ستره شرطا في الصّلاة، لأنّه بعد السؤال عن الصّلاة في الملحفة (قال عليه السّلام:

تلتف فيها و تغطّي رأسها و تصلّي فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك فلا

بأس) فالظاهر من هذه الفقرة وجوب التلفف فيها و تغطية الرأس و جواز خروج الرجل منها لو لم تقدر على غير ذلك، فهذا شاهد على أنّ ما تستره الملحفة من بدنها شرط في الصّلاة بتمامه.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 265

و منها ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا). «1»

و روى هذه الرواية، مع اختلاف في متنها، الكليني تنتهي سندها إلى محمد بن مسلم، و هي ما عدها صاحب الوسائل الرواية 8 من هذا الباب، و لم يكن في الجهة التي نحن في مقامه فرق بينهما، و تدلّ على أن المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا بحيث تستر معهما بدنها.

و منها ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن يونس بن يعقوب (أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال: نعم. قال: قلت: فالمرأة؟

قال: لا، و لا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا أن لا تجده.) «2»

و هذه الرواية مع قطع النظر عن دلالتها على وجوب ستر المرأة رأسها إذا كانت بالغة لانه (قال: لا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا في الصورة الّتي لا تجد الخمار) تدلّ على عدم شرطية ستر الوجه في الصّلاة في حق غير البالغة، لأنّه قيّد عدم الصلاحية بلا خمار لما إذا حاضت المرأة.

و من المعلوم أنّ القميص أعنى: الدرع ثوب تلبسه النساء حتما، إذ ما من أحد حتّى الرجال إلا و يلبس ثوبا

يستر عورته و يستر بدنه من الحرارة و البرودة، فلهذا لم يذكر في الرواية و تعرض فقط للزوم الخمار للمرأة، لأنّ الخمار قد يظن عدم لبسه.

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 266

و منها ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن العلي بن خميس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن المرأة تصلّي في درع و ملحفة ليس عليها ازار و لا مقنعة؟ قال: لا بأس إذا التفتّ بها، و ان لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا.) «1»

و تدلّ هذه الرواية على الاكتفاء بالدرع و الملحفة إذا التفتّ بها، و لا يبعد دلالتها على كون تمام ما يستر بهما من البدن ستره شرط في الصّلاة لقوله عليه السّلام (لا بأس إذا التفت بها و إن لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا).

و منها الرواية الّتي قال فيها (أي محمد بن علي بن الحسين) و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

ثمانية لا يقبل اللّه لهم صلاة، منهم المرأة المدركة تصلي بغير خمار. «2»

و منها ما رواها ابن أبي يعقور (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: ازار و درع و خمار، و لا يضرها بأن تقنّع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما و تقنّع بالآخر. قلت: فإن كان درع و ملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال:

لا بأس إذا تقنعت بملحفة، فإن لم تكفها فتلبسها طولا.) «3»

و المراد بالازار هو ثوب يلبس فوق الثياب (و قوله تصلي المرأة في ثلاثة أثواب) يحمل على الاستحباب لدلالة بعض

الروايات على كفاية الثوبين: درع و خمار، مضافا إلى أن ذيل الرواية يدلّ على كفاية الثوبين الدرع و الملحفة.

و منها ما رواها زرارة (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة.

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 267

قال: درع و ملحفة فتنتشرها على رأسها و تجلّل بها.) «1»

و منها ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام (قال: ليس على الاماء أن يتقنّعن في الصّلاة، و لا ينبغي للمرأة أن تصلّي إلا في ثوبين.) «2»

و منها ما رواها جميل بن دراج (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تصلّي في درع و خمار؟ فقال: يكون عليها ملحفة تضمّها عليها.) «3»

و ضمّ الملحفة المستفاد من هذه الرواية بالدرع و القناع يكون مستحبا لا شرطا واجبا، لدلالة بعض الرواية على كفاية الدرع و الخمار.

و منها ما رواها على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن المرأة الحرة هل يصلح لها أن تصلّي في درع و مقنعة؟ قال: لا يصلح لها إلا أن لا تجد بدا). «4»

يحمل (لا يصلح) على الكراهة، لا عدم كفاية الدرع و المقنعة، لحصول الشرط لما يستفاد من بعض الروايات كما بينّا عدم لزوم أزيد من ثوبين.

و منها ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلّي في ملحفة و مقنعة و لها درع؟ قال: لا يصلح

لها إلا ان تلبس درعها. «5» قال: و سألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار و ملحفة

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 11 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(4)- الرواية 14 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(5)- الرواية 15 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 268

و مقنعة و لها درع؟ قال إذا وجدت فلا يصلح لها الصّلاة الّا و عليها درع. «1» و قال سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلّي في إزار و ملحفة تقنّع بها و لها درع؟ قال: لا يصلح أن يصلّي حتّى تلبس درعها). «2»

(فما يستفاد من هذه الرواية و ما قبلها من عدم الاكتفاء بالملحفة و المقنعة إلا مع الدرع، يحمل على الكراهة، لأنّ لفظ (لا يصلح) شاهد على هذا، مضافا إلى دلالة بعض روايات الباب على الاكتفاء في الستر الّذي شرطناه في الصّلاة بالثوبين، فظهر لك ممّا مر عدم تعارض بين هذه الروايات، فافهم).

[الكلام في بعض الخصوصيات: الخصوصية الاولى]

هذه الروايات الواردة في المسألة، و المستفاد منها في الجملة شرطية ستر البدن على المرأة حال الصّلاة، و انما الكلام في بعض الخصوصيات:

الخصوصية الأولى: ما قلنا في طي كلماتنا من أن كل ما يستر من البدن بالثوبين كما في بعض الروايات، أو الدرع و الخمار كما في بعضها، أو الملحفة مع المقنعة كما في بعضها، هل هو شرط في الصّلاة، بمعنى أنّ تمام أجزاء البدن ممّا يستر بالدرع و الخمار يشترط في الصّلاة ستره على المرأة، أو ليس كذلك،

بل يستفاد من الروايات كون ما يجب ستره في الصّلاة من بدنها بالوجوب الوضعي يستر بالدرع و الخمار، و على ذلك لا يلزم كون تمام ما يستر بهما من بدنها شرطا، بل الشرط في جملة ما يستر بالثوبين في الجملة، و امّا ما هو من حيث المقدار هل هو تمام ما يستر بالثوبين، أو بعض ممّا يستر بهما، فلا يستفاد من الرواية، و قلنا في ضمن ذكر الروايات: بأنّه لا يبعد دلالة بعض الروايات على كون الشرط تمام ما يستر بهما

______________________________

(1)- الرواية 16 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 17 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 269

من بدنها.

الخصوصية الثانية:
اشارة

لا إشكال في عدم شرطية ستر الوجه للصّلاة على المرأة، فيجوز كشفه لها حال الصّلاة في الجملة أولا، لأنّ الثابت من بعض الروايات المتقدمة كفاية الدرع و الخمار، و من الواضح أن الدرع هو القميص، فلا يستر به الوجه، و كذلك الخمار المقنعة، و به أيضا لا يستر الوجه إذا القى بحسب وضعه المتعارف.

و ثانيا لدلالة رواية سماعة المصلي و هي هذه عن سماعة، قال: سألته عن المرأة تصلّي متنقبة؟ قال: إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و ان أسفرت فهو افضل. «1»

مضافا إلى ما ادعى من عدم الخلاف في عدم وجوب ستره، أو نقل الاجماع عليه، و المخالف قليل، مثل ما نقل عن ابن حمزة في الوسيلة من انّه يجب على المرأة ستر جميع بدنها إلا موضع السجود، أو ما نقل من الغنية و الجمل و العقود من عدم استثناء الوجه، أو ما نقل من اشارة السبق بأنّه قال: المرأة تكشف بعض

وجهها و أطراف يديها و قدميها، و ان كان مراد الأخير هذا لعلّه لم يكن مخالفا في المسألة، بل قال بعض الوجه، لأنه يجب ستر مقدار من الوجه من باب المقدمة.

و على كل حال لا كلام في أصل استثناء الوجه في الجملة، و إنّما الاشكال في أنّ الوجه الّذي يجوز كشفه في الصّلاة، هل هو الوجه العرفي الّذي يدخل فيه الصدغان، أو الوجه المعتبر غسله في الوضوء؟ و هو أضيق دائرة من الوجه العرفي،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 33 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 270

و هو ما دارت عليه الابهام و الوسطى، فلا يدخل فيه الصدغان.

[قد يقال بانّ الوجه هو الوجه العرفي و قد يقال بانّ الوجه الوجه الوضوئي]

قد يقال: بأن الوجه هو الوجه العرفي، لأنه المراد من الوجه، و قد يقال: بأن الوجه هو الوجه الوضوئي بأنّه بعد تحديد الشارع في الوضوء الوجه بهذا الحد، فينزل أحكام الشرعية الثابتة للوجه على هذا الوجه «1» ثمّ إنّه لا يستفاد من هذه الرواية الناقلة عن فعل فاطمة عليها السّلام جواز كشف الجيد على النساء تمسكا بقوله (ليس

______________________________

(1)- أقول: إذا بلغ كلامه مدّ ظله الى هنا قلت له: بأنّه ان كان في ما نحن فيه في الأدلة لفظ (الوجه) فكان مجال لأنّ يبحث في أنّ الوجه هل هو الوجه العرفي أو الوجه الوضوئي، و يظهر من الحاج آقا رضا هذا البحث مع عدم مجال لهذا النزاع، بعد عدم ذكر من (الوجه) في روايات الباب. و إذا قلت ذلك صار مدّ ظله في مقام ذكر وجه لكون المراد هو الوجه العرفي، و هو ما بينا في ذيل التعرض عن رواية الفضيل من دلالة ما ذكر أبو جعفر عليه السّلام من فعل فاطمة عليها السلام،

فإنه عليه السّلام قال في ضمن الرواية (ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها) فتدل هذه الرواية على أنّ وضع خمارها كان بنحو لا يستر معه إلا شعرها و أذنيها، فإذا كان خمارها هكذا فلا يستر به صدغيها لأنّ الرواية تدلّ على أنّ بخمارها سترت عليها السّلام فقط شعرها و أذنيها لا غيرهما فلم تستر به صدغيها، فتدل هذه الرواية على أن الوجه الّذي يجوز كشفه في الصّلاة هو الوجه العرفي لأنّ الصدغين داخل في الوجه العرفي، غاية الأمر لا يمكن التعويل على هذه الرواية، لأنّ سند الصّدوق رحمه اللّه إلى الفضيل يكون ضعيفا، و احتمال عدم كون الفضيل الراوي لهذه الرواية هو الفضيل بن ثابت.

أقول: و لكن بنظري لا يستفاد من الرواية هذه الجهة، لأنّ الخمار إذا وضع على الرأس بحيث يستر به الشعر فقهرا يستر به الصدغين، لأنّ مقدم الرأس بين الصدغين أيضا منبت الشعر، فلو ستر الخمار تمام الشعر، فقهرا يستر تمام الصدغين، و لا أقل بعضهما، و لا أقل من أنّه لا يستفاد من صرف قوله (ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها) كون الصدغين ممّا لا يجب ستره حال الصّلاة، و كون الوجه الخارج هو وجه العرفي، و كان الجائز كشف وجه العرفي لهنّ حال الصّلاة، فتأمل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 271

عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها) بأنّ الظاهر من هذه الفقرة، هو أنّ ما سترت عليها السّلام ما كان إلا الشعر و الأذنين فالخمار لا يستر إلا شعرها و أذنيها، و الدرع لا يستر الجيد فكان جيدها مكشوفة، فتدل على جواز كشف الجيد حال الصّلاة، أعنى: عدم شرطية ستر الجيد للصّلاة.

لأنّه من الواضح

أنّها عليها السّلام أرسلت خمارها بحسب وضعه الطبيعي، و إذا ارسل هكذا يستر به الجيد، مضافا إلى أنّ المستفاد من ساير روايات الباب هو ستر تمام البدن ما عدا الوجه و الكفين و القدمين- سمعت الكلام في الوجه، و تسمع الكلام في الكفين و القدمين إن شاء اللّه).

و إذا لم يثبت من دليل أنّ الوجه المستثنى من وجوب الستر هو الوجه العرفي، أو الوجه في باب الوضوء، و بلغ الأمر إلى اجراء الأصول فنقول: و ان قلنا في دوران الأمر بين الاقل و الاكثر الارتباطي بالبراءة الشرعية و العقلية، و لكن في المقام لا تجري البراءة في مقدار الزائد على الوجه في الباب الوضوء، لأنّه بعد كون شرط إجراء البراءة، كما حقّقناه في الأصول هو الفحص، فلم ندر بأنّ الخمار بحسب وضعه المتداول في زمان صدور الرواية و السابق مطلقا، كان بحيث يستر به أطراف الوجه، فلم يبق مكشوفا إلّا مقدار الوجه في باب الوضوء، أو يكشف وجه العرفي، و حيث لم تتفحص فصحا تاما، فلازمه عدم حصول شرط إجراء البراءة، فالاحتياط الاقتصار في كشف الوجه بمقدار الوجه في باب الوضوء.

الخصوصية الثالثة:
اشارة

ممّا استثنى من البدن- الّذي يكون ستره شرطا في الصّلاة- الكفان من المرأة، و نقل عن المعتبر و المنتهى نسبة عدم وجوب سترهما إلى علمائنا، و نقل الاجماع صريحا عليه عن الروض، بل نقل إجماع العلماء على ذلك إلّا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 272

من أحمد و داود، و على كل حال ما يمكن الاستدلال به مع قطع النظر ممّا نقل من الاجماع.

أولا: ما ذكرنا من انّه هل الشرط للصّلاة في حق المرأة هو ستر تمام ما يستر بالثوبين من بدنها أو لا يعلم

ذلك، بل ما ندري هو ان المرأة إذا سترت بدنها بثوبين الخمار و الدرع مثلا فقد ستر المقدار الّذي هو شرط في الصّلاة، و امّا كون تمام ما يستر بهما شرط أو بعضها فغير معلوم، فلم يثبت من هذه الادلة كون الكفين لازم الستر فى الصّلاة و كون سترهما شرطا و إن ستر الكفين بالدرع. «1»

و ثانيا: فلأنه بعد دلالة بعض ما ذكرنا من الروايات على كفاية ما يستر من بدنها بالدرع و الخمار في حصول الستر الّذي هو شرط في الصّلاة، و بعد وضوح عدم ستر الكفّين بالدرع و الخمار لانّ الخمار ليس وضعه بحيث يستر به الكفّين و كذا الدرع فان كم الدرع ليس طوله بحيث يستر به حتى الكفّين بل كما ترى لا معنى لانّ يطول الكم حتّى يستر به الكفين، مع احتياج الإنسان لرفع قسمة من الحوائج بكفه، فكيف يمكن ستره، فعلى هذا لا يستفاد من الروايات شرطية ستر الكفين مع كون

______________________________

(1)- أقول: قلت له مد ظله: بأنّه كما يظهر من بياناتك الشريفة قلت بامكان دلالة بعض الروايات على كون تمام ما يستر بالثوبين شرطا في الصّلاة للمرأة و خصوصا دلالة رواية زرارة المتقدمة على ذلك لأنه (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أدنى ما تصلي فيه المرأة؟ قال: درع و ملحفة الخ) فلا يكفي أدنى من ذلك لانه قال (أدنى ما تصلي المرأة و من الواضح أن سؤال السائل منه عليه السّلام ليس الا من جهة حكم الشرعي و انّه بأىّ مقدار من لباس المرأة يحصل الستر الذي شرط في الصّلاة لها فقال (درع و ملحفة) فلا يكفي أدنى من ذلك فبمقدار يستر بهما من بدنها يشترط ستر

هذا المقدار من بدنها في الصّلاة فلهذا لا يكفي هذا الوجه لاثبات عدم شرطية ستر الكفين في الصّلاة فصرف النظر مدّ ظله عن هذا الوجه و لعله استرضى ما قلت. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 273

سترهما خلاف العادة.

فما يظهر من صاحب الحدائق رحمه اللّه من الإشكال في ذلك و أنّه يستر الكفين بكمّ الدرع و كون وضعه بهذا النحو، فاسد لما قلنا من أن العادة تقتضى خلافه، مع احتياجها في مشاغلها بكشفهما، و أنّ المشهور من الفقهاء المتقدمين على صاحب الحدائق قائلون بجواز كشفهما لم يفهموا من الروايات كون كمّ الدرع بحيث يسترهما إما لعدم كون وضع كم الدرع بحيث يسترهما بحسب متعارفه في أزمنتهم و أزمنة صدور الروايات، و إما من باب كون المتعارف منه مختلفا، فبعض الدروع و إن كان يستر كمّها الكفين، و لكن بعضها ليس كذلك، فأيضا لا يكون المتعارف كما صاحب الحدائق رحمه اللّه حتّى يقال ان المتعارف ستر الكفين بالكم، فينزل الاطلاقات الواردة في الروايات على المتعارف، لأنه إن كان المتعارف بحيث لا يستر الكفين به، أو كان متعارفه مختلفا، فأيضا لا يستفاد من الادلة شرطية سترهما.

و من هنا يظهر لك أنّ ما قال صاحب الحدائق رحمه اللّه «1»- بعد ما ادعى كون المتعارف في زمانه على ستر الكفين بكمّ الدروع- و لو شككنا في أن قبل ذلك أعنى:

زمان صدور الرواية كان المتعارف هكذا، أو على غير هذا النحو، فببركة أصالة عدم النقل نقول بكون المتعارف في السابق مثل الحال، فاسد لأنّه بعد ما نرى من فتوى المشهور على جواز كشف الكفين، و وجه فتواهم ليس إلا عدم كون الكفين مستورين بالكمّ بحسب ما يرون من المتعارف، فلا يشملهما

ما ورد في الرواية المستفاد منها ستر المرأة بالدرع و الخمار، فنرى أنّ المتعارف كان مطلقا على خلاف ما توهّم صاحب الحدائق، أو كان مختلفا، فلا شك في المتعارف حتّى يستدل بأصالة

______________________________

(1)- الحدائق، ج 7، ص 9.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 274

عدم النقل لأنّهم متقدّمون عليه، فالتعارف قبل صاحب الحدائق على خلاف ما تخيله، فلا وجه لما قاله.

[الحقّ عدم شرطية ستر الكفّين للمرأة في الصّلاة]

فالحقّ عدم شرطية ستر الكفّين للمرأة في الصّلاة لما قلنا من أن المتعارف إمّا على كشف الكفين و عدم سترهما بالكمّ أو لا أقل من كون المتعارف من الدرع مختلفا، فبعضه يسترهما، و بعضه لا يسترهما فأيضا لا يمكن استفادة سترهما من الروايات.

و لو فرض عدم كفاية ما بيّنا للدلالة على جواز كشف المرأة كفيها حال الصّلاة، و شكّ في أنّه يشترط سترهما عليها في الصّلاة أم لا، فنقول بعد ما حققنا في الأصول إجراء البراءة الشرعية و العقلية في الأقل و الأكثر الارتباطي في ما شك في شرطية شي ء أو جزئيته، فنقول في المقام: بعد ما لا ندري بأنّ سترهما في للمرأة شرط أو لا فتكون مجري البراءة، فلا يعتبر سترهما.

و ما قلنا في الوجه: بأنّ إجراء البراءة مشكل لأنّ شرطها الفحص، و لا ندري بحصول الفحص بمقدار اللازم أم لا، لا يجري في الكفين، لأنّ فتوى مشهور القدماء دليل على عدم كون الدرع بحيث يستر بكمّه الكف، ففي الحقيقة تكون الشهرة كافية في الفحص اللازم، فحصل شرط اجراء البراءة، و لهذا مع الشّك نحكم بعدم شرطيّة ستر الكفّين للنساء في الصّلاة ببركة أصالة البراءة.

الخصوصية الرابعة:

ممّا استثنى ممّا يكون ستره شرطا في الصّلاة من بدن المرأة القدمان منها على ما هو المشهور بين فقهائنا، ظاهرهما و باطنهما، و للعامّة قولان في المسألة، فبعضهم قالوا بعدم شرطية سترهما، و بعض بخلافه، و من علمائنا من يظهر من ظاهر كلامه التفصيل بين الظاهر و الباطن، فأوجبوا الستر في الباطن

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 275

بمعنى كون ستر باطنهما شرطا في الصّلاة، و عدم كون ستر ظاهرهما شرطا فيها.

و لكن على ما يظهر من صاحب الجواهر رحمه

اللّه «1» لم تكن هؤلاء مفصّلا في المسألة، لأنّه قال: بأن من اقتصر في شرطية الستر بخصوص الظهر لعله ليس نظر إلى وجوب ستر الباطن كما ظن باعتبار استتاره غالبا بالأرض أو الثياب، فلا حاجة إلى كشفه، بل يكون منشأ اقتصاره بالظّهر من باب كون ستر الباطن مفروغا عنه.

و لا يبعد صحة ما ادعاه رحمه اللّه لأنّه لو لم يستر الظهر من القدم بالدرع، فلا يستر به الباطن، و ليس بحسب المتعارف في الحال و سابقا ثوب يغطي به الباطن بالخصوص مع كشف الظاهر من القدم، و ليس الأمر بحيث يستر الباطن بالارض أو بالثياب، لأنّ المرأة تروح و تمشي، و يظهر باطن قدميها، فلعل عدم ذكر الباطن، في كلمات هذا البعض كان من باب مفروغية ستر الباطن و على كل حال ما هو دليل على عدم شرطية ستر القدمين لها، ظاهرهما و باطنهما، هو انّه بعد الاكتفاء بالدرع و الخمار للصّلاة، كما هو لسان بعض الروايات المتقدمة.

فيقال: إنّ الدرع بحسب متعارفه إما ليس مطلقا طويل الذيل بحيث يستر به القدمين، أو و ان فرض أنّ بعض الدروع يستر القدم لكن ليس مطلقا فعلا و لا سابقا كذلك، بل يكون بعض منها بحيث يكشف القدمان معها، خصوصا مع أنّ نوع النساء بحسب العادة، لأجل ابتلاءاتهنّ و مشاغلهن، لا يمكن كون دروعهنّ بحيث تجرّ على الأرض و تزاحم في المشي و الحركة و القيام و القعود، فعلى هذا لم يثبت كون المتعارف منها ما يستر به القدم، حتّى يدعي أن المطلقات الواردة فيها الدرع تنزّل على

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 8، ص 183.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 276

المتعارف، فيثبت كون ستر القدمين شرطا، بل إما يكون

المتعارف على خلاف ذلك، و إما لا أقل من كون المتعارف منها مختلفا، و الشاهد على أنّ بالدرع لا يستر القدم هو فتوى المشهور، لأنّ فتواهم ليس إلا من باب ما رأوا من عدم ستر القدم بالدرع بحسب ما كان المتعارف في أزمنتهم، فعلى هذا لا يشترط ستر القدمين الظاهر و الباطن حال الصّلاة على النساء، و امّا ما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه «1» من انّه إذا لم يكن ستر الوجه و الكفين شرطا، فبالأولوية لا يشترط ستر القدمين ممّا لا يمكن لنا قبوله، لعدم أولوية للقدمين فالعمدة ما قلنا. «2»

الخصوصية الخامسة:
اشارة

هل يجب على المرأة ستر شعرها حال الصّلاة بمعنى أنّ ستر شعرها أيضا شرط في الصّلاة أم لا؟

يظهر من كلام صاحب الجواهر «3» رحمه اللّه أنّ صاحب المدارك رحمه اللّه لم يجب ستر

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 8، ص 172.

(2)- أقول: و قال سيدنا الاستاد مدّ ظلّه بعد ذلك: و لو شككنا في أنّ ستر القدمين شرط للصّلاة على المرأة أولا، يمكن أن يقال بعدم إجراء البراءة في المقام من باب أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (المرأة عورة أو النساء عيّ و عورة أو بدن المرأة أو جسد المرأة عورة) دل على كون بدنها بتمامه عورة، فما ندري بخروجه نقول بعدم جواز كشفه حال الصّلاة.

قلت له في الطريق: بأنّه كما يظهر من إفاداتك الشريفة سابقا أيضا كان قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (النساء عي و عورة) في مقام بيان وجوب ستر بدنها بالوجوب التكليفي، و أنّي له بالوجوب الشرطي في الصّلاة، و على فرض تمامية دلالة هذه الرواية، و عدم دليل على جواز كشف الوجه، أو

الكفين، أو القدمين حال الصّلاة، فلو كشفت هذه المواضع، فقد خالفت حكما تكليفيا و لا ربط لذلك بالوجوب الشرطي الّذي أثره بطلان الصّلاة مع عدم الشرط، و لم يتعرض بعد لما قال، و لعله استرضى ما قلت. (المقرر)

(3)- جواهر جلد 8 ص 168- 169.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 277

الشعر عليها تمسكا بالرواية الّتي قلنا بكونها متحدة مع الرواية 7 من هذا الباب، لكون راويهما محمد بن مسلم، و نذكر هما مجددا لتوضيح المطلب، و نقول:

الرواية الّتي رواها الصّدوق رحمه اللّه باسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا.) «1»

فهل يكون قوله عليه السّلام (إذا كان كثيفا) راجعا إلى كل ما ذكر من الدرع و المقنعة، أو يكون راجعا إلى خصوص الدرع، فعلى الأوّل يكون المراد أنّ المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع و المقنعة كثيفا، و على الثاني يكون المراد انّه إذا كان الدرع كثيفا.

يمكن أن يقال باحتمال الثاني من باب أن لفظ (كان) يكون مذكرا و مفردا فيرجع ضميره إلى الدرع، لأنه مذكر، و يمكن أن يقال باحتمال الأوّل من باب أنّ الضمير و إن كان مذكرا و لا بدّ من إرجاعه إلى المذكر، لكن هنا يرجع إليه و إلى ما بعده، لأنّ التكلم بهذا النحو يكون متداولا، فيكون المراد أن الدرع و المقنعة إذا كانا كثيفين و لا يبعد أن يكون هذا الاحتمال أقوى، لتداول هذا النحو من الكلام في الاستعمالات.

و يذكر صاحب الوسائل رواية اخرى، و هي ما رواها الكليني رحمه اللّه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن

العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم في حديث (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما ترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال:

إذا كان كثيفا فلا بأس به، و المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع كثيفا، يعني:

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 278

إذا كان ستيرا). «1»

و لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، و اختلاف بعض الفاظ المتن يحتمل من نفس محمد بن مسلم تارة نقل هكذا و تارة هكذا، أو من بعض ناقليها منه، فعلى هذا ليستا روايتين.

و على كل حال في هذه الرواية بعد قوله (و المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة) قال (إذا كان الدرع كثيفا) بخلاف الرواية الأولى فإن فيها (إذا كان كثيفا) فتمسك صاحب المدارك لعدم اعتبار ستر الشعر على المرأة حال الصّلاة بهذه الفقرة من الرواية الأخيرة، بدعوى أنّه بعد ما قال (إذا كان الدرع كثيفا)، فلا يعتبر كون المقنعة كثيفا أي ستيرا، لأنّ في الرواية اعتبر في خصوص الدرع كونه ستيرا، و إذا لم تكن المقنعة ستيرا، فيظهر الشعر من تحتها فجواز عدم كونها ستيرة شاهد على جواز كشف الشعر حال الصّلاة.

و لا يخفى عليك فساد هذا التوهم:

أما أوّلا: فلانه كما قلنا ليست رواية الأولى و الثانية روايتين، بل رواية واحدة رواها محمد بن مسلم، و بعد الاختلاف في مضمونهما لا يمكن الاستناد بكل منهما في مورد الاختلاف، فإن كان ما صدر من الإمام عليه السّلام ما في الرواية الّتي رواها الصدوق رحمه اللّه ففيها (إذا كان كثيفا) و هو كما قلنا يناسب مع كون النظر إلى كون كل من الدرع و

المقنعة كثيفا، و إن كان ما صدر ما في الرواية على ما رواها الكليني رحمه اللّه ففيها (إذا كان الدرع كثيفا) فهي تدلّ على خصوص كثافة الدرع، فمع الاختلاف في هذه

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 279

الفقرة لا يمكن الاعتماد بكليهما، فلا دليل على اعتبار كون خصوص الدرع ستيرا و كثيفا، حتّى يقال بعدم اعتبار ذلك في المقنعة.

و ثانيا: لو فرض عدم دلالة هذه الرواية إلا على كون الدرع ستيرا، فيدلّ بعض روايات اخر من هذا الباب تعرضنا لها على اعتبار كون المقنعة ستيرا بحيث لا يرى ما تحتها، فهذا دليل على شرطية ستر الشعر فانظر في الأخبار المتقدمة، ففيها ما قلنا خصوصا الرواية المتقدمة، و هي ما رواها علي بن جعفر (أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلّي قال: تلتفت فيها و تغطي رأسها و تصلّي، فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك فلا بأس.) «1»

فهي صريحة في لزوم تغطية الرأس بالملحفة، و من الواضح أن تغطية الرأس لا تحصل إلا بتغطية الشعر، بل في الرواية خصوصية اخرى، و هي أنّ في صورة عدم القدرة على ستر جميع البدن و الدوران بين ستر الرأس أو الصدر و اليدين و بين الرجل بلزوم ستر الرأس و جواز كشف الرجل، فهذا أيضا مؤيد لأنّ ستر الرأس لازم الحفظ حتّى في صورة الدوران.

و ثالثا: و هو ما يظهر من كلام صاحب الجواهر رحمه اللّه «2» و هو أنّه بعد شرطية ستر الرأس مسلما فعلى لزوم اعتبار كون الساتر من جنس خاص، و لا يكتفي

بساترية بالشعر، فلا بدّ لأجل ستر الرأس من كون الخمار ستيرا، و إلّا لم يستر الرأس.

ثمّ إنه بعد شرطية ستر الشعر، فهل يشترط ستر الشعر الخارج من رأسها

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- جواهر الكلام، ج 8، ص 269.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 280

و أرسل إلى ظهرها على خلاف المتعارف أولا؟ يظهر من صاحب الجواهر رحمه اللّه «1» بانّ الخمر المتعارفة كانت بحيثية بحسب وضعها المتعارف بعد إرسال ذيلها يستر بها شعر المرأة، و على كل حال فالاحوط ستر الشعر مطلقا على النساء حال الصّلاة.

[في الخصوصية السادسة و السابعة]

الخصوصية السادسة: بعد استثناء الوجه عما يجب ستره حال الصّلاة على المرأة من بدنها، هل يجوز كشف ظاهر الوجه فقط، أو يجوز حتّى باطن الوجه، فيجوز كشف الفم و الاسنان، أو باطن العين حال الصّلاة أولا.

اعلم أنّه بعد ما فهمت بأنّ لفظ (الوجه) لم يكن في لسان الروايات، و ما يكون ليس إلا شرطية ستر ما يستره الخمار و الدرع، فكل مقدار لا يسترهما يجوز كشفه، و من الواضح أنّ المقدار الّذي لا يستر الخمار من الوجه خارج، فلا فرق في هذا المقدار بين الباطن و الظاهر، لأنّ هذا الموضع من البدن يجوز كشفه، مضافا إلى أنّا نعلم بأنّه لم يعتبر ستر العين أو ضم الشفتين في حال الصّلاة، بل مع أنّها تقرأ في الصّلاة لا يمكن لها ضم شفتيها إلا بأن تستر تمام وجهها حتّى لا يرى باطن فمه، فعلى هذا يجوز كشف المقدار من الوجه الخارج عن بدنها الّذي ستره شرط ظاهره و باطنه.

الخصوصية السابعة: بناء على شرعية عبادة الصبي و الصبية، فاعلم أنّ ستر الرأس غير معتبر في صحة صلاة

الصبية، فيجوز كشف رأسها حال الصّلاة إلى أن تبلغ، فإذا بلغت فحكمها حكم النساء، لدلالة بعض الروايات على ذلك، فانظر إلى الباب 29 حديث 3 من أبواب لباس المصلي من الوسائل، فإنّ فيه ما يدلّ

______________________________

(1)- جواهر جلد 8 ص 167 و 168.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 281

على ذلك.

[في الخصوصية الثامنة و التاسعة]
اشارة

الخصوصيّة الثامنة: الأمّة يجوز كشف رأسها حال الصّلاة، فليس لها ستر الرأس شرطا في الصّلاة، لدلالة بعض الروايات على ذلك، فانظر إلى الباب 29 من أبواب لباس المصلي من الوسائل حديث 1 و 2 و 4 و 11.

الخصوصية التاسعة: يقع الكلام في صلاة العاري، فنذكر أوّلا اخبار الباب، ثمّ نبين مقدار دلالتها، و بعض الخصوصيات الراجعة إليها فنقول:

الرواية الأولى: ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل قطع عليه، أو غرق متاعه، فبقي عريانا و حضرت الصّلاة كيف يصلّي؟

قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم.) «1»

الرواية الثانية: ما رواها أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: العاري الّذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها و يسجد فيها و يركع). «2»

و اعلم أنّ هذه الرواية مع قطع النّظر عن الارسال فيها، لأنّ أيوب يروي عن بعض أصحابه، فيها حذف الواسطة أيضا، لأنّه على ترتيب الطبقات الّتي بين كل طبقة مع طبقة اخرى، و بيّنا في طبقاتنا، لا يمكن أن يروي أيوب بن نوح بواسطة واحدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، بل لا يمكن أن يروي عنه عليه السّلام إلا بواسطتين، فعلى هذا

______________________________

(1)- الرواية 1 من

الباب 50 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 50 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 282

لا بدّ و أن يكون واسطة اخرى غير بعض أصحابه في طريق الرواية، و قد حذفت الواسطة، فافهم.

[حول الرواية الثالثة الواردة في الصّلاة العاري]

الرواية الثالثة: ما رواها ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصّلاة، قال: يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن راه أحد صلّى جالسا). «1»

و هي ما رواها أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي في المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن عبد اللّه مسكان عن أبي جعفر عليه السّلام على ما نقلها صاحب الوسائل، و هي آخر رواية ذكر في هذا الباب، و هي الرواية 7 من هذا الباب أعنى 50 و إن كان الطريق على نهج ذكر صاحب الوسائل نقلا عن المحاسن، فقد حذفت الواسطة، لأنّه بحسب الطبقات لا يمكن أن يكون ابن مسكان راوي الرواية عن أبي جعفر عليه السّلام.

و لكن يمكن أنّ البرقي في المحاسن نقل الرواية بطريق المتقدم لكن عن أبي عبد اللّه، كما أنّ الظاهر ذلك، لأنّ صاحب الوسائل ذكر الرواية ينتهي سندها بابن مسكان «2» و هو يروي عن أبي عبد اللّه، فما نقل أنّ عبد اللّه بن مسكان «3» يروي الرواية عن أبي جعفر عليه السّلام اشتباه من صاحب الوسائل.

فعلى هذا نقول: بأنّه بعد كون نقل البرقي دالّا على أنّ ابن مسكان يروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فلم يرد إشكال حذف الواسطة، لأنّ ابن مسكان يمكن أن يروي

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 50 من أبواب لباس المصلّى

من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 46 من أبواب النجاسات عن المحاسن في الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 50 من أبواب النجاسات عن المحاسن في الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 283

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أوّلا و أنّه و إن لم تكن روايته هذه بلا واسطة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، لأنّ بنقل الشّيخ رحمه اللّه روى الرواية ابن مسكان عن بعض أصحابه عنه عليه السّلام، و احتمال إسقاط بعض أصحابه في نقل البرقي، و كانت الرواية فيها الارسال من هذا الحيث إلا أنّ بعد كون ابن مسكان من الأجلاء و تصحيح ما يصح عنه، فلا يضرّ الارسال بصحة الرواية ثانيا، فافهم.

الرواية الرابعة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال في حديث: و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب، فليتقلّد السيف و يصلّى قائما). «1»

الرواية الخامسة: الرواية الّتي عدها الرواية الخامسة صاحب الوسائل من هذا الباب بعد قوله (محمد بن علي بن الحسين باسناده عن عبد اللّه بن سنان مثله) (قال: و روي في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصّلاة أنّه يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن راه أحد صلّى جالسا). «2»

فهذه مرسلة رواها الصدوق رحمه اللّه، و لا يبعد كونها هي الرواية الّتي رواها ابن مسكان أعنى الرواية الثالثة فى الباب 50.

الرواية السادسة: ما رواها زرارة (قال قلت: لأبي جعفر عليه السّلام: رجل خرج من سفينته عريانا، أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلّي فيه، فقال: يصلّي إيماء، و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلا وضع يده على سوأته، يجلسان فيوميان إيماء و لا يسجدان و

لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برءوسهما. قال: و إن كانا في ماء أو بحر لجىّ لم يسجدا عليه، و موضوع عنهما فيه

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 50 من أبواب النجاسات عن المحاسن في الوسائل.

(2)- مرسلة الصّدوق 3 من الباب 5 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 284

يؤميان في ذلك إيماء رفعهما توجه و وضعهما). «1»

الرواية السابعة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن قوم صلوا جماعة و هم عراة قال يتقدمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوسا و هو جالس.) «2»

الرواية الثامنة: ما رواها إسحاق بن عمار (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قوم قطع عليهم الطريق، و اخذت ثيابهم، فبقوا عراتا و حضرت الصّلاة، كيف يصنعون؟

فقال: يتقدمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه، فيومي إيماء بالركوع و السجود، و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم.) «3»

الرواية التاسعة: ما رواها أبو البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام أنّه (قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثيابا، فإن لم يجد صلّى عريانا جالسا يؤمى إيماء يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس، ثمّ صلوا كذلك فرادى). «4»

الرواية العاشرة: ما رواها سماعة (قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس عليه إلا ثوب واحد، و أجنب فيه و ليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال:

يتيمّم و يصلّي عريانا قاعدا يؤمى إيماء). «5»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 50 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 51 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)-

الرواية 2 من الباب 51 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 52 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(5)- الرواية 1 من الباب 46 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 285

و لكن رواها الشّيخ و ذكر بدل قوله (قاعدا يؤمى إيماء) (قائما يومي إيماء) نقلها صاحب الوسائل، و هي رواية 3 من هذا الباب، فافهم.

الرواية الحادى عشر: ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (من رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة، و ليس عليه إلا ثوب واحد و أصاب ثوبه منى. قال:

يتيمّم و يطرح ثوبه، فيجلس مجتمعا، فيصلّي فيومي إيماء). «1»

[الكلام في فهم المراد من الروايات يقع في امور]
اشارة

هذا ما ورد من الروايات في هذا الباب، و أمّا فهم المراد منها فيقع الكلام فيه في طي أمور:

الأمر الأول:

هل يجب على العارى أن يصلّي قائما، أو قاعدا، او يجب عليه القيام إن لم يره احد، و يجب أن يصلّي جالسا إن يراه أحد.

اعلم أنّ الرواية 1 و 4 و إن كانت دالة على القيام، و الرواية 6 و 7 و 8 و 9 و 10 (بناء على ما نقلها الكليني رحمه اللّه و امّا بناء على ما نقلها الشّيخ رحمه اللّه تكون من الروايات الدالة على القيام) و 11 تدلّ على وجوب الجلوس، و يتوهّم التعارض بين ما يعتبر القيام و بين ما يعتبر الجلوس إلّا أنّه بعد دلالة رواية 3 و رواية 5 (بناء على كونها غير رواية 3) على التفصيل بين الصورة الّتي يراه أحد و بين الصورة لا يراه أحد، فأوجبت الجلوس في الأوّل و القيام في الثاني، فيجمع بهما بين الروايات الدالة على اعتبار الجلوس مطلقا و بين الروايتين الدالتين على القيام مطلقا في صورة وجود الناظر و عدمه، لأنّ بالروايتين المفصلتين يقيد إطلاق كل من الطائفتين.

و إن قلت: إنّ الرواية الأولى تدلّ على أنّ مع وجود الناظر يجب القيام في

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 46 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 286

الصّلاة على العاري، لأنّه قال فيها (إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و ان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم) فالحكم إن اصاب حشيشا يستر به عورته، شاهد على فرض صورة وجود الناظر، فالذيل يقول و إن لم يصب شيئا بقرينة المقابلة يكون في صورة

وجود الناظر، و مع ذلك قال (أومأ و هو قائم) فعلى هذا بعد دلالة الرواية باعتبار القيام في خصوص صورة وجود الناظر، فتكون هذه الرواية معارض مع الرواية الدالة على التفصيل، لأنّ ما دل على التفصيل كان لسانه الجلوس في صورة وجود الناظر، و هذه الرواية تدلّ على القيام و مورده خصوص صورة وجود الناظر.

فنقول: بأنّه بعد دلالة الروايتين على التفصيل أوّلا أنّ الرواية الأولى ليست صريحة على كون المفروض صورة وجود الناظر حتّى يكون الذيل صورة وجود الناظر بقرينة الصدر، و ثانيا و لو فرض كون اللازم ستر العورة بالحشيش في صورة وجود الناظر، و لكن الذيل مطلق و قال (إن لم يصب شيئا يستر به عورة أومأ و هو قائم) فإطلاقه يقتضي وجوب الإيماء قائما سواء كان ناظر أو لا، فأيضا نقيّده بما دل على التفصيل.

الأمر الثاني:
اشارة

هل يجب على العاري أن يركع و يسجد مثل حال الاختيار، أو يجب عليه أن يؤمى ايماء بالركوع و السجود، أو نقول بالتفصيل.

اعلم أنّ الرواية الأولى تدلّ على الايماء بالركوع و السجود و هو قائم، و الرواية 6 و 9 و 10 بنقل الكليني رحمه اللّه و 11 تدلّ على الجلوس و الايماء بالركوع و السجود، و الرواية 2 تدلّ على أنّ العاري يسجد و يركع إذا وجد حفيرة، و الرواية 8 تدلّ على اتيان المأمومين في ما إذا كان الإمام و المأموم عاريا بالركوع و السجود و

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 287

الإمام يؤمى ايماء و أنّ كلا من الإمام و المأموم يجلسان.

فيمكن أن يقال في هذا المقام: بأنّه بعد دلالة غير الرواية 2 و 8 على الايماء، و دلالتهما على الاتيان بالركوع و السجود بأنّ

الأمر في غيرهما بالايماء كان من باب عدم الأمن من الناظر، و الأمر في هاتين الروايتين بالركوع و السجود يكون من باب عدم وجود الناظر فبهذا يجمع بين الروايات، و يقال: بوجوب الركوع و السجود إذا لم يكن معرضا لوجود الناظر، و الايماء بهما إذا كان مورد المعرضية لوجود الناظر، هذا كله في ما يأتي بالنظر البدوي.

و لكن بعد التأمّل يظهر أنّ الجمع بين الروايات بجعل الركوع و السجود للعاري في خصوص حال الأمن من أن يراه أحد، و الايماء بهما لصورة عدم الأمن من أن يراه أحد موجب للاشكال، و كذلك الجمع بين الروايات في الأمر الأوّل بأنّ العاري إذا لم يره أحد يصلّي قائما، و إذا يكون معرضا لأنّ يراه أحد يصلّي جالسا موجب للاشكال، فلا بدّ أوّلا من ذكر الاشكال، ثمّ التكلم في وروده و عدم وروده فنقول بعونه تعالى:

فالاشكال في الجمع بين الروايات بالنسبة إلى الركوع و السجود بالالتزام بأنّه إذا كان معرضا لأنّ يراه أحد فيومي بهما، و إن كان مأمونا من أن يراه أحد فيكون تكليف العاري إتيان الركوع و السجود بحمل ما ورد في رواية إسحاق بن عمار و رواية أيوب بن نوح من الاتيان بالركوع و السجود على صورة الأمن من المطلع، و حمل بعض الروايات المتقدمة الدالة على الايماء بهما على صورة عدم الأمن من المطلع، فهو أنّه إن كان مورد رواية إسحاق بن عمّار- و هي الرواية الثامنة- صورة الأمن من المطلع على ما قلتم، فما وجه الأمر بالجلوس، لأنّه قال (يتقدمهم إمامهم

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 288

فيجلس و يجلسون خلفه، فيومي ايماء بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون)

و إن كان مورد

عدم الأمن من المطلع و لهذا أمر بالجلوس، فما وجه أمرهم بالركوع، فلا يساعد الجلوس مع كون التكليف الركوع و السجود، فلا يمكن حمل الرواية على صورة الأمن من المطلع، لأنّ المفروض فيها الجلوس، و هو على ما قلتم في مقام الجمع بين الروايات الدالة على القيام، و بين الروايات الدالة على الجلوس:

بأنّ الأوّل صورة الأمن من المطلع، و الثاني صورة عدم الأمن، فمع فرض كون مورد الجلوس صورة عدم الأمن من المطلع، و فرض في رواية إسحاق بن عمار الجلوس المحمول على صورة عدم الأمن من المطلع، كيف يحمل الأمر بالركوع و السجود في هذه الرواية على صورة الأمن من المطلع، فلا يمكن الجمع بين الجلوس المأمور به في هذه الرواية و بين الركوع و السجود.

و أمّا الاشكال الوارد على الجمع المتقدم بين الروايات من حيث القيام و الجلوس من حمل ما دلّ على وجوب القيام على العاري على صورة الأمن من المطلع، و حمل ما دلّ من الروايات على الجلوس على صورة عدم الأمن من المطلع بقرينة رواية ابن مسكان المتقدم، فهو أنّه في فرض القيام، و هو صورة الأمن من المطلع على ما قلتم، فلم أوجب الايماء كما في الرواية الأولى، لأنّه إن كان القيام في صورة الأمن من المطلع فيتم ركوعه و سجوده أيضا كما ينبغي، فلم يؤمى بهما مع أنّك قلت بأنّ الايماء بالركوع و السجود يكون في خصوص صورة عدم الأمن من المطلع.

هذا كلّه في الاشكالين الواردين على الالتزام بالجمع بين الروايات بوجوب القيام و الركوع و السجود في صورة الأمن من المطلع و وجوب الجلوس و الايماء معا في فرض عدم الأمن من المطلع.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 289

[الكلام في الاشكالين الواردين على الجمع بين الروايات]

اعلم أنّه إن كان الاشكال منحصرا بالاشكال الأول، أعني: بخصوص ما في رواية إسحاق بن عمار، فيمكن أن يقال: بأنّ منشأ الأمر بالجلوس فيها، و مع ذلك الأمر بالركوع و السجود على خصوص المأمومين غير مناف مع كون وجوب القيام في صورة الأمن من المطلع، و الجلوس في صورة عدم الأمن من المطلع، و كون وجوب الايماء في صورة عدم الأمن من المطلع، و الركوع و السجود في صورة الأمن من المطلع، لأنّه من الممكن أنّ عدم الأمن من المطلع في خصوص مورد هذه الرواية كان من نفس المأمومين، بأن يرى كل أحد منهم سوأة الاخر، لا من غيرهم، فعلى هذا أمر بالجلوس و الايماء بالركوع و السجود على الإمام، لأنّه متى يقدم على القوم، فلو كان الواجب عليه الركوع و السجود يظهر دبره و يراه القوم، فلأجل ذلك أوجب عليه الايماء بهما.

و أمّا المأمومين فحيث إنّهم حال الصّلاة في الجماعة يقفون في صف واحد، فيرى كل واحد قبل من يكون قريبا متصلا به لظهور قبلهم فيكشف قبلهم و لم يستر قبلهم إن كانوا قائمين حال الصّلاة، و أمّا إن جلسوا فلا يظهر قبلهم و يستر بما بين الفخذين، فلهذا أمر عليهم بالجلوس لكي لا يكشف قبلهم مع وجود الناظر، و أمّا حيث لم يكن ناظر غيرهم و هم على الفرض حال الصّلاة واقفون في صف واحد، فليس ناظر يرى دبرهم، فلهذا أمر عليهم بالركوع و السجود، فعلى هذا يرتفع الاشكال بأنّ وجه الجلوس عليهم كان من باب أنّهم إن قاموا حال الصّلاة يرى قبلهم، و يجب الجلوس إن يرهم أحد، و وجه الركوع و السجود عليهم مع فرض كونهم جالسين هو الأمن من

الناظر من حيث دبرهم، «1» و على كل حال يمكن أن

______________________________

(1)- أقول: و انّي و إن توجّهت بهذا التوجيه أيضا و قلت له مد ظله، و لكن إن كان وجه الأمر

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 290

يجاب عن هذا الاشكال بهذا النحو.

[و امّا ما قيل في الجواب فكلام غير تام]

و أمّا ما قيل في مقام الجواب: إنّ الوارد في ذيل الرواية (و هم يركعون و يسجدون على وجوههم) بأنّ المراد أنّهم يركعون و يسجدون على الوجه الّذي يجب عليهم، فليست الرواية إلا في مقام بيان ذلك، فعلى هذا ليست الرواية متعرضة للوجه و النحو الّذي يجب عليهم الركوع و السجود فإن ثبت بالروايات الاخر كون ركوع العاري و سجوده بالايماء فلا ينافي مع الروية.

فكلام غير تمام، أمّا أوّلا فلأنّ معنى (على وجوههم) ليس إلا أنّهم يسجدون على وجوههم، يعني: كل واحد يسجد بوجهه، و ثانيا أنّه مع فرض أنّه أمر على ما يستفاد من الرواية بأنّ الإمام يؤمى بالركوع و السجود، ثمّ قال (و هم يركعون و يسجدون) فمن الواضح أنّ المراد أنّهم يركعون و يسجدون بنحو الركوع و السجود الواجب على المختار.

كما أنّه إن قيل ببعض توجيهات باردة اخرى لكون المراد من قوله (و هم يركعون و يسجدون على وجوههم) غير الركوع و السجود الواجب حال الاختيار، مما لا يعتني به، لوضوح دلالة الرواية على كون الركوع و السجود بنحو المتعارف

______________________________

بالجلوس في هذه الرواية و الركوع و السجود ما ذكر من أن عدم الأمن من الناظر يكون للمأمومين في خصوص قبلهم لا دبرهم، فيقال: بأنّه بناء على هذا كان اللازم أن يأمر بالامام بالقيام و الايماء، لأنّه إن كان عدم الأمن فقط من ناحية أنفسهم لا من الخارج، فعلى الفرض

حال الصّلاة يقفون المأمومين خلفه، فلا يرون قدام الإمام، فكشف القبل جائز، لكونه مأمونا من أن يراه أحد، و يجب على الجمع المتقدم القيام مع الأمن من المطلع، و إن قلت بأنّه لو قام فيري دبره، لأنّهم في خلفه، نقول: بأنّ الدبر مستور بالآيتين، إلا أن يقال: بعدم الاكتفاء بهذا النحو من الستر. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 291

منهما حال الاختيار، هذا بالنسبة إلى هذا الاشكال.

[امّا الكلام في اشكال آخر]

و أمّا الكلام في الاشكال الآخر، و هو أنّه مع فرض القيام لم يؤمى بالركوع و السجود مع كون الفرض فرض الأمن من المطلع بقرينة رواية ابن مسكان.

فنقول: إذا بلغ الأمر إلى هنا لا بد لنا من إشباع الكلام في صلاة العاري، و الروايات الواردة في المقام بنحو يظهر ما هو الحق في المقام و يرتفع الاشكال.

فاعلم أنّ الكلام في صلاة العاري مرة يقع في ما إذا يصلّي فرادى، و مرة يقع الكلام في صلاة الجماعة للعراة، و في الأوّل تارة يقع في أنّ تكليفه القيام أو الجلوس، أو القيام في صورة و الجلوس في صورة اخرى، و تارة يقع الكلام في أنّ العاري يركع و يسجد في صلاته، أو يؤمى بهما، أو أن في أي صورة تكليفه الركوع و السجود، و في أي صورة تكليفه الايماء بهما.

أما الكلام في وظيفته إذا يصلّي صلاته بالفرادى، فالكلام في هذه الصورة في مقامين الأوّل في ان وظيفته القيام، أو الجلوس أو التفصيل بين الجلوس و القيام، فنقول: إنّ المستفاد من بعض روايات المتقدمة القيام، و من بعضها الجلوس: قد يقال بوجوب الجلوس كما هو قول بعض، و قد يقال بالقيام مطلقا كما هو قول بعض، و قد يقال بالتخيير بين القيام

و الجلوس مطلقا كما يظهر من كلام المحقق رحمه اللّه «1».

[في ما نقل بالتفصيل في المسألة]

و لكن ما يظهر بالنظر هو ما قدّمنا من التفصيل بين الجلوس و القيام، بأن يصلّي العاري جالسا مع عدم الأمن من المطلع، و أن يصلّي قائما مع الأمن من المطلع، لأنّ بعض روايات الباب و إن تدلّ على القيام مطلقا، و بعضها على الجلوس مطلقا،

______________________________

(1)- الجواهر، ص 200.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 292

و لكن بعد دلالة رواية ابن مسكان- و عدم ورود الخدشة في سندها و إن كان فيها ابهام الواسطة، لأنّ ابن مسكان روى عن بعض أصحابه و هذا البعض مبهم، و لكن بعد ما روى الرواية البرقي، و ينتهي السند إلى ابن مسكان و يروي ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و قابل بأن يروي ابن مسكان بلا واسطة عنه عليه السّلام أوّلا و كون جلالة ابن مسكان بحيث لا يضرّ ابهام الواسطة بصحة الرواية ثانيا، فيأخذ بروايتها- فنقول بالتفصيل المتقدم في المسألة. إذا عرفت ذلك نقول: لا يرد إشكال في الروايات في هذه الجهة، و هل يمكن ان يقال: بأنّ في هذه الصورة راعي الشارع مضافا إلى الستر الّذي واجب بالوجوب التكليفي، الستر الّذي هو شرط في الصّلاة، أو لم يراع إلا الستر الّذي واجب نفسي فقط، لأنّه يحتمل أن يكون الستر الشرطي محفوظا في هذا الحال أيضا في حال الجلوس و القيام، غاية الأمر مستور بالبدن عورتيه و يكفي مستوريتهما بالبدن في هذا الحال بنظر الشارع. «1»

و على كل حال على هذا النحو من التفصيل من القيام و القعود في صورة عدم وجود الناظر، و في صورة المعرضية لوجود الناظر، لا يرد إشكال في الروايات من

______________________________

(1)-

أقول: و ان احتمل ذلك سيدنا الاستاد دام اللّه بقائه، و لكن بعد ما اوردت مع أخي الأغر أيده اللّه بأنّه إن كان الستر الشرطي ملحوظا في هذا الحال، فما معنى التفصيل بين وجود الناظر و عدمه بقرينة رواية ابن مسكان، لأنّ في الستر الشرطي يعتبر الستر، و إن لم يكن ناظر، مضافا بأنّه إن حصل الستر الشرطي و التكليفي بالبدن فلم انتقل التكليف من القيام إلى الجلوس، بل يجب لحفظ القيام حال الصّلاة، القيام مع فرض ستر البدن على ما قلت مطلقا، و لا معنى للجلوس أصلا، لأنّه و لو فرض وجود ناظر، و لكن بعد مستورية العورتين بالبدن، فيجب أن يصلّي قائما، فلا معنى للتفصيل بين القيام و الجلوس، فرفع اليد مدّ ظلّه عن هذا الاحتمال، و عطف عنان الكلام إلى مطلب آخر. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 293

حيث القيام، لأنّ الاشكال المتقدم هو أنّه لا يجتمع الايماء مع القيام كما في رواية علي بن جعفر بأنّه إن كان القيام من باب الأمن من المطلع فلا مانع من السجود و الركوع، فلم امر بالايماء بهما، و يأتي جواب هذا الاشكال في المقام الثاني، فعلى هذا من حيث القيام و الجلوس لا إشكال في الروايات. «1»

[الكلام في المقام الثاني]
اشارة

أما الكلام في المقام الثاني، و هو أنّه هل يجب على العاري الركوع و السجود في

______________________________

(1)- أقول: و اوردت في مجلس البحث إيرادا بأنّه لا يرتفع الاشكال بعد، و هو أنّه بناء على ما أفاده مد ظله فلو فرض كون الستر الشرطي معتبرا حتّى في هذا الحال في الصّلاة، فلا معنى للتفصيل بين القيام و الجلوس، لأنه تستر العورة حال القيام بالبدن، و يحصل الستر الشرطي بهذا

النحو، فلم ينتقل من القيام إلى الجلوس، و إن فرض كون الظاهر من الروايات حفظ الستر التكليفي في هذا الحال فقط، كما يظهر من التفصيل الظاهر من رواية ابن مسكان من الفرق بين وجود الناظر و عدمه، فالجلوس في الأوّل و القيام في الثاني فأيضا يبقى الاشكال في الروايات إن قيل بهذا التفصيل، لأنّه مع فرض حصول الستر التكليفي بالبدن، كما هو الحق و لا إشكال فيه، و إن كان الاشكال في ساترية البدن في مقام الستر الشرطي، فنقول: إنّه مع فرض ستر الدبر بالاليتين، و ستر القبل بالفخذين، أو باليدين، فما وجه الانتقال من القيام إلى الجلوس إن كان يراه أحد مع فرض مستورية عورته و إن يراه أحد.

فالأخذ بالروايات و الالتزام بأنّا نفهم بأنّ وجه الحكم بالقيام في صورة الأمن من المطلع، و بالجلوس في صورة عدم الأمن من المطلع، يكون من باب أهمية حفظ الستر التكليفي، أو الستر التكليفي و الوضعي على القيام الواجب في الصّلاة بدون اعمال تعبد في الروايات، في غير محله.

لأنّه إن التزمنا بالتعبد فنستريح من الاشكال، و إلّا فلا، و أنّ الالتزام بالتعبد في رواية ابن مسكان مع التصريح بوجه لزوم القيام في صورة، و الجلوس في صورة اخرى، مشكل، فلا يمكن دفع الاشكال إلا باحد النحوين: إما برفع اليد عن رواية ابن مسكان و الالتزام إما بالتخيير، أو بالقيام مطلقا، أو بالجلوس مطلقا، و إما من الالتزام بأن البدن ليس ساترا حتّى في الستر التكليفي، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 294

صلاته حال كونه عاريا، أو يجب عليه الايماء بهما حال الصّلاة، فنقول: إن كل رواية من روايات الباب المتعرضة لهذه الجهة- أعنى: تكليف العاري في الركوع

و السجود- تدلّ على أن العاري يؤمى بهما في صلاته (و هي رواية علي بن جعفر، و رواية زرارة، و رواية أبي البختري، و رواية سماعة، و رواية حلبي) إلّا رواية أيوب بن نوح و هي الرواية الثانية، و رواية إسحاق بن عمار و هي الرواية الثامنة، فنقول:

[في ان رواية أيوب بن نوح لا يعتني بها في قبال الروايات]

أما رواية أيوب بن نوح فلا يعتني بها في قبال هذه الروايات، لما قلنا من ضعف سندها من جهة إبهام الواسطة، لأنّه يروي عن بعض أصحابه، و لم يعين شخصه، و من جهة حذف الواسطة لما قلنا من أن بحسب الطبقات لا يمكن أن يروي بواسطة واحدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، بل لا بد من واسطتين أحدها بعض اصحابه، و لا بدّ من شخص آخر يروي عنه هذا البعض، و لم يكن في الطريق عين و لا اثر منه، فلهذا سندها ضعيف.

فيبقى في المقام ما يعارض الروايات الدالة على الايماء- سواء كان يصلّي قائما كرواية علي بن جعفر، أو جالسا كغيرها من الروايات- رواية إسحاق بن عمار فقط، فنقول: إنّه إن كان من الروايات الدالة على الايماء ما يرد فيها الجلوس و الايماء (مثل رواية زرارة، و أبي البختري، و سماعة، و حلبي) فإن فيها مع فرض الجلوس في الصّلاة أمر بالايماء بهما فقط، فيمكن أن يحتمل أحد و يقول: بأنّها غير معارض مع رواية إسحاق بن عمار، لأنّ الأمر بالجلوس و الايماء فيها كان من باب عدم الأمن من المطلع، كما حملنا الروايات الدالة على أن يصلّي جالسا على هذه الصورة، فلهذا أمر بالجلوس و الايماء كي يستر عورته من الناظر، و نحمل رواية إسحاق بن عمار على ما قلنا سابقا، و هو صورة

كون عدم الأمن من المطلع من ناحية نفس أشخاص قطع

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 295

عليهم الطريق، و اخذت ثيابهم فبقوا عريانا، فإن الناظر منحصر بأنفسهم، فلهذا أمر بالإمام بالجلوس و الايماء، لأنّه لو بنى على أن يركع و يسجد يبدو عورته، لأن المأمومين في خلفه، و أمّا المأمومين فجلوسهم كان من باب أنهم لو قاموا حال الصّلاة، فلا يستر عورة كل واحد منهم من الاخر، فلا يأمن كل واحد منهم بالنسبة إلى قبله، و لهذا امرهم بالجلوس، و أمّا حيث لا يكون ناظر من الخارج غيرهم، و إذا وقفوا في صف واحد حال الجماعة يكونون مأمونين من أن ينظر إلى دبرهم، فلهذا امرهم بأنّ يركع المأمومين و يسجدوا.

و لكن بعد دلالة رواية علي بن جعفر، و هي الرواية الأولى من الروايات قدّمنا ذكرها، على أن العاري يصلّي قائما و يؤمى بالركوع و السجود، و فرضنا بأنّ مورد وجوب القيام في الصّلاة هو مورد عدم وجود الناظر، و في فرض الأمن من المطّلع فمع فرض الأمن من المطّلع و عدم وجود من يراه، امر بالقيام و امر بالايماء بهما في صحيحة علي بن جعفر، فعلى هذا لا يمكن رفع التعارض بينها و بين رواية إسحاق بن عمار بالوجه المتقدم، لأنّه و لو حمل كون المأمومين بالركوع و السجود لأجل الأمن من المطلع على خصوص دبرهم، و لكن يعارضها ممّا رواه علي بن جعفر، لأنّ في خصوص هذا الفرض أعنى: الأمن من المطلع أمر عليه السّلام بالايماء بهما، فلا يمكن الجمع بهذا النحو بين الطائفة من الروايات الدالة على الايماء و بين رواية إسحاق بن عمّار الدالة على الركوع و السجود.

فإذا لا يوجد وجه جمع بينهما

و يقع التعارض بينهما، ففي مقام التعارض لا بد من رفع اليد عن رواية إسحاق بن عمار أولا لكون ما يعارضها هو رواية علي بن جعفر، و هي رواية صحيحة، و لا يمكن رفع اليد عنها لأجل هذه الرواية، فلا بدّ من

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 296

طرحها في قبال الصحيحة، مضافا إلى أنّ الركوع و السجود مع كونه عاريا يوجب جعل المصلي نفسه بوضع يكون مستنكرا، و لا يبعد عدم كونه مناسبا مع الهيئة الصلاتية، لأنّه إذا ركع و سجد يبدو دبره، و لم يكن هذا الوضع مرضيا، كما أنّ في رواية زرارة قال (و لا يسجد ان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما) فتركهما صار لازما لأن لا يبدو خلفهما، فهذا دليل على عدم كون كشف الدبر مرضيّا ثانيا، فافهم.

[في وجوب الايماء بالركوع و السجود على العاري]

ثمّ من الأمر بالايماء في كل من حالتى القيام و القعود في رواية علي بن جعفر و غيرها ممّا مر ذكرها نفهم أنّ الشارع لا يرفع اليد حتّى في هذا الحال الّذي يكون المكلف عاريا عن الستر الشرطي بالنسبة إلى خصوص الدبر للأمر بالايماء بالركوع و السجود، و من الواضح أنّ هذا لم يكن تعبدا صرفا، بل نفهم أنّ وجهه هو حفظ شرطية الستر بالنسبة إلى خصوص الدبر، و كون الفرق بينه و بين القبل، و على كل حال نقول: بوجوب الايماء بالركوع و السجود على العاري «1» هذا تمام الكلام في

______________________________

(1)- أقول: لا يستفاد كون الستر الشرطي شرطا حتّى في هذا الحال متمسكا بهذه الروايات الدالة على الايماء حال القيام و الجلوس في خصوص الدبر لا القبل، بدعوى أنّ القبل لا يجب ستره بالستر الشرطي حال القيام المفروض عدم وجود الناظر،

لأنّه بعد كون البدن ساترا و لزوم الستر به فيجب ستر القبل باليد أيضا حتّى حال القيام.

و لا يمكن دعوى الفرق بين اليد و ساير أعضاء البدن بأن يقال: إنّ خصوص الاليتين من البدن يقبلان لأنّ يصيرا ساترا، فمن الأمر بالايماء نفهم ان الدبر مستور بهما، لأنّه لا فرق بينهما و بين اليد.

فنقول: إنّه يمكن دعوى لزوم حفظ شرطية ستر القبل أيضا في هذا الحال، لأنّ بعد كون البدن قابلا لصيرورته ساترا للستر الشرطي فالقبل مستور حال القيام و الجلوس إما بالفخذين و إما باليدين، أو بكل من الفخذ و اليد، بل كما قلنا في المقام الأوّل لا نفهم التفصيل الوارد في رواية ابن

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 297

هذين المقامين و أنت إن تنظر إلى كلمات من تعرض لهذه المسألة ترى أنهم لم يأتوا بشي ء كاف لفهم المطلب في المقام، و غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام ما أفاده مدّ ظله في هذا المقام. «1»

______________________________

مسكان الّتي جعله مدّ ظلّه شاهدا للجمع بين الروايات الدالة على القيام و بين الروايات الدالة على الجلوس، لأنه إن كان البدن قابلا لصيرورته ساترا للستر التكليفي أو الوضعي، فما معنى الانتقال من القيام إلى الجلوس في صورة وجود الناظر، لأنّ العورتين مستوران حال القيام القبل بالفخذين، أو اليدين، و الدبر بالاليتين، فالعورة مستورة و إن كان الناظر موجودا، لهذا قلت:

لا يمكن توجيه الروايات إلا بنحو المتقدم بيانه فتامل. (المقرر)

(1) أقول: ثمّ يمكن أن يورد على رواية إسحاق بن عمار و يجعل ممّا يوهنها بأنّه إن كان حفظ الركوع و السجود أهمّ من الستر الواجب بالوجوب الشرطي في الصّلاة، و لهذا رفع اليد عنه و امر بأن المأمومين يركعون

و يسجدون، فلم شرّعت لهم الجماعة الّتي أثرها أنّ الإمام يؤمى بهما، و يرفع اليد عن الركوع و السجود، فإن كان حفظهما أهمّ من الستر الشرطى في الصّلاة، فكان اللازم أن لا يشرع لهم الجماعة حتّى يصلّون إما في صف واحد فيركعون و يسجدون مع عدم ناظر غيرهم كما فرض لدفع الاشكال من الرواية، أو يتباعدون فيصلّون و يركعون و يسجدون، و ان كان حفظ الستر أهمّ منهما فلم امر بالمأمومين بالركوع و السجود و ترك الستر بالنسبة إلى الدبر.

و إن قلت: إن الإمام يؤمى لأنّ يصلّوا جماعة.

قلت: مع كون الجماعة مستحبا، فكيف يرفع اليد عن الركوع و السجود الواجب لاجل المستحب، فهذا أيضا اشكال في الرواية لنا لا نفهم وجه دفع له، فيصير من موهنات الرواية.

ثمّ إنّه مدّ ظلّه لم يتعرض في البحث عن جماعة العراة، و أنّه هل يشرع لهم الجماعة أم لا؟

وجه عدم المشروعية ما يستفاد من رواية أبي البختري، و هي الرواية التاسعة بترتيب المذكور منّا، فإن فيها قال (فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس، ثمّ صلّوا كذلك فرادى) و لكن ما يخطر ببالى- و إن لم ار من يقول به في مقام الاشكال في الرواية في هذا المقام- هو أنّه بعد ما فرض

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 298

ثمّ إنّه إن قلنا بالتفصيل بين القيام و الجلوس في الصّلاة على العاري، كما اخترنا ذلك، فمورد القيام هو صورة يكون مأمونا من أن يراه أحد، و بعبارة اخرى لا يكون معرضا لأنّ يراه أحد، و الجلوس في صورة كونه معرضا لأنّ يراه أحد، لا أن يجمد بظاهر رواية ابن مسكان بانّه (يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن راه أحد صلّى

جالسا) و يقال: إنّه يجب الجلوس في خصوص مورد يراه أحد، و بعبارة اخرى يكون الناظر موجودا و يعلم به، بل من الواضح أن المراد هو ما قلنا بان الميزان هو المعرضية و عدم المعرضية، فإن كان في معرض أن يراه أحد يصلّي جالسا، و الّا فلا، هذا تمام الكلام في صلاة العاري.

الخصوصية العاشرة:

هل يكون المعتبر في الستر الّذي شرط في كون الساتر من جنس خاص، و مما يكون متداولا من الثياب، أو لا يختص بكونه ثوبا، بل يكفي كل ما يستر به العورة و إن كان طينا، بل و بدن الشخص، أولا يعتبر أن يكون خصوص الثياب، بل يكفي غيره مثل الحشيش، و لكن لا يكفي كل شي ء حتى

______________________________

في هذه الرواية أن العاري يصلّي جالسا و يؤمى بالركوع و السجود، فإن فرض كونهم جماعة، فهم بعد كونهم جالسين يستر عوراتهم بالاليتين و الفخذين، فإن كان من ينظر بهم من أنفسهم، أو من الخارج فلا تبدو عوراتهم حتّى يجب عليهم التباعد لأنّ لا يرى عوراتهم، فهذا شاهد على أن قوله (فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمّ صلّوا كذلك فرادى) ليس دالا على وجوب التباعد و الفرادى، فعلى هذا لا دلالة لهذه الرواية على عدم مشروعية الجماعة في حقهم خصوصا مع الاشكال في سندها.

و دعوى الاجماع على مشروعية الجماعة في حقهم، و لا سيما مع دلالة رواية عبد اللّه بن سنان، و هي الرواية السابعة ممّا ذكرنا من الروايات في هذا الباب، فعلى هذا، الحق مشروعية الجماعة للعراة، فافهم. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 299

الطين و البدن؟

اعلم أنّه لا اشكال في عدم اختصاص كون الساتر من جنس الثياب المتداول لبسه، و كون الدرع و

الخمار أو الثوب واردا في الروايات لا يصير دليلا على الساتر بها لعدم خصوصية، و يدل على ذلك رواية علي بن جعفر الّتي جعلناها الرواية الأولى من الروايات الواردة في صلاة العاري، فإن هذه الرواية صريحة في الاكتفاء بالحشيش في الساترية للصّلاة، فعلى هذا لإشكال في كون الحشيش ساترا.

و أمّا الطين فأيضا لا إشكال لنا في أن العورة تستر به، لعدم لزوم أزيد من ستر العورة بحيث لم تكن البشرة ظاهرة، و لا مانع من ظهور الحجم، و الطين قابل لأن يستر البشرة، فعلى هذا لم يكن إشكال في الستر به.

و لكن نقول: بعدم جعله ساترا بحيث لا يجوّز الشارع رفع اليد عنه و الصّلاة عاريا، لا لعدم قابليته لأنّ يستر العورة، بل لأنّ الستر به موجب للحرج، لأنّ الإطلاء به عسر على الشخص، فلهذا نقول: بأنّه لا يبعد عدم وجوب الستر به إن دار أمر المكلف بأن يستر به أو الصّلاة عاريا.

و امّا البدن فهل يقبل أن يسير ساترا للصّلاة، بمعنى أن يستر المصلي عورته ببدنه، مثلا يستر الرجال دبرهم بالاليتين، و قبلهم بالفخذين أو باليدين، أولا؟

لا يبعد أن يقال: بكون البدن أيضا ممّا يستر به العورة إما في مطلق القبل و الدبر، لما قلنا من أنا نفهم من كون الوظيفة للعارى، بمقتضى الجمع بين الروايات، هو القيام في صورة الأمن من المطلع، و الجلوس في صورة عدم الأمن منه، بأن الستر الّذي شرط في الصّلاة لازم الحفظ حتّى في هذا الحال، و يحفظ ذلك حال القيام، و كذا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 300

الجلوس بالفخذين و الاليتين، لأنّ بالأوّل يستر القبل، و بالثاني يستر الدبر. «1»

أو في خصوص الدبر، لأنه بعد ما وجب

الايماء بالركوع و السجود، بمقتضى بعض الروايات المتقدمة و عدم العمل برواية أيوب بن نوح و إسحاق بن عمار، فإنّا نفهم بأن وجه الأمر بالايماء بهما يكون من باب حفظ شرطية ستر الدبر في قبال الركوع و السجود، و تقديم حفظ ستر الدبر عليهما، و لهذا أمر بالايماء بهما، فهذا دليل على أن الاليتين يكفي لصيرورتهما ساترا للدبر. «2»

الخصوصية الحادية عشر:

لو فرض كون الساتر المعتبر في الصّلاة غير

______________________________

(1)- (أقول: و لكن بعد ما أعدت الاشكال الّذي ذكرنا سابقا في طي البحث في المقام الأوّل، من أنّه ان كان الستر الشرطي معتبرا في هذا الحال و حصل بالبدن، فما وجه الانتقال من القيام إلى الجلوس، و مضافا بأن ذلك لا يناسب مع رواية ابن مسكان الدالة على أنّ الانتقال من القيام إلى الجلوس يكون لأجل عدم الأمن من المطلع، و هذا مناسب مع الستر التكليفي، و مع عدم كون البدن ساترا، لأنه إن كان البدن ساترا للستر التكليفي و الوضعي فحال القيام تكون العورة مستورا بالاليتين و الفخذين أو باليدين، فما وجه الانتقال من القيام إلى الجلوس، صرف النظر عن ذلك مدّ ظله) (المقرّر).

(2)- (اقول و لكن كما قلنا سابقا في المقام الثاني من المقامين في صلاة العاري ان كان وجه الايماء الدال عليه بعض الروايات حفظ ستر الوضعي أو التكليفي في مقابل الركوع و السجود و كون البدن ساترا للقبل و الدبر أو لخصوص الدبر فما وجه الانتقال من القيام إلى الجلوس لانه يمكن له ان يصلى قائما و يستر عورته قبلا و دبرا ببدنه القبل بالفخذين أو اليدين و الدبر بالاليتين فيحفظ القيام الّذي هو شرط في الصّلاة و الستر كليهما و لا مجال

لأنّ يقال بان القبل لا يستر بالفخذين و اليدان لا يكونا محصّلا للستر لانّه لا فرق بين الاليتين في حيث كونهما ساترا و بين اليدين فعلى هذا لا يمكن استفادة كون البدن ممّا يستر به العورة و يصير ساترا للستر المعتبر في الصّلاة و ان كان ساترا للستر التكليفي و لهذا في الستر الواجب بالوجوب التكليفي يكفي الستر و لو بالبدن). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 301

مختص بكونه من الملبوسات و الثياب، و يكفي غيره من الحشيش و الطين و البدن، فهل يكون ترتيب بين هذه الامور بمعنى انّه يعتبر أولا حال الصّلاة ستر العورة بالثوب و اللباس، فإن لم يجد الثوب و اللباس تصل النوبة بالحشيش مثلا، ثمّ بالطين، ثمّ بالبدن، أو لم يكن ترتيب بينها، فمن كان متمكنا من الستر بالثوب يجوز له الستر بالحشيش و غيره ممّا يقبل أن يكون ساترا.

ما يمكن أن يكون وجها للأوّل هو رواية علي بن جعفر، و هي الرواية الأولى من الروايات الّتي ذكرناها في البحث عن صلاة العاري، و هي هذه (علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الرجل قطع عليه، أو غرق متاعه فبقى عريانا و حضرت الصّلاة، كيف يصلّي؟ قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم) بدعوى أنّ الرواية- بعد فرض كون الرجل بلا لباس و ثوب كما يستفاد منها، و بقائه عريانا- دالة على جواز الستر بالحشيش، فبعد كون المفروض صورة عدم الثوب، و كون جواز الستر بالحشيش في هذه الصورة، فإن كان واجدا للثوب لا يجوز له أن يستر عورته بالحشيش،

فالرواية تدلّ على الترتيب.

و لكن الحق عدم كون ترتيب بين ما يقبل لكونه ساترا للستر المعتبر في الصّلاة، و ما ورد في رواية علي بن جعفر لا يدل على الترتيب، لأنّ تجويز الحشيش في هذا الفرض ليس من باب عدم قابليته لأنّ يصير ساترا مع وجود الثوب، بل كان ذلك فرض السائل بأنّه لا لباس له، فجوّز عليه السّلام أن يستر عورته بالحشيش، لا أنّ عدم وجود الثوب شرط في قابلية كون الحشيش ساترا، و فرض السائل صورة عدم وجود الثوب ليس من باب كون المعلوم بنظره الترتيب، بل من باب أن من

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 302

يكون له الثوب لا داعي له بأن يترك الثوب و يستر نفسه بالحشيش و غيره، فعلى هذا لا يعتبر الترتيب، بل يكفي كل ما اكتفينا كونه قابلا لصيرورته ساترا للستر المعتبر في الصّلاة، فبناء على هذا إن قلنا بكفاية الطين أو البدن، فهما في عرض الثوب، و لا ترتيب بينها.

الخصوصية الثانية عشر:
اشارة

يقع الكلام في فروع:

الفرع الأول:

لو لم يجد المصلّي إلّا ما يستر به أحد عورتيه، فما يكون تكليفه؟

اعلم أنّ الكلام تارة يقع في ما يكون ما يوجد له من الساتر يقبل لأنّ يستر به أحد عورتيه معينا، مثلا يقبل الساتر لأنّ يستر به خصوص القبل، أو خصوص الدبر، فلا إشكال في هذه الصورة في أنّ تكليفه ستر خصوص ما يمكن ستره حال الصّلاة من أحد عورتيه، لأنّه مقدوره و يجب حفظه الشرط في المقدور الممكن، و هو أحد المعين من عورتيه.

و تارة يقع الكلام في ما لا يجد الا ما يستر به أحد عورتيه لكن لا أحد المعين، بل ما يمكن له ليس إلا ستر واحد من القبل أو الدبر بهذا الساتر بحيث لا يمكن له سترهما به، و لكن يمكن له ستر واحد منهما، فهل يكون في هذا الفرض ترجيح لأحد من القبل و الدبر على الآخر، فيقال مثلا: يقدم القبل على الدبر أو العكس، أو ليس ترجيح لستر أحدهما على الآخر، بل يكون مخيرا في أن يستر بهذا الساتر الّذي يجد له القبل أو الدبر.

الحق التخيير بينهما لعدم وجه وجيه لترجيح ستر كل واحد من القبل و الدبر

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 303

على الآخر. «1»

الفرع الثاني:
اشارة

بعد ما يكون تكليف العارى، الغير المتمكن من تحصيل الساتر، الصّلاة عاريا فإذا شرع العاري في صلاته، ثمّ وجد له الساتر في أثناء الصّلاة فما يصنع؟ اعلم أنّ للمسألة صورا:

الصورة الأولى:

ما إذا كان مشتغلا بالصّلاة و يوجد الساتر في أثناء الصّلاة، و كان آخر الوقت بحيث لو رفع اليد عن صلاته لا يدرك من الوقت مع الساتر حتّى ركعة، فلا إشكال في هذه الصورة في أنّه يتمّ ما بيده من الصّلاة، غاية الأمر إن كان متمكنا من تحصيل الساتر حال الصّلاة بدون فعل المنافي، فيستر عورته و يتم صلاته، و إن لم يتمكّن من ذلك يتمّ صلاته عاريا، و ذلك لأنّه لو قطع صلاته فلا يقدر على درك حتّى ركعة من صلاته في الوقت بعد ذلك، فلأجل أهمية الوقت لا بد من الاكتفاء بهذه الصّلاة و إتمامها إمّا مع الستر بالنسبة إلى بقية صلاته إن أمكن له الستر في الاثناء بدون فعل المنافي، و إمّا عاريا في صورة عدم إمكان

______________________________

(1)- أقول: أعلم أنّ في هذا الفرض لا بد و أن يفرض مورد لا يمكن ستر أحد العورتين بالبدن، أو نلتزم بعدم كفاية ساترية البدن للستر الّذي شرط في الصّلاة حتّى يكون الدوران بين ستر القبل بالساتر الموجود له أو الدبر، و يقال بالتخيير في صرف ساتره في أي منهما شاء، و إلّا فإن كان البدن ساترا و لم يكن ترتيب بين أقسام الساتر، ففي الصّلاة حال القيام يحصل الستر بالبدن و في حال الركوع و السجود حيث يبدوا الدبر، و امّا القبل متسور بالفخذين أو باليدين، فيجب أن يستر بالساتر، الدبر معينا لانه لا يمكن ستره حال الركوع و السجود بالبدن و لا وجه

للانتقال بالايماء مع وجود الساتر، إلا أنّه يمكن أن يقال: بان مثل هذا المورد خارج عن الفرض، إذا المفروض يكون صورة لا يتمكن من ستر كل من القبل و الدبر بما يقبل أن يصير ساترا، بل يتمكن من ستر أحدهما، فنقول في هذه الصورة كما أفاده مد ظله فافهم. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 304

ستر عورته في بقية صلاته بدون فعل المنافي.

الصورة الثانية:

ما إذا كان الوقت موسّعا بحيث إذا رفع اليد عن الصّلاة بيدها يمكن له إتيان مجموع صلاته بعد ذلك في الوقت، و في هذه الصورة تارة يمكن ان يستر العورة في ضمن الصّلاة بدون فعل المنافي، و تارة لا يمكن له الستر في ما بقى من صلاته إلا بفعل المنافي.

أما ما إذا كان مشتغلا بالصّلاة و وجد له ساتر، و تمكّن من الستر به بدون فعل المنافي، فبناء على كون أجزاء البدن كاليدين و الفخذين و الاليتين محصّلا للستر الشرطي، فلا مجال للاشكال في تتميم الصّلاة مع الساتر، بمعنى أنّه يستر عورته حال الصّلاة، فما مضى من صلاته صحيح، بل واجد للشرط، و كذا ما بقى من صلاته غاية الأمر تبدل ساتره بساتر آخر، فقبل وجود الساتر الّذي هو غير بدنه كان الشرط حاصلا بستر عورته بالبدن، و بعد تستره بما وجد من الساتر يستر عورته به، فعلى هذا وقع تمام صلاته مع الستر، فكل جزء من أجزاء صلاته كان مع الشرط حتى الحال الّذي ينتقل من ساترية بدنه إلى غيره من السواتر، لأنّ في هذا الحال يكون مستورا عورته ببدنه.

ففي هذه الصورة لا مجال للاشكال، لأنّ الاشكال إن كان من باب عدم الستر في ما مضى من صلاته، لأنه لم يكن عورته

مستورا بالثياب مثلا، فنقول: إنّه بعد كون البدن من مصاديق الساتر، و بعد عدم كون ترتيب في مصاديق الساتر، بل يكون كل من أفراده في عرض واحد، فهو في ما مضى من أجزاء صلاته كان واجد الشرط الستر، و كذلك في ما بقى من صلاته.

و إن كان الاشكال من باب أنّه في ما مضى من صلاته إن مضى موضع

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 305

الركوع و السجود، مثل ما مضى ركعة من صلاته، أومأ بركوعه و سجوده، و لم يأت بالركوع و السجود الكامل المختار.

فنقول: إنّه بعد عدم وجوب تأخير الصّلاة على من لم يتمكّن من الستر إلّا بالبدن إلى آخر الوقت، بل يجوز له البدار لإطلاق روايات المتقدمة في باب صلاة العاري، و خصوصا مع التصريح في الرواية أبي البختري منها، و هي الرواية التاسعة ممّا ذكرناها بأنّه (فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت) الظاهر في استحباب التأخير إلى أن يخاف ذهاب الوقت، فنقول: إنّ تكليفه إلى الحال كان الايماء بالركوع و السجود، و فيما يبقى من صلاته يكون تكليفه إتمامهما لا الايماء، فوقعت صلاته على طبق ما كان مكلفا به، فلا اشكال في هذا الفرض في انّه يستر بدنه بما وجد من الساتر، و يتم صلاته و تقع صحيحة. «1»

و أمّا بناء على عدم كون أجزاء البدن ساترا ففي الفرض المكلف اشتغل بالصّلاة و أتى ببعض الصّلاة عاريا، لعدم تمكنه من تحصيل الستر الّذي هو شرط في

______________________________

(1)- أقول: فعلى هذا في هذا الفرض الانتقال من مصداق من الساتر، و هو أجزاء البدن إلى مصداق آخر و هو الثوب، ليس من باب عدم كون ما مضى من صلاته غير واجد

للستر الّذي شرط في صلاته، لأنّ عورته مستورة ببدنه، بل يكون لزوم الانتقال من باب أنّه في ما مضى كان يؤمى بركوعه و سجوده، أو كان يجلس في موضع القيام لأجل وجود الناظر في ما فرض أن في حال الصّلاة لم يكن مأمونا من المطلع فترك للاضطرار القيام و الركوع و السجود، فإذا فرض تمكنه من أن يستر عورته بالثياب فهو متمكن من أن يصلّي قائما و يتمّ ركوعه و سجوده، فلهذا يجب عليه الستر بالستر في ما يبقى من صلاته لأنّ يصلّي صلاته قائما و إن كان ناظرا و يتم ركوعه و سجوده، و الّا لو لم يكن لزوم حفظ القيام و الركوع و السجود حال التمكن فلا يجب عليه أن يستر عورته بالساتر الّذي تمكن منه في أثناء الصّلاة، لأنّه واجد لشرط الستر، غاية الأمر بمصداقه الآخر و هو أجزاء البدن. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 306

الصّلاة و في ضمن الصّلاة، تمكّن من الساتر بأن يستر عورته بدون فعل المنافي، فهل يكتفي بهذه الصّلاة في مقام الانتقال، و يستر عورته، و يتم باقى من صلاته، أو لا يمكن الاكتفاء بها، بل يجب إتيان صلاة اخرى مع الستر مع سعة الوقت لذلك.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 3، ص: 306

اعلم أنّه إن قلنا بجواز البدار على العاري، كما هو الحقّ لما قدّمنا من عدم اعتبار التأخير إلى أن يخاف فوت الوقت، فالمقدار الّذي وقع من صلاته بلا ستر وقع صحيحا، لأنّ تكليفه كان في هذا الحال الصّلاة عاريا، و ما بقى من صلاته يستر عورته بالساتر الموجود له

فعلا فيقع صحيحا أيضا، لأنّه يقع مع الشرط.

و أمّا في المقدار المتخلل حال الصّلاة بين السابق الّذي أتى ببعض صلاته عاريا، و بين اللاحق الّذي يأتي ببعض الصّلاة مع الساتر- أعنى: المقدار المتخلل بينهما، و هو المقدار الّذي تمكن من الستر، و بنى على أن يستر- ففي هذا المقدار يكون بلا ستر قهرا، فيقال: إنّه إن دل دليل الدال على صحة صلاة العاري على شموله لمثل هذه الصورة الّتي تمكن من الستر في ضمن الصّلاة، فإن لم يكن هذا المقدار المتخلل مغتفرا يوجب لغوية الدليل الدال على صحة صلاة العاري الشامل لهذا المورد، فعلى هذا لا اشكال في هذه الصورة أيضا.

(و أمّا صورة توقف الستر على فعل المنافي من هذا المورد، و كذا صورة تمكّنه من الستر حال الصّلاة، و الحال انّه إن قطع صلاته لا يدرك من الوقت إلا مقدار أداء ركعة من صلاته، فلم يتعرض لها سيدنا الاستاد مد ظله، و عطف عنان الكلام إلى مسئلة اخرى و هي هذه).

الفرع الثالث:
اشارة

هل يكون الستر شرطا في الصّلاة مطلقا في حال العمد، و الجهل بقسميه، و النسيان، أو تكون شرطيته مخصوصة ببعض هذه الصور؟

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 307

فنقول مقدمة: بأنّ الأحكام الّتي وصلت بأيدينا من الشارع تارة تصل إلينا بمعونة الاطلاقات أو العمومات، و بعبارة اخرى بمعونة ظواهر تستفاد من الادلة، و تارة ليس كذلك، بل نرى من وضع الشرع و المتشرعة و مغروسية حكم عندهم من صدر الأوّل إلى زماننا من كل من يكون له ربط في الشرع، و في زمرة المتشرعة أنّ الحكم كان عنده مسلما، بحيث لا يرى ترديد في هذا الحكم عندهم أصلا، و لهذا كل ما يرى في الروايات

لم يكن فيه ذكر من أصل هذا الحكم من المعصومين، و لا سؤال عن أصل الحكم من السائلين، بل كل ما وقع السؤال و الجواب فيها لم يكن إلا من خصوصيات هذا القبيل من الأحكام، و هذا أيضا شاهد على أنّ أصل الحكم كان ثبوته مفروغا عنه عندهم، و لهذا وقع السؤال و الجواب عن الخصوصيات، و كلما وجدت أحكام ثابتة بهذا النحو، فحالها كحال الأحكام الثابتة من الأدلة اللازم الاخذ بها و إن لم تكن مثلها من حيث طرق الاثبات.

فإن كان حكم في الشرع بهذا الوزان بحيث يكون مسلما، و يرى من الأحكام المسلّمة من زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الصادع بالشرع عند المسلمين إلى زماننا، فما قد يختلج بالبال هو أنّه في مثل هذه الأحكام إذا شك في خصوصية من خصوصياتها، لا يمكن التمسك في نفي المشكوك من خصوصياتها بالبراءة.

و لا تتوهم بأنّا غفلنا ما هو مبيّن في محله من أنّ مع الشّك في جزئية شي ء، أو شرطيته، أو جزئيته أو شرطيته مطلقا، أو في حال مخصوص، أو في دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطي تجري البراءة.

لأنّا نجري البراءة الشرعية، و كذا العقلية إن كانت براءة عقلية، و لم نقل بما قال المحقّق الخراساني رحمه اللّه من الاشكال في إجراء البراءة العقلية في الأقل و الأكثر

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 308

الارتباطي، و كذلك لا نجوّز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية حتّى تقول: بأنّه و لو فرض ثبوت حكم في الشرع إما من الادلة المعهودة من العموم و الاطلاق و ساير الحجج، أو ما بنحو الّذي قلت، و لكن في المقدار المعلوم الثابت نأخذ بالحكم، و في المقدار

المشكوك نجري البراءة في الأقل و الأكثر و في الشبهات المصداقية.

و لكن نقول بأنّه بعد ما بينّا بأنّ مدرك حجية جلّ الحجج المثبتة للأحكام، أو النافية هو بناء العقلاء، لأنّ حجية العموم و الاطلاق، و كذا الخبر الواحد يكون ذلك، و كذا أصالة البراءة العقلية، و لهذا كان الواجب الفحص ثمّ إجرائها، نقول: بأنّ بناء العقلاء في هذه الموارد هل هو إجراء البراءة بصرف الشك، أو ليس بناء العقلاء على ذلك، بل يلزم الاحتياط إلّا في خصوص ما دل الدليل على إخراجه، و لا يبعد أن يكون كذلك.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ مسئلة الستر تكون كذلك، لأنّ شرطية أصل الستر في الصّلاة و دخله فيها من الأحكام المسلمة بحيث لا يرى شك في زمان من الأزمنة في دخله فيها من صدر الأوّل إلى الآن، و حتى يرى من الأسئلة و الأجوبة الواردة في الروايات الواقعة من خصوصياته، كون أصل المسألة من المسائل المفروغ عنها، مثلا يسأل تارة عن الغير المتمكن من الستر كالعاري، أو من رجل صلّى و فرجه خارج و هو لا يعلم، أو ممّا يلزم أن يستر به الرجل أو المرأة، و أقل ساتر يسترهما في الصّلاة، ففي كل هذه الأسئلة و الأجوبة يرى كون أصل شرطية الستر مسلما عندهم.

فإذا كان كذلك، فإن شككنا في خصوصية من خصوصيات هذا الحكم

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 309

المسلّم، مثلا نشك في أنّ هذا الحكم ثابت في خصوص حال العمد، أو معتبر حتّى في حال الجهل، فهل يكون المرجع في مورد الشّك البراءة، أو كما قلنا لا بد مع كون الحكم بهذه المرحلة من الوضوح من ترتيب الأثر عليه مطلقا إلا في ما ورد من الشرع

من عدم كونه ساريا إلى موضوع خاص، و عدم كون هذا الحكم في حال من الأحوال، أو في خصوصية من الخصوصيات، و لا تجري البراءة في ما شك من خصوصياته بكون الحكم ثابت معها، أولا.

لا يبعد أن يكون الأمر كذلك، لعدم بناء العقلاء على إجراء الأصول في مثل هذه الموارد. «1» ثمّ إن قلنا كذلك، فلا إشكال في أنّه في مسئلة الستر كلما شككنا في الخصوصيات الراجعة إليه، و لا ندري بأنّ الحكم ثابت معها أولا، لا مجال لإجراء البراءة، و لا بدّ من حفظ الشرط إلا ما خرج بالدليل، ففي الفروع الّتي نتعرض لها لا تجري البراءة و نرفع اليد عن شرطية الستر إلا في المقدار الّذي قام الدليل على اخراجه.

و أمّا لو لم نقل بهذه المقالة، و قلنا بإجراء البراءة في أمثال هذه الموارد، فنقول

______________________________

(1)- أقول: و إن كان مدّ ظلّه متوجّها بما يرد على هذا الكلام، و لهذا قد تصدى لدفع الدخل و كان في مقام ذكر نكتة دقيقة مع قطع النظر عما نجري على حسب المباني في الأصول، و نبحث حوله، و كان وجه ترديده في إجراء البراءة ما أفاده و لكن مع ذلك لا يخطر بالبال فرق في المقام مع ساير الموارد الّتي نجري البراءة، غاية الأمر أنّ الأحكام الثابتة بهذا النحو يكون كالعموم أو الاطلاق المستفاد من رواية صحيحة بل و من القرآن الكريم، و لكن القدر المسلم منه نأخذ به و في المقدار المشكوك في كونه فردا للعام أو المطلق أو كونه داخلا في موضوع الحكم أو كان الشك في كون اللفظ يشمله أو لا، فلا نرى إشكالا في إجراء البراءة على حسب ما قوينا في الأصول،

و يكون مورد البراءة، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 310

بعونه تعالى: أنّه إذا شك في أنّه هل يعتبر الستر في الصّلاة مطلقا، أو يختص بصورة العلم و العمد و الاختيار، و باقى الصور الّتي تكون محلا للكلام بعد ذلك إن شاء اللّه.

[ما يكون دليلا لكون شرطية الستر مختصة ببعض الاحوال امور ثلاثة]

فما يمكن أن يكون دليلا لكون شرطيته مخصوصة ببعض الأحوال امور ثلاثة:

الأمر الأول: حديث لا تعاد.

الأمر الثاني: ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن احمد عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه (قال: سألته عن الرجل صلّى و فرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال: لا اعادة عليه و قد تمّت صلاته.) «1»

الأمر الثالث: حديث الرفع.

فنقول الأمر الأول: حديث لا تعاد، فهي الرواية 4 من الباب «1» من أبواب قواطع الصّلاة و ما يجوز فيها، و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا تعاد الصّلاة إلا من خمسة الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود، ثمّ قال: القراءة سنة، و التشهد سنة فلا ينقض السنة الفريضة). «2»

[الكلام في حديث لا تعاد]
اشارة

و قبل التكلم في المسألة لا بدّ لنا من التكلم في حديث لا تعاد بنحو الاجمال كي تكون أنت على بصيرة من مفاده، و موارد شموله و عدم شموله، فنقول: إنّ بعض من أدركنا محضره من الأعاظم كان نظره على أنّ الحديث يشمل حتّى صورة العلم و العمد، فمن ترك في صلاته من غير المستثنى شيئا و لو عمدا، فلا يضرّ بصلاته لقوله

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 27 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 1 من أبواب قواطع الصّلاة و ما يجوز فيها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 311

(لا تعاد الصّلاة إلا من خمس) و الناظر يرى أن في شمول الحديث لخصوص النسيان، أو الجهل، و غير ذلك كلمات و اختلاف بين الفقهاء رضوان اللّه عليهم.

و على كل حال ما يأتي بالنظر

أنّ مفاد الحديث، هو أنّ من كان يريد اتيان الصّلاة بنحو المطلوب، و كان بنائه على إتيان صلاته بما لها من الأجزاء و الشرائط، و لم يأت بها كما هو المطلوب من غير اختيار، فلا إعادة عليه إن لم يكن ما قصر منها من الخمسة، و لا يمكن شمولها لحال العمد.

أما أولا فلأنّ الحديث متعرض لصورة وقوع الصّلاة، و أنّه إذا فرغ من الصّلاة فرأى أنّ في صلاته وقع نقص، و لهذا عبّر بقوله (لا تعاد) و هذه العبارة ظاهرة في مضى الصّلاة و أنّ ما مضى من صلاته لا تجب الاعادة، و إن قلنا بشمول الرواية لما كان المكلف في أثناء الصّلاة، فمع ذلك يكون في مورد نقص في صلاته شي ء، و مضى محل تداركه، فعلى كل حال ليست الرواية متعرضة لحال الشروع في الصّلاة، بمعنى انّه يجوز بمقتضى الحديث للمكلف الشروع في الصّلاة، و ينقص شيئا عمدا، و يتمسّك بالحديث، و أنّه لا تجب الاعادة، لأنّ الرواية غير متعرضة لهذه الصورة.

فإذا لم يكن الحديث متعرضا لجواز الابتداء و الدخول في الصّلاة، و عدم إتيانه بالجزء أو الشرط محتجا بالحديث، فلا يمكن شمول الحديث لصورة العمد، و ترك جزء أو شرط من الصّلاة عمدا.

و ثانيا أنّ شمول الحديث لصورة العمد مناف مع جعل الأجزاء و الشرائط جزء و شرطا في الصّلاة، لأنّ معنى كون القراءة مثلا جزء عدم تماميّة بدونها، فإن كان مفاد حديث (لا تعاد) هو تجويز ترك الجزء أو الشرط و تركهما عمدا في الصّلاة،

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 312

يكون لازمه رفع اليد عن الجزء و الشرط، فهذا مناف مع اعتبارهما، و حيث يلزم من شمول الحديث لصورة العمد لغوية جعل شي ء

جزء أو شرطا، نفهم عدم شمول الحديث لصورة ترك العمدية.

[لا يشمل حديث لا تعاد لصورة العمد]

فإذا عرفت عدم شمول الحديث لصورة العمد نقول: بأنّه كما قلنا ظاهر الحديث هو أن كلّ ما تعلقت الإرادة بفعله في الصّلاة بحيث يكون المريد للصّلاة مريدا له أوّلا و بالذات، و كان بناء المكلف على إتيانه في الصّلاة، بحيث لو لم يمنعه الصوارف الّتي ليست تحت اختياره ليقع منه في ضمن الصّلاة، و يوجد ما بنى عليه في الخارج، و إذا لم يوجد ما كان بنائه على إتيانه، و ما وقع مراده في الصّلاة، لأجل طرو بعض ما ليس تحت اختياره، فلا تعاد الصّلاة في هذه الجهات إلا في خمسة امّا ما كان تركه تحت اختياره، و مع ذلك تركه فلا يشمله الحديث.

فعلى هذا نقول: بأنّ نسيان الموضوع يشمله الحديث، فمن نسى القراءة مع علمه بكون القراءة واجبة في الصّلاة، فلا يجب عليه إعادة الصّلاة لأجلها لقوله عليه السّلام (لا تعاد الصّلاة إلا من خمسة) لأنّ ترك القراءة مع كون بنائه على إتيانها مستند إلى نسيانه، و هو أمر غير اختياري له، و كذلك الجهل بالموضوع مثل من يكون جاهلا بكون ساتره في الصّلاة يكون فيه خرق يكشف عورته، و امّا صورة ترك شي ء يعتبر في الصّلاة عمدا، أو تركه مع الشّك في الحكم، مثلا لا يدري بأنّ القراءة واجبة في الصّلاة أم لا، و مع ذلك تركها، فلا يشمله الحديث.

و أمّا الجاهل المركب- سواء كان جاهلا مركبا في الحكم، مثل من يعتقد جهلا بعدم كون القراءة مثلا جزء للصّلاة، أو الستر شرطا فيها، أو كان جاهلا مركبا في الموضوع، مثل من يكون قاطعا بكون عورته مستورا حال الصّلاة، و الحال أنّ في

تبيان

الصلاة، ج 3، ص: 313

ثوبه خرق يكشف عورته حال الصّلاة- فهل يكون عموم (لا تعاد) شاملا له أم لا؟

لا يبعد شمول الحديث للجهل المركب أيضا لأنّ تركه الجزء أو الشرط في الصّلاة باعتقاد عدم شرطيته أو جزئيته، أو باعتقاد كونها واجدا لهما ليس تحت اختياره، إذ مع هذا الاعتقاد غير متمكن لاتيانهما، و لم يكن عن عمد و علم باعتبارهما، أو عدم تحصيلهما حتّى يقال: بعدم شمول الحديث له، و لا مانع من شمول (لا تعاد) للجهل المركب.

و أمّا شمول الحديث لخصوص الأجزاء و شرائط الصّلاة بمعنى، أنّه لو نسى الجزء، أو الشرط مثلا، فيحكم بعدم الاعادة بمقتضى الحديث، أو يشمل الحديث مضافا إلى الأجزاء و الشرائط للموانع أيضا.

قد يقال: بالشمول جمودا على ظاهر قوله (لا تعاد الصّلاة إلا من خمسة) فما سوى الخمسة لا تعاد الصّلاة من أجله سواء كان شرطا أو جزء أو مانعا من الموانع، و لكن بعد التأمل فالحكم بشمول الحديث للموانع مشكل، لأنه بعد ما قلنا من ان لسان (لا تعاد) هو عدم لزوم إعادة الصّلاة في ما تعلق به إرادة المكلف بمقتضى الأمر بالصّلاة أوّلا و بالذات، بحيث تكون إرادة الصّلاة أوّلا و بالذات إرادتها أعنى:

من يريدها يريد اتيان هذا الشي ء أوّلا و بالذات، و لكن لم يأت بها لطرو امر غير اختيارى للمكلف.

فعلى هذا نقول: بأن الجزء و الشرط حيث يكون وجودهما معتبرا في فمن يريد الصّلاة، يريدهما أوّلا و بالذات، و امّا بعد عدم كون الموانع ممّا يكون وجودها دخيلا في الصّلاة، لأنّ بوجودها تبطل الصّلاة و لا عدم وجودها شرطا في الصّلاة، بل معنى دخلها في الصّلاة ليس إلا أنّ من يريد الصّلاة و اتيان ما

يعتبر فيها حيث يرى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 314

انّه لو وجد أحد الموانع في أثناء هذا العمل يحصل الاختلال في هذا العمل أعنى:

الصّلاة، فلم يوجدها، لأنّ يقع ما يريد إتيانها في الخارج و يحصل مراد المولى، فالإرادة إن تعلقت بالموانع تعلقت بالواسطة و بالعرض، فليس وزانها وزان الجزء و الشرط، فإذا كان كذلك فشمول الحديث لها مشكل، مضافا إلى أنّ ما ذكر في المستثنى ليس من الخمسة أحد من الموانع، بل المذكور إما جزء أو شرط، فهذا شاهد على أن المستثنى منه يكون من جنس المستثنى أعنى: لا يكون إلا الأجزاء و الشرائط، فمن أجل ذلك شمول الحديث للموانع عندنا مشكل. «1»

______________________________

(1)- أقول: كما قلت به مدّ ظلّه في مجلس بحثه، لا يرى مانع في شمول الحديث للموانع، لأنّ من يريد إتيان الصّلاة يريد إتيانها كما امر بها، و الحال أنّ الصّلاة لا تصير صلاة إلا بفعل امور و ترك امور، فلا بدّ من إتيان أشياء و هي عبارة عن الجزء و الشرط، و ترك أشياء، و هي ما نعبّر عنها بالموانع، فكما أنّ مريد الصّلاة يريد إتيان ما هو جزء و شرط لها، كذلك يريد ترك ما يكون وجوده مضرا فيها أعنى: الموانع، فقوله (لا تعاد الصّلاة إلا من خمسة) يدلّ على عدم إعادة الصّلاة إلا من خمسة، و بعد بيان ما افاده مد ظله يدلّ الحديث على أن صلاته إذا وقعت فاقدة هو معتبر فيها بلا اختيار، و يكون المفقود غير الخمسة، فلا تجب الاعادة، فنقول: بأنّ الموانع ليست من الخمسة، فلا مانع من شمول الحديث لها.

و أمّا ما أفاده مد ظله من أن كون المستثنى من خصوص الجزء و الشرط شاهد

على كون المستثنى منه خصوص الجزء و الشرط، فأقول: إنه بعد عدم قصور في قوله (لا تعاد إلا من خمسة) لشمولاه للموانع، بأنّ ذكر خصوص الخمسة يكون من باب أنّ الاعادة لا تجب إلّا فيها، فلا وجه لذكر بعض الموانع أو كلها من الخمسة، فعدم ذكر واحد من الموانع في المستثنى يمكن أن يكون من باب عدم كون شي ء منها ممّا يوجب الاعادة في صورة وجوده نسيانا أو جهلا، لا من باب عدم كون الموانع داخلا في المستثنى منه أصلا، فتأمل.

ثمّ إنّ هنا كلاما آخر في أنّ الحديث يشمل الزيادة كما يشمل النقيصة، مثلا كما يشمل نقص

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 315

و امّا الأمر الثاني: ممّا يظهر من كلماتهم الاستدلال به في المقام رواية علي بن جعفر عن أخيه؟ قال: سألته عن الرجل صلّى و فرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال: لا إعادة عليه و قد تمّت صلاته.

و شمول هذه الرواية لصورة الجهل واضح، لأنّ ظاهر قوله (صلّى و فرجه خارج لا يعلم به) وقوع ذلك من باب عدم علمه بكون فرجه خارجا، فكان المنشأ جهله بالموضوع، و أمّا شموله لصورة النسيان فمشكل.

و امّا الأمر الثالث: ممّا يستدل به كما يرى في كلمات الفقهاء هو حديث الرفع، و الكلام في شمول الحديث، و إمكان التمسك به في مثل هذه الموارد و عدمه، لا يناسب ذكره هنا، و يجئ الكلام عند تعرضنا في الأصول للحديث قريبا إن شاء اللّه، و لهذا لا نجعله من الأدلة للمقام فعلا، و إذا بلغ الأمر في الأصول إلى التكلم منه، يظهر لك إمكان التمسك به لمثل المقام و عدم إمكان التمسّك به.

إذا عرفت ذلك

نقول: إنّ للمسألة صورا نتعرض لها و لحكمها:

[ذكر صور ترك المكلّف الستر جهلا/ الصورة الاولى و الثانية]

الصورة الأولى: و هي ممّا لا إشكال فيها، هي صورة ترك الستر عمدا و عن علم، فلا إشكال في بطلان الصّلاة في هذه الصورة، لأنّ القدر المتقين من اشتراط الستر في الصّلاة هو في هذا الحال.

الصورة الثانية: هي ترك المكلف الستر في الصّلاة و كان منشأ تركه الجهل

______________________________

الجزء أو الشرط في مورد النسيان أو الجهل بتفصيل المتقدم، كذلك يشمل زيادة الجزء مثلا، فكما يدلّ على صحة الصّلاة في النقيصة الراجعة إلى غير المستثنى، كذلك يدلّ على الصحة في صورة وقوع الزيادة في الصّلاة، أو لا يدلّ على ذلك؟ و لم يتعرّض مدّ ظلّه لعدم كون المقام مناسبا للتعرض في خصوصيات الحديث بنحو المستوفى. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 316

بالموضوع، و ترك الستر في هذه الصورة تارة يكون من باب غفلته أصلا عن كون عورته مكشوفة حال الصّلاة و تارة يكون من باب غفلته بكونه مشتغلا بالصّلاة و إن كان ملتفتا بكونه بلا ستر، و ان كان وقوع هذا الفرض بعيد، و تارة يكون من باب اعتقاده بكونه مستور العورة حال الصّلاة، و الحال أنّ اعتقاده خلاف الواقع، مثل ما إذا كان في ثوبه الساتر لعورته خرق انكشفت عورته في الصّلاة، أو مثل ما إذا أصاب ريح فانكشفت عورته في الصّلاة، و الحال أنّه جاهل بذلك و معتقد بكونه مستور العورة في الصّلاة.

و في تمام هذه الفروض المتصورة في هذه الصورة إما وقعت صلاته بتمامها بلا ستر مثل ما انكشفت عورته في تمام الصّلاة، و هو جاهل به، أو وقع بعض صلاته بلا ستر، مثلا في تمام الفروض لبس بنفسه ثوبا آخر حال الصّلاة، أو البسه شخص

آخر ثوبا آخر استتر معه عورته، فوقع بعض صلاته مع الستر، و في تمام هذه الفروض من هذه الصورة أيضا تارة يفرض تذكر المصلي بذلك بعد الصّلاة، و تارة يفرض تذكره و انكشاف الحال له في أثناء الصّلاة، و في فرض كشف الحال و انكشاف ما مضى من صلاته في أثناء الصّلاة مرة يفرض كونه واجدا للستر قبل الانكشاف بحيث بعد الانكشاف يرى أن عورته مستورة، و لا تقع قطعة من صلاته على ما يعلم بلا ستر، مثل ما إذا كشفت عورته عن جهل، ثمّ قبل انكشاف الحال له لبس بنفسه ثوب آخر، أو ألبسه الآخر ثوب فسترت عورته، فإذا تبين له في الاثناء وقوع بعض صلاته بلا ستر يرى أن عورته مستور فعلا، و اخرى يفرض أنّ في الاثناء انكشف له الحال و بين انكشاف الحال له و بين أن يستر عورته لما بقى من صلاته يتخلل قطعة من صلاته يكون فاقدا للستر حال العلم.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 317

[الصورة الثالثة: في صورة نسيان الستر]

الصورة الثالثة: صورة نسيان الستر، و هي تارة يكون من باب انّه نسى الستر و لم يلتفت به حتّى قبل الصّلاة، و تارة يلتفت قبل الصّلاة بكونه بلا ستر، و لكن حين الشروع في الصّلاة نسى الستر فيصلّي مكشوف العروة، و في هذه الصورة يمكن أن يفرض كما قلنا في الصورة الثانية أنّ تمام صلاته كان بلا ستر، و يمكن أن يفرض وقوع بعض صلاته بلا ستر كما قلنا، و كذلك تارة يتبيّن له وقوع تمام صلاته أو بعض صلاته بلا ستر بعد الفراغ من الصّلاة، و تارة يتبيّن في أثنائها و لما تبين الحال في الأثناء يكون له احتمالان المتقدمان في الصورة الثانية.

«1»

إذا عرفت هاتين الصورتين غير الأولى، فنقول: أما في الصورة الثانية، فإن كان الانكشاف بعد الصّلاة، فلا إشكال في صحة الصّلاة في كل الفروض (و لم

______________________________

(1)- أقول: و هنا يمكن فرض صورتين اخريين لم يتعرض لهما مد ظله: الأولى أن يكون دخوله مع الشّك في الستر، و تارة يكون شاكّا في الموضوع، مثلا يشكّ في أنّه هل في ثوبه خرق يكشف معه عورته أم لا، و يدخل بهذا الحال في الصّلاة، ثمّ بعد الفراغ ينكشف كون عورته مكشوفة، فنقول: إن في هذه الصورة تارة يكون دخوله في الصّلاة متمسكا بأصل من الأصول، أو أمارة من الامارات، فصحة الصّلاة في هذه الصورة مبنية على إجزاء صلاته بها الماتى مع الشرط ظاهرا، و لا يبعد الحكم بالصحة على مبنى سيدنا الاستاد مد ظله في باب الإجزاء في مثل المقام، و أمّا التمسك بحديث (لا تعاد) أو رواية علي بن جعفر فلا مجال له.

و تارة يكون شاكا في الحكم، و مع ذلك يدخل في الصّلاة بلا ستر، فلا وجه للحكم بالصحة في هذه الفرض.

الصورة الثانية ما إذا كان جاهلا بالحكم بالجهل المركب أعنى: يعتقد عدم شرطية الستر في الصّلاة، و يدخل فيها بهذا النحو، ثمّ بعد الصّلاة انكشف له كون الستر شرطا، فكما قلنا لا يبعد الحكم بالصحة لحديث (لا تعاد) لأنّه قلنا لا يبعد لشمولاه لهذا النحو من الجهل المركب، و امّا إذا تذكر في الأثناء فالأمر مشكل للإشكال في شمول (لا تعاد) لأثناء. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 318

يصرح مدّ ظله بالصحة في فرض كون منشأ عدم ستره كونه غافلا من كونه مشتغلا بالصّلاة) لدلالة حديث (لا تعاد) على ذلك لشمولاه للجهل بالموضوع، و لدلالة

رواية علي بن جعفر المتقدمة، لأنّ القدر المتيقن منها صورة الجهل بالموضوع، و أمّا إن كان انكشاف في أثناء الصّلاة، فإن كان بعد الانكشاف مستور العورة- بمعنى أنّ لصلاته قطعتين: قطعة منها مكشوف العورة مع كونه جاهلا، و قطعة منها عالما و مستور العورة فيها، و لم يتخلل زمان في صلاته يكون فاقدا للستر عن علم- فأيضا لا إشكال في صحة ما مضى من صلاته، و يتم ما بقى من صلاته مع الستر، و تقع صحيحة، لأنّ رواية علي بن جعفر و إن كان ظاهرها كون الانكشاف بعد الصّلاة لقوله (صلى و فرجه خارج) و لكن بعد عرض الرواية على العرف لا يرى العرف فرق بين وقوع تمام الصّلاة بلا ستر، و بين وقوع بعضها بلا ستر إن لم نقل بأنّه مع فرض وقوع تمام الصّلاة بلا ستر إذا حكم بالصحة، فمع وقوع بعض منها بلا ستر تصح الصّلاة بالاولوية.

و أمّا حديث (لا تعاد) فإن قلنا بشموله لأثناء الصّلاة و عدم اختصاصه بما إذا تبين الحال بعدها، فهو أيضا دليل للمورد، و إلّا فلا.

[في صورة انكشاف عدم الستر بعد الصّلاة فصلاته صحيحة]

و أمّا إذا انكشف الحال في أثناء الصّلاة، و لكن لم يكن مستورا حال الانكشاف، بل يتخلل بين الحالة المتقدمة من صلاته الّتي كانت بلا ستر، و بين الحالة اللاحقة الّتي يستر عورته قطعة يكون فيها مع العلم فاقدا للستر، فهل تصح هذه الصّلاة إذا بادر بالستر، و يتم صلاته مع كونه فاقدا للستر عن علم في قطعة من صلاته، أم لا؟

اعلم أنّه مع قطع النظر ممّا قلنا من أنّه يشكل شمول حديث (لا تعاد) لمثل

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 319

المورد للاشكال في شموله لأثناء الصّلاة، بأنّه ما يمكن أن

يقال في وجه الصحة في المقام، هو انّه بعد شمول حديث (لا تعاد) و رواية علي بن جعفر للمورد، و أثره صحة ما مضى من صلاته، فيقال: إنّ لصلاته ثلاث قطعات: قطعة منها هي القطعة الماضية من صلاته بلا ستر لجهله، فالصحة في هذه القطعة تستفاد من حديث (لا تعاد) و علي بن جعفر، و قطعة منها قطعة ينكشف له الحال و قد بادر بالستر و ستر عورته، و يصير واجد للشرط و يتمّ صلاته مع الشرط، و قطعة ثالثة ما بين القطعتين قد تبين له عدم كونه مستور العورة و يصير في مقام أن يستر عورته، و في هذه القطعة و إن ترك الستر عن علم، لأنّه صار عالما بكونه بلا ستر و لم يستر بعد، و لكن لا بد من الالتزام بعدم شرطية الستر بالنسبة إلى هذه القطعة، لأنّه لو قيل بشرطيته في هذه القطعة، و بطلان الصّلاة لأجل تركه الستر فيها عن علم، يلزم اللغوية في حديث (لا تعاد) و رواية علي بن جعفر، لأنّ معنى شمولهما للمورد و لازمه هو إمكان إتمام الصّلاة بهذا النحو، و لا يمكن إتمام الصّلاة إلّا بعدم شرطية الستر في القطعية المتخللة.

فإذا كان كذلك نقول: بأنّه في ما مضى من صلاته بلا ستر جهلا فصحت صلاته لحديث (لا تعاد) و رواية علي بن جعفر، و في القطعة المتخللة الّتي صار عالما و لم يستر بعد فقد سقط شرطية الستر، و في القطعة الأخرى يبادر بالستر و يتم صلاته مع الستر، فتقع صلاته صحيحة.

و فيه أنّه إن كان حديث (لا تعاد) أو رواية علي بن جعفر واردا في خصوص المورد، فيمكن أن يقال بذلك، لأنه بعد الحكم

بالصحة في خصوص هذا الفرض مع استلزام الصحة في هذا الفرض لوقوع قطعة من الصّلاة عن علم بلا ستر، يدلّ على عدم شرطية الستر في هذه القطعة، و لكن بعد كون المدعى شمول الحديثين للمورد

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 320

بالإطلاق، فيمكن منع إطلاقهما لمثل هذا المورد، فعلى هذا لا يمكن الاكتفاء بهذه الصّلاة الواقعة بعضها بلا ستر للجهل، و بعضها بلا ستر مع العلم، و بعضها مع الستر.

و إن قيل لتوجيه الصحة: بأنّه يمكن للمصلي بعد انكشاف الحال له في الأثناء ترك أفعال الصّلاة فورا بمجرد الانكشاف، و يبادر بالستر، ثمّ يشتغل بأفعال بناء على أن يقال: بكون الستر شرطا للصّلاة لا للمصلي، لأنّه على هذا لا يقع صلاته بلا ستر عن علم، و المقدار المتخلل الّذي كان بلا ستر مع العلم لم يكن من الصّلاة، فبهذا النحو يمكن تصحيح الصّلاة و إتمامها.

نقول: بان نظر المتوهّم هو جعل الفرق بين كون الستر شرطا للمصلي، و بين كونه شرطا للصّلاة، و أنّه إذا كان شرطا للمصلي تبطل الصّلاة، و إن كان شرطا للصّلاة، فيمكن تصحيح الصّلاة بالنحو المتقدم، و لكن نقول: بأنّ الصّلاة تارة نقول:

بكونها عبارة من هذه الأذكار و القرآن و أفعال خاصة كالتكبير و القراءة و الركوع و السجود و غيرها، و تارة نقول، بأن الصّلاة عبارة عن التوجّه المخصوص إليه تعالى، و الحضور عنده بهذا النحو، و خضوع خاص به، فالمصلي من أوّل قوله (اللّه أكبر) يشرع في هذا العمل، فهو من هذا الحال إلى تمام التسليم مشتغل به، و يعد من الشروع إلى الاتمام عمل واحد، و توجه مخصوص له أذكار و أفعال مخصوصة، فهو في هذه القطعة من الزمان مشتغل

بهذا العمل، و يقال: إنّه في الصّلاة، فكما يعدّ في حال اشتغاله بالركوع و السجود و القراءة و غيرها، كونه في الصّلاة، كذلك في السكوتات المتخللة، و حالات المنفصلة بين أفعال الصّلاة يعدّ كونه في الصّلاة، كما ترى في ناطق ينطق، فهو من حين شروعه إلى إتمام نطقه يعدّ كونه مشتغلا بالنطق حتّى في الآنات التي يسكت فيها من باب الاتفاق، و لا يقولون في هذه الآنات بأنّه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 321

تم نطقه، و لا يقال لمن نطق ساعة، و تخلل سكوت له في بعض آنات الساعة: بأنّه نطق مرات باعتبار أن تخلل سكوت في بعض الآنات يوجب تعدد نطق واحد، كما أنّه لو قيل في الصّلاة بكون ما عدّ من الصّلاة كل زمان مشتغل بأفعال الصّلاة من أجزائها و شرائطها فقط، لا الحالات الّتي لا يشتغل في أثناء الصّلاة باتيان شي ء من أفعال الصّلاة، فيوجب أن يقال: بأنّه في حال إتمام جزء و قبل الشروع في جزء آخر يخرج من الصّلاة، ثمّ يدخل فيها بشروعه في الجزء الآخر، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بذلك.

فعلى هذا نقول: بأنّ المصلي في تمام زمان يشتغل باتيان الصّلاة يعدّ بأنّه في الصّلاة حتّى في هذه الآنات المتخللة، و الحق كون الأمر كذلك، فعلى هذا لا يبقى فرق بين كون الشرط شرطا للصّلاة أو للمصلي، لأنّه لو فرض كون الشرط شرطا للصّلاة، فلا يمكن مع ما قلنا من الالتزام بعدم مضرية كون المصلي فاقدا للشرط لم يكن مشتغلا بأفعال الصّلاة، مثلا يقال في المقام بأنّه إذا كان مشتغلا بالقراءة فيتركها و يستر عورته ثمّ يشتغل بها، لأنه كما قلنا حتّى في هذا الحال يكون المصلي في

الصّلاة، و يعدّ هذا الآن من آنات الصّلاة، فكما يعتبر في الصّلاة حال الاشتغال بأفعالها الستر، كذلك في الآنات المتخللة بين أفعال الصّلاة، فعلى هذا لا يمكن أن يقال في المقام: بأنّه يمكن أن يترك المصلي في أثناء الصّلاة ما يشتغل به من أفعالها إذا انكشف له عدم كون ما مضى من صلاته مع الستر، ثمّ يستر عورته ثمّ يشتغل بافعال الصّلاة لما قلنا. «1»

______________________________

(1)- أقول: و إن كان في المقام لا أثر لبيان الفرق في كون الشرط شرطا للصّلاة أو للمصلي،

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 322

و اعلم أنّه يمكن أن يقال: بصحة ما بيده من الصّلاة، و قابليته للاتمام و إجزاء المأمور به في الفرض في مورد و هو إذا تبين الحال في الأثناء و يدور الأمر بين الاكتفاء بهذه الصّلاة مع فرض وقوع قطعة منها بلا ستر مع العلم بذلك، و بين بطلان ذلك و إتيان هذه الصّلاة في خارج الوقت، مثل ما إذا كان في ضيق الوقت و لم يبق من الوقت حتّى بمقدار أداء ركعة مع الستر لو يرفع اليد عن الصّلاة الواقعة كذلك بعضها، ففي هذا المورد يمكن الالتزام بصحة ما بيده من الصّلاة، و قابلية إتمامها و إن وقعت قطعة منها عن علم فاقدة للستر من باب أهمية الوقت، فافهم.

هذا تمام الكلام في ما أوردنا تعرضه في المورد الأوّل من الموردين من الستر و الساتر، و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّه على رسوله و على آله و أيّد سيدنا

______________________________

لأن ظاهر بعض أخبار الباب هو كون شرطية الستر للمصلي، و لكن عندي في ما أفاده مد ظله إشكال، و هو أنّ الصّلاة عبارة عن هذه الأفعال

المخصوصة الّتي وقعت تحت الأمر و إن كانت الصّلاة مرتبة من الخضوع، و عبادة مخصوصة، و لكن ما امرنا به ليس إلا ما يكون أوّله التكبير و آخره التسليم، فعلى هذا نقول: إنّ هذا المركب الّذي يسمى بالصّلاة عبارة عن هذه الأشياء المختلفة اجتمعها أمر واحد، و بهذا الاعتبار تكون وحدة بينها، و يعتبر العرف وحدة في هذه المختلفات، فبهذا الاعتبار وجود واحد تدريجي الوجود، فهو ما دام مشتغلا بهذه الافعال يقال: إنّه في الصّلاة، و أمّا إذا لم يكن مشتغلا بها، فلا يقال: إنّه في الصّلاة و ان يقال إنّه المصلي.

و ما أفاده من أنّه إن كان الأمر كذلك يوجب وجود الصّلاة بوجود جزء منها، و انعدامها بانعدامه، ثمّ وجودها مجددا بوجود جزء آخر، و هكذا.

نقول: بعد اعتبار الوحدة بين هذه الأفعال، فبهذا الاعتبار هي وجود وحدانى متدرج في الوجود، فإن انعدم جزء منه يوجد جزئها الآخر، و بهذا الاعتبار يكون وجودها باق، لأنّ هذا معنى الموجود الّذي يكون متدرجا في الوجود، فيمكن فرض الفرق بين شرط الصّلاة و المصلي. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 323

الاعظم و متّعنا اللّه بطول بقائه.

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء الثالث من كتاب تبيان الصّلاة المشتمل على المقدمة الاولى فى اعداد الفرائض و الثانية فى المواقيت و الثالثة في القبلة و الرابعة في لباس المصلّي و يتلوه الجزء الرابع

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.